التحليلات

بعد سقوط الأسد، هل ما زالت خارطة الطريق للسلام في اليمن قابلة للتطبيق؟

الصورة: تجميع مركز سوث24

27-12-2024 at 10 AM Aden Time

language-symbol

"خارطة الطريق بصيغتها الحالية ليست عملية أو حتى قابلة للتنفيذ في ظل الظروف الراهنة، حيث صممت من قبل السعودية لتعكس أولوياتها الاستراتيجية ورغبتها في الخروج من المستنقع اليمني. وعلى الرغم من النوايا الحسنة، يخشى كثير من اليمنيين أن تؤدي خارطة الطريق إلى تعزيز الهيمنة العسكرية والسياسية للحوثيين بدلا من تحقيق سلام متوازن وشامل."


سوث24 | علاء محسن


مقدمة


قبل عام، أعلن المبعوث الأممي هانس جروندبرج عن خارطة طريق للسلام من شأنها إنهاء الحرب الأهلية اليمنية التي بلغت  عامها العاشر. تهدف خارطة الطريق إلى تحويل الهدنة غير الرسمية القائمة إلى وقف دائم لإطلاق النار على مستوى البلاد، وتتضمن عددا من خطوات بناء الثقة، مثل دفع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وإعادة فتح كافة الطرق والمعابر، ورفع القيود عن مطار صنعاء وميناء الحديدة. كان من المقرر أن يتم تنفيذ خارطة الطريق هذه على مدى ثلاث سنوات، إلا أنه بعد مرور عام واحد، لم يتم إحراز تقدم يذكر في عملية السلام باستثناء الفتح الجزئي للطرق في تعز ومأرب، وصفقات محدودة لتبادل الأسرى، وتخفيف القيود على الموانئ والمطارات اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون.


وعلى الرغم من أنّ إعلان خارطة الطريق كان بعد اندلاع حرب غزة، إلا أن الكثيرين يعتقدون أن هذه الحرب وتداعياتها الإقليمية قد أوقفت تنفيذها. بدون أدنى شك، حوّلت حرب غزة الأنظار بعيدا عن الصراع في اليمن، خاصة بعد أن أعاد الحوثيون ترتيب أولوياتهم العسكرية وتسخيرها في استهداف إسرائيل ومصالحها في المنطقة. ومع ذلك، حتى في غياب هذا الصراع، فإن تنفيذ خارطة طريق السلام كان سيواجه تعقيدات هائلة بسبب أوجه القصور الداخلية، ونقص الدعم المحلي، بالإضافة الى التحولات الكبرى في المنطقة والمشهد الدولي.



تصميم إشكالي: خارطة طريق مفروضة من أعلى 


إن خارطة طريق السلام هي في الأساس نتاج مباشر لانفتاح قنوات التواصل بين الحوثيين والسعودية، بعد الاتفاق السعودي الإيراني الذي تم الإعلان عنه في مارس 2023. في هذه المحادثات، قدّم السعوديون تنازلات نوعية مقابل خروجهم الآمن من الحرب اليمنية، بعد أن أصبحت تكلفة التدخل السعودي في الصراع اليمني أكبر من أن تتحملها المملكة نظرا لحالة الجمود وعدم قدرة القوات المناهضة للحوثيين على السيطرة على المزيد من الأراضي وتغيير ميزان القوى لصالحها. ونتيجة لهذا التكيّف الاستراتيجي، أرادت السعودية إعادة تعريف دورها كوسيط بدلًا من كونها طرف صراع في الحرب الأهلية اليمنية، الأمر الذي يفسر ترحيبها ودعمها لخارطة الطريق المعلنة. أما بالنسبة للحوثيين، فإنّ خارطة الطريق هذه تمثل فرصة مواتية للدفع باتجاه تحقيق مطالبهم وإضفاء الشرعية على حكمهم دون التخلي عن الأراضي الشاسعة التي تخضع لسيطرتهم.


