13-03-2021 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| القسم السياسي
حظيت الأزمة السياسية في اليمن منذ لحظتها الأولى مطلع العام 2011 باهتمام وقلق كبيرين من قبل الجارة الكبرى المملكة العربية السعودية. وهي الأزمة التي تلاقحت مع الأزمات التي عصفت بالمنطقة العربية إبان صرعة ماعُرف حينها بـ "ثورات الربيع العربي"، التي أثارت قلق الحاكم السعودي والخليجي والحكام العرب.
في البداية، استطاعت الإدارة السعودية من خلال "مبادرتها الخليجية" حشد التأييد الدولي لحل الأزمة في اليمن حلاً سياسياً، قضى بتنحي الرئيس السابق عن الحكم لصالح نائبه الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، ودفعت في مطلع العام 2012، بالتزامن مع تسلّم الرئيس هادي منصب رئاسة، نحو إقرار واقامة "مؤتمر الحوار الوطني" تحت رعاية الدول العشر (الخماسية الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد الخماسية الخليجية التي غادرتها لاحقاً قطر).
وعلى خلاف مثيلاتها العربية حظيت الأزمة اليمنية بإجماع ووفاق سياسي دولي لا مثيل له تشاطر الاهتمام بملفات ذات الصلة بالأزمة، وأوكل مهام حلها حلاً سياسياً على أعضاء الخماسية الدولية بينما اقتصر الدور الخليجي عموماً والسعودي خصوصاً على جوانب الدعم المالي. فيما ظلت قطر تغرّد خارج السرب الخليجي بالاتجاه المعاكس.
وبصعوبة بالغة تم إقرار مايسمى بـ "مخرجات الحوار الوطني" وإقامة مشروع الدولة الاتحادية، الذي حددها هادي لاحقاً بـ 6 أقاليم، وهي رؤية الحزب الحاكم حزب المؤتمر الشعبي العام التي طٌرحت أمام رؤية الحزب الإشتراكي اليمني (مشروع الدولة الاتحادية من اقليمين)، والحزبان اليمنيان شريكا مشروع الوحدة الاندماجية في دولة مركزية بين دولتي الشمال الرأسمالي والجنوب الاشتراكي في مايو 1990. وأقرّ المشروع السياسي المقدم من حزب المؤتمر على ضوء القرار الأممي 2014 الذي نص على انتقال اليمن من نظام الدولة المركزية إلى نظام الدولة الفيدرالية كحل سياسي للأزمة في اليمن. [1]
بدر قاسم محمد |
من الواضح أن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ومشروع الدولة الاتحادية جاء محمولا على أكتاف الثورة الشبابية التي تصدرها الجناح الشبابي المنفتح الذي يتزعمه القيادي محمد قحطان لحزب التجمع اليمني للاصلاح (فرع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن) ومسنودا أخيرا برعاية الدول العشر وتعهداتها على تنفيذه.
مبدأياً رفض الجناح المتطرف في حزب الإصلاح الإسلامي مشروع دستور الدولة الاتحادية وعقد مؤتمراً صحفياً لتحالف سياسي مع القوى الراديكالية الأخرى أعلن فيها رفضه ومعارضته بكل وضوح وشفافية، فيما وقّع الفريق المشارك عن حزب الاصلاح على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ومشروع الدولة الاتحادية، إلى جانب تواقيع وموافقة الأحزاب والقوى اليمنية الشمالية الأخرى. بينما جنوبا لم تشارك قيادات الحراك الجنوبي السلمي في هذا الحوار، وأعلنت عدم موافقتها على مخرجاته، وانسحب الفريق الجنوبي الوحيد الذي شارك في جلسات الحوار بقيادة محمد علي أحمد لاحقا. [2]
ثلاثي الدولة اليمنية
بدت مهمة تنفيذ مشروع الدولة الاتحادية تحت رعاية الدول العشر، مهمة صعبة ومحفوفة بالفشل في مواجهة هذا التعنت والرفض. فجماعة الحوثيين بصفتها الممثل الرجعي للحاضنة الزيدية التي حُشرت في إقليم مغلق من المنافذ البحرية وشحيح من الموارد الاقتصادية، ظلت رافضة لهذا التقسيم وتتطلع لنفوذ وسيطرة أكبر تطل بها على البحر الاحمر غربا. فيما شارك حزب المؤتمر بزعامة الرئيس السابق علي عبدالله صالح الحوثيين نفس التوجه، فضلا عن دوافع الثأر والانتقام من الثورة الشبابية التي تسببت بإسقاط حكمه.
