17-06-2021 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليل
في 15 حزيران / يونيو 2021، قدّم المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، السيد مارتن جريفيث، عبر الاتصال المرئي من مكتبه في عمّان، آخر إحاطة له عن الأزمة اليمنية إلى مجلس الأمن الدولي، حيث من المقرر أن يشغل الخبير البريطاني وظيفة وكيل الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.
عرض السيد مارتن جريفيث إحاطته الأخيرة، على طريقة خُطب الوداع. على نحو غير متفائل عكست الإحاطة الإحباط من عدم استجابة أطراف الصراع في اليمن إلى مبادرات السلام ووقف الحرب. [1]
منذ بداية الأزمة اليمنية مطلع العام 2011 حتى وقتنا الحالي، يكون قد مر على الأزمة اليمنية، ثلاثة مبعوثون أمميون؛ السيد جمال بنعمر؛ السيد اسماعيل ولد الشيخ والسيد مارتن جريفيث؛ جميعهم خرجوا بنفس انطباع الأخير.
من جانب آخر، خلال تلك المدة لم تُحرز المساعي الأممية تقدماً ملحوظاً في مسار الحل السياسي للأزمة اليمنية. بالمقابل أنتجت آلة الحرب والصراع العسكري واقعاً مغايراً للحلول السياسية المفترضة.
حاليا بلغت خارطة الصراع العسكري حدها الأقصى من العنف. تمددت سيطرة الحوثيين شمالا حيث ينبغي لها التمدد، بينما تمددت القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي جنوباً حيث ينبغي لها التمدد. هذا بدوره حدّد الجغرافيا المتسامحة مع الحلول العسكرية، بخلاف غير المتسامحة، التي تنذر محاولة نقل الصراع إليها بوقوع كارثة إنسانية تخرج عن السيطرة.
يتفق المجتمع الدولي على أنّ الخارطة العسكرية للصراع الحالي، هي الخارطة الأخيرة التي يكون عندها الحل السياسي مُلحّا أكثر من أي وقت مضى. لذلك استنفر المجتمع الدولي، مؤخرا، جهوده الدبلوماسية التي تؤكد على ضرورة الحل السياسي ووقف الحرب في اليمن. لكنّ هذا المسار يبدو متعثرا بتعنت طرفي الصراع، الحوثيين والحكومة اليمنية، حسب ما جاء في إحاطة المبعوث الأممي وكلمة المندوب الأمريكي في مجلس الأمن الدولي.
خلاف طرفي الأزمة اليمنية حول تفاصيل مبادرة السلام وانهاء الحرب أدى بدوره إلى انتقال المجتمع الدولي لمربع الحديث عن ضرورة استكمال تنفيذ اتفاق الرياض، هذا الأخير وقّعته الحكومة اليمنية مع المجلس الانتقالي الجنوبي في 5 نوفمبر 2019، ومازالت بعض بنوده لم تنفذ.
تنفيذ اتفاق الرياض.. المآلات
تُظهر الجماعة الحوثية والحكومة اليمنية موقفين متضاربين من مبادرات السلام لحل الأزمة اليمنية. حسب إحاطة جريفيث، يُصر الحوثيون على اتفاق منفصل بشأن موانئ الحديدة ومطار صنعاء كشرط أساسي مسبق لوقف إطلاق النَّار وإطلاق العملية السياسية. بينما تصر الحكومة اليمنية على أن يتمّ الاتفاق على كل هذه القضايا (الموانئ، المطار، وقف إطلاق النار واطلاق العملية السياسية وتنفيذها) كحزمة واحدة مع التركيز على بدء وقف إطلاق النَّار.
هذا الخلاف يدفع باتجاه استمرار الحرب ورفض مسار الحل السياسي الشامل للأزمة اليمنية. بالمقابل أكد المبعوث الأممي في احاطته الأخيرة على ضرورة استكمال تنفيذ اتفاق الرياض. كذلك كانت كلمة سفير واشنطن في مجلس الأمن، جيفري دي لورينتيز. حيث دعا الأخير، الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى الإسراع في تنفيذ اتفاق الرياض. [2]
قرار تعيين الإدارة الامريكية مبعوثا خاصا إلى اليمن، جعل المبعوث الأمريكي يمر بنفس تجارب المبعوثين الأمميين إلى اليمن، لذلك بدت كلمة السفير دي لورينتيز في مجلس الأمن، وكأنها إحاطة اخرى. وعلى الرغم من تطابق كلمة السفير الأمريكي مع إحاطة المبعوث الأممي، إلا أنّها أتت أكثر وضوحا في تحديد المشكلة، حيث ألقت المسؤولية على طرفي الأزمة اليمنية "الحوثيين والحكومة اليمنية" في تعثر مبادرة السلام ووقف الحرب. بالمقابل حمّل السفير الأمريكي مسؤولية استكمال تنفيذ اتفاق الرياض "الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
عقب هذا وفي سياق يؤكد وجهة نظر الجانب الأمريكي من الأزمة اليمنية، أعلنت الخارجية الأمريكية استئناف المبعوث الأمريكي إلى اليمن جولته الدبلوماسية والعودة إلى الرياض [3]. ركّزت لقاءات المبعوث الأمريكي بكل من السفير السعودي إلى اليمن [4] ورئيس الحكومة اليمنية [5]، على أمرين، تنفيذ اتفاق الرياض وعودة الحكومة اليمنية إلى عدن، في الوقت الذي تعمل فيه الإدارة السعودية على رعاية مباحثات استكمال اتفاق الرياض بين وفدي الحكومة والمجلس الانتقالي.
