22-01-2021 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم الترجمات
لن يبتعد الرئيس المنتخب جو بايدن عن الإمارات العربية المتحدة، ولكن هناك عدد من القضايا التي ستختبر العلاقة بجدية.
لم ترضي نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية القيادة في أبوظبي. وعلى غرار نظرائهم في المملكة العربية السعودية والبحرين وإسرائيل، كان المسؤولون الإماراتيون داعمين لمعظم ركائز أجندة السياسة الخارجية للرئيس ترامب في الشرق الأوسط.
ركّزت (إدارة ترامب) بشدة على الجهود الرامية إلى إضعاف جمهورية إيران الإسلامية، وحرصت على تجنب انتقاد سجلات حقوق الإنسان للحكومات الصديقة للولايات المتحدة، ومصممة دائما على زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الجهات الفاعلة الإقليمية مثل الإمارات العربية المتحدة، أقامت الإدارة المنتهية ولايتها علاقات عميقة مع أبو ظبي.
وعلى الرغم من أنّ الإمارات العربية المتحدة في وضع قوي للعمل بشكل وثيق مع إدارة بايدن، فإنّ التغيير في القيادة الأمريكية يثير بعض المخاوف بالنسبة لأبو ظبي. ومع ذلك، ومع وجود سياسة خارجية أثبتت أنها مرنة، قد تنجح الإمارات العربية المتحدة في التعامل مع التغييرات القادمة في السياسة الخارجية الأمريكية بسهولة أكبر من الحكومات الأخرى، لا سيما في ضوء تمرير اتفاقات أبراهام وسياسة التحوط التي تنتهجها الإمارات تجاه إيران.
يعتقد الكثيرون في واشنطن أنّ الإمارات العربية المتحدة كانت أقوى حليف عربي لأميركا في "الحرب العالمية على الإرهاب"، ومن المحتمل أن تحاول إدارة بايدن البناء على الشراكة الخاصة التي بدأت واشنطن وأبو ظبي الاستثمار فيها بكثافة في القرن الحادي والعشرين - على الأقل في مجالات معينة.
"يعتقد الكثيرون في واشنطن أنّ الإمارات كانت أقوى حليف عربي لأميركا في "الحرب العالمية على الإرهاب"
التهديد الإيراني المتصوّر
وطوال فترة رئاسة ترامب، أدى برنامج "الضغط الأقصى" المناهض لإيران الذي وضعته واشنطن إلى حد كبير لتهدئة المخاوف الإماراتية من عهد أوباما من أن الولايات المتحدة كانت تخطط للتخلي عن أصدقائها العرب الخليجيين لصالح ذوبان الجليد الجزئي في العلاقات الأمريكية الإيرانية.
عندما سحب الرئيس ترامب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018 (الاتفاق النووي مع إيران)، كانت الإمارات واحدة من أربع دول فقط على مستوى العالم تشيد بهذه الخطوة المثيرة للجدل، والتي أسفرت عن سنوات من تصاعد حافة الهاوية بين واشنطن وطهران والتي استمرت في الأيام الأخيرة من رئاسة ترامب.
وكما هو الحال مع بعض حلفاء الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين الآخرين، فإنّ الإمارات العربية المتحدة لديها مخاوف بشأن كيف يمكن أن يؤدي تخفيف ضغط واشنطن على طهران في مرحلة ما بعد ترامب إلى تشجيع إيران في سلوكها الإقليمي، الذي تعتبره أبوظبي افتراسياً ومزعزعاً للاستقرار.
إنّ نفوذ الجمهورية الإسلامية داخل الدول العربية مصدر قلق رئيسي لأبو ظبي، التي رأت في خطة العمل الشاملة المشتركة دون المستوى الأمثل وتعتقد أنّ الولايات المتحدة ستكون مضللة للعودة إلى الاتفاق، على الأقل في شكلها لعام 2015.
"نفوذ الجمهورية الإسلامية داخل الدول العربية مصدر قلق رئيسي لأبو ظبي"
حقوق الإنسان في العالم العربي
وعلى الرغم من أنّ ترامب ومن حوله تذرعوا بشكل ساخر بالنضال للدفاع عن حقوق الإنسان عند اتباع سياسات استهدفت خصوماً مثل الصين وإيران وسوريا وفنزويلا، إلا أنّ الإدارة المنتهية ولايتها لم تفعل شيئاً وتمارس ضغوطاً مماثلة على الدول الصديقة للولايات المتحدة في الخليج.
