24-01-2021 الساعة 12 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24| قسم الرصد
منذ وصولها في 31 ديسمبر/كانون الأول العام المنصرم، لم تقدّم حكومة المُناصفة- التي تمخّضت عن اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الرئيس اليمني هادي السابقة- أي شيء يُذكر، مقارنةً بالآمال الكبيرة التي يعلّقها سكان عدن بشكلٍ خاص، وبقية المحافظات الجنوبية وأجزاء الشمال المُحررة بشكل عام، عليها، بل إنّ أوضاع الناس المعيشية والخدمية أصبحت -ربما- أكثر سوءً.
الحرب على حكومة المُناصفة من قبل الأطراف المتضررة من اتفاق الرياض تشكّل -بصورة رئيسية- العائق الأكبر أمام نجاح هذه الحكومة، التي تعرّضت لمحاولة تصفية دموية فور وصولها للعاصمة عدن، بقصف صاروخي إرهابي- يُتهم الحوثيون بالوقوف وراءه.
اقرأ المزيد: يومٌ دامي.. انفجاراتُ في مطار عدن تزامناً مع وصول حكومة المناصفة
وإلى جانب القصف، تتعرّض الحكومة لمحاولات إرباك أمنية عبر أعمال التفجيرات المستمرة باطراد في عدن، وسياسية مثل القرارات "أحادية الجانب" التي أصدرتها الرئاسة اليمنية، كـ تعيين السياسي ورئيس الحكومة السابقة، التي أسقطها الجنوبيون، أحمد بن دغر، رئيساً للشورى، والعسكري المقرب من الإخوان المسلمين، أحمد الموساي، نائباً عاماً للجمهورية، وهي قرارات- بحسب مراقبين وخبراء- تعمل على تعقيد المهام وتضخيمها أمام هذه الحكومة.
مُتعلق: زعزعة الأمن في عدن.. المُنفّذ والمستفيد
ومع كل هذه التحديات ومحاولات الإفشال، إلا أنّه لا يمكن- بأي حال من الأحوال- تبرير مستوى الأداء الضعيف من قبل هذه الحكومة، التي ستكمل شهرها الأول في عدن دون أدنى حلحلة للمشاكل والأوضاع المتردية التي يعاني منها الناس منذ سنوات. وبمرور الأيام، تزيدُ هذه المعاناة المتراكمة لأعوام، وتقل الآمال المُعلقة على هذه الحكومة، وينخفض سقف التوقعات الشعبية.
المرتبات
تعصف أزمة المرتبات بسكان عدن والجنوب منذ أكثر من عامين، وازدادت وطأة هذه الأزمة في الأشهر الماضية لتبلغ ذروتها مع انقطاع صرفها- لمنتسبي القطاع العسكري والأمني من أبناء الجنوب- لأكثر من 6 أشهر متتالية، وهو ما سبّب انهياراً تاماً لمصدر أرزاق قطاع واسع من السكان يعتمدون بشكل مباشر على هذه المرتبات في حياتهم.
وسبق للهيئة العسكرية العليا الجنوبية أن أقامت مخيمات اعتصام مفتوح أمام مقر القوات السعودية في عدن في نهايات العام المنصرم، استمرَ لأكثر من 150 يوماً، للمطالبة بصرف المرتبات، قبل أن يتدخل محافظ عدن الذي جاءَ به اتفاق الرياض، أحمد لملس، والذي عقدت معه الهيئة -بحسب بيانها مطلع الشهر الجاري- تفاهمات لحلحلة المشكلة مع الحكومة، وهو ما لم يتحقّق حتّى الآن.
وتحدثت الهيئة العسكرية العليا في بيانها عن متأخرات في المرتبات وصلت لأكثر من 13 شهراً، وحذّرت من نفاذ صبرها، وعدم محاولة اختبار هذا الصبر، داعية حكومة المناصفة برئاسة الدكتور معين عبد الملك للتحرك الجاد والفوري، ومهدّدة بتصعيد جديد.
وتعرّضت محاولات صرف مرتبي يوليو/تموز وأغسطس/آب- وهي مرتبات العام السابق 2020- منتصف شهر يناير/تشرين الثاني الجاري لمعوقاتٍ يبدو أغلبها -إلى حد بعيدٍ- مُفتعلاً، فيما رمت الجهات الحكومية المسؤولة عن صرف المرتبات فشل صرفها على "انهيار الريال اليمني"، الأمر الذي سبّب توقف صرف هذه المرتبات بعد أن كانت التوجيهات قد قضت بصرفها، وهو ما نتج عنه موجة غضب شعبي واحتجاجات في عدن.
