04-08-2021 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عدن
سجّل الريال اليمني، أمس الثلاثاء في عدن، أدنى قيمة على الإطلاق أمام العملات الأجنبية، حيث وصل سعر الدولار الأمريكي إلى أكثر من 1016 ريالاً يمنياًَ، وسط تساؤلات عن أسباب هذا الانهيار القياسي المُتسارع، ودور البنك المركزي اليمني في عدن، الذي استقبل طيلة أعوام مضت مئات المليارات من النقود المطبوعة بدون غطاء من النقد الأجنبي، وشلَّ من قدرته عدم توريد محافظات واقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية إيراداتها إليه.
بالإضافة لكل هذا، يواجه البنك تهُماً بالفساد، خصوصاً بعد تقارير أممية [1] كشفت عن فضائح نهب ودائع سعودية سابقة ساهمت - وفقاً لخبراء اقتصاديين - في إحداث نوع من الاستقرار النسبي المؤقت في سعر العملة، قبل أن تنال منها "صفقات فساد" مشبوهة تُتهم جهات وشخصيات رفيعة في الحكومة اليمنية، ومجموعات تجارية يمنية معروفة، بالتورط بها.
وكان البنك قد أعلن، الخميس، عن خطوة لضخ دفعات من العملة اليمنية فئة ألف ريال (1000)، بنسختها القديمة المتداولة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، في شمال اليمن، بهدف "معالجة التشوهات السعرية للعملة، وتوحيد سعر الصرف" [2]، وذلك بعد أكثر من عام ونصف على قرار الحوثيين منع تداول العملة الجديدة بمناطقهم، مما أحدث انقساماً وفجوة متزايدة، حافظ فيها ربال صنعاء على قيمته واستقراره مقابل انهيار ريال عدن.
اقرأ المزيد: مليارات بدون غطاء نقدي: الوضع الاقتصادي بين ريال صنعاء وريال عدن
عقب هذا الإجراء، صرّح نائب محافظ البنك المركزي في عدن، شكيب حبيشي، أنَّ صندوق النقد الدولي خصص حصة من وحدات السحب الخاصة به لليمن تعادل 555 مليون دولار "لتعزيز احتياطات البلد من العملات الصعبة ودعم قيمة العملة الوطنية المتداعية"، مشيراً إلى أنَّ البنك يعتزم الإعلان عن سندات وصكوك بقيمة 400 مليار ريال يمني "لإعادة الدورة النقدية في النظام المصرفي".[3]
اتهامات
رئيس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، قال في اجتماع اقتصادي ضمِّ لجنة الاقتصاد بالمجلس وجمعية الصرافين، إنَّ "البنك المركزي والحكومة اليمنية هُما سبب التدهور الحاصل في العملة"، مُتهماً إياهما "بالتخلي عن واجباتهما في هذا الظرف الحرج"، وحذرّ من نفاذ الصبر حيال "الأزمة الاقتصادية التي ضربت محافظات الجنوب".[4]
وكان قرار حكومي قضى برفع سعر قيمة الدولار الجمركي في ميناء عدن بنسبة 100% قد أثار موجة سخط وانتقاد واسعة في صفوف اقتصاديين، حذرّوا من تبعاته الكارثية على الأسعار، والمعاناة الإضافية التي سيتسبب بها للمواطنين الذين لا ينقصهم منها شيء بالفعل. وهو ما أكّدته "غرفة التجارة والصناعة" في العاصمة عدن، والتي دعت في مذكرة رسمية "لإيقاف كل المعاملات الجمركية حتى التراجع عن القرار".[5]
اتهامات الزبيدي ليست جديدة، فلطالما أكّد المجلس الانتقالي الجنوبي عليها، مُعتبراً ما يحدث "حرباً مُتعمدة لأعراض سياسية، وعقاب جماعي ضدَّ الجنوبيين، ضمن محاولات تعطيل وإفشال اتفاق الرياض"، والذي يُنظر إليه كبوابة لحل الأزمات وتحسين أوضاع السكان في مناطق جنوب اليمن وأجزاء من المحافظات الشمالية (المناطق المُحرّرة من سيطرة الحوثيين).
