26-05-2021 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليلات
تمرّ الأزمة اليمنية، حالياً، بأصعب مراحلها على الإطلاق. بلغت ذروة الخلاف حول مستقبل الوحدة اليمنية في الذكرى الـ 31، بمعزل عن رغبة الجنوبيين في الاستقلال وحل الدولتين. فقد أظهرت طبيعة تعاطي الساسة اليمنيين مع ذكرى الوحدة حالة من الانقسام في جسم الحكومة اليمنية الهش، ما ينذر بإمكانية عودة الصراع مجدداً إلى محافظتي شبوة وأبين جنوب اليمن.
يعزز هذا الانقسام اقتراب جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، من السيطرة المطلقة على شمال اليمن كاملا.
مؤشرات الأزمة حول مصير"الوحدة اليمنية"
لأول مرة، اعترف الرئيس "الشرعي" عبدربه منصور هادي في كلمته بذكرى الوحدة بتعرّض الأخيرة للنهش والتهشيم [1]. هادي حاول ربط مصير الوحدة اليمنية بإمكانية النجاح في تنفيذ مشروع الدولة الاتحادية، معتبراً انقلاب الحوثيين انقلاباً على الوحدة. مازال الرئيس هادي يؤكد رفض الشعب اليمني للتجربة الإيرانية التي يعمل الحوثيون على استنساخها في اليمن. جاءت تهنئة الرئيس هادي بصورة بيان سياسي يذهب إلى تحقيق الوحدة عن طريق دحر الحوثيين واستعادة صنعاء، أولاً وقبل كل شيء آخر.
الحقيقة أنّ مشروع الدولة الاتحادية، أحد مخرجات "الحوار الوطني"، الذي يتبناه الرئيس هادي، لم يقبله الشمال. إلى هذه اللحظة التي يقف فيها الحوثيون على مشارف إسقاط مأرب، آخر مدينة شمالية، يكون مشروع الدولة الاتحادية قد سقط بسقوط كل الشمال بيد الحوثيين، الأمر الذي يجعل "الإنقلاب" الحوثي "انقلاباً شمالياً" مكتمل الأركان على شرعية الرئيس هادي وعلى مشروع الدولة الاتحادية، وفي الوقت نفسه "انقلاباً" على الوحدة اليمنية.
لم يتحفّظ هذه المرة رئيس مجلس الشورى اليمني، أحمد بن دغر، من التذكير، أنّ مصير الوحدة في اليمن مرتبط بمصير الجمهورية في صنعاء. ربما، في أحسن الظن، أراد بن دغر توجيه اهتمام القوى اليمنية ناحية الحوثي.
هذا الواقع الذي تكوّن في شمال اليمن، لم يعد يبرر دعوات حزب الإصلاح وما يسمى بـ "التحالف الوطني للقوى والأحزاب السياسية"، التصعيدية للحفاظ على الوحدة، وفقا لبيانهم في الذكرى نفسها. يشير بيان القوى اليمنية التي تدير دفة نظام هادي، إلى نوايا مبيتة لمزيد من افتعال الصراع في الجنوب، على وجه الخصوص، في شبوة وأبين، وبالتالي القضاء على مساعي استكمال تنفيذ اتفاق الرياض. [2]
ربط حزب الإصلاح والأحزاب اليمنية موقفهم من الوحدة من وجهة نظر شمالية محضة بتوجيه مفردات الوعيد ناحية الجنوب "الانفصالي"، على الرغم من أنّ الانفصال بات يجسّده الحوثي واقعا في الشمال. قد يراهن هنا حزب الإصلاح على تحالف مع الحوثيين، في أفضل الحالات لمواجهة دعوات الجنوبيين. يعزز هذا التحالف المواقف المتشابهة من المزاعم التي أوردها تقرير للوكالة الأمريكية حول بناء الإمارات قاعدة عسكرية في جزيرة ميون الجنوبية، على مضيق باب المندب.
في بيان أحزاب "التحالف الوطني" خلت قائمة الموقعين من الحزب الاشتراكي اليمني، الذي سبقهم بإصدار بيان بالمناسبة رأى فيه أنّ وحدة مايو "تم اجهاضها بحرب ظالمة تناسلت عنها حروب." [3]
لا تزال، على الأرجح، فتوى حرب 1994 الشهيرة، التي يصادف اليوم، وفاة صاحبها، عبد الوهاب الديلمي، وأباحت قتال الجنوبيين بحجة "كفر" الحزب الإشتراكي اليمني، الذي وصفته الفتوى بـ "المرتد"، عالقة في أذهان الحزب الذي حكم اليمن الجنوبي لعقود.
استحضر الحزب، لربما التحالفات التي واجهها خلال السنوات الماضية، وطبيعة العقلية السياسية للنخب اليمنية، في الأزمات والحروب المتعاقبة، فدعا في بيانه لضرورة "تجنب الحلول العسكرية في حل الخلافات البينية." على الأرجح حاول الاشتراكي التحذير من نوايا تصعيد عسكري، برزت مؤشراته خلال الأسابيع الماضية.
المجلس الانتقالي الجنوبي لا يتوقف عن التأكيد بكل مناسبة بتمسكه ب "مشروعه الوطني"، الذي يتمثل في استعادة الدولة والهوية الجنوبية، في سياق سياسي يدعو بالمقابل لاستكمال مسار اتفاق الرياض، استجابة لجهود التحالف العربي والمجتمع الدولي نحو حل الأزمة اليمنية حلاً سياسياً.
جدد المجلس، على الرغم من التحشيدات العسكرية في أبين، تعاطيه الإيجابي مع دعوات السعودية لاستكمال المشاورات بشأن تنفيذ ما تبقى من الاتفاق، على الرغم من اشتراطه عودة الحكومة اليمنية للقيام بمسؤولياتها الخدمية للمواطنين، وفقا لمتحدث المجلس لوكالة أنباء الصين، الثلاثاء. على الأرجح أراد المجلس أن يحذّر من خطورة تحويل حكومة المناصفة بين الجنوب والشمال، أحد مخرجات اتفاق الرياض، إلى طرف في الأزمة بيد الرئاسة اليمنية وحزب الإصلاح على وجه الخصوص.
الأزمة اليمنية بين الحل السياسي والحل العسكري
حسب المؤشرات التي برزت أخيراً بين أطراف الصراع اليمني، من الممكن تقسيم مواقف هذه الأطراف إلى فريقين:
فريق يسعى إلى فرض حلول عسكرية معينة في اتجاهات معينة. يقف على رأس هذا الفريق الجماعة الحوثية بسعيها الحثيث للهجوم العسكري على مأرب بغية إسقاطها، علاوة على محاولة الجماعة فرض سلطة الأمر الواقع بالقوة العسكرية على كل اليمن. إضافة إلى ذلك، تأهب حزب الإصلاح وتحالف الأحزاب الصغيرة حوله، للتصعيد جنوبًا ضد المجلس الانتقالي الجنوبي، للحفاظ على "وحدة اليمن".
أما الفريق الثاني، فيقف على رأسه الرئيس هادي ورئيس حكومة المناصفة، اللذان يسعيان لكسب التأييد الدولي السياسي واللوجستي لـ "شرعيتهما"، من ناحية، ومن نأحية أخرى، المجلس الانتقالي الجنوبي ومعه الحزب الإشتراكي اليمني في الجنوب، عبر الدعوة إلى استكمال ماتبقى من اتفاق الرياض. وعلى الرغم أنّ الأخيرين يتفقان بأنّ الوحدة اليمنية تم القضاء عليها، إلا أنّهما يتباينان بشأن حل قضية الجنوب. يؤكد الاشتراكي على أنّ يكون ذلك "وفقا لما يرتضيه شعب الجنوب".
تتجه الأزمة في اليمن إلى المزيد من التعقيد، تصاعدت فيه الحلول العسكرية وانعدمت فرص الحل السياسي، عبّر عن ذلك المبعوث الأممي لليمن مارتن جريفيث في احاطته الأخيرة لمجلس الأمن بـ "عدم توافق أطراف الصراع في اليمن على الحل السياسي". [4]
هذا التعقيد يؤكّد على أنّ انقسام الساسة اليمنيين في ذكرى "الوحدة اليمنية"، ليس إلا فيض من غيض من الأزمات العميقة والمركّبة.
من المهم الإشارة إليه، أنّ هذه التطورّات جاءت متزامنة مع تصاعد نشاط تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، في محافظتي أبين وشبوة في الجنوب. إنّ المعركة مع "الإرهاب"، تمثّل تحديا كبيرا للمجلس الانتقالي الجنوبي والتحالف الذي تقوده السعودية وللجهود الدولية التي تقودها الأمم المتحدة وواشنطن.
وعلى الرغم أنّ مصادر سياسية أكّدت لـ "سوث24" اختلاف ظروف الواقع السياسي والعسكري هذه المرة، عن 2019 في الجنوب، إلا أنّ النهج السياسي القائم لعدن الآن هو الشروع بحلول استراتيجية تجعل الخيار الدبلوماسي هو السلاح الأول لانتزاع المكتسبات، مع وضع مختلف السيناريوهات الأخرى في الحسبان.
في ضوء التناقضات الواردة، بذكرى الوحدة بين الجنوب والشمال، فإنّ مساعي القوى اليمنية لإعادة تعريف الأزمة اليمنية، سيدفع بالضرورة، المجتمع الدولي لإعادة تعريف "الوحدة اليمنية"، وفق حلين إما سياسي أو عسكري، يكون المجلس الانتقالي الجنوبي طرفهما الرئيسي، وفق اتفاق الرياض.
بدر قاسم محمد
زميل مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحث في الشؤون السياسية اليمنية
- الصورة: (ساسة)