التحليلات

اختفاء وإعدام.. ماذا تقول «خلية البيضاء» عن الانقسامات داخل تنظيم القاعدة

المتمردون الحوثيون يقودون شاحنة أمام علم أنصار الشريعة في داع البيضاء، التي كانت ذات يوم المعقل الرئيسي للذراع المحلي لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. 22 نوفمبر 2014

07-01-2025 at 5 PM Aden Time

language-symbol

سوث24 | إبراهيم علي


في خطوة غير متوقعة، أعلن تنظيم القاعدة في اليمن عن مصير مجموعة من 11 شخصاً كانوا قد اختفوا قسريا منذ حوالي ثماني سنوات. جاء هذا الإعلان استجابة لمناشدات عائلات المختطفين الذين طال انتظارهم لمعرفة مصير أقاربهم، كما زعم بيان التنظيم.


وعلى الرغم من عادة التنظيم في نشر بيانات مفصلة حول عمليات القبض والتصفية التي ينفذها، والتي يستهدف بها من يصفهم بـ "الجواسيس"، إلا أنه حافظ على صمت مطبق حول مصير هؤلاء المختطفين طوال السنوات الماضية. باستثناء حالة واحدة ذُكر فيها اسم شخص متهم بالتعاون مع الاستخبارات الأمريكية في عملية اغتيال قيادي بارز في التنظيم قبل أكثر من عقدين من الزمن، لم يشر التنظيم إلى أي من المختطفين الآخرين الذين زعم إعدامهم. ومن بين هؤلاء المختطفين صحفي كان يعمل في إحدى القنوات الفضائية اليمنية.


أثار هذا الإخفاء الطويل لمصير المختطفين العديد من التساؤلات حول الأسباب التي دفعت تنظيم القاعدة إلى هذا التصرف، خاصة وأن التنظيم عادة ما يستغل مثل هذه الحالات لنشر الرعب بين خصومه وإيصال رسالة واضحة مفادها أن مصير كل من يتعاون معهم سيكون الموت.


ما وراء التكتم


تكشف هوية عدد من المختطفين الذين أعدمهم تنظيم القاعدة في اليمن، وهم من أبناء محافظة البيضاء، عن دوافع خفية وراء إخفاء التنظيم لمصيرهم طوال تلك الفترة. فالتنظيم، الذي يعتمد على الدعم الشعبي في بعض المناطق، كان يخشى من أن يؤدي الكشف عن هذه الجرائم إلى تآكل هذا الدعم وتوتر العلاقة مع القبائل المتنفذة في محافظة البيضاء، خاصة وأنها كانت تعتبر في ذلك الوقت أحد معاقله الرئيسية في اليمن.


وتكتسب محافظة البيضاء أهمية استراتيجية بالنسبة لتنظيم القاعدة، فهي ليست مجرد معقل تاريخي، بل تضم في صفوفه عدداً كبيراً من أبنائها. وبعدما فقد التنظيم سيطرته على مناطق واسعة في الجنوب، تحولت البيضاء إلى ملاذه الآمن. وقد شهدت هذه المحافظة خلال الفترة ما بين عامي 2017 و 2018، وهي الفترة التي وقعت فيها عمليات الاختطاف والإعدام لخلية البيضاء، تدفقا كبيرا لعناصر وقادة التنظيم، مما زاد من تعلق مصير هؤلاء المختطفين بمسألة الحفاظ على هذا المعقل.


ولا شك أنَّ قرار إخفاء خبر الإعدامات لم يكن عشوائيًا، بل كان جزءا من استراتيجية التنظيم للحفاظ على نفوذه في البيضاء وتجنب أي مواجهات مع القبائل. فالكشف عن هذه الجرائم كان من شأنه أن يؤجج الغضب الشعبي ويضعف مكانة التنظيم، خاصة وأن عمليات الإعدام تمت في وقت كان التنظيم يسعى فيه إلى تعزيز علاقاته مع بعض القبائل المحلية.


