بعد عِقدٍ من صراعات اليمن.. هل سيكون «الاقتصاد» السلاح القادم؟

بعد عِقدٍ من صراعات اليمن.. هل سيكون «الاقتصاد» السلاح القادم؟

التحليلات

السبت, 16-01-2021 الساعة 04:36 مساءً بتوقيت عدن

سوث24| قسم التحليل 

مرّ  عقدٌ من الزمن على أزمة الصراع السياسي والعسكري في اليمن منذ مطلع العام 2011 وحتى مطلع العام 2021. تواترت الأحداث السياسية والعسكرية التي عصفت بالبلد، كما لم يسبق لها من قبل، أخذت في معظمها بُعداً وطنياً وأيدلوجياً اصطف بين المعسكرين العربي والإسلامي، وانعكست بصورة تدميرية على اقتصاد البلد، مسببة كارثة إنسانية هي "الأسوأ في العالم".

يُمكن تقسيم هذه الأحداث السياسية والتاريخية إلى ثلاث مراحل زمنية:

المرحلة الأولى 2011 – 2014 

شهدت هذه الفترة احتجاجات وتظاهرات سلمية، تزامناً مع ثورات الربيع العربي التي تصدرتها جماعة الإخوان المسلمين في معظم الدول العربية. الاحتجاجات اليمنية أو  (الثورة الشبابية) ضد نظام حكم الرئيس السابق علي صالح امتد مناخها الثوري عقب تنحي صالح بدعوة الجماعة الحوثية أتباعها لإقامة التظاهرات الشعبية ضد الرئيس الخلف عبدربه هادي والحكومة الوليدة، تُوّج بالانقلاب العسكري على هادي وإسقاط العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر / أيلول 2014 بيد الحوثيين.

المرحلة الثانية 2015 – 2017 

في هذه الفترة اندلعت الحرب الأهلية في اليمن واجتاحت الجماعة الحوثية العقائدية، المدعومة من إيران، جميع المحافظات اليمنية وأسقطتها عسكرياً. بناء على تلك النتائج ظهرت مقاومة جنوبية شرسة ضد الحوثيين في جنوب اليمن، وتدخّل التحالف العربي العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية لدعم شرعية الرئيس هادي. تُوّجت هذا المقاومة بتحرير المحافظات الجنوبية من سيطرة الجماعة الحوثية ونفوذ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، فيما آل الوضع شمالاً للسيطرة الحوثية أكثر بانقلاب الحوثيين مرة أخرى على حليفهم الرئيس صالح وحلفائهم في حزب المؤتمر، انتهى باغتياله في ديسمبر / كانون الأول 2017.

المرحلة الثالثة 2017 – 2020 

تعقدّت العلاقة بين الحلفاء المفترضين ضد الحوثي، واندلع صراعٌ عسكريٌ بين أطراف تحالف دعم شرعية الرئيس هادي جنوباً، بين القوات الجنوبية بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الحكومية بقيادة حزب الإصلاح "جماعة الإخوان المسلمين"، تُوّج بالتوقيع على "اتفاق الرياض" وتشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب، عادت مؤخرا إلى عدن أواخر ديسمبر 2021.

يُمكن تصنيف المرحلة الأولى بأنها كانت ذو طابع شعبوي ثوري، والمرحلة الثانية أخذت طابعاً لصراع عسكري مليشاوي بينما المرحلة الثالثة جمعت بين الصراع العسكري المليشاوي والصراع السياسي. وهذا الأخير يتوسّع بصبغة اقتصادية مع مطلع العام الجديد وبروز نتائج تنفيذ الشق السياسي من اتفاق الرياض.

المرحلة المقبلة.. 

ففي حين يقود الصراع السياسي المرحلة القادمة، يعتقد الرعاة الدوليون بقدرة الأداة السياسية المتمثلة في حكومة المناصفة على حلحلة الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في المحافظات المحررة، ودفع بعض الأطراف إلى القبول بالحلول السلمية تحت ضغط الملف الاقتصادي - المليء بالعديد من التجاوزات والفساد المالي والإداري، ووسط تحذيرات أممية من المجاعة -، كأداة ناعمة باستطاعتها إجبار الطرف المتعنّت على تنفيذ ما تبقى من بنود الشق العسكري والأمني من الاتفاق في جنوب اليمن.