تحت رغبة الاستئثار بالسلطة والحكم التقى ثلاثي الدولة اليمنية، القادة العسكر ومشائخ القبيلة ومشائخ الدين، ومرة أخرى شكّلوا تحالفاً سياسياً وعسكرياً استطاعوا من خلاله إسقاط العاصمة صنعاء بسرعة كبيرة جداً، أذهلت المراقب الدولي والراعي لتنفيذ مشروع الدولة الاتحادية. ولصالح سيطرة الجماعة الحوثية تساقطت محافظات الشمال بذات السرعة. في هذا السيناريو الذي يؤكد فشل وانتهاء مشروع ما يسمى بـ "ثورات الربيع العربي" في اليمن مجدداً، على خطى سابقة منتصف القرن الماضي لـ " ثورات القوميين العرب"، التقت مقاصد القلق السعودي والخليجي مما يحدث في اليمن ومخاطر انتقاله إلى الجوار الخليجي.
وعلى صعيد جنوب اليمن، استمرت هناك ثورة شعبية جنوبية ترفض هي الأخرى المشاريع السياسية التي تحاول إنتاج مشروع الوحدة اليمنية بأي شكل من الأشكال.
إقرأ أيضا: ما هي الرسائل التي أراد الزبيدي إيصالها لإدارة بايدن؟
رافقت الأزمة اليمنية العديد من التطورات العسكرية التي عكست الواقع السياسي الرافض لتنفيذ مشروع الدولة الاتحادية على الصعيدين الشمالي والجنوبي، كان أبرزها:
- تمدد وسيطرة الحوثيين على الشمال اليمني وانتقالهم الدراماتيكي جنوباً وإسقاط عدن العاصمة المؤقتة لشرعية الرئيس اليمني هادي الذي فر من صنعاء بعد سقوطها بيد تحالف ثلاثي الدولة اليمنية.
- انتفاض المقاومة في جنوب اليمن وعدن استطاع بدعم وإسناد التدخل العسكري للتحالف العربي في مارس 2015، أن يحرر عدن ويدحر الحوثيين والتنظيمات الإرهابية من باقي المحافظات الجنوبية خلال فترة وجيزة.
منذ قرابة ست سنوات من اندلاع الحرب في مارس 2015 إلى يومنا هذا، ومسرح العمليات العسكرية، الذي يسعى إلى دحر الانقلاب الحوثي على شرعية الرئيس هادي وتنفيذ مشروع الدولة الاتحادية، يتلاشى لصالح سيطرة الحوثيين على كامل جغرافيا الشمال. فيما يتعزز واقع الانقسام في الجنوب عسكريا وسياسيا وثقافيا، مجسّدا الإرادة الشعبية تحت قيادة "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي تشكّل في العام 2017. لا يزال المجلس الانتقالي الجنوبي يستضيف في عدن حكومة المناصفة بين الشمال والجنوب المنبثقة عن اتفاق الرياض الموقع بينه وبين حكومة هادي.
عودة واشنطن
مع عودة واشنطن من خلال إدارة الرئيس بايدن لصدارة الدبلوماسية الدولية، ورغبة الديمقراطيين في مواصلة سياساتهم السابقة التي تهدف لدعم الديمقراطيات الناشئة وإحداث تغييرات سياسية شاملة في العالم في مواجهة الأنظمة السياسية العتيقة، تعود أيضا الحماسة الدولية في إحداث تغيير جذري في ملف الأزمة اليمنية، وإنهاء الحرب ووقف إطلاق النار والدفع بالحل السياسي الشامل، بالتزامن مع عودة التصعيد العسكري للحوثيين، المدعومين من إيران، على محافظة مأرب، وكذلك عودة التحالف الذي تقوده السعودية والحكومة اليمنية إلى تحقيق تقدم عسكري في كل من مأرب وتعز وجبهات أخرى ضد مقاتلي الحوثي.