وعلى الرغم من الحديث المتواصل حول مبادرة السلام هذه، لا تزال الشكوك مرتفعة بشأن جدواها وأهميتها. وقد وصف منصور صالح، القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي، خارطة الطريق بأنها مجرد "كلام إعلامي وغير موجودة على أرض الواقع". في الوقت ذاته، أعرب أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني السابق والسفير اليمني الحالي لدى المملكة المتحدة، ياسين سعيد نعمان، عن هذه المخاوف، قائلاً إنهم ما زالوا "بانتظار توضيح ومعلومات حول خارطة الطريق السعودية من وزارة الخارجية". إذا كان المسؤولون رفيعو المستوى يشاركون وجهات نظر متشائمة بشأن خارطة الطريق، فماذا يمكن أن نتوقع من الآخرين البعيدين عن أروقة السياسة؟ مع قلة الشفافية والتفاصيل حول صفقة السلام هذه، فإنّ هناك احتمالية كبيرة أن خارطة الطريق قد ماتت بالفعل قبل أن ترى النور.


على الرغم من قدرتها نظريا على دفع عملية السلام إلى الأمام، إلا أن خارطة الطريق أثارت العديد من المخاوف والتحفظات. الجدير بالذكر أن العديد من اليمنيين يشعرون أن خارطة الطريق ستؤدي في النهاية إلى تمكين الحوثيين على حساب المصلحة الوطنية. وفي حين أن خارطة الطريق هذه قد تضمن وقف إطلاق النار بين السعودية وجماعة الحوثي، إلا أنها لن تحقق السلام في اليمن، خاصة مع تهميش الأطراف اليمنية الفاعلة خلال هذه المشاورات. على سبيل المثال، في حين رحب المجلس القيادي الرئاسي بجهود السلام التي يقودها المجتمع الدولي، اعترض بعض أعضاء المجلس، بما في ذلك عيدروس الزبيدي وسلطان العرادة، على بعض البنود الواردة في خارطة الطريق التي تخصص حصة من عائدات النفط والغاز من المناطق التي يحكمها المجلس لصالح الحوثيين. يعكس هذا الاعتراض قناعة واسعة بأنّ خارطة الطريق لا ترتقي إلى مستوى تطلعات اليمنيين الحقيقية نحو تحقيق السلام المستدام.


تحوّلات إقليمية كبيرة 


لا شك أنّ السياق الإقليمي الذي أدى إلى ظهور خارطة الطريق قد تغير بشكل جذري، خصوصا بعد اندلاع حرب غزة. وردا على هجوم حماس في السابع من أكتوبر، شنت إسرائيل حملة انتقامية لإنهاء وجود الحركة من قطاع غزة بالإضافة الى إضعاف "محور المقاومة" الذي تقوده إيران. ومن خلال إشعال سلسلة من ردود الفعل في المنطقة، قامت الضربات الاسرائيلية المتتالية لحلفاء إيران على تحويل ميزان القوى لصالح خصوم محور المقاومة.  أبرز تجليات هذا التحول الجذري في المنطقة هو الإطاحة بنظام الأسد مؤخرا في سوريا. فعلى الرغم من صمود النظام أمام الضغوط المصاحبة للثورة السورية منذ عام 2011، إلا أن الفصائل المسلّحة – بقيادة هيئة تحرير الشام- تمكنت من الاستيلاء بشكل مفاجئ على المدن السورية الكبرى قبل إجبار الرئيس بشار الأسد على الفرار من العاصمة دمشق. هذه الانتكاسة لمحور المقاومة المتمثلة في سقوط نظام الأسد لم تكن واردة لولا انشغال إيران وحزب الله بمعركة بقائهما أمام الضربات الإسرائيلية.


