الصورة: سوق تقليدية في عدن بجنوب اليمن، 21 فبراير 2024 (مركز سوث24 24)
11-01-2025 at 6 PM Aden Time
يقود القطاع الخاص الصمود الاقتصادي لليمن بالرغم من عدم الاستقرار الذي تشهده البلاد. بيد أن الانقسام السياسي وتراجع الإيرادات يتطلبان إجراء إصلاحات وضلوع المغتربين في تنفيذ استثمارات من أجل تحقيق نمو مستدام.
سوث24 | رانيا وليد خيالي
هل يمكن إجراء نقاش حقيقي بشأن التنمية الاقتصادية في اليمن بالرغم من استمرار حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي؟ الإجابة هي نعم بالقطع، إذ أنه بالرغم من التحديات التي يواجهها، فقد أظهر اقتصاد اليمن قدرة ملحوظة على المرونة والديناميكية على نحو يعكس التكيف الذي تتسم به الأسواق اليمنية أغلب الوقت منذ اندلاع الصراع. تتميز هذه الأسواق بديناميكية طبيعية تشكلها اللوائح والأعراف الثقافية والممارسات المجتمعية. [1] بالرغم من التحديات، يعكس الاقتصاد اليمني هذه الديناميكية ويقدم الفرص من أجل التعافي والنمو.
هيمنة القطاع الخاص والتباينات الإقليمية
لقد أظهرت السوق اليمنية القدرة على الصمود والتكيف رغم حالة عدم الاستقرار حيث تطورت الأنشطة الاقتصادية منذ 2016 لتتماشى مع الهيكل الاقتصادي الجديد بالبلاد. على سبيل المثال، يساهم القطاع الخاص حاليًا بنسبة تقارب 70% من الناتج المحلي الإجمالي لليمن في زيادة كبيرة مقارنة بفترة ما قبل الحرب. ويعمل القطاع الخاص كحجر زاوية للخدمات الضرورية والتطور الاقتصادي في ظل الخلل الذي يضرب المؤسسات العامة. [2]
جدول (1): الناتج المحلي الإجمالي حسب الإنتاج والخدمات للقطاع الخاص عام 2020
مصدر البيانات الكتاب الإحصائي 2020 الصادر من الجهاز المركزي للإحصاء كما هو موضح في تقرير صادر من "مبادرات التنمية الاقتصادية"[3].
يوضح الجدول هيمنة القطاع الخاص على كافة الصناعات، لا سيما الزراعة والغابات والصيد بنسبة مساهمة 100% كاملة. كما يلعب دورا كبيرا في قطاع الصناعة بنسبة تتراوح بين 90-91%، يليه التشييد 64-73%، ثم الخدمات 60-70%.
وتتسم معظم المشروعات بأنها صغيرة أو متناهية الصغر حيث لا تتعدى نسبة المشروعات الكبيرة 3.6% فقط. وتتركز المشروعات المتوسطة والكبيرة في صنعاء بنسبة 41% و36% على التوالي. وعلى النقيض، تتضاءل هذه الأرقام في عدن حيث تبلغ نسبة المشروعات المتوسطة 13% والكبيرة 22%. أما في حضرموت، فإن النسبة تبلغ 18% و11.6% على التوالي. [4] ليس بالمفاجأة أن نرى مثل هذا التفاوت، إذ أنه حتى في فترة ما قبل الحرب، كان النشاط الصناعي بين أعوام 2008-2013 يمثل 3% فحسب من الناتج المحلي الإجمالي في عدن مقارنة بـ 19% في صنعاء. ويعزى هذا النوع من اختلال التوازن بشكل كبير إلى مركزية صناعة السياسات في صنعاء بالرغم من موقع عدن الجغرافي الإستراتيجي. [5]
لقد أدى اختلال توازن القوى بين الحكومة المعترف بها دوليًا في عدن والحكومة التي يقودها الحوثيون في صنعاء بالإضافة إلى السلطة المحدودة لعدن إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار للاقتصاد الكلي في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية. عززت هذه الديناميكيات من درجة التفاوت في التنمية على نحو يجعل الشركات، لاسيما التي يقودها رواد أعمال يمنيون مغتربون، تحجم عن الدخول في السوق والمساهمة في التعافي والنمو الاقتصادي. [6]
وتعد تجربة صوماليلاند مثالًا رئيسيا لذلك إذ أن غياب السيطرة المركزية سمح للقطاع الخاص والمغتربين بقيادة النمو الاقتصادي وبناء السلام. [7] وعلى النقيض، ما يزال التردد يتملك المستثمرين المغتربين بشأن الدخول في السوق اليمنية جراء استمرار عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. [8] بعض العقبات، مثل قيود الحوثيين لدخول الميناء والرسوم غير القانونية في نقاط التفتيش الأمنية تؤدي إلى مزيد من التضخم لتكاليف الإنتاج وتعطيل تسليم البضائع على نحو يقوض كفاءة السوق. [9]
آليات التكيف والعمل الحر للشباب
في ظل هذه التحديات، طورت المجتمعات اليمنية إستراتيجيات تكيف تستهدف عبور الصعوبات الاقتصادية. يكشف تقرير المرصد الاقتصادي للبنك الدولي لعام 2023 انتعاشا بسيطا للناتج المحلي الإجمالي مدفوعا بشكل كبير بزيادة الإنفاق الحكومي والأسري. [10] تلعب التحويلات المالية والمنح الدولية دورا هاما. بيد أن ثقافة الشباب المتزايدة في العمل الحر ظهرت كذلكَ كدافع حيوي للصمود الاقتصادي.
