25-06-2021 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| تقدير موقف
إنّ التحوّل الجديد في خطاب الدبلوماسية الأمريكية تجاه جماعة الحوثيين، المدعومة من إيران، في اليمن، ليس سوى امتداد طبيعي لنهج سياسة الرئيس بايدن التي دُشنّت في 19 فبراير شباط 2020 برفع التصنيف "الإرهابي" عن الجماعة التي أطاحت بحكومة الرئيس اليمني، هادي، وسيطرت على العاصمة صنعاء، منذ ما يقرب من سبع سنوات.
أعلن المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، الخميس، صراحةً، اعتراف واشنطن بالجماعة اليمنية الدينية، كـ "فاعل شرعي" داخل اليمن، "كمجموعة حققت مكاسب كبيرة". هذا الإعلان وضع النقاط على الحروف، وحدد أكثر من أي وقت مضى، طبيعة النهج الذي تريد من خلاله واشنطن إنهاء الأزمة المدمّرة في اليمن، وفي الوقت ذاته تقديم قربانا جديدا لطهران لإنجاح محادثات فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني.
حاولت الخارجية الأمريكية الجمعة امتصاص غضب بعض ردود الفعل الأولية، تجاه الموقف الأمريكي، وأكدّت - كما يفعل المجتمع الدولي - على أنها تعترف بحكومة اليمن، وأنّها "الحكومة الشرعية الوحيدة المعترف بها دوليا". لكنها أكّدت بالمقابل أنّ الحوثيين "يسيطرون على الأرض والناس"، ولا "يمكن إبعادهم أو إخراجهم من الصراع". [1]
التوقيت والدلالات
بات المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، اللاعب المؤثر في الساحة اليمنية الدبلوماسية بعد رحيل مارتن غريفيث من منصبه كمبعوث للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن. لقد كان من المناسب اتخاذ موقف كهذا، في وقت تبدو فيه الأمم المتحدة عاجزة عن تحقيق أي توافق يُنهي الصراع، خصوصا، بعد فشل مهام ثلاثة مبعوثين أممين إلى البلاد التي تعيش "أسوأ أزمة إنسانية" في العالم.
تركّز حديث ليندركينغ حول ثلاث قضايا رئيسية: واقع الحوثييين في الشمال وجهود وقف إطلاق النار، اتفاق الرياض في الجنوب وإمكانية عودة الحكومة، والأزمة الإنسانية المتفاقمة.
أشار ليندركينغ إلى أنّ "الانخراط في اتفاق الرياض من شأنه أن يساهم في إمكانية عودة الحكومة إلى عدن". في هذا الوقت لا تزال حكومة المناصفة بين الشمال والجنوب تتواجد في الرياض. على الرغم من الحديث عن توافق بشأن عودتها، وفق ما أعلنه مسؤولون في المجلس الانتقالي الجنوبي، إلا أنّ الانخراط باتفاق الرياض، كما يُفهم من حديث ليندركينغ، ليس الفاعل الوحيد الذي يحول دون عودة الحكومة، إذ أنّ هناك موانع أخرى تضع عودة الحكومة كورقة مساومة.
لكن حتى حكومة المناصفة بين الشمال والجنوب، ستفقد مشروعية التمثيل السياسي الشمالي بداخلها، كنتيجة موضوعية لوجود "طرف شرعي" في شمال اليمن مهيمن على الأرض، وفقا للنظرة الأمريكية على الأقل. سيقضي الإقرار بشرعية الحوثيين على آي آمال لعودة الحكومة إلى صنعاء أو حتى مأرب التي بات مركزها الأخير في مرمى نيران الجماعة المدعومة من إيران. سيعني ذلك بالتالي انتهاء مشروعية نظام الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في جغرافيا شمال اليمن وانتهاء مضمون وحيثيات القرار الدولي 2216.
