Getty Images
27-07-2024 at 6 AM Aden Time
سوث24 | عبد الله الشادلي
في أبريل 2023، اندلع الصراع العسكري في دولة السودان بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بعد 4 أعوام من الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير في أبريل 2019.
انطلقت نذر الحرب بوضوح عندما أعلن الجيش السوداني في 13 أبريل أن قوات الدعم السريع بدأت تحركات عسكرية للاستيلاء على قاعدة جوية للجيش في مروي في العاصمة الخرطوم، بالتزامن مع تحركات للدعم السريع في مناطق عدة من العاصمة، من دون موافقة القوات المسلحة السودانية أو حتى التنسيق معها. [1]
وفي 15 من ذات الشهر، كانت النيران قد اشتعلت في الخرطوم ومدن سودانية أخرى. أشارت تقارير [2] إلى أن السبب الرئيسي للصراع كان الخلاف بشأن الجدول الزمني المقترح لدمج قوات الدعم في صفوف القوات المسلحة بموجب الاتفاق الإطاري الذي جرى التوصل إليه في 5 ديسمبر 2022، لحل الأزمة السياسية المستمرة في البلاد، منذ الانقلاب العسكري على حكومة عبدالله حمدوك في أكتوبر 2021.
لكن خلال السنوات التي سبقت الحرب، كانت هناك دلائل [3] على تنافس محتدم على السلطة منذ تشكيل مجلس السيادة الانتقالي السوداني الذي قاد المرحلة الانتقالية بعد الإطاحة بالبشير، وتولي البرهان رئاسة المجلس، بينما شغل (حميدتي) منصب نائب الرئيس.
لقد تصاعدت الخلافات تدريجيًا إلى العلن، خاصة بعد قرار الجيش، المدعوم من قوات الدعم السريع، بحل مجلس السيادة، الذي كان يضم مدنيين وعسكريين، وإقالة حكومة رئيس الوزراء الانتقالي عبد الله حمدوك، والاستيلاء على السلطة مباشرة. آنذاك، أعلن البرهان حالة الطوارئ وقال إن "القوات المسلحة ستمضي في إكمال التحول الديمقراطي، حتى تسليم قيادة الدولة لحكومة مدنية منتخبة". [4]
وأعلن البرهان إقالة حكام الولايات، لافتا إلى أن مديري العموم في الوزارات والولايات سيتولون تسيير الأعمال؛ وأن "حكومة مستقلة ستحكم السودان حتى موعد الانتخابات"، وأن "الانتخابات ستجري في يوليو 2023". [5]
الأزمة الإنسانية
في أبريل الماضي، قالت الأمم المتحدة إن الحرب السودانية تركت نحو 15 ألف قتيل و8 ملايين نازح، و25 مليون شخص في حاجة ماسة إلى المساعدة [6]. وفي يونيو، قال تقرير أممي إن ما يقرب من 5 ملايين شخص يعانون مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي، ويعيش تسعة من كل عشرة من هؤلاء الأشخاص في المناطق المتضررة من النزاع في ولايات دارفور وكردفان والجزيرة والخرطوم. [7]
ووفقا لمصفوفة تتبع النزوح التابعة لمنظمة الهجرة الدولية، كما ورد في تقرير حديث، أُجبر أكثر من عشرة ملايين شخص على الفرار من منازلهم في السودان، ينقسمون إلى 7.9 مليون شخص سعوا لإيجاد الأمن في أماكن أخرى من البلاد و2.2 مليون شخص إضافي نزحوا عبر الحدود إلى الدول المجاورة. [8]
وتقول الأمم المتحدة إنه مع اجتياح الجوع للسودان، أفادت تقارير بأن طفلا يموت كل ساعتين بسبب سوء التغذية في مخيم زمزم للنازحين شمال دارفور. وتفيد اليونيسيف بإن 24 مليون طفل تضرروا من الصراع، وإن 730 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. [9]
كما سجلت البلاد كثير من حالات الاغتصاب ضد النساء أيضًا. وتقول الأمم المتحدة إن العنف الجنسي المرتبط بالنزاع لا يزال متفشيا في السودان، فقد تلقى صندوق الأمم المتحدة للسكان تقارير عن تعرض النساء والفتيات للاغتصاب وتعرضهن لأشكال أخرى من العنف القائم على النوع الاجتماعي أثناء خروجهن من منازلهن بحثا عن الطعام. [10]
الموازين العسكرية
وفق قاعدة "ميليتاري بالانس بلاس" للبيانات العسكرية، والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (آي آي أس أس) ، يقدّر عديد الجيش السوداني بمئة ألف عنصر، بينما تضم قوات الدعم 40 ألفا. لكن بعض الخبراء يقدّرون عديد قوات الدعم بزهاء 100 ألف، إلا أنهم يبقون التفوّق العددي قائما لصالح الجيش. [11]
ورغم أن الجيش السوداني هو صاحب القوة النارية الأكبر في البلاد مع الطائرات الحربية والأسلحة الثقيلة، تشير أحدث التقارير إلى أن قوات الدعم السريع تعتبر متقدمة الآن عسكريًا في البلاد مع الشكوك حول دعم إقليمي ودولي تتلقاه هذه القوات من الخارج. [12]
وامتدت حرب السودان، التي بدأت في العاصمة الخرطوم، الآن إلى 10 ولايات من أصل 18 ولاية في السودان، حيث اجتاحت قوات الدعم السريع حاميات الجيش السوداني في ثماني عواصم ولايات. كما تفرض قوات الدعم السريع حاليا حصارا على الفاشر في شمال دارفور، مما يمثل محاولة للاستيلاء على آخر معقل للجيش في منطقة دارفور الغربية من البلاد. وقد حظي هذا التصعيد بإدانة دولية كبيرة. [13]
كما أحيت قوات الدعم السريع التي استولت مؤخرا على الفولى، عاصمة ولاية غرب كردفان، ومعظم ولاية سنار، المخاوف من إمكانية الاستيلاء على البلاد بأكملها.
المسار الدبلوماسي
في أحدث التحركات لإنهاء الحرب السودانية، دعت الولايات المتحدة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للمشاركة في محادثات لوقف إطلاق النار بوساطة واشنطن، تبدأ في 14 أغسطس، في سويسرا.
وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في بيان، يوم الثلاثاء، إن الاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات والأمم المتحدة سيشاركون في المحادثات بصفة مراقب، منوها إلى أن السعودية ستشارك في استضافة المناقشات. [14]
وفي 12 يوليو الجاري، انطلقت مؤتمرات ومفاوضات، في جنيف بسويسرا. وسميت بـ "محادثات جنيف غير المباشرة" لسلام السودان، تحت رعاية أممية، عبر مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان، رمطان لعمامرة.
وفي 15 يوليو ، اُختتم مؤتمر آخر، هو مؤتمر القوى السياسية السودانية، الذي انعقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، برعاية الاتحاد الإفريقي، وقبله انعقد في العاصمة المصرية القاهرة، مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية، على مدي يومين، هما السادس والسابع من الشهر الجاري، وناقش إمكانية وقف الحرب في السودان، في وقت أفادت فيه أنباء بأن بعض القوى السياسية، رفضت التوقيع على بيانه الختامي.
ولكن الآمال على المسار الدبلوماسي لوقف الحرب السودانية لا تبدو كبيرة، ففي 11 مايو 2023، وقع طرفا النزاع اتفاقا في مدينة جدة، برعاية السعودية والولايات المتحدة، ينص على "حماية المدنيين، وحماية كافة المرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية". ولم يتم تنفيذ الاتفاق وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين بشأن عرقلته.