لقد اتجه العديد من الأفراد إلى المشروعات الصغيرة والتجارة غير الرسمية من أجل البقاء حيث أظهروا قدرة على التكيف والابتكار. مناقشات وسائل التواصل الاجتماعي تسلط الضوء على الكيفية التي باتت بها المشروعات الصغيرة آلية تكيف حيوية لإدارة التكاليف المتزايدة ودعم سبل الحياة في اليمن. [11] بالرغم من أن العلاقة بين الإنفاق العائلي المتزايد والعمل الحر في اليمن لم يتم اكتشافها بعد، هناك اتجاهات مشابهة في رواندا تشي بنتائج واعدة. ثمة علاقة واضحة بين العمل الحر للشباب وتحسن الإنفاق المنزلي وخلق الوظائف وتنمية رأس المال البشري. [12]
وبالرغم من إمكانياتهم، تتعرض مشروعات الشباب في اليمن لبعض القيود الممنهجة تتضمن التضخم، والوصول المحدود إلى رأس المال، والتكاليف المرتفعة للعمل في اقتصاد غير مستقر. علاوة على ذلك، يتردد الشباب الممتهن بالعمل الحر في الحصول على قروض جراء المخاطر التي تشكلها البيئة المتقلبة للاقتصاد الكلي والمخاوف التي تعتري رواد الأعمال الشباب من فشل مشروعاتهم التي قد تؤدي إلى إثقالهم بالديون. بعض القضايا الممنهجة داخل قطاع الأعمال باليمن تزيد من وطأة تلك التحديات وتقلل الفرص المتاحة أمام رواد الأعمال الشباب.
خلال الأعوام بين 2011-2017، لم يشهد القطاع المصرفي اليمني أي تطور حيث لا تتعدى نسبة الأصول والودائع 15.4% من الناتج المحلي الإجمالي. لقد أدت عوامل قيود السيولة، وتفضيل الشركات للمعاملات النقدية، والافتقار إلى تقارير الائتمان القوية وآليات التنفيذ، وقوانين الإفلاس إلى عرقلة النمو الاقتصادي. نتيجة لذلك، لجأت العديد من الشركات الكبيرة إلى شبكات مالية غير رسمية بدلا من الاستعانة بوسطاء رسميين. [13]
وتظهر بعض التطورات الواعدة بالرغم من هذه التحديات. ففي سبتمبر 2023، قام موظف لدى بنك القطيبي في عدن بتسليط الضوء على اعتماد الخدمات المصرفية الرقمية كخطوة تحويلية. [14] منذ أن تحول من شركة مصرفية إلى بنك رسمي في 2021، استفاد القطيبي من سمعته والثقة والمرونة في دمج ممارسات غير رسمية مثل معاملات "واتس آب" إلى النظام الرسمي. [15] لقد أصبحت الصيرفة الرقمية أكثر شيوعا في عدن على نحو يؤدي إلى تبسيط المعاملات، وتحسين فرص الاستفادة، وتعزيز الشمول المالي. بالرغم من استمرار بعض التحديات الكبيرة، تضع هذه التطورات الأساس لقطاع مالي أكثر مرونة.
