التحليلات

أزمات مُركّبة: حدود الاستنزاف الحوثي – الإسرائيلي في البحر الأحمر

سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر (سي إن إن)

06-08-2024 at 5 PM Aden Time

language-symbol

"يبدو أننا أمام معادلات صراعية جديدة قيد التشكيل بالنظام الإقليمي الشرق أوسطي، يتبع ذلك عدد من الرهانات النوعية والحيوية لمحاولة استشراف أبعاد التهديدات الجيوسياسية القائمة وترتيبات الحل.."


سوث24 | د. إيمان زهران


يواجه إقليم البحر الأحمر تحديات أمنية نوعية في مشهد تفاعلي متغير وسريع التطور، يُعيد بسياقاته تعريف المفاهيم التقليدية للقوة والأمن، ومحاولة استنباط وتحليل واستشراف ميكانيزم تلك التحديات ويتطلب الكثير من التنسيقات سواء الوطنية أو الإقليمية لمحاولة احتواء أبعاد تلك التهديدات وانعكاساتها المباشرة على بيئة البحر الأحمر.


بالسياق ذاته، جاءت الضربة الإسرائيلية على ميناء الحديدة نتيجة هجوم مليشيا الحوثيين بطائرة مسيرة استهدف تل أبيب، وكذلك سلسلة من الهجمات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على منطقة إيلات، ليؤسس بذلك لجملة من التساؤلات حول أبعاد التهديدات الجيوسياسية للمنطقة، وانعكاس ذلك على أمن البحر الأحمر، وما يمكن أن تؤول إليه "صراعات الاستنزاف" الحوثي الإسرائيلي من احتمالية اتساع الجبهات الصراعية، وحجم التأثيرات النوعية على الملفات المأزومة أمنياً وسياسياً بالشرق الأوسط.


 أولاً- ميكانيزم الاستنزاف:


على إثر إطلاق الحوثيين ما يقرب من 220 تهديدًا جويًا نحو إسرائيل إن لم يكن أكثر، بما في ذلك صواريخ أرض-أرض في إطار عملية المسيرة "يافا"، أصدر الجيش الإسرائيلي بياناً غداة عملية "اليد الطويلة"، مفاده: "قصفت طائرات مقاتلة تابعة للجيش الإسرائيلي أهدافاً عسكرية للنظام الإرهابي الحوثي في منطقة ميناء الحديدة في اليمن، ردًا على مئات الهجمات التي نفذت ضد إسرائيل في الأشهر الأخيرة". مما يؤسس لعدد من السياقات حول أهداف "الاستنزاف" القائم من الجانبين:


- أهداف حوثية: ثمّة عدد من التوظيفات لعملية المسيرة "يافا" في تل أبيب تتلخص في، أولاً: إعادة تعريف مكانة المليشيا اليمنية كلاعب إقليمي، إن لم يكن على المستوى الدولي بالنظر إلى حجم التأثير الهائل لهجمات الحوثيين على حركة التجارة العالمية عبر البحر الأحمر، ومن ثم إعادة الأولوية للأزمة اليمنية وكسر حالة الجمود في مسار التسوية السياسية. ثانياً: الرغبة في اكتساب الشرعية بالداخل اليمني عبر التأكيد على موقفها الداعم لطوفان الأقصى وتهديدها للاقتصاد الإسرائيلي والقوى الدولية الداعمة له، وهو ما انعكس على التظاهرات اليمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة والداعمة لتحركاتهم، باستثناء مناطق جنوب اليمن. ثالثاً: أفضت عملية المسيرة "يافا" وما قبلها من تحركات حوثية داعمة للمقاومة في غزة إلى اتساع فجوة "الاستقطاب الداخلي"، ومن ثم الانقسام النخبوي ما بين الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً وجماعة الحوثي حول التعامل مع تلك القضية، فضلاً عن حالة "الاحتقان الشعبي" بالنظر إلى انتقاد الحكومة لهجمات الحوثيين وتعطيلها لحركة التجارة الدولية، وانعكاس ذلك المباشر على تفاهمات "التسوية السياسية" والتوظيفات المستقبلية للمسألة اليمنية بين الأطراف الداخلية.