ومع رحيل الأسد وإضعاف إيران ووكلائها، سيكون من المنطقي أن يكون الحوثيون الهدف التالي لإسرائيل. في الواقع، بدأت إسرائيل بالفعل في استهداف مواقع داخل اليمن لتقويض قدرات الحوثيين، حيث ركزت الضربات الإسرائيلية الأخيرة في 19 و 26 ديسمبر على البنية التحتية التي يسيطر عليها الحوثيون، بما في ذلك الموانئ والمطارات ومنشآت الطاقة في صنعاء والحديدة. وقد أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن إسرائيل ستواصل العمل ضد الحوثيين المدعومين من إيران. في الوقت نفسه، بدأت الولايات المتحدة بفرض عقوبات أكثر صرامة على شخصيات وقيادات حوثية. في ظل هذه الظروف، يواجه الحوثيون الآن ضغوطا جديدة من شأنها تعزيز موقف خصومهم، حيث سيؤدي هذا التحول في ميزان القوى إلى إعادة تنشيط عمل القوى اليمنية المناهضة للجماعة، والتي قد ترى في إضعاف الحوثيين فرصة لاستعادة الأراضي وتوسيع نفوذها.


من المرجّح أنّ هذه التحولات الإقليمية الكبرى ستزيد من تعقيد عملية السلام المتعثرة في اليمن. وقد أعرب المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، عن إحباطه قائلاً: "اليمن لا يمكنه الانتظار إلى الأبد في تطبيق خارطة الطريق للسلام". كما حذر المبعوث الأممي من فقدان الزخم اللازم لتحقيق السلام، مما ينذر أن خارطة الطريق قد لا تتحقق في المستقبل القريب. وتدل بعض المؤشرات بالفعل إلى هذا السيناريو، خاصة مع موجة الاجتماعات المكثفة بين المسؤولين اليمنيين والقادة الإقليميين والدبلوماسيين الغربيين في الرياض. ويشير غياب أي نقاش حول خارطة الطريق في هذه الاجتماعات إلى احتمال وقوع عمل عسكري وشيك ضد الحوثيين تقوده قوات مجلس القيادة.


ملاحظات ختامية


للاعتبارات التي تم توضيحها في هذا المقال، فإنّ خارطة الطريق بصيغتها الحالية ليست عملية أو حتى قابلة للتنفيذ في ظل الظروف الراهنة، حيث صُممت من قبل السعودية لتعكس أولوياتها الاستراتيجية ورغبتها في الخروج من المستنقع اليمني. وعلى الرغم من النوايا الحسنة، يخشى كثير من اليمنيين أن تؤدي خارطة الطريق إلى تعزيز الهيمنة العسكرية والسياسية للحوثيين بدلا من تحقيق سلام متوازن وشامل. ومع ذلك، وبالنظر إلى المشهد الإقليمي المتغير وإضعاف محور المقاومة بقيادة إيران، فإن ميزان القوى الجديد يفرض إعادة النظر في خارطة الطريق الحالية من أجل عملية سلام أكثر عملية وشمولية.


أخيرا، حتى اذا افترضنا نجاح السعودية في الضغط على المجلس الرئاسي للتوقيع على خارطة الطريق وتقاسم السلطة مع الحوثيين، فإن هذا الاتفاق لن يدوم طويلا قبل أن ينهار وتعود الحرب من جديد. يمكننا الاستفادة من التجربة الانتقالية التي قادها الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، كونها درس تحذيري بأنّ أي عملية سياسية تفرض من الأعلى دون دعم محلي وتعتمد بشكل كبير على رعاة خارجيين محكوم عليها بالفشل. كان من المفترض أن يكون مؤتمر الحوار الوطني (2013-2014) منبرا وطنيا لليمنيين للتباحث بشأن مستقبلهم، ولكنه تحول إلى فرصة ضائعة أخرى للسلام عندما تم اختطافه والتلاعب به من قبل أصحاب النفوذ المحليين والإقليميين. وبالتالي، فإنّ خارطة الطريق المفروضة هذه تواجه خطر أن تكون مجرد هدنة قصيرة الأجل، بدلا من أن تقدم أساسا متينا للسلام المستدام. 


علاء محسن
باحث مقيم في مركز سوث24 وباحث دكتوراه في العلوم السياسية في جامعة يوتا

Shared Post
Subscribe

Read also