جمعية الصرافين في عدن بدورها قالت إنَّ هنالك "جانب سياسي يُسهم في انهيار العملة، واسثناءات للقيمة المضافة على بعض من التجار وصلت حوالي 70 مليار ريال يمني"، محذرّة من "تهريب مُستمر للعملة الصعبة من عدن إلى صنعاء"، وداعية إلى "تحديد سعر صرف موحد للعملات الأجنبية".
خطوات البنك
وحول خطوة ضخ العملة القديمة، أشار الخبير الاقتصادي ماجد الداعري، في حديثه لـ "سوث24"، إلى أنَّه "لا يمكن إصلاح الخلل المُفتعل في التشوهات السعرية لصرف العملة والتخلص من فارق الصرف ما لم تكن هناك سياسة نقدية ناجعة لدى البنك، قائمة على احتياطي نقدي أجنبي لا يقل عن خمسة مليارات دولار، وإغلاق كل شركات الصرافة غير المُرخصة والمتورطة بالمضاربة بالعملة، وغسيل الأموال وتهريبها".
وشكّك الداعري في تصريح نائب محافظ البنك المركزي، بشأن تخصيص صندوق النقد الدولي 555 مليون دولار للبنك المركزي اليمني، مؤكداً أنَّه "لا يمكن للصندوق أن يقدّم أي مساعدات مالية لليمن بدون حوكمة البنك المركزي وإيجاد قيادة مصرفية وسياسة نقدية واضحة لكارثة إنهيار الريال أمام العملات الأجنبية".
أما رئيس "مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي"، مصطفى نصر، فاعتبر في حديثه لـ "سوث24"، أنّه "من المُبكّر الحديث عن نجاح أو فشل خطوة ضخ العملة القديمة، قبل أن يتمِّ انتظار ردود الفعل التي سيقوم بها الحوثيون تجاه هذه الخطوة"، مُشيراً إلى أنَّ البنك المركزي "يُراهن" على تسربها لمناطق الحوثيين وتكثيف التداول بها، في حين أنَّه "من المؤكد أنَّ الجماعة ستعمل بشدة على ضمان عدم حدوث ذلك".
وأشار نصر بأنّ هذه الخطوة في الأساس ليست لأجل "تحسين سعر صرف العملة"، كون هذا الهدف له "إجراءات خاصة مختلفة بل ومعاكسة لضخ مزيد من الأوراق النقدية للسوق دون نشاط إنتاجي يغطيها"، لكنَّها "تهدف إلى معالجة فارق الصرف بين مناطق الحوثي والمحافظات المحررة"، مُستدركاً بأنَّه من المُحتمل أيضاً أن تتسبب بمخاطر تضخمية وانعكاسات سلبية".
وتابع، "هذه المخاطر مُرتبطة بالاجراءات المصاحبة التي سيتخذها البنك المركزي في عدن، مثل الصكوك والسندات التي أعلن عنها بقيمة 400 مليار ريال يمني"، لافتاً إلى أنَّه إذا اتجه البنك إلى "سحب العملة بالحجم الصغير (النقود الجديدة المطبوعة) فلن يكون هناك مخاطر كبيرة، لكن إذا فشلت هذه الخطوة سيكون هنالك تداعيات سلبية".
وكنَّا في "سوث24" قد تواصلنا مع نائب محافظ البنك المركزي، شكيب حبيشي، لسؤاله عن خطوة البنك الأخيرة بضخ مبالغ من العملة القديمة، وتصريحه بشأن صندوق النقد الدولي، والاستفسار منه عن مدى صحة الاتهامات الموجهة إلى البنك، إلا أننا لم نتلقَ رداً منه حتى نشر هذا التقرير.
