التحليلات

الحرب الإسرائيلية اللبنانية: ماذا ينتظر المنطقة؟

إسرائيل تغتال زعيم حزب الله حسن نصر الله بقنابل مخترقة للتحصينات في إحدى ضواحي بيروت (أسوشيتد برس)

04-10-2024 at 9 PM Aden Time

language-symbol
بالأخذ في الاعتبار هذه الظروف الجديدة وعدم التيقن الذي يحيط بالتطورات المقبلة في لبنان، يبدو واقعيًا التنبؤ باعتماد إيران المتزايد على الحوثيين اليمنيين ومحاولة استخدامهم في ملء بعض الفجوات التي خلفتها نكسات حزب الله وحماس.

مركز سوث24 | د. مارتا فورلان  


منذ نشوب الحرب بين إسرائيل وحماس في أكتوبر الماضي، تتبادل تل أبيب وحزب الله إطلاق النيران بشكل شبه يومي عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية مما أجبر عشرات الآلاف من الجانبين على مغادرة منازلهم. وبالرغم من أن الافتراض المبدئي الشائع واسع النطاق أن كلا الطرفين لا يرغبان في تصعيد كامل للصراع وأن أفضل ما يخدم كافة الأطراف هو حدوث تبادل إطلاق نار يمكن احتواؤه، تغيرت الأمور بشكل دراماتيكي على مدار الأسبوعين الماضيين حيث أعلنت تل أبيب أن هدفها الجديد في الحرب هو إعادة عشرات الآلاف من الإسرائيليين النازحين إلى منازلهم في الشمال.


في 17 و18 سبتمبر، انفجرت الآلاف من أجهزة الاستدعاء " البيجر" التابعة لأعضاء بارزين بحزب الله بعد إرسال رسالة مشفرة لهم تسببت بشكل متزامن في تنشيط متفجرات زُرعت داخلها سابقا. وبالرغم من عدم انتهاء التحقيق الكامل بعد، يبدو أن جهاز الموساد الإسرائيلي استطاع اختراق سلسلة التوريد وزرع المتفجرات في أجهزة الاستدعاء المخصصة لحزب الله. من جانبها، نفت "جولد أبولو" (الشركة المصنعة لأجهزة البيجر والتي يقع مقرها في تايوان) ضلوعها في هذا الأمر.


في اليوم التالي، استهدفت موجة ثانية من الهجمات أجهزة الاتصال اللاسلكية الخاصة بالعديد من أعضاء حزب الله. الانفجارات، التي خلفت أكثر من 40 قتيلًا وآلاف المصابين، كانت مؤشرًا قويًا على مدى تعزيز المخابرات الإسرائيلية قدرتها للإضرار بحزب الله.


ومع ذلك، كان انفجار أجهزة اتصال حزب الله مجرد بداية لسلسلة من التطورات الدراماتيكية حيث قتلت إسرائيل العديد من كبار قادة الحركة اللبنانية، بينهم قائد الجناح العسكري إبراهيم عقيل الذي كان مطلوبًا لضلوعه في هجوم مميت على السفارة الأمريكية ببيروت عام 1983، وقائد منظومة الصواريخ إبراهيم قبيسي. وعلاوة على ذلك، نفذت القوات الإسرائيلية الجوية ضربات ضد حوالي 400 هدف تابعة لحزب الله في لبنان، بينها منصات صواريخ وبنية تحتية عسكرية أخرى في جنوب لبنان.


عشية 27 سبتمبر، في أعقاب خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، استهدفت موجة جديدة من الضربات الإسرائيلية غير المسبوقة مبنى معروف بأنه مقر لحزب الله في الضاحية الجنوبية ببيروت. وبعدها بساعات، أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أثناء الضربة المذكورة، وهو ما أكدته الحركة اللبنانية ذاتها لاحقًا.


واقتصر رد فعل حزب الله حتى الآن على إطلاق بعض الصواريخ ضد شمال إسرائيل مما يؤكد بوضوح حجم المعاناة العميقة التي لحقت بالحركة اللبنانية جراء الهجوم الإسرائيلي الأخير على قادتها وترسانتها العسكرية. بعبارة أخرى بالرغم من أن حزب الله ما يزال يملك طائرات مسيرة وقدرات صاروخية ونحو 40-50 ألف مقاتل، ما يزال يتعافى من صدمة الأسبوعين الماضيين حيث يلزمه بعض الوقت لإعادة تنظيم نفسه وإستراتيجيته.


التداعيات على إيران واستراتيجيتها الإقليمية


في اليوم التالي لمقتل حسن الله، قال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أن مقتل الأمين العام لحزب الله لن يمر دون ثأر، معلنا الحداد لمدة 5 أيام في الجمهورية الإسلامية كرد فعل على "استشهاد العظيم نصر الله".


تاريخيًا، يعد حزب الله الحليف الأقرب لإيران في منطقة الشرق الأوسط. منذ ثمانينيات القرن المنصرم، تعتمد الجمهورية الإسلامية على الحركة اللبنانية للضغط على إسرائيل ودرء الهجمات على طهران. موقع حزب الله على حدود أخرى من إسرائيل بمثابة ميزة فريدة في أيدي النظام الإيراني. بمرور الوقت، كررت إيران في جغرافيات أخرى-سوريا والعراق واليمن- نهج استخدام جماعات مسلحة من دول الدول واستخدامها كوكلاء، وانضم المزيد منها إلى ما يسمى "محور المقاومة" الذي تقوده طهران.


بيد أن قدرة إسرائيل على توجيه مثل هذه الضربة القاسية لحزب الله في غضون أسابيع قليلة تثير التساؤلات حول ديمومة، بل وجدوى مبدأ الدفاع الأمامي الذي تنتهجه إيران. أضف إلى ذلك الإنهاك الذي تعاني منه حماس بعد عام من الحرب مع إسرائيل مما أضعف قدرات حليف آخر لإيران على الحدود الإسرائيلية.


في 1 أكتوبر، في أعقاب مقتل نصر الله، شنت إيران وابلًا من الصواريخ ضد إسرائيل معظمها جرى اعتراضه وإسقاطه بواسطة تل أبيب بدعم من الولايات المتحدة على غرار حدث مشابه في أبريل الماضي. بالرغم من المغزى الرمزي لهذا الهجوم، لكن تأثيره على إسرائيل بلغ الحد الأدنى في أحسن الأحوال. وعلاوة على ذلك، لا ترغب إيران في خوض مواجهات مباشرة مع إسرائيل تجر الجمهورية الإسلامية إلى حرب إقليمية قد تكبدها خسائر هائلة في الأرواح والمصادر.


بالنسبة لطهران، فإن مثل هذه الردود الرمزية في الغالب-جنبا إلى جنب مع الردع النابع من وكلائها- تعد بمثابة الإستراتيجية الأفضل. بالأخذ في الاعتبار هذه الظروف الجديدة وعدم التيقن الذي يحيط بالتطورات المقبلة في لبنان، يبدو واقعيًا التنبؤ باعتماد إيران المتزايد على الحوثيين اليمنيين ومحاولة استخدامهم في ملء بعض الفجوات التي خلفتها نكسات حزب الله وحماس.


دور الحوثيين في ديناميكيات الشرق الأوسط الجديدة


منذ بداية الحرب بين حماس وإسرائيل، يفرض الحوثيون أنفسهم على المشهد الإقليمي كأحد أكثر الأطراف تأثيرًا. وأطلق الحوثيون ما يربو عن 220 صاروخا باليستيًا وصواريخ كروز وطائرات مسيرة على إسرائيل، وهاجموا سفنًا تجارية أثناء عبورها البحر الأحمر. ويزعم الحوثيون أن هذه الهجمات تستهدف دعم الشعب الفلسطيني. في 28 سبتمبر في أعقاب مقتل نصر الله وفي خضم الصدمة والارتباك في صفوف أعضاء حزب الله، أطلق الحوثيون صواريخ على تل أبيب، وردت إسرائيل بضرب ميناء الحديدة(للمرة الثانية هذا العام). في 2 أكتوبر، أطلق الحوثيون طائرة مسيرة طويلة المدى على إسرائيل. 


بالرغم من هذه الهجمات، يحاول الحوثيون تعزيز مصداقيتهم كقوة إقليمية، وتوطيد الدعم المحلي لهم، وكسب تعاطف الشارع العربي معهم من خلال الالتزام بصرخة "الموت لإسرائيل"، وتقوية وكالتهم وأهميتهم داخل "محور المقاومة" بهدف الاستمتاع بالمزايا العديدة لذلك فيما يتعلق بالدعم العسكري القادم من إيران.


وبينما تعود العلاقة بين إيران والحوثيين إلى عام 2009، بدأت طهران في 2015 تولي أهمية متزايدة لليمن. في الحقيقة، بعد غزو الحوثيين صنعاء في سبتمبر 2024 والقلق السعودي المتزايد بشأن التطورات في اليمن لدرجة التدخل عسكريًا في مارس 2015، شرعت إيران في النظر إلى دعم الحوثيين باعتباره إستراتيجية مفيدة تمثل تهديدا غير مباشر للرياض بالإضافة إلى توسيع نفوذ طهران في البحر الأحمر، تلك المنطقة البحرية ذات الأهمية الإستراتيجية البالغة.


كجزء من الدعم الإيراني، تزود طهران الحوثيين بالأسلحة وقطع الغيار والتدريب العسكري، معظمها من خلال "فيلق القدس" التابع لـ "الحرس الثوري الإسلامي" بالإضافة إلى حزب الله. ترسخت علاقات الحوثيين وحزب الله بشكل خاص بمرور السنين حيث تعاونت الحركتان بشكل متزايد في تهريب الأسلحة. وعلاوة على ذلك، ساهم مستشارون تابعون لحزب الله في تعضيد البراعة العسكرية للحوثيين.


وسمح الدعم الإيراني للحوثيين أيضًا باكتساب المعرفة اللازمة لبناء مصانعهم الخاصة لتصنيع الأسلحة داخل اليمن. بفضل الدعم الإيراني، طور الحوثيون بشكل ملحوظ ترسانتهم العسكرية وعززوا إمكانياتهم القتالية، وهو ما تجلى بشدة في هجماتهم الأخيرة بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد إسرائيل.


وكما هو مذكور آنفًا، في سياق وهن حزب الله وحماس، ربما يتمكن الحوثيون من إيجاد دور أكبر لهم في محور المقاومة. بالرغم من افتقاد الجماعة اليمنية ميزة حزب الله وحماس بالتجاور جغرافيُا مع إسرائيل، لكن عضويتهم في محور المقاومة وامتلاكهم ترسانة عسكرية مهمة والتزامهم المتواصل بالاضطلاع بدور أكثر بروزًا في الديناميكيات العسكرية ربما يجعلهم بمثابة البطاقة الأفضل في أيدي إيران في الوقت الحالي.


مسؤولة برنامج الأبحاث في منظمة تحرير العبيد (FTS)، وزميلة غير مقيمة في معهد أوريون للسياسات (OPI) وزميلة في مركز الجماعات المسلحة



Shared Post
Subscribe

Read also