احتجاج شعبي وقطع للطريق الرئيسي بسبب عدم صرف المرتبات، عدن - المنصورة (نشطاء)
فيما يعاني الموظفين في القطاع المدني -المعلمون بشكل خاص- من أزمة مرتبات من نوع آخر، وهي تدني قيمة مرتباتهم بنسبة مهولة إذ فقدت هذه المرتبات قيمتها بنسبة تتجاوز الـ 200%، ويطالب هؤلاء بتسوية أوضاعهم ورفع مرتباتهم، وهي المطالب التي لم تجد آذاناً صاغية.
مُتعلق: جنوب اليمن: المعلمون.. بين مطرقة الأزمة الاقتصادية وسندان المرتبات الضئيلة
وتسببت أزمة مرتبات المعلمين في تعطيل العملية التعليمية لفصل دراسي كامل في العام المنصرم، وبعد انفراجها لتدخلات وضمانات كان أبرزها وعود محافظ عدن أحمد لملس ببحث قضية المعلمين من حكومة المُناصفة، تلوح مجدداً علامات إضراب جديد في عدن والجنوب، وهو ما أكّده بيان نقابة المعلمين الجنوبيين، قبل يومين.
وأعلنت نقابة المعلمين الجنوبيين- في بيانها- عن إضراب يبدأ من الـ24 من الشهر الجاري، كل أحد وأثنين أسبوعياً، وحذّرت من الإضراب الشامل وخطوات تصعيدية أخرى.
الكهرباء
تعاني المحافظات الجنوبية- عدن بشكل خاص- من أزمة الكهرباء التي تؤرق السكان، خصوصاً مع حلول موسم الحر من كل عام، ورغم الوعود المستمرة، لم تشهد الكهرباء أي حلول حقيقية حتّى الآن، عدا محطة "الرئيس هادي" المُرتقبة في عدن، والتي ستعمل- إذا ما تمّ تشغيلها- على تغطية العجز في التوليد بنسبة تصل إلى أكثر من 90%، ولكنّ ليس هنالك إشارات على قرب تشغيل هذه المحطة خلال الفترة القادمة.
العجز في القدرة التوليدية لمحطات الكهرباء في عدن ليست المشكلة الوحيدة، انعدام وقود هذه المحطات من الأسباب الرئيسية لمشكلة الكهرباء في عدن أيضاً، ويسبّب انعدام الوقود بانقطاع التيار الكهربائي لفترات تتجاوز 10 ساعات، وأكثر.
وهنا يجب الإشارة إلى حجم الجهود التي تبذّلها إدارة محافظ عدن أحمد لملس في المتابعة والحرص على توفير الوقود للمحطات، ويثق كثيرون من أبناء الجنوب أنَّ أزمة الوقود "مُفتعلة" من قبل تجار وشخصيات نافذة مُقربة من الرئيس اليمني ، ونائبه علي محسن الأحمر.
وتكاد هذه الفترة من الاستقرار النسبي في خدمة الكهرباء في عدن تنتهي، مع اقتراب موسم الحر، وهو الموسم الذي تصل فيه درجة الحرارة إلى ذروتها، فتحيل حياة المواطنين إلى "جحيم".
ودفع السخط المتصاعد رئيس الوزراء الدكتور معين عبدالملك لعقد اجتماع، اليوم السبت، مع قيادة وزارة الكهرباء والمؤسسة العامة وكهرباء عدن، وجّه خلاله "بعمل خطة مزمّنة لمواجهة الصيف القادم واتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة أوضاع الكهرباء في العاصمة المؤقتة والمحافظات المحررة." بحسب الموقع الرسمية لرئاسة الوزراء.
وإلى جانب الكهرباء، تعيش بعض مديريات عدن أزمة مياه من حين لآخر، إذ تتوقف المياه عن التدفق لمنازلهم لأسابيع كاملة، ولا توجد جهود حكومية للإسهام في حلّ أزمة المياه عدا ما قامت به إدارة المحافظ لملس بالتنسيق مع البرنامج السعودي لإعمار اليمن، وتوقيع عقود حفر عدة آبار ستسهم -ولو قليلاً- في حل هذه المشكلة، لكن ليس على المدى القريب.