الدور الخارجي
في 14 أكتوبر الماضي، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن "مصر زودت الجيش السوداني بطائرات مسيرة ودربت القوات على كيفية استخدامها". وعلى الرغم من ذلك، انضمت مصر إلى دعوات لوقف فعلي لإطلاق النار، واعتبرت الصراع "شأنا داخليا للسودان". [15]
ويقول خبراء الأمم المتحدة إن التقارير التي تفيد بأن الإمارات أرسلت أسلحة إلى قوات الدعم السريع عبر شرق تشاد هي تقارير "ذات مصداقية" وإن مصادر في تشاد ودارفور أفادت بأن طائرات شحن كانت تنقل الأسلحة والذخيرة عدة مرات أسبوعيا، حسب وكالة أسوشيتد برس. [16]
وفي 18 يونيو الماضي، جدد مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس، خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي في نيويورك، اتهام بلاده للإمارات بدعم ميلشيات الدعم السريع بالسلاح قائلا إن "بلاده تملك أدلة على ذلك"، وشدد على ضرورة أن تنأى الإمارات بنفسها عن السودان كي يعود إليه الاستقرار. [17]
وفي المقابل، نفت الإمارات تقديم أي من هذه الشحنات وقالت إن دورها في السودان يركز على الدعم الإنساني والدعوات إلى وقف التصعيد. [18]
وإلى جانب ما ذكرته وسائل إعلام غربية عن تدخل [19] قوات خاصة أوكرانية إلى جانب الجيش السوداني لمواجهة دعم مزعوم قدمته مجموعة فاغنر الروسية العسكرية الخاصة لقوات الدعم السريع، نقلت وكالة "بلومبرغ" [20]، في يناير الماضي، عن ثلاثة مسؤولين غربيين قولهم إن "الجيش السوداني تلقى شحنات من طائرة "مهاجر 6" وهي طائرة مسيرة مزودة بمحرك واحد، تم تصنيعها في إيران بواسطة شركة القدس للصناعات الجوية، وتحمل ذخائر موجهة بدقة".
وأثارت هذه المعلومات مخاوف من تعاظم الدور الخارجي في الأزمة السودانية، مما قد يضفي طبقات سميكة من الصراع الإقليمي وحتى الدولي إلى الأزمة. ومع انفجار الحرب الإسرائيلية في غزة، وتحول البحر الأحمر إلى ساحة عمليات عسكرية لمليشيا الحوثيين اليمنية ضد السفن، تعززت المخاوف من أن تجذب السودان مزيدًا من الأدوار الخارجية. [21]
وفي هذا الشأن، يعتقد الصحفي المصري حامد فتحي أن الدور الخليجي أكثر تأثيرًا من غيره على الساحة السودانية. وقال لمركز سوث24: "هناك دول خليجية تقدم العون للدعم السريع، وأخرى للجيش السوداني. تدخلات هذه الأطراف تهدد بتوسيع نطاق الحرب وتطويل أمدها".
لكن الكاتبة السودانية جميلة الخليفة تقلل من أهمية الدور الخارجي في الأزمة، وتقول إن الأطراف الخارجية وجدت نفسها مضطرة لدعم الجيش السوداني أمام من وصفتهم بـ "المليشيات". وأضافت لمركز سوث24: "السودان بلد غني بالموارد، والكل لديه مصالح. استمرار الحرب سينهي كل هذه المصالح".
وأردفت: "كلمة السر في التحول القادم هو التفاف الشعب غير المسبوق حول القوات المسلحة".
وبشأن مستقبل البلاد، يلفت حامد فتحي إلى أنه "حتَّى الآن، ما زال الغموض يخيم على مستقبل الحرب في السودان"، مضيفاً: "لا تزال المعارك دائرة دون أيّ بوادر لتوقفها أو التوصل إلى حلٍّ سياسي. ففي ظلّ غياب الأفق للتسوية، وتشبّث كلّ طرف بمواقفه، يبدو أنّ ساحة المعركة هي الفيصل في تحديد مآل الصراع".
Previous article
Next article
12 Days ago
16 Days ago
19 Days ago