وعلى الضفة الأخرى تعاطى المراقب الدولي مع الحوثيين، الذين يتضاعف خطرهم الاستراتيجي الإقليمي والدولي، بصورة تصنيفات جزائية أمريكية ضمن "المنظمات الإرهابية"، تقيّد وصولها المالي والاقتصادي.

"ستوفّر الأدلة والبراهين على شبكة الفساد الإداري والمالي «عامل القتل الاقتصادي» لبعض الأطراف الضالعة بعرقلة اتفاق الرياض" 

في الجنوب، تكمن فاعلية الأداة السياسية لتحقيق "الانتصار الاقتصادي" بقدر أهمية المنطقة الجغرافية المعنية بتنفيذ الشق العسكري والأمني واستكمال الانسحابات العسكرية من كل من حضرموت وشبوة الغنيتين بالثروة النفظية حيث تتركز مصالح الدول الكبرى.

تجدر الإشارة هنا، إلى أنّ هذه المناطق تم تحييدها مبكراً عن الصراع العسكري، وظلّت مسرحاً مفتعلاً للفساد الإداري والمالي وتعزيز المصالح الاقتصادية بين الجماعة الحوثية في صنعاء وجماعة الإخوان في كل من مأرب وشبوة وحضرموت المحافظات المتصلة ببعضها، تم كل ذلك تحت عين المراقب الدولي ودرايته الكاملة.

يبدو أنّ خطوة تحريك الملف الاقتصادي بعد تشكيل الحكومة الجديدة والإعلان عن تشكيل ما يسمى بـ «اللجنة الاقتصادية العليا» وجهاز الرقابة والمحاسبة، ستوفّر من الأدلة والبراهين على شبكة الفساد الإداري والمالي الآنفة الذكر، ما يُمكن تسميته بـ «عامل القتل الاقتصادي» لبعض الأطراف والشخصيات الضالعة في العرقلة وتعطيل تنفيذ الشق العسكري واجراء الانسحابات العسكرية من شبوة وحضرموت باتجاه مأرب.

رد فعل 

هذه المناطق الاقتصادية، التي تقع تحت سيطرة الإسلاميين في اليمن (حزب الإصلاح)، حظي حكّامها المحليون بروباغندا إعلامية واسعة لترويج إنجازاتهم الاقتصادية والتنموية، عبر وسائل إعلام محلية وأخرى عربية قريبة منهم، دون وجود حقيقي لهذه المشاريع، يهدف بدرجة رئيسية حسب، مراقبين، للتظليل على عمليات فساد واسعة تهدد نفوذ الجماعة.


قوبلت خطوة حكومة المناصفة الاقتصادية، بقرار الرئيس هادي المثير للجدل، أمس، بتعيين أحمد صالح الموساي، من تنظيم الإخوان المسلمين، نائباً عاما، في أعلى سلطة قضائية في اليمن. وهو القرار الذي اعتبره المجلس الانتقالي الجنوبي "خطيراً ومرفوضا ونسفاً لاتفاق الرياض".

رأى سياسيون أنّ القرارات الأخيرة لهادي حملت بصمات الإخوان المسلمين، وهو ما يجعل بالتالي المنظومة القضائية بكاملها بيد الجماعة النافذة اقتصاديا في البلد، قد تشكّل لها حصانة مستقبلية من الاستجابة للضغوط الاقتصادية لتنفيذ الانسحابات العسكرية من محافظتي شبوة وحضرموت الجنوبيتين.

بدر  قاسم محمد 
زميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحث في الشؤون السياسية اليمنية 


حكومة المناصفة جنوب اليمن الإخوان المسلمون المجلس الانتقالي الجنوبي الحوثيون كارثة إنسانية