- أهداف إسرائيلية: يتلخص أبرزها فيما يلي: أولاً: محاولة للهروب للأمام في ظل تعثر مسار التهدئة ووقف الحرب في غزة، فضلاً عن الملاحقات القضائية لرئيس الوزراء نتنياهو وحالة الانقسام النخبوي والشعبي حول جدلية الحرب القائمة وأبعاد إدارتها. ثانياً: محاولة موازنة "ترميم عملية الردع" بعد عملية المسيرة "يافا" في رسالة للداخل الإسرائيلي كمحاولة لإعادة تعبئة الرأي العام حول "فزاعة الأمن" والتهديدات المحيطة بتل أبيب. ثالثاً: الرغبة في تطويق ومحاصرة الأذرع الإيرانية في غزة ولبنان واليمن، في رسالة مفادها تلاشي "الخطوط الحمراء" مع محور المقاومة الإيراني، وهو ما يتضح بالنظر إلى خريطة الاستهداف لعملية "اليد الطويلة"، والتي تمت عبر قصف أهداف حيوية في ميناء الحديدة باليمن، حيث تم:


1. ضرب "البنية التحتية للطاقة": إذ تم الهجوم على نحو 20 منشأة لتخزين الوقود، معظمها داخل مجمع الميناء وبعض المستودعات التي وضعها الحوثيون بالقرب من الميناء.

  

2. تدمير "المقدرات اللوجستية": إذ تعمدت إسرائيل مهاجمة الرافعات المنوط بها تفريغ البضائع من السفن إلى الرصيف، ومن ثم يصعب إمداد طهران للحوثيين بالأسلحة والذخيرة في المستقبل القريب (وفقاً للتصورات الإسرائيلية)، فضلاً عن صعوبة الإمدادات الإنسانية بما يزيد من حدة الأوضاع الداخلية.


الجدير بالذكر، أنّ ثمّة ملاحظات تضمنها خطاب "بنيامين نتنياهو" في الكونجرس الأمريكي، في 24 يوليو 2024، تؤسس لميكانيزم التحركات الإسرائيلية ضد الأذرع الإيرانية بالمنطقة ومن ضمنهم جماعة الحوثيين، حيث، أولاً: التأكيد على المخاطر الإيرانية وتهديدها هي ووكلائها لحالة الاستقرار في المنطقة. ثانياً: إعادة طرح فكرة تشكيل تحالف إقليمي يُعرف بـ "التحالف الإبراهيمي" ليضم كل من الولايات المتحدة وإسرائيل و"دول التطبيع" لمواجهة المحور الإيراني وتهديداته المتباينة في المنطقة.


ثانيا - انعكاسات متباينة:


تؤشر حالة الاستنزاف الحوثية – الإسرائيلية إلى عدد من الانعكاسات المُحتملة حال لم يتم احتواء الارتدادات القائمة وتطويق الضربات المتباينة بين الحوثيين وإسرائيل، والتي ذهبت بعض التحليلات إلى ترجيح فرضية "التوظيفات الإيرانية"، كمحاولة لتخفيف وطأة الضربات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، ودعم توظيف الضربات الحوثية بالتوازي مع تحركات الحشد الشعبي في العراق لتشتيت واستنزاف المقدرات الإسرائيلية، وذلك على الرغم من أن الرسائل المباشرة داعمة للمقاومة في غزة، وذلك على نحو ما قد يدفع إلى ما يلي:


- اتساع الجبهات الصراعية: أحد أهم الانعكاسات المباشرة لحالة الاستنزاف القائمة، وذلك بالنظر إلى الجبهات الموازية في كل من الجنوب اللبناني، وأراضي سوريا والعراق، بالإضافة إلى اليمن حديثًا. فعلى سبيل المثال: جاءت عملية "اليد الطويلة" عبر قصف ميناء الحديدة باليمن على إثر استهداف الحوثي لتل أبيب بمسيرة "يافا"، وما تلى ذلك من تفاعلات على إثر استهداف بلدة "مجدل شمس" في الجولان. إذ قصفت الدبابات والمدفعية الإسرائيلية أهدافًا للجيش السوري انتهكت عبرها اتفاق نزع السلاح الموقع عام 1974 في منطقة هضبة الجولان المحتلة، وكذا غارات الطيران الحربي الإسرائيلي على موقعًا بين بلدتي جبشيت وشوكين في قضاء النبطية، بجنوب لبنان، دون إغفال الانعكاسات القائمة لاستمرار الهجمات الإسرائيلية لتدمير البنية التحتية والإنسانية في قطاع غزة، على نحو ما قد يُنذر بسيناريو "الحرب الإقليمية الشاملة".