التحديات ونقص السلطة
يظل استقرار العملة المحلية والاقتصاد في اليمن معتمدًا بشدة على إيرادات النفط والغاز والتي انخفضت إلى النصف عام 2023. وازداد الانحدار سوءًا في باكورة عام 2024 بنسبة انخفاض إضافية بلغت 42% بسبب توقف الصادرات. وتفاقم الوضع بانخفاض جديد في الإيرادات الجمركية نسبته 34.5% حيث تحولت الصادرات بشكل متزايد إلى ميناء الحديدة الذي يتحكم فيه الحوثيون. لقد أحدثت هذه الاضطرابات خللا في الخدمات العامة ودفع الرواتب للموظفين الحكوميين، [16] تاركًا الاقتصاد يعتمد بشكل هائل على المساعدات الدولية لمنع انهيار العملة. [17]
في فبراير 2024، قدم البنك المركزي بعدن إجراءات لتنظيم الشبكات المالية تتضمن أنظمة التحويلات ومكاتب الصرافة التي تعمل في مناطق سيطرة الحوثيين. استهدفت هذه الإصلاحات الحد من المضاربات بالعملة ومكافحة الممارسات المالية غير المشروعة والتي زعزعت استقرار نظام التحويلات. [18]
وتصاعدت التوترات حينما سك البنك المركزي بصنعاء الذي يسيطر عليه الحوثيون عملات معدنية جديدة فئة 100 ريال في خطوة من شأنها توليد أموال إضافية لعمليات الميليشيا في سياق التحايل على العقوبات القائمة. [19] اعتبر البنك المركزي بعدن هذا الإجراء بمثابة تحدي لشرعيته، مصدرًا توجيهات تلزم كافة البنوك في صنعاء بنقل مقراتها إلى عدن وحذر المصارف التي لن يلتزم بالقرار بالاستبعاد من الشبكات المالية العالمية أمثال "سويفت" و"ويسترن يونيون" و"موني جرام". [20]
وأدانت جمعية البنوك اليمنية التي يقع مقرها في صنعاء تلك التعليمات، [21] وأطلق الحوثيون تهديدات عسكرية تستهدف السعودية والحكومة. دفعت هذه التطورات الرياض إلى التدخل مما أدى إلى تعليق إجراءات البنك المركزي بعدن.[22] لقد تسبب عدم قدرة حكومة عدن على فرض سلطتها على قطاعات اقتصادية وإدارية هامة إلى عرقلة قدرتها على قيادة جهود تعافي فعالة. التشرذم السياسي القائم وتحديات الحوكمة تؤدي إلى استمرار تآكل الثقة الشعبية والاستقرار الاقتصادي.
وخلال جلسة مناقشات شارك فيها اقتصاديون عالميون متخصصون في التنمية، شدد بول كولير على أهمية السلطة الشعبية لتحقيق تنمية مستدامة مما يستلزم تعزيز قدرة المجتمعات والمؤسسات المحلية على إحداث التغيير وخلق بيئة مواتية للنمو [23]. ومن المؤسف أن الافتقار إلى سيطرة حكومية فعّالة في عدن أعاق الجهود الرامية إلى تحسين حياة مواطنيها. بالمثل، فقد تم إجهاض محاولات البنك المركزي بعدن لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي للدولة.
استنتاج وتوصيات
بالرغم من التحديات السياسية والاقتصادية باليمن، ما تزال الفرصة سانحة لتحقيق النمو الاقتصادي. المرونة والتكيف للقطاع الخاص بجانب إقامة مشروعات على مستوى المجتمع وإجراء تحسينات في البنية التحتية المالية تؤكد إمكانية النمو في بيئة ما بعد الصراع.
ومع ذلك، تظل الشكوك قائمة فيما يتعلق بمستقبل التعافي الاقتصادي في ظل افتقار حكومة عدن القدرة على تخفيف الصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها مواطنوها، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتعزيز تنمية عادلة. ما تزال هذه العوامل تعرقل التقدم، حيث أن اكتساب ثقة المستثمرين، لا سيما المغتربين اليمنيين، يمثل خطوة محورية نحو تحقيق تعاف مستدام ومعالجة التفاوتات السابق مناقشتها.
ينبغي وضع أولوية لإطلاق مبادرات في مواجهة هذه التحديدات بحيث تتضمن استئناف صادرات النفط والغاز من موانئ الحكومة المعترف بها دوليًا واستعادة الموارد الضريبية من أجل استقرار الاقتصاد وضمان دفع رواتب الموظفين الحكوميين. ستؤدي هذه الإجراءات بالمقابل إلى تقليل الاعتماد على المساعدات الدولية، وتعزيز القوة الشرائية، واستقرار الاقتصاد، وترسيخ قيمة الريال اليمني مقابل الدولار.