يعزز هذه النظرة، ما قاله القيادي في جماعة الحوثيين، محمد علي الحوثي، في إشارة لحديث ليندركينغ بأنّ "اليمن اليوم.. انتصر بصموده وقوته في الدفاع عن نفسه فحقق بها شرعيته واستقلاله". [2]
إنّ عواقب الاعتراف بشرعية الحوثيين لن تكن آثارها فقط على ملف المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي، وتطبيع العلاقات الإيرانية الأمريكية، بل قد تُرى خلال وقت قريب عمليا على الأرض.
إذا ما كان هذا التوجه الأمريكي تجاه الجماعة، سبقه تنسيق مع الحوثيين أو الإيرانيين، فيرجّح أنّ له أحد شرطين ؛ الأول: أن يمتنع الحوثيون عن إسقاط مدينة مأرب، لعدة اعتبارات أهمها الإبقاء على "شرعية" موازية للرئيس هادي في آخر معاقله في شمال اليمن، وكذلك عدم فتح بوابة جديدة من التهديدات ناحية الجنوب والشرق حيث المصالح النفطية العالمية؛ أما الثاني فقد يكون ثمن يدفعه خصوم الحوثيين لتحقيق تقدّم في مفاوضات فيينا وإبرام اتفاق مع إيران بخصوص الملف النووي.
كلا الشرطين، تجعلان نفوذ إيران باقيا في اليمن ولكن وفق نهج أمريكي يحفظ التوازن الذي تريده واشنطن مع دول الخليج الغنية بالنفط. وعند الحاجة إخضاعها للتهديدات الاستراتيجية بعيدة المدى. يعزز هذه القراءة قرار سحب واشنطن لمنظومة الباتريوت الدفاعية من السعودية ودول في المنطقة، منذ أيام، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال.
إقرأ أيضا: سحب الباتريوت الأمريكي: إجراء روتيني أم توافق استراتيجي
خيط رقيق
على صعيد جنوب اليمن، لن تكن العواقب مختلفة كثيرا عما يبدو عليه المشهد اليوم. يُدرك الجنوبيون أنّ نظام الرئيس هادي وقواته العسكرية المتبقية، ليس باستطاعتها تغيير موازين القوة على الإطلاق. إنجازات التحالف الذي تقوده السعودية خلال السنوات الماضية هي تلك فقط ما تحقق على أيدي القوات الجنوبية والمقاتلين المحليين "المقاومة" هناك. وعلى عكس ذلك، لقد دخل نظام هادي الذي تحكمه سلطة حزب الإصلاح الإسلامي ونائب الرئيس الموالي للإخوان المسلمين، في حرب مباشرة مع الجنوبيين، على وجه الخصوص المجلس الانتقالي الجنوبي، لـ 3 سنوات على التوالي. هذا فضلا عن فشل ثلاث حكومات متعاقبة في عدن من تقديم أي حلول للخدمات الاقتصادية والمعيشية المنهارة. لقد تجاوز سعر العملة المحلية اليوم 930 ريالا يمنيا مقابل الدولار. لم تلتزم الحكومة بدفع الرواتب للموظفين، ولا تزال المياه والكهرباء شبه منعدمة.
لذلك ما يجمع المجلس الانتقالي الجنوبي في منظومة الرئيس اليمني، هو خيط رقيق وهش، فشلت محاولات المجلس الذي يسعى لاستقلال الجنوب، بتقويته سياسيا وعسكريا في الوقت الحالي. لكنّ وفده المفاوض بالرياض، لا يزال يراهن على الأقل على تشكيل وفد مفاوضات مشترك يمكّن أن يغيرّ مسار التعامل مع الجماعة الحوثية.
إنّ الواقع الذي تشكّل في شمال اليمن وجنوب اليمن هو ما يحدد طبيعة مآلات الحل في اليمن. سيخضع هذا المفهوم لمزيد من الإسقاط العملي، وسيعني بالتالي إشراك المسيطرين في أي قرارات حل تحدد مصير وهوية ومستقبل وشكل اليمن.
رئيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: رسمي (مقتطع)
قبل 3 أشهر