في هذه اللحظة التي تدفع فيها واشنطن نحو "الحل السياسي الشامل" في اليمن، تعتمد مرة أخرى ومن خلال دعمها لجهود المبعوث الأممي مارتن غريفيث، على نفس الأدوات العتيقة في حل الأزمة اليمنية أو حتى وقف الحرب بصورة رئيسية. السعودية تتبنى الحوار مع الجهات الدولية عن اليمن بالتشارو مع مؤسسة الرئاسة اليمنية التي يسيطر عليها تنظيم الإخوان المسلمين، ونائب الرئيس، علي محسن الأحمر، ذو العلاقات المشبوهة مع الإسلاميين المتطرفين.
لا تمتلك حكومة المناصفة في عدن، التي يمثّل المجلس الانتقالي الجنوبي الطرف البارز فيها، وفقا لاتفاق الرياض، أي دور في المشاورات التي تجري مع الحوثيين عبر الوسيط الأممي، ومشروع "الإعلان المشترك". لم يتم تشكيل الوفد المشترك الذي يضم المجلس الانتقالي والحكومة، وفقا لأحكام اتفاق الرياض.
تكرار الخطيئة
طرح المبعوث الأمريكي إلى اليمن أمس الجمعة مبادئ أمريكية، وهي جزء من الإعلان المشترك الذي يتبنى جهوده مارتين غريفيث، وصفها بـ "خطة متماسكة لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد بعناصر من شأنها أن تعالج على الفور الوضع الإنساني المزري في اليمن مباشرة"، مشيرا إلى أنّ"هذه الخطة معروضة على قيادة الحوثيين لعدد من الأيام، وأن هذه الخطة تتلقى دعما من السعودية. [3] رفض الحوثيون هذه الخطة واعتبروها "تمثل وجهة النظر السعودية" ووصفوها بـ "المؤامرة".
وبصورته السياسية المستقلة، سبق وأعلن المجلس الانتقالي الجنوبي قبيل إعلان حكومة المناصفة، أنه في حل من "الإعلان المشترك"، إذا لم يكن طرفا رئيسيا فيه. وفي حين تواجه الجهود الدبلوماسية الدولية تحدياً صعبا في نجاح جهودها، بمعزل عن مشاركة مباشرة للجنوبيين، يواجه الانتقالي الجنوبي تحدياً أصعب في حال إذا ما مضت الجهود الأمريكية والأممية لإعلان وقف إطلاق النار دون مشاركته كطرف فاعل في هذه المشاورات. يتحتم على المجلس إعادة ترتيب مواقفه السياسية، وأوراقه محليا وخارجيا، بصورة لا تجعل منه مجرد جزء من حكومة انتقالية معنية بصورة أكبر في ترتيب الخدمات للمواطنين.
إنّ الدفع الدبلوماسي والدفع العسكري المضاد لجهود حل الأزمة اليمنية، بصورته الحالية، يُعيد للأذهان سيناريو أحداث 2011 في اليمن، التي قادت خلاله الجهود الدولية والسعودية العملية، بمعزل عن إرادة الجنوبيين، وأدت لفشل مشروع الحوار الوطني والدولة الاتحادية، تسببت باندلاع حرب أهلية كارثية قادت لاختفاء الدولة في اليمن وتحلل هويتها الوطنية والعسكرية والتاريخية.
إقرأ أيضا: هآرتس: للزبيدي القوة لنسف أي مفاوضات لا تأخذ بطموحات الجنوبيين
وفي ضوء هذا الانحدار الذي تواجهه الأزمة اليمنية، وتكرار الأخطاء السياسية، تقف الكارثة الإنسانية وتقترب من الحد غير المعقول، بينما تتصاعد لعبة الحرب مرة أخرى، تتجاهل أطرافها أوجاع ومعاناة الناس التي تتزايد وتنحدر نحو الهاوية.
لا يُمكن أن يكرر المرء نفس التجربة وينتظر حدوث نتائج مختلفة. ماتشير إليه الوقائع والأحداث في اليمن هو أنّ الحل يكمن في تبني مشروع حل الدولتين والعودة لحدود 21 مايو 1990، فالرفض الجنوبي الواضح للارتباط بالشمال اليمني يُقابله رفض شمالي واضح لأي مشروع سياسي يُحاول أن ينتزع من المركز المقدس في اليمن الأعلى نفوذه وسيطرته علاوة على تمسّكه بعقيدته الراديكالية الرافضة رفضاً تاريخياً للفكر الإنساني المدني التقدمي.
- بدر قاسم محمد
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات