17-03-2021 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| المحرر السياسي
وضعت الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في جنوب اليمن، المملكة العربية السعودية باعتبارها قائدة التحالف في اليمن، وراعية اتفاق الرياض الموقّع بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة هادي، أمام مسؤوليات كبيرة وأخلاقية، بعد تفاقم انهيار الخدمات وتردي الوضع المعيشي وانقطاع الرواتب في مدن جنوب اليمن، الأمر الذي يهدد بإفشال اتفاق الرياض، في ظل الجهود الدولية الحالية لحل الأزمة في اليمن.
دفعت هذه الاحتجاجات وزارة الخارجية السعودية لإدانة ما وصفته "اقتحام" المتظاهرين لقصر المعاشيق بـ"أشد العبارات"، داعية الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى اجتماع عاجل في الرياض.
وقبل بيان الخارجية السعودية كان بيان للحكومة اليمنية الجديدة، قد ناشد التحالف العربي بقيادة السعودية والمجتمع الدولي إلى سرعة دعمها اقتصاديًا لمواجهة ما أسمته بـ"الإلتزامات المتراكمة". وشددت الحكومة في بيان لها، على ضرورة "مساندتها بصورة عاجلة قبل حدوث انهيار اقتصادي، قالت إنّ "آثاره ستكون كبيرة على كل المستويات".
الخارجية السعودية من جهتها أكّدت على دعم الحكومة اليمنية التي باشرت مهامها في عدن بتاريخ 30 ديسمبر/ كانون الأول الماضي برئاسة الدكتور معين عبدالملك، مشيرة إلى "أهمية منحها الفرصة الكاملة لخدمة الشعب اليمني في ظل الأوضاع الإنسانية والاقتصادية الصعبة الراهنة."
لقد وعدت الرياض مرارا بتوفير الدعم للحكومة الجديدة، في سبيل انتشال أوضاع الناس المتدهورة وتحسين مستويات معيشتهم، وإنجاح جهود الحكومة في هذا المسار. لكنها ومنذ وصول الحكومة الجديدة إلى عدن، لم تحقق هذه الوعود، وفقا لمصادر في الحكومة.
أعلن المجلس الاقتصادي الأعلى عقب تشكيل الحكومة مباشرة في ديسمبر الماضي، في بيان صحفي، وصول الموافقة على سحب الدفعة رقم (39) من الوديعة السعودية بمبلغ إجمالي 94 مليون دولار، لتغطية ما وصها "طلبات فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع الأساسية." ومنذ ذلك الحين، لم يتم تعزيز الحكومة بأي دعم اقتصادي آخر.
وسبق واتهم تقرير الخبراء الأمميين الصادر في يناير كانون الأول الماضي البنك المركزي اليمني والحكومة السابقة بممارسة أعمال فساد وغسيل أموال رافقت الوديعة السعودية المقدمة في 2018.
يعيش جنوب اليمن وضعا إنسانيا مأساوياً منذ غزو الحوثيين لعدن في مارس 2015، ازدادت حدته مع خروج الإمارات وجهودها الإغاثية من البلد في أكتوبر تشرين الأول 2019.
من المسؤول
بعد دخول السعودية عدن، برز دور البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، الذي يديره السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر في أعمال ومشاريع داخل عدن والمهرة وشبوة وسقطرى. وعلى الرغم من إشادة البعض في أنشطة البرنامج، إلا أنّه لم يستطع تقديم حلول فعالة للأزمات المعقّدة التي يشهدها ملف خدمات الكهرباء والمياه في عدن.
قال السفير السعودي في تصريحات سابقة أنّ ملف الخدمات مسؤولية الحكومة الجديدة. في محاولة لإعفاء دور الرياض من واجباتها تجاه الحكومة. لكن ملف الخدمات بحاجة إلى موارد اقتصادية ودعم.
قال المبعوث الأممي مارتين غريفيث أمس الثلاثاء في كلمة لمجلس الأمن الدولي أنّ "الوضع في عدن والمحافظات المجاورةلا يزال صعبًا." وأضاف، "إن تحسين الخدمات الأساسية، بما يتضمن القدرة على الحصول على الكهرباء، وضمان دفع الرواتب لموظفي الحكومة، وضمان الأمن واستقرار الاقتصاد سيتطلب المزيد من الموارد. حاليًا، هناك نقص في تلك الموارد."
إقرأ أيضا: عدن: احتجاجات سلمية غاضبة في ساحات مقر حكومة المُناصفة
مطالب المحتجين تعاطف معها السفير البريطاني لدى اليمن مايكل آرون، في تغريدة نشرها الثلاثاء على تويتر. قال آرون أنّ "تنفيذ اتفاق الرياض هو المفتاح.. والحكومة تحتاج إلى موارد لتحقيق الإصلاح وتحسين الظروف".