ويوم الخميس بدى السفير البريطاني إلى اليمن، مايكل آرون، أكثر تفاؤلا. وظهر الرجل في فيديو مصوّر، عقب لقاءات قال أنه عقدها مع مسؤولين في المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية والمبعوثين الأمريكي والأممي وممثلي الدول الخمس الكبرى، مشيرا إلى تقدّم تم إحرازه في مسار تنفيذ اتفاق الرياض، وتحدّث أيضا عن تقدم في جهود السلام. [6]
"يحمل المجلس الانتقالي الجنوبي الصفة التمثيلية للجنوب في مفاوضات اتفاق الرياض مع الحكومة اليمنية"
يجد المجتمع الدولي في تنفيذ اتفاق الرياض ما يعزز الحلول المفترضة للأزمة اليمنية. فالسير في تنفيذ الشق السياسي من اتفاق الرياض يدعم خيار الحل السياسي الشامل، بينما السير في تنفيذ الشق العسكري يدعم خيار الحل العسكري الذي يحاول فرضه الحوثيون.
وعملية تنفيذ الشق السياسي من اتفاق الرياض تتطلب بالتالي تشكيل وفد تفاوضي مشترك بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، في مواجهة وفد الحوثيين في مفاوضات الحل السياسي الشامل. بينما تقتضي عملية تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض، سحب القوات الشمالية من حضرموت وشبوة وأبين إلى مأرب لمواجهة قوات الحوثيين في الشمال.
خيار الحوثيين والحكومة اليمنية هو ما يحدد السير في تنفيذ أي شق من اتفاق الرياض، الشق السياسي لمسار الحل السياسي، أو الشق العسكري لمسار الحل العسكري.
في هذا الوقت، يسارع المجلس الانتقالي الجنوبي في ترتيب مؤسساته التنظيمية والجماهيرية. حيث اختتمت الجمعية الوطنية، وهي بمثابة برلمان، يوم الخميس، دورتها الرابعة تحت شعار" استكمال تنفيذ اتفاق الرياض مطلبنا واستعادة الدولة غايتنا".[7]
يحمل المجلس الانتقالي الجنوبي الصفة التمثيلية للجنوب في مفاوضات اتفاق الرياض مع الحكومة اليمنية، من هذا المنطلق يصر المجلس على إشراكه في مفاوضات الحل السياسي الشامل، تهيئ له طرح مشروع حل الدولتين والعودة بالجنوب إلى ما قبل الوحدة مع الشمال في مايو 1990.
وقد أكّد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، في افتتاح الدورة الرابعة للجمعية الوطنية، على دعم الانتقالي الجنوبي لجهود المجتمع الدولي في إنهاء الحرب وإحلال السلام في اليمن وصولا لمفاوضات الحل السياسي الشامل.
تُظهر الحكومة اليمنية نقطتين خلافيتين مع المجلس الانتقالي الجنوبي، تكمن الأولى في الشق السياسي من الاتفاق، فهي لا ترغب في إشراك المجلس في مفاوضات الحل السياسي الشامل، وتكمن الأخرى في الشق العسكري؛ فهي لا ترغب في سحب القوات الشمالية من الجنوب إلى مأرب.
بالمقابل فإنّ ترحيب الحكومة اليمنية بالحل السياسي الشامل، يعني بالضرورة السير في تنفيذ الشق السياسي من اتفاق الرياض، بينما رفض الحوثيين لإنهاء الحرب، يعني بالضرورة السير في تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض. وهذا هو بالضبط ما يفسّر إصرار المجتمع الدولي على ضرورة تنفيذ الاتفاق الذي رعته السعودية.
زميل مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحث في الشؤون السياسية
- الصورة: سفير واشنطن في مجلس الأمن، جيفري دي لورينتيز (مقتطعة)