- اضطراب حركة الملاحة الدولية: إذ على أثر عملية "اليد الطويلة"، فقد تبادلت إسرائيل وجماعة الحوثيين التهديدات بتكثيف الهجمات، فيما هددت الأخيرة بتوسيع نطاق الهجمات المسيرة لتشمل التجارة البحرية في جميع أنحاء المنطقة. وهو ما يدفع بمزيد من "الاضطرابات النوعية" خاصة وإنّ هجمات الحوثيين الأخيرة التي طالت ميناء إيلات في جنوب إسرائيل، عكست قدراتهم على ضرب أهداف بعيدة المدى، مما يعزز من تهديداتهم السياسية والعسكرية سواء بالداخل اليمني أو بالإقليم الشرق أوسطي كفاعل موازي للدولة.


إنّ تعيين "بيئة البحر الأحمر" مسرحاً لـ"الاستنزاف" الحوثي الإسرائيلي، ضاعف من حدة الانعكاسات السلبية المباشرة على حركة الملاحة الدولية، حيث: ارتفاع تكلفة تأمين النقل في ظل تنامي معدل الطلب بشكل كبير مقابل محدودية القدرة الاستيعابية، كذلك ما يتعلق بـ"عسكرة البحر الأحمر" مع تزايد فرص الاحتكاكات الأمنية في ظل تمركز تحالف "حارس الازدهار" وقوة "أسبيدس" الأوروبية، بالإضافة إلى اضطراب سلاسل الإمداد وأمن الطاقة والغذاء نتيجة تعطل الشحنات وتحويل التجارة عبر طرق أخرى أطول بالوقت، فضلاً عن انتشار استخدام التجارة متعدد الوسائط نتيجة لعدم الاستقرار الجيوسياسي. فعلى سبيل المثال: وفقًا لبيان صادر عن هيئة قناة السويس فقد تراجعت إيرادات القناة إلى 7.2 مليار دولار في العام المالي 2023-2024 من 9.4 مليار دولار في العام المالي 2022-2023. كذلك أعلنت إسرائيل في وقت سابق، توقف ميناء إيلات عن العمل بشكل كامل بسبب الأزمة المستمرة في البحر الأحمر والضربات الحوثية الموجهة في إطار مبدأ "وحدة الساحات".



المصدر: نعوم ريدان، هجمات الحوثيين على السفن تؤثر على طرق التجارة في البحر الأحمر، معهد واشنطن.


- تنامي أدوار الفاعلين من دون الدول: عكس مشهد الاستنزاف الحوثي الإسرائيلي العودة مرة أخرى لما يُعرف بمبدأ "وحدة الساحات"، إذ أصبح يُسند للفواعل من دون الدول أدوارًا مؤثرة في إدارة المشهد التفاعلي على نحو ما قد يدفع بسيناريو "الحرب الإقليمية"، وذلك بالنظر لحالة التغير في قواعد الاشتباك القائمة عبر الانتقال من "الصراع المتناوب" مع إسرائيل، إلى "الصراع الكلي" وفقًا للتحركات الأخيرة فيما بعد 7 أكتوبر لما يسمى محور المقاومة (الحوثيين، حزب الله، ميليشيات الحشد الشعبي). فعلى سبيل المثال: عقب أحداث 7 أكتوبر 2023، أعلنت جماعة الحوثيين المشاركة في المواجهة مع إسرائيل، بالإضافة إلى ما أسست له تفاعلات حزب الله منذ بداية الأزمة، وعلى الرغم من تمسك الحزب بقواعد الاشتباك إلا أنه قد طور هجماته تالياً، وكذلك الجماعات الشيعية في العراق التي عملت كجماعات إسناد مستمرة لمختلف الجماعات والفصائل ضد إسرائيل. وذلك على نحو ما قد يثير تساؤل حول إمكانية أن تفرض تلك الفواعل من دون الدول نظام إقليمي/نظام موازي "غير رسمي" يتسم بقواعده وأجنداته الخاصة المغايرة للإقليم/ النظام العربي.