إنّ المدى الذي انحنت فيه إدارة ترامب إلى الوراء لمنح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان فائدة الشك وسط مقتل جمال خاشقجي يسلّط الضوء على مدى المخاوف القاتمة بشأن حقوق الإنسان والقانون الدولي في تعامل ترامب مع المملكة العربية السعودية. لم يحدث من قبل أن تعاملت إدارة أمريكية بشكل علني مع حلفائها وشركائها في الشرق الأوسط.
قد يكون هناك سبب وجيه للتوقّع أن تشتبك إدارة بايدن مع أبو ظبي فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان المتعلقة بالسياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة. وعلى وجه التحديد، فإنّ دعم أبوظبي للحكومة السورية، والجنرال خليفة حفتر الليبي، ومجموعة فاغنر، والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي في اليمن، قد يكون قضايا أكثر إثارة للجدل في العلاقات الأمريكية الإماراتية في عهد بايدن.
"دعم الإمارات لسوريا وحفتر ولمجلس الانتقالي الجنوبي، قد تكون قضايا أكثر إثارة للجدل في العلاقات الأمريكية الإماراتية"
ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان ذلك سيتخذ شكل خطاب فارغ أم إجراءات أكثر تحديدا. وسيكون التحدي الرئيسي الذي سيواجه بايدن هو كبح جماح أجندات الدول المناهضة للثورة في المنطقة مثل الإمارات العربية المتحدة. شعرت هذه الحكومات بالجرأة من سياسة ترامب الخارجية، فيما يتعلق ببعض مواقفها القصوى وسلوكها العدائي. وبطبيعة الحال، لن يكون القيام بذلك سهلاً، ومن المرجّح أن تفهم إدارة بايدن أنّ الإمارات ليست دولة يمكن لواشنطن بالضرورة أن تؤثر عليها أو تسيطر عليها بهذه السهولة.
وفي سوريا، ستتمسك إدارة بايدن بالتأكيد بالموقف الأمريكي القائل بأن نظام بشار الأسد غير شرعي. وقد دعا اختيار الرئيس المنتخب لمنصب وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، إلى مساعدة القوات المناهضة للأسد في الحفاظ على السيطرة على محافظة إدلب.
وبالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي تصالحت مع دمشق في أواخر عام 2018 ودعمت فيما بعد نظام الأسد بطرق مختلفة على مدى العامين الماضيين، فإن التساؤلات حول الدور المستقبلي لسوريا في المنطقة يمكن أن تضيف بعض التوتر إلى العلاقات الأمريكية الإماراتية. سيكون من المهم أن نرى كيف ستتنقل أبو ظبي مع العقوبات الأمريكية على سوريا – المعروفة باسم قانون قيصر – بينما يحاول الإماراتيون مساعدة الدولة التي مزقتها الحرب على إعادة البناء في ظل نظام الأسد.
وفي ليبيا، هناك احتمال جدي بأن يتبع الرئيس الأمريكي المقبل سياسات تهدف إلى تعزيز حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقراً لها. ومن شأن ذلك أن يشكل تحدياً مباشراً لأجندة أبو ظبي المؤيدة لحفتر.
وعلاوة على ذلك، قد تكون ليبيا أحد المجالات التي تسعى فيها إدارة بايدن إلى تحدي النفوذ الروسي المتزايد الرسوخ، والذي سيكون إشكالياً من وجهة النظر الإماراتية نظراً لأن أبو ظبي وموسكو عملتا معاً خلال الحرب الأهلية في البلاد.
ويبرز تقرير البنتاغون الذي أكد أنّ الإمارات العربية المتحدة ربما موّلت عمليات مجموعة فاغنر في ليبيا بهدف تعزيز موقف حفتر ضد حكومة الوفاق الوطني هذه النقطة.
وفي اليمن، تعهّد فريق بايدن الانتقالي بقطع الدعم عن التحالف الذي تقوده السعودية، والذي تشارك فيه الإمارات رسمياً، على الرغم من"انسحاب الإمارات" من الصراع في عام 2019. وحتى لو تلقت الرياض معاملة أقسى من بايدن تجاه النزاع اليمني، فإنّ الإدارة الجديدة قد تأخذ مسألة دعم أبوظبي لـ "المجلس الانتقالي".
"إدارة بايدن قد تأخذ مسألة (تتعامل مع) دعم أبوظبي لـ "المجلس الانتقالي"."
طائرات F-35
ومن وجهة النظر الدفاعية، يشعر الإماراتيون بالقلق من أنّ إدارة بايدن لن تدعم بيع طائرات مقاتلة خفية من طراز F-35 إلى أبوظبي في المستقبل. وستكون الصفقة جزءاً من صفقة مثيرة للجدل بقيمة 23 مليار دولار، ستشمل أيضاً ذخائر وطائرات بدون طيار متطورة ومسلحة، أيدتها إدارة ترامب في عام 2020.