وعلى الرغم من أنّ المجلس أعلن اتخاذ عددا من التدابير والاجراءات الأمنية "لمواجهة أي أعمال تتعمد التخريب والفوضى بالعاصمة الحبيبة عدن"، إلا أنّ الاحتجاجات التي شهدتها عدن كانت على درجة عالية من السلمية والوعي. وقد عبّر المحتجون عن مطالبهم أمام مقر الحكومة، ثم انسحبوا من هناك بعد تدخل قيادات أمنية وسياسية في المجلس.
خلفيات الحصار
قالت مصادر مطلّعة لـ "سوث24" أنّ ما يتعرض له الشعب الجنوبي في عدن ومناطق جنوب اليمن، هو "حصار اقتصادي"، هدفه دفع المجلس الانتقالي الجنوبي للتخلي عن مطالبه السياسية، التي يعبّر عنها بشكل متكرر، في ضرورة مشاركته كطرف فاعل ومستقل في مفاوضات الحل الشامل للأزمة اليمنية.
وأعلنت هيئة رئاسة المجلس في اجتماع استثنائي عقدته الثلاثاء، لتدارس التطورات في المحافظات الجنوبية، عن دعمها "للمطالب الشعبية السلمية". وشدد الاجتماع "تجاه ضرورة نيل حقوق الشعب الجنوبي، وكذا أهمية تنفيذ اتفاق الرياض وصولا للحل النهائي الذي يسعى له الجنوبيون من خلال المشاركة في عملية السلام الشاملة التي ترعاها الأمم المتحدة".
وشدد المجلس على أنّ "حل قضية الجنوب هو مفتاح السلام والاستقرار والأمن في المنطقة العربية وخليج عدن".
تعرّض المجلس الانتقالي الجنوبي لهجوم حاد متواز مع بيان الخارجية السعودية من قبل نشطاء وأقلام سعوديين وآخرين يعملون في مكتب الرئيس اليمني المقيم في الرياض. وشنّت وسائل إعلام تتبع قطر والإخوان المسلمين حملة تحريض ضد الاحتجاجات الشعبية.
وصف محلل سعودي الأهالي في عدن بالغوغاء، وطالب بحسم الأمور في عدن في إشارة لاستخدام خيار القوة ضد الجنوبيين. وقال الصحفي السعودي البارز عضوان الأحمري أنّ "اقتحام قصر معاشيق خدمة ذهبية للحوثي"، وطالب المحتجين للذهاب إلى مأرب "لمساندة الشرعية".
تقول المصادر لـ "سوث24" إنّ خطاب بعض الإعلاميين السعوديين، يعكس سوء فهم عميق لواقع الناس ومطالبهم وإرادتهم في جنوب اليمن.
يرى مراقبون أنّ السعودية تسعى لعقد صفقة حل مع ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، لإنهاء الحرب في اليمن، دون إشراك المجلس الانتقالي في العملية السياسية، وهو الأمر الذي حذّر المجلس منه مرارا، وعبّر عن رفضه الالتزام بأي اتفاق لا يكون طرفاً فيه.
إقرأ أيضا: الأزمة اليمنية.. بين قلق الرياض وتكرار الخطيئة السياسية بحق الجنوب
وشهدت الأسابيع الأخيرة تقارباً ملحوظا بين الرياض وجماعة الإخوان المسلمين اليمنية، التي تسعى لبسط سيطرتها على جنوب اليمن، وتتواجد بدعم التحالف في مناطق الجنوب النفطية في شبوة ووادي حضرموت، ولا تزال ترفض سحب قواتها من شبوة ووادي حضرموت لقتال الحوثيين، وفق ما نص عليه الشق العسكري من اتفاق الرياض.
وكانت قوات المنطقة العسكرية الأولى قد قمعت احتجاجات شعبية سلمية بالقوة، في مدينة سيئون الاثنين الماضي، أسفر ما لايقل عن إصابة ستة أشخاص واعتقال آخرين.
لا يبدو أنّ المملكة تملك رؤية لحل الأزمات المعقّدة في اليمن، لكنها تُدرك بالمقابل أنّ خسارة الحاضنة الشعبية الجنوبية، سيعزز من فشل التحالف الذي تقوده في اليمن، وسيدفع الأمور إلى مزيد من الفوضى.
لا يأمل الجنوبيون بالمقابل خسارة حليف استراتيجي كالسعودية، لكنهم بالمقابل لن يخضعوا لسياسة الإفقار الممنهجة التي اتخذتها الحكومات اليمنية المتعاقبة، بعلم المملكة، وسيلة لردع الناس عن التمسك بقضيتهم الوطنية ومطالبهم العادلة في دولة مستقلة وحياة حرة وكريمة.
إنّ حرب الخدمات واستمرار الانهيار الاقتصادي، وسياسة التجويع، وتجاهل إرادة الجنوبيين هي وحدها من تقدّم لميليشيا الحوثي خدمات مجانية على طبق من ذهب.