- استحضار "التحالف الإبراهيمي": على الرغم من فرضيات "اتفاقيات إبراهيم" حول مستقبل تستطيع فيه الولايات المتحدة التخارج تدريجيًا من المنطقة - ولكن يبدو أن الوصول إلى تلك المرحلة، يدفع بواشنطن أن تفعل المزيد أولاً. وذلك استنباطًا من الرسائل غير المباشرة لخطاب "بنيامين نتنياهو" في الكونجرس الأمريكي السالف الإشارة إليه، في 24 يوليو 2024 حول أهمية "التحالف الإبراهيمي"، استناداً إلى التخوفات التالية، أولاً: التخوف من تراجع توسيع "اتفاقيات السلام" مع الجانب العربي، وذلك بالنظر إلى جمود مباحثات تل أبيب - على سبيل المثال- مع المملكة العربية السعودية وربط الثانية لمسار الاتفاق بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وفقًا للمرئيات العربية. ثانياً: الرغبة في تحجيم طموحات إيران ومنعها من حيازة السلاح النووي وتطويق أجنداتها كقوى صاعدة بالمنطقة.


الجدير بالذكر، أنّ فرضية "التحالف الإبراهيمي" ترتبط بعدد من الرهانات، أبرزها، أولاً: التخوف الأمني لدول الخليج من سياسات طهران الضبابية تجاه المنطقة، مما يزيد من احتمالات الدفع بمسار "التطبيع" مع إسرائيل حال تم توفيق الأوضاع بقطاع غزة وبناء توافقات مرنة حول عودة الاستقرار بالمنطقة. ثانياً: ما يتعلق باحتمالية وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض في يناير 2025، وإعادة إنتاج مسار "اتفاقيات إبراهيم" و"صفقة القرن"، وهو رهان قيد الاختبار قد يفشل في حال استمرار سيطرة الديموقراطيين وأجنداتهم المؤيدة لحل الدولتين.


ثالثا - مسارات مُحتملة:


عكست حرب الاستنزاف القائمة بين الجانبين الحوثي – الإسرائيلي خلال الفترة الماضية، بالتوازي مع تعثر جولات التفاوض سواء بقطاع غزة أو بالمسألة اليمنية، توجه كلا الطرفين إلى اعتماد نهج "الإزاحة إلى الخارج" واستراتيجية "الهروب إلى الأمام" كمحاولة لخلق أوراق يمكن مقايضتها والتفاوض عليها إبان ترتيبات المشهد السياسي فيما بعد إنهاء الحرب القائمة، على نحو ما قد يدفع بعدد من المسارات المُحتملة، أبرزها:


- استمرار الاستنزاف: إحدى أهم المسارات المُرجحة في ظل تنامي حد المشهد التفاعلي بالشرق الأوسط على أثر التحرك في إطار المناطق الرمادية دون التصعيد للحرب الشاملة للفواعل من دون الدول المدعومة من النظام الإيراني، وكذلك الجانب الإسرائيلي، على نحو ما قد يؤسس لفرضية استمرار الاستنزاف القائم شريطة إنهاء الهجمات على قطاع غزة والجنوب اللبناني بالنسبة للأولى وفقًا لمبدأ محور المقاومة "وحدة الساحات"، وتحقيق الأهداف الأمنية بالنسبة للثانية. ويُعزز ذلك المسار عددًا من المحددات التالية، أولاً: اتجاه إسرائيل نحو ما يُعرف بـ "ترميم الردع" عبر تحرك جيش الاحتلال على جبهات موازية لقطاع غزة، وهو ما يفسر عملية "اليد الطويلة" في ميناء الحديدة اليمني ردًا على عملية المسيرة "يافا"، وكذلك الضربات المتتالية بضاحية الجنوب اللبناني ردًا على عملية "مجدل شمس" بالجولان السورية المحتلة، وتحركات "الحشد الشعبي" في العراق خاصة فيما بعد غارة "جرف الصخر" التي يُرجح أنها من الجانب الإسرائيلي. ثانيًا: يُبنى ذلك المحدد على آلية "المراوغة وعدم الحسم"، فضلاً عن اتباع نهج "ردع الخصوم" وذلك بالنظر إلى الانتقال الإسرائيلي إلى سيناريو الاغتيالات في كافة الجبهات ذات الثقل بما يُرجح مسار "اللاسلم" وتعزيز شرعية "المسار العسكري". فعلى سبيل المثال: قامت تل أبيب خلال الأيام الماضية بسلسلة اغتيالات متتالية على جبهات متباينة استهدفت خلالها قيادات الصف الأول، حيث تم اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والمفاوض الأول عن الفصائل الفلسطينية "إسماعيل هنية" في طهران، واغتيال القيادي الميداني الأبرز في حزب الله، "فؤاد شكر" في بيروت، بالإضافة إلى اغتيال قائد كتائب القسام "محمد الضيف" حال تم تأكيد ذلك. ثالثًا: استمرار الهجمات الحوثية رغبة منها في خلق أوراق مقايضة على الوضع السياسي للجماعة حال العودة مرة أخرى لملف "التسوية السياسية للمسألة اليمنية"، فضلاً عن محاولة لإثبات قدراتها العسكرية إقليميًا على نحو ما قد يُرسخ لمكانتها كفاعل موازي للدول بالنظام الإقليمي الجديد قيد التشكل فيما بعد إنجاز متطلبات التسوية السلمية للدول المأزومة سياسياً وأمنياً بالمنطقة.