وقال بلينكن إنّ إدارة بايدن ستعطي هذا البيع "نظرة فاحصة" قبل اتخاذ قرار. وهناك الكثير على المحك نظراً لاحتمال أن تعزز هذه الصفقة بشكل كبير مكانة الإمارات العربية المتحدة كقوة عسكرية في المنطقة.
ومع ذلك، ومع تحذير منظمة العفو الدولية من أنّ الإمارات العربية المتحدة ستستخدم هذه الأسلحة في "هجمات تنتهك القانون الإنساني الدولي وتقتل، فضلاً عن إصابة آلاف المدنيين اليمنيين"، فإنّ قرار إدارة بايدن سيقول الكثير عن مدى وضعها لحقوق الإنسان كنقطة محورية في سياستها الخارجية في الشرق الأوسط.
ومن المتوقع أن يضغط بعض المشرّعين في واشنطن على بايدن لقلب الاتفاق، مشيرين إلى جوانب مختلفة مثيرة للجدل في السياسة الخارجية لأبو ظبي، لا سيما في ما يتعلق بليبيا واليمن.
"من المتوقع أن يضغط بعض المشرّعين في واشنطن على بايدن لقلب الاتفاق"
بايدن لن يبتعد عن الإمارات
وعلى الرغم من كل هذه المصادر المثيرة للقلق والمجالات المحتملة التي قد تجد فيها أبو ظبي أنّ نهج بايدن في السياسة الخارجية ينطوي على مشاكل، لا تزال لدى الإمارات العربية المتحدة فرصة جيدة للعمل بشكل جيد مع الإدارة القادمة.
ونظراً لحقيقة أنّ أبو ظبي قد وطّرت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل وانضمّت إلى واشنطن في الضغط على الدول العربية/ الإسلامية الأخرى كي تحذو حذوها، فقد تمتعت الإمارات بالتأكيد بتعزيز العلاقات العامة مؤخراً، حيث أنّها تقدم نفسها كدولة "متسامحة" و"معتدلة" تسد الفجوات بين العرب والإسرائيليين. وعلاوة على ذلك، سيكون من مصلحة الإمارات أن تضغط القيادة الإسرائيلية على إدارة بايدن لتجنب انتقاد أبو ظبي بشأن بعض هذه القضايا الساخنة.
وفيما يتعلق بإيران، بدأ الإماراتيون في الاستعداد لاحتمال خسارة ترامب لمحاولته إعادة انتخابه، وأنّ الضغوط الأمريكية على طهران ستتضاءل مع وجود ديمقراطي في المكتب البيضاوي.
وقد أكدت المبادرات الدبلوماسية المتواضعة التي قامت بها أبوظبي إلى طهران، والتي بدأت في منتصف عام 2019 واستمرت طوال عام 2020، قدرة دولة الإمارات العربية المتحدة على التحوّط والتكيف مع الديناميكيات الجديدة على المستويين الإقليمي والعالمي. ويقيناً، من هذا المنطلق، سيكون لدى الإماراتيين مرحلة رئيسية من السعوديين من حيث التعامل مع إدارة بايدن.
"تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة قدرة على التحوّط والتكيف مع الديناميكيات الجديدة"
وفي الوقت نفسه، تتمتع الإمارات بدرجات متفاوتة من النفوذ الذي تستطيع ممارسته على إدارة بايدن، وذلك بشكل أساسي في شكل الاقتراب من روسيا والصين.
ولا شك في أنّ الولايات المتحدة لا ترغب في رؤية أي دولة خليجية عربية تعزز شراكاتها مع موسكو وبكين على حساب نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط، بغض النظر عمن يجلس في البيت الأبيض. ومع ذلك، ونظراً للنهج الحاذق الذي يتبعه فلاديمير بوتين وشي جين بينغ لإدارة العلاقات الثنائية بين بلديهما في المنطقة، فإنّهما بالتأكيد سوف يعقّدان أجندة بايدن فيما يتعلق بدولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها من الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط.
جورجيو كافيرو
الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة "تحليلات دول الخليج" (Gulf State Analytics)، وهي شركة استشارية للمخاطر الجيوسياسية مقرها واشنطن العاصمة.
- المصدر بالإنجليزية: أوروآسيا للأخبار والدراسات
- تنقيح ومعالجة: مركز سوث24 للأخبار والدراسات