19-05-2021 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليل
قبل أن يُعرب المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن جريفيث، في آخر جلسة لمجلس الأمن بشأن الأزمة في اليمن عن شعوره بالإحباط من توصل أطراف الصراع اليمني لحلٍ سياسي [1]، كان هجوم الحوثيين على مدينة مأرب يقترب من إسقاط المدينة، آخر معاقل الحكومة المعترف بها دولياً في شمال اليمن.
وصفت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة، ايكاتريني كيتيدي، في مؤتمر صحفي، أنّ شهر مارسَ آذار الماضي هو الأسوأ على الإطلاق من حيث أعداد الضحايا في اليمن [2]. وعلى الرغم من الدعوات الدولية المستمرة خلال تلك الفترة لوقف إطلاق النار، لم تستجب أطراف النزاع اليمنية لها. في كلمته قبل الأخيرة لمجلس الأمن دعا غريفيث أطراف الصراع في اليمن إلى وقف لإطلاق النار، مستغلا فرصة التذكير بحلول شهر رمضان. لذا فالهدوء النسبي الذي شهدته مأرب في النصف الأخير من أبريل الفائت، والنصف الأول من مايو الجاري، خلال شهر رمضان، ليس استجابة للدعوات الدولية، بقدر ما بدى استجابةً لطقوس شهر رمضان الإسلامية. [3]
الأزمة اليمنية في ضوء أحداث غزة
بين قدسية الزمن «رمضان" عند المسلمين، وقدسية المكان "القدس" في فلسطين، أثارت هذه القداسة أيضا الحرب بين اسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، في الوقت الذي تمددت حالة الهدوء النسبي بين طرفي صراع مأرب اليمنية. ليس السبب وحده هو انشغال عموم الشارع العربي والإسلامي بالحرب على قطاع غزة في فلسطين، بل هناك سبب آخر يتمثل في ظهور حالة من التقارُب السياسي والعقائدي بين حزب الإصلاح اليمني (فرع الإخوان المسلمين في اليمن)، الذي يدير القوات الموالية للحكومة اليمنية في مأرب، وبين جماعة الحوثي- ذراع إيران في اليمن.
"سيكون الارتداد الإيراني من الشام إلى اليمن مرة أخرى هو الأعنف على الإطلاق في ظل وضع الحوثيين السياسي والاقتصادي"
خلال ست سنوات من الحرب اليمنية، كان العنوان الأبرز في مأرب "انتصار الحوثيين"، الذين يشارفون على إسقاط مدينة مأرب. لم يعد البحث في ماضي إخفاق وهزائم قوات هادي التي يديرها حزب الإصلاح أمام الحوثيين مُهمًا الآن. كما لم تعد مُقارنة هزائم مأرب بالانتصارات التي تحقّقها القوات الجنوبية في جنوب اليمن على الخصم نفسه، دالةً عسكريةً لمعادلة سياسية يُفترض لها أن تظهر للناس. فأحداث غزة قد تساعد في إبراز النسخة اليمنية "علاقة حزب الإصلاح بجماعة الحوثيين" إلى جانب النسخة الشامية " علاقة حركة حماس الفلسطينية بحزب الله اللبناني" في صورة جماعتين إسلاميتين إحداهما شيعية والأخرى سنية، يصهرهما معا الإسلام السياسي والولاء لإيران وتركيا وأخيرًا "مقاومة الاحتلال الإسرائيلي".
من هنا رُبما تبرز أهمية استشراف مآلات معركة مأرب - آخر محافظة شمالية في اليمن تُحاذي محافظات الجنوب (شبوة وحضرموت والمهرة)، حيث تتركز المصالح الدولية ونفوذ السلطات الحكومية التي يهيمن عليها حزب الإصلاح - في ضوء أحداث غزة وتداعياتها. هل ستحدث متلازمة التقدم الحوثي والتقهقر الحكومي لحزب الإصلاح، فتنتقل المعركة إلى ما بعد مأرب جنوبًا في صورة شبيهة بست سنوات حرب عبثية؟
أحداث المنطقة في مرمى برنامج إيران النووي
لا ينفذ الحديث عن انعكاس أحداث غزة على الأزمة اليمنية، من زاوية حساسية القضية الفلسطينية وقدرتها على إثارة المشاعر العقائدية. حركة حماس لا تبدو كمن يتصدر معركة الدفاع عن نفسها، في مواجهة هجوم الجيش الإسرائيلي المركّز عليها في غزة. قبل هذا كان الغضب الفلسطيني قد اشتعل جراء "اعتداء" قوات الأمن الإسرائيلي على باحة المسجد الأقصى، الأمر الذي شجّع القيادي في حركة حماس، إسماعيل هنية، على التصريح من مقر إقامته في دولة قطر، قائلًا: المقاومة ليس لها شروط تتعلّق بغزة [4]. اعتبر مراقبون حديث هنية ردًا على مساع التهدئة بين حماس وإسرائيل، كانت قد تبنّتها بعض الدول وأوصلتها قطر قبل أن يصل رد فعل حماس بهذه الطريقة العلنية.
الدفاع عن المسجد الأقصى والقضية الفلسطينية، يكسب حركة حماس حق المجاهرة بعلاقتها مع دولة إيران وما يُعرف بمحور المُمانعة. هذا موقف لا يتكرر من حماس وفرصة لا تُعوض لإيران، في ظل كل التطورات التي تشهدها المنطقة العربية- وكانت لإيران فيها يد- يفتح الباب على مصراعيه لتساؤلين مختلفين عن: ما ومن يقف وراء أحداث غزة؟
من جهة، إذا ما وضعنا أحداث غزة في سياق الصراع الإيراني الإسرائيلي، بدلالة سلسلة من التطورات العسكرية التي حدثت بين الطرفين، كان جوهرها الخلاف حول برنامج إيران النووي، أبرزها:
- عملية اغتيال العالم الإيراني فخري زاده في نوفمبر 2020.
- اتهام إيران لجهاز الموساد الإسرائيلي بالوقوف وراء عملية الاغتيال.
- الاحتكاكات البحرية التي تكررت بين الطرفين في المياه الإقليمية والدولية مطلع العام الجاري.
- استهداف مفاعل إيران النووي نطنز.
- رد إيران بإطلاق صاروخ باليستي من سوريا وقع بالقرب من مفاعل ديمونا الإسرائيلي.
إذا ما أخضعنا هذه السلسلة من الأعمال العسكرية المباشرة، على غير العادة، للتحليل الدقيق لأداء الطرفين السياسي والعسكري، سنجد عنصر المباشرة والاستباق العسكري والأمني عن بعد يرجّح كفة إسرائيل، بينما عنصر "الوكلاء" العسكري والعقائدي عن قرب يرجّح كفة إيران. الرؤية من هذه الزاوية تضع أحداث غزة في مرمى الصراع الإسرائيلي الإيراني.
"تزامنا مع أحداث غزة، في فلسطين، فضّل تنظيم القاعدة، توجيه رسائله لأنصاره في مناطق جنوب اليمن، الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية"
من جهة أخرى، إذا ما وضعنا أحداث غزة في سياق النبرة السياسية الهادئة التي حضرت مؤخرًا بين السعودية وإيران، على طريق حل الأزمة اليمنية خصوصًا وتسوية مختلف الملفات العربية العالقة عمومًا، سنجد أنّ تداعيات أحداث غزة التي أحرقت الموقف العربي من القضية الفلسطينية، بعد إبرام اتفاقيات السلام العربي مع إسرائيل، تقتفي أثر ومصير الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
أولًا، من خلال سعي السادات للسلام مع إسرائيل، ثم ثانيًا من خلال عملية اغتياله على يد جماعة الإخوان المسلمين التي وقفت وراءها وباركتها حينها إيران. ما يحدث في غزة حاليًا يرفعه بعض المحللين إلى مصاف الاغتيال السياسي لقيادات الدول العربية التي عقدت اتفاقيات سلام مع إسرائيل.
الثابت في هذا وذلك هو دور إيران في المنطقة واصرارها على إلحاق الأذى بالدول العربية، فإن غاب ضررها العسكري المباشر في اليمن والشام والعراق، حضر ضررخا السياسي في فلسطين، مما يجعل عودة التصعيد الإيراني في اليمن هو الخيار الأنسب لمواجهة الضغط الدولي حول برنامجها النووي، لعدة أسباب، منها موقع اليمن الهام على خط الملاحة الدولية؛ الأداة اليمنية الطيّعة بطبيعتها الغجرية والعنيفة؛ الوضع السياسي اليمني الهش، حيث يتمتع السفير الإيراني لدى الحوثيين، حسن إيرلو، بصلاحيات عسكرية وسياسية تجعله الحاكم الفعلي لصنعاء.
على الأرجح سيكون الارتداد الإيراني من الشام إلى اليمن مرة أخرى هو الأعنف على الإطلاق في ظل وضع الحوثيين السياسي والاقتصادي الصعب.
أهمية تنفيذ اتفاق الرياض
إلى جانب القلق الأممي من خطر انتشار التنظيمات الإرهابية وتوسع تواجدها في اليمن، كانت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي في آخر لقاء جمعها بالمبعوث الأممي لليمن مارتن جريفيث في العاصمة الإماراتية أبوظبي، في أبريل هذا العام، قد أشارت إلى خطر انتشار التنظيمات الإرهابية. [5]
ولمرات عديدة طالبت بالدعم العربي والدولي لمواجهة خطر الإرهاب في جنوب اليمن، الذي بدى يتصاعد مؤخرا بشكل لافت، على الرغم من أنّ قواتها الجنوبية قد قطعت شوطًا لا بأس به في هذا الجانب. كما دعت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي في اللقاء ذاته إلى استكمال تنفيذ اتفاق الرياض الذي وقعّته مع حكومة هادي في 5 نوفمبر 2019، قبل أن يعبّر أعضاء مجلس الأمن الدولي عن قلقهم من تصاعد الإرهاب في اليمن، إلى جانب تأكيدهم على أهمية تنفيذ اتفاق الرياض. [6]
ذات صلة: تنظيم القاعدة يعزّز حضوره في أماكن سيطرة الحكومة اليمنية
قد يبدو هذا استشرافًا أمميًا لتداعيات الصراع الدائر في مأرب، الإنسانية، والسياسية، والعسكرية، والأمنية. قبل أن تظهر أخيرًا أحداث غزة بتداعيات جديدة قد تزيد الأمور تعقيداً. وضع المجلس الانتقالي الجنوبي - من منطلق وطني وتجربة عسكرية وأمنية تشكّلت خلال صراعه مع الجماعات المتطرفة - حسابات سياسية لسقوط مأرب، ترجّح تصاعد "التهديدات الإرهابية" في الجنوب".
تزامنا مع أحداث غزة، في فلسطين، فضّل تنظيم القاعدة، توجيه رسائله لأنصاره في مناطق جنوب اليمن، الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية. بث تنظيم القاعدة، الثلاثاء، فيديو مصوراً عرض مشاهدا لهجومين دمويين على موقع لقوات الحزام الأمني التابعة للانتقالي الجنوبي في محافظة أبين. إلى جانب ذلك، تضمّن الفلم خطابا لزعيمه في جزيرة العرب، خالد باطرفي وجهّه لمن وصفهم "أهلنا في الجنوب"، وحرّضهم لـ "الثورة" على القوات الأمنية الجنوبية. [7]
هذه التطورات تُشير إلى إمكانية تحقّق المخاوف الأممية وتحذيرات المجلس الانتقالي الجنوبي المتكررة بشأن "عودة الإرهاب". ومن نافذة أحداث غزة، تكون حرب تنظيم القاعدة على الإمارات العربية المتحدة وحلفائها في الجنوب، حرباً مُقدسة لدى أنصاره، بذريعة العمالة لإسرائيل وأمريكا.
- بدر قاسم محمد
زميل في مركز سوث24، باحث في الشؤون السياسية اليمنية
- الصورة: قيادات من المجلس الانتقالي الجنوبي، خلال صلاة عيد الفطر، الخميس الماضي، وهم يحملون الشال الفلسطيني، تعبيرا عن تضامنهم مع الفلسطينيين (رسمي)
قبل 3 أشهر