من المسؤول؟
بالنسبة لماجد الداعري، "كل القوى مسؤولة عن الانهيار الاقتصادي الحاصل، وفي مقدمتها جماعة الحوثي التي نهبت احتياطات البنك المركزي في صنعاء، والحكومة الفاشلة في رسم أي سياسة مالية لتحصيل الإيرادات أو وضع سياسة نقدية للحفاظ على سعر الصرف، والمجلس الانتقالي الجنوبي المُسيطر أمنياً على الأرض وغير القادر على التنسيق مع البنك المركزي لإغلاق كل شركات الصرافة غير المرخصة والمُتلاعبة والمضاربة بالعملة".
ووصف الداعري قرار رفع سعر الدولار الجمركي في ميناء عدن بـ "قرار إبادة بحق شعب مُنهك في بلد مُدمر بويلات حرب سبع سنوات"، مُتهماً "حزب الإصلاح اليمني المُسيطر على الشرعية اليمنية" بأنِّه "المُستفيد من كل ما يجري". وكانت "لجنة الإنقاذ الدولية" في 21 يوليو/تموز الفائت قد حذرّت من تبعات انخفاض سعر الريال في مناطق جنوب اليمن.
مصطفى نصر عزى الانهيار الاقتصادي إلى "الحرب وحالة عدم الاستقرار الأمني التي تعيشها البلاد وشح الموارد"، مُشيراً إلى أنَّ "البنك المركزي يُغطي نفقات الحكومة من خلال الإصدار النقدي وهذا مصدر تضخم، وما زالت الحكومة تعاني من عجز في النفقات تغطي المرتبات من خلال النقود المطبوعة وهي كارثة كبيرة"، حدَّ وصفه.
وأوضح نصر أنَّ "الحرب التي شنها الحوثيون عام 2015 تسببت باستهلاك احتياط النقد الأجنبي وتوقف تصدير الغاز والنفط وانهيار كامل بكل القطاعات"، لافتاً إلى أنَّ الجماعة فاقمت من الأزمة بقرار منع تداول العملة الجديدة في مناطقها، وهو ما "نتج عنه استمرار دوران المطبوعات النقدية في نطاق ضيق في المناطق المُحرّرة، وهي مناطق ذات اقتصاد ضعيف مقارنة بمناطق الحوثيين".
وتجدر الإشارة إلى أنَّ هنالك بعض التحركات التي يقوم بها المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن لمحاولة الحد من الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه محافظات جنوب اليمن، وكانت اللجنة الاقتصادية التابعة له قد نشرت توصيات متنوعة [6] من شأن العمل بها أن يحقّق ذلك وفقاً لخبراء اقتصاديين.
لكن هذه التوصيات لم يتم العمل بها حتى الآن، وسط انتقادات شعبية للمجلس، ومطالبات بتخصيص موارد المحافظات تحت سيطرته، والتي توّرد بانتظام للبنك المركزي، للاحتياجات الداخلية وخزينة السلطة المحلية، على غرار مأرب وشبوة، اللتان تسيطر عليهما القوات الحكومية الموالية لحزب الإصلاح الإسلامي، بالإضافة لوادي حضرموت الغنية بالنفط، في الجنوب.
وفي خضم كل هذا، أعلنت جمعية الصرافين في عدن للمرة الثانية خلال أقل من شهر عن "إضراب شامل" يبدأ اعتباراً من اليوم، الأربعاء، تزامناً مع حالة غليان شعبي في محافظة حضرموت الجنوبية تنديداً بانهيار العملة وتدهور الاقتصاد وارتفاع أسعار المواد الغذائية، ودعوة اتحاد نقابات عمال المحافظة لإضراب شامل آخر يبدأ في الثامن من الشهر الجاري.
صحفي ومعد تقارير لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- صورة: أسرة في عدن تعاني من الانهيار الاقتصادي وتعيش وضعاً إنسانياً مزرياً (صحيفة الأيام)
(English)