ما وراء الإفصاح


يبدو أن لقرار تنظيم القاعدة في اليمن بالكشف عن مصير الـ 11 مختطفاً بعد مرور ثماني سنوات على بعضهم، أبعاداً أعمق من مجرد خروجه من محافظة البيضاء. فبالإضافة إلى هذا العامل، يشير البيان الذي أصدره التنظيم إلى وجود ضغوط مجتمعية من بعض الشخصيات الاجتماعية في المحافظة للمطالبة بالكشف عن مصير المختفين. ويشير البيان أيضاً إلى حرص التنظيم على الحفاظ على علاقاته مع هذه الشخصيات، والتي يعتبرها حاضنة اجتماعية له.


ولعل هذا ما يفسر العدد الكبير من الآيات القرآنية التي شملها بيان التنظيم، والتي تبرر قتل من يعتبرهم كفاراً حتى وإن كانوا من الأقارب. فالتنظيم سعى من خلال هذه الآيات إلى توفير غطاء ديني لعملية التصفية، وتقليل ردود الفعل الغاضبة من قبل القبائل التي ينتمي إليها الضحايا. ولإضفاء مزيد من المصداقية على ادعاءاته، زعم التنظيم أن الضحايا كانوا يعملون لصالح أجهزة استخبارات أجنبية ومحلية، مثل الولايات المتحدة والحوثيين والإمارات. إلا أن هذه الادعاءات لم تتضمن أي أدلة ملموسة، مما يثير الشكوك حول حقيقتها.


ويمكن القول إن قرار تنظيم القاعدة بالكشف عن مصير المختطفين هو نتيجة لتفاعل عوامل متعددة، منها الضغوط المجتمعية والحسابات السياسية، بالإضافة إلى الرغبة في الحفاظ على صورة إيجابية لدى بعض شرائح المجتمع. ومع ذلك، فإن هذا الإعلان لا ينفي حقيقة أن التنظيم ارتكب جريمة بشعة، وأن دوافعه الأساسية تبقى قائمة على العنف والتطرف.


خلية البيضاء


خلال فترة ما بعد العام 2017، شهد تنظيم القاعدة في اليمن تصعيدًا ملحوظًا في الصراع الداخلي، وذلك بسبب التنافس مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بالإضافة إلى اكتشاف خلية تجسس مزعومة داخل التنظيم تسببت بمقتل معظم أعضائه، وقد شرحها التنظيم في سلسلة إصدارات حينها تحت اسم "هدم الجاسوسية". هذا التوتر الداخلي أدى إلى اتخاذ التنظيم إجراءات أمنية مشددة، وزيادة الشكوك تجاه أعضائه.


في هذا السياق، يمكن القول إن اختطاف أعضاء خلية البيضاء التسعة جاء في إطار حملة أمنية شاملة شنتها القاعدة ضد أي عنصر مشتبه به، من داخل وخارج التنظيم، بغض النظر عن قوة الأدلة ضده. فالتنظيم، في ظل حالة الاستنفار التي كان عليها، أصبح أكثر ميلاً إلى اتخاذ إجراءات وقائية، حتى لو تسببت في إلحاق الضرر بأعضاء أبرياء من التجسس.


يمكن القول إن تلك الفترة أيضا مثلت بداية لتوسّع الخلاف بين التنظيم وبين القيادي "أبو عمر النهدي" على خلفية مثل هذه الإجراءات، حيث تم اتهام النهدي بمحاولة الفرار للالتحاق بتنظيم الدولة أثناء المواجهات بين الطرفين في محافظة البيضاء. على إثر تلك الخلافات غادر النهدي التنظيم مع عدد الأعضاء.


