30-08-2021 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليلات
في صباح يوم الأحد 29 أغسطس، تعرّضت قاعدة العند العسكرية بمحافظة لحج شمال غرب العاصمة عدن، إلى هجوم صاروخي نُفذ بطائرات مسيّرة انطلقت من مدينة تعز الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن. أسفر الهجوم عن مقتل قرابة 40 جندي وإصابة 60 آخرين، حسب مصادر طبية وعسكرية.
هذا الهجوم هو الثالث خلال الثلاث سنوات الأخيرة من اندلاع الحرب في اليمن، إذ كان الهجوم الأول في يناير 2019 بطائرة مسيّرة إيرانية الصنع، خلال عرض عسكري، أسفر حينها عن مقتل 6 عناصر من الجيش اليمني أبرزهم القائدان الجنوبيان صالح قائد ومحمد طماح؛ وجرح 20 آخرون، أما الثاني حدث في الأول من أغسطس من نفس العام؛ وكان بهجوم صاروخ باليستي وطائرة مسيّرة استهدفت معسكر الجلاء أثناء احتفال تخرّج دفعة جديدة من الجنود، ما أدى لسقوط 30 قتيلاً منهم؛ إلى جانب قائد اللواء الأول في قوات الحزام الأمني منير اليافعي.
يُمكن القول أن قاعدة العند العسكرية الواقعة شمال مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج؛ تشكّل رمزية مهمة بالنسبة للجنوبيين، فهي تعدّ أكبر القواعد العسكرية في جنوب اليمن قبل الوحدة وبعدها، وتعتبر إحدى