- احتواء الأزمات: برغم حالة اللايقين التي تكتنف أطراف الأزمة القائمة، لكن لا زال هناك فرصة يمكن أن يُبنى عليها توافقات مُشتركة لاحتواء التهديدات الجيوسياسية القائمة، خاصة في البحر الأحمر، وذلك بالنظر إلى المحددات التالية، أولاً: تزايد حجم الارتدادات السلبية على حركة التجارة العالمية، حيث أعلنت العديد من شركات الملاحة البحرية تحويل مسارها لتفادي التهديدات الأمنية بالمنطقة كما أنّه من المُرجح أن تواصل كثير من السفن التجارية تجنب خليج عدن وجنوب البحر الأحمر حتى عام 2025، إن لم يكن لبعد ذلك، وفقاً لرهانات احتواء التهديدات القائمة. ثانيًا: تحرك المجتمع الدولي نحو ردع تل أبيب وجماعة الحوثيين، والمطالبة بضمانات لعدم استخدام البنية التحتية والإنسانية في صراعات الاستنزاف القائمة، خاصة وأنّ التهديدات تعصف بالمصالح الاقتصادية والتجارية لقوى النظام الدولي وليس الإقليمي وحسب، كالموانئ البحرية مثل ميناء الحديدة الذي آلت إدارته إلى الحوثيين وفقاً لاتفاق ستوكهولم عام 2018. ثالثًا: محاولة الحوثيين التوقف والرجوع لتقييم الأبعاد المستقبلية بعد عملية "اليد الطويلة"، خاصة وأنّ الحديدة يُعد نقطة دخول أساسية للمساعدات الإنسانية بما يضاعف من حجم المعاناة للشعب اليمني الذي يعاني من أزمة إنسانية. رابعًا: قد تدفع حالة التصعيد القائمة في اليمن ولبنان والعراق وغزة؛ إلى التخوّف الدولي من الانزلاق نحو حرب إقليمية شاملة متعددة الجبهات، بما قد يدفع المجتمع الدولي لممارسة المزيد من الضغوط على الائتلاف الإسرائيلي ودفعه للقبول باتفاق تهدئة - حتى لو جزئي - في إطار من "التسوية الإقليمية" لكافة الملفات المأزومة بالمنطقة.


تأسيساً على ما سبق.. يبدو أننا أمام معادلات صراعية جديدة قيد التشكيل بالنظام الإقليمي الشرق أوسطي، يتبع ذلك عدد من الرهانات النوعية والحيوية لمحاولة استشراف أبعاد التهديدات الجيوسياسية القائمة وترتيبات الحل، وذلك بالنظر إلى حجم التحولات الاستراتيجية للفواعل من دون الدول وفي مقدمتهم جماعة الحوثي، وكذلك التحركات الإسرائيلية لترميم نظرية الردع الإستراتيجي، دون إغفال الأجندات المتباينة لكلاهما، والرغبة في توظيف التحركات الإقليمية لخلق مكاسب داخلية مثل إعادة اكتساب الشرعية السياسية والدعم على المستوى الشعبي/ الوطني.




باحثة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي


Shared Post
Subscribe

Read also