أسباب محتملة لعدم بث اعترافات أعضاء خلية البيضاء


هناك عدة أسباب محتملة لعدم بث تنظيم القاعدة في اليمن لاعترافات أعضاء خلية البيضاء، أو الكشف عن مصيرهم، على عكس ما يفعله عادة مع من يتهمهم بالتجسس:


ـ ضعف الأدلة: قد يكون التنظيم لم يتمكن من جمع أدلة قوية تدين أعضاء الخلية، مما جعله يتردد في بث اعترافاتهم خوفًا من إضعاف موقفه.


ـ الخوف من ردود الفعل: ربما يكون التنظيم قد خشى من أن يؤدي بث اعترافات أعضاء الخلية إلى ردود فعل غاضبة من قبل القبائل التي ينتمي إليها هؤلاء الأعضاء، مما يضر بسمعته في المنطقة.


ـ الحفاظ على التماسك الداخلي: من غير المستبعد أن يكون التنظيم سعى إلى تجنب إشعال فتيل الصراع الداخلي أكثر مما هو عليه، ورأى أن بث الاعترافات سيزيد من التوتر بين أعضاء التنظيم.


حادثتان متشابهتان وتعامل مختلف


اللافت في الأمر هو أنَّ حادثة إعدام تنظيم القاعدة للمختطفين من أبناء البيضاء تشبه حادثة أخرى تعامل معها التنظيم بشكل مختلف. فأثناء انسحابه من مديرية خنفر في محافظة أبين عام 2012، اصطحب تنظيم القاعدة معه 4 من أبناء المديرية، وأخفى مصيرهم بتهمة التجسس، وربما يكونون قد تعرضوا للتصفية. لكن وعلى الرغم من سعي أقارب الأربعة المختطفين لمعرفة مصيرهم، والدفع بأكثر من جهة للتوسط لدى التنظيم من أجل ذلك، لم يتجاوب التنظيم مع كل تلك المساعي، بخلاف تعامله مع مناشدات أسر المختطفين من أبناء البيضاء.


وتكمن أهمية مقارنة هاتين الحادثتين في الكشف عن بعض جوانب التوجهات الاستراتيجية لتنظيم القاعدة في اليمن. ففي حالة محافظة البيضاء، يبدو أن التنظيم كان قد شعر بضغوط مجتمعية دفعت به إلى الكشف عن مصير المختطفين، وذلك للحفاظ على علاقاته مع بعض شرائح المجتمع المحلي. أما في حالة محافظة أبين، فقد اختار التنظيم التزام الصمت التام، ربما بسبب ضعف تأثير الضغوط المجتمعية أو لاعتبارات أخرى تتعلق بمصالحه الضيقة.


كما يثير هذا التباين في التعامل العديد من التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين التنظيم والمجتمعات المحلية في اليمن. هل يعكس هذا التباين وجود نظرة دونية لدى التنظيم لأبناء محافظة أبين مقارنة بأبناء محافظة البيضاء على سبيل المثال؟ أم أن هناك عوامل أخرى تلعب دوراً حاسماً في تحديد سلوك التنظيم؟


خلاصة


في الختام، مازال الغموض يلف أسباب عدم بث تنظيم القاعدة لتفاصيل عن أعضاء خلية البيضاء، أو الكشف عن مصيرهم طيلة السنوات الماضية. فبين ضعف الأدلة وخوف التنظيم من ردود الفعل القبلية والحفاظ على تماسكه الداخلي، تتعدد الاحتمالات التي قد تفسر هذا التصرف غير المعتاد. هذا الصمت المطبق يثير تساؤلات حول حقيقة ما جرى داخل التنظيم، وحول الدوافع الحقيقية وراء هذه الخلية التي وصفت بالتجسس. قد يكون هذا الصمت أيضا مؤشراً على وجود خلافات عميقة داخل التنظيم، أو على فشل العملية الاستخباراتية التي نفذتها.


إبراهيم علي
هو اسم مستعار لباحث متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب إخفاء هويته لأسباب شخصية.


Shared Post
Subscribe
Popular

Read also