هل فشلت استراتيجية «الإسلام المعتدل» الأميركية في اليمن؟

هل فشلت استراتيجية «الإسلام المعتدل» الأميركية في اليمن؟

التحليلات

الأحد, 04-04-2021 الساعة 12:58 صباحاً بتوقيت عدن

سوث24| قسم التحليل 

في  عام 2007، أثار تقريراً أصدره مركز راند الأميركي للأبحاث، التابع لوزارة الدفاع الأميركية، تحت عنوان "بناء شبكات الإسلاميين المعتدلين"، حفيظة الإعلام السعودي، عندما أشار إلى ماوصفه بـ "إعادة الإسلام العتيق للمنطقة" واتهم السعودية بتمويل "النسخة الوهابية الجديدة للإسلام"، تزامنا مع بروز نجم حزب الله اللبناني في حرب العام 2006 مع إسرائيل.

انعكس هذا التقرير الاستراتيجي  البارز بصورة عملية في اليمن، الخاصرة الجنوبية الضعيفة للسعودية، عقب بروز جماعة أنصار الله "الحوثيين" حاملة الفكرة العقائدية العتيقة، التي يدّعي زعيمها عبدالملك الحوثي أحقيته وسلالته الهاشمية بالحكم مشيرا لما يسميها بـ "الهوية الإيمانية" عوضاً عن "الهوية اليمنية".

السيطرة الحوثية على كامل جغرافيا شمال اليمن جاءت منذ لحظة انطلاقتها الأولى بإنقلاب عسكري وإسقاط العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 في مشهد دراماتيكي متسارع يبعث الإستغراب والذهول ومازال حتى هذه اللحظة، التي تثبت تفوق وسيطرة الحوثيين في مقابل انكماش وتقهقر السيطرة العسكرية للحكومة الشرعية بقواتها وإمكانياتها الضخمة المسنودة من التحالف العربي بكل إمكانياته وتفوّقه العسكري.

مؤخراً، سعت الجماعة الحوثية لاستحضار اللاعب الدولي وخصوصاً الأميركي لتعزيز عوامل التفوّق العسكري لصالحها على خصومها المتعددين محلياً وخارجياً.

هل فشلت استراتيجية «الإسلام المعتدل» الأميركية في اليمن؟

بدر قاسم محمد
 
زميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحث في الشؤون السياسية اليمنية  

على الصعيد المحلي تدرّج الحوثيون في استخدام قوة وامكانيات حلفائهم، بدءاً من الحزب الحاكم سابقا "المؤتمر الشعبي العام" وانتهاءا بالشريك التاريخي لحزب المؤتمر، حزب الإصلاح "جماعة الإخوان المسلمين". سيطرة الحوثيين وغلبتهم العسكرية لم تكن لتحدث لولا غلبتهم السياسية ودهاءهم المسنود خارجياً، فضلا عن وجود أجندات خارجية دفعت وتدفع باتجاه خلق حلفاء للجماعة في كل مرحلة. ولكل مرحلة سياسية وعسكرية حليفها الخاص والمضطلع بلعب دور الحليف الخفي المشارك بفاعلية في صناعة الظاهرة الحوثية.

عند هذا الحد الذي يظُهر السيطرة الحوثية في اللحظة الراهنة وكشف الجماعة عن امتلاك ما وصفته "قوة الردع" والقدرة على مقارعة وتهديد أمن الجارة الكبرى المملكة العربية السعودية بواسطة الترسانة العسكرية من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة المهرّبة من إيران، يكون الحوثيون قد بلغوا مرحلتهم الأخيرة المتمثلة في تتويج كيانهم العقائدي بكيان سياسي لدولة يمنية معترف بها، وتكون إستراتيجية تقرير مركز راند الأميركي قد نُفّذت بحذافيرها، الأمر الذي يفسّر المخاوف السعودية التي أثيرت حول تقرير راند حينها.

مقابل ذلك تتصاعد مخاوف أطراف دولية أخرى من خطر تمدد الجماعة الحوثية أو دفعها بالجماعات والتنظيمات الإرهابية باتجاه الجنوب، لتعلن عن نفسها - أي هذه المخاوف - بوضوح أكثر بإحتمالية تدخلها العسكري في اليمن لحفظ الأمن والسلم الدوليين والحيلولة دون "اندلاع الحرائق"  بالمنطقة الجغرافية اللصيقة بممر التجارة العالمية وأمنه. لهذا يتصاعد الخلاف السياسي في أروقة المنظمة الأممية المعنية بحل الأزمة في اليمن إلى درجة الإنقسام. 

تسفيه الخصوم 

كشف تقرير راند الاستراتيجي حينها، عن وجود آلية تنفيذ تختص بجوانب الحرب مع الإرهاب على الصعيدين العسكري والفكري. ولأنّ أول شراكة يمنية أمريكية لمحاربة الإرهاب أقيمت في عهد النظام اليمني السابق، فقد أوليت هذه الآلية عمليا في اليمن، بيد آخر مؤسسة أمنية تم إنشاءها بعهدة النظام السابق "جهاز الأمن القومي" على حساب جهاز "الأمن السياسي". هذا ربما يضع تفسيراً منطقيا لخوض المؤسستين صراع ضد بعضها منذ وقت مبكر. فقد صُنّف جهاز الأمن السياسي بتبعيته للجنرال العسكري علي محسن الأحمر وحزب الإصلاح بينما يتبع جهاز الأمن القومي للرئيس السابق علي عبدالله صالح وأفراد عائلته.

أشارت آلية التقرير الأميركي للحرب الفكرية مع الإرهاب،حول ضرورة تعرية وإظهار رموز وقيادات "الفكر الإرهابي" المتطرّف في صورتها الحقيقية التي تسفّه العقل وتضلل المجتمع. 

هذه الآلية بتركتها الإعلامية الضخمة، التي عملت الولايات المتحدة على تنشئتها وإخراجها للعمل في الحقل اليمني، تم تجييرها سياسياً بصورة خاطئة، فضلّت طريقها وانتقلت من تسفيه الرموز والعناصر الراديكالية المتطرّفة إلى تسفيه الخصوم السياسيين وتصفية القضايا السياسية بأدوات من المفترض أنّها تحارب الإرهاب ولا تحارب الخصوم السياسيين الذين يحاربون الإرهاب.

هنا بالضبط يتّضح جهل السياسة الأميركية بالواقع اليمني الذي ينبع من عدم تعاملها المباشر مع ماضيه، بينما مازالت أدوات إنفاذ السياسة الأمريكية لمحاربة الإرهاب في اليمن، هي ذات الأدوات العتيقة التي جيّرت الحرب على الإرهاب لخدمة أهدافها السياسية ومازالت تكرر الفعل ذاته.

على الأرجح، هذا ما فعلته الميليشيات الحوثية، المدعومة من إيران، بعد أن انتقلت من موقعها العقائدي الذي وُضعت فيه - افتراضيا - لمحاربة الجماعات والتنظيمات الإرهابية، إلى موقعها السياسي الذي يستخدم نفس الجماعات والتنظيمات الإرهابية لأهداف سياسية تماماً كما فعل قبلها حزبي المؤتمر وحزب الإصلاح. كل ذلك يجعل السؤال الاستراتيجي قائما: هل حققّت السياسة الأميركية في اليمن الموضوعة لمحاربة الإرهاب أهدافها؟ الإجابة، كما تبدو (لا). 

- بدر قاسم محمد 
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات 
- الصورة: وسائل إعلام يمنية 

الحوثيون الوهابية الإخوان المسلمون السعودية الولايات المتحدة اليمن معهد راند مكافحة الإرهاب