انهيار العملة
على صعيد العملة المحلية، شهد الريال اليمني انهياراً قياسياً وغير مسبوق، ووصل هذا الانهيار مع نهايات العام الفائت إلى ذروته، إذ بلغ سعر الدولار الأمريكي أكثر من 900 ريال يمني في ديسمبر/كانون الأول، مقارنة بـ 700 ريال للدولار الواحد في الشهر نفسه عام 2019، وهو الانهيار الذي ألقى بظلاله على الأوضاع المعيشية وتسبّب في غلاء أسعار السلع الغذائية بنسبٍ تصل إلى أكثر من 30%.
ونتج عن هذا الانهيار أيضاً فارق الصرف بين صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، والتي لا تزال تستعمل الطبعة القديمة من العملة وترفض الجديدة، وعدن التي استقبلت شحنات متتالية الطبعة الجديدة دون غطاء من النقد الأجنبي، ووصلت الفجوة بين ريال صنعاء وريال عدن إلى أكثر من 44% في ديسمبر/كانون الأول من العام الفائت.
وبالتزامن مع التقدم في اتفاق الرياض وتشكيل حكومة المُناصفة، تعافى الريال اليمني بشكل سريع، حتى كاد فارق الصرف بين ريال صنعاء وريال عدن يختفي، إذ تقلص إلى أقل من 8 %، وأصبح سعر الدولار الأمريكي أقل من 740 ريالاً، ولكن هذا التعاف سرعان ما تبخّر في الأيام الأخيرة وعادت عجلة الريال اليمني إلى الوراء، وهوما يضع استفسارات عن حقيقة أزمة الريال، والتي- بالتأكيد- تبدو عصية حتّى على القراءات والتفسيرات الاقتصادية، بل ومُثيرة للاستغراب.
وكغيرها من الأزمات، لم تتلق أزمة الريال اليمني استجابة حقيقية من الحكومة الجديدة، عدا سحب دفعات جديدة من الوديعة السعودية التي- بحسب خبراء اقتصاديين- تُشكّل سور الدفاع الأخير عن الاقتصاد والعملة اليمنية، خصوصاً مع حالة الاحتراب والنزاع متعدد الأوجه والمستويات الذي تشهدّه البلاد، والفساد المستشري في أوصال الحكومة، ونهب الموارد من قبل الحوثيين وأجنحة الإخوان المسلمين في الحكومة والتي تحكم سيطرتها على المنابع النفطية في جنوب اليمن.
واجبات
تترتب على حكومة المُناصفة واجبات كثيرة تجاه السكان في عدن وبقية المحافظات، من مرتبات القطاعين المدني والعسكري، مروراً بالخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء، وليس انتهاءً، أزمة انهيار العملة والاقتصاد، والعديد من المهام والتحديات الأخرى التي شكّلت أهم أسباب النزاع السياسي والعسكري في جنوب اليمن، والذي أدّى إلى اسقاط حكومتين سابقتين.
وتعاني عدن والمحافظات الجنوبية أزمات ومشاكل أخرى إلى جانب ما كل ما ذُكر، كأزمة المهاجرين الأفارقة، واللاجئين من مناطق الحرب والنزاع من محافظات الشمال اليمني مثل الحديدة وتعز، الأمر الذي يضاعف أعباء عدن، ويحتّم على حكومة المناصفة سرعة إيجاد حلول جذرية لهذه الملفات.
اقرأ المزيد: عدن: تدفق اللاجئين الأفارقة.. قُنبلة موقوتة ووضع إنسانيٌ وخيم
وعلى الرغم من ذلك بدت إشارات إيجابية لبعض وزارت هذه الحكومة وفي نطاق ضيق، لكن الأداء الحكومي ككلٍ دون المستوى المطلوب، وفقاً للأهالي. لا يمكن رمي كل الفشل على التحديات الأمنية والسياسية، فالسكّان في عدن وبقية المحافظات يتوقعون أداءا ملموسا وعاجلاً، خصوصاً مع التقارب السياسي الملحوظ بين شركاء اتفاق الرياض، الذين تكونّت منهم الحكومة الجديدة.
يعقوب السفياني
محرر وصحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة الرئيسية: رئيس الوزراء اليمني في اجتماع مع قيادة وزارة ومؤسسة الكهرباء بعدن، السبت، 23 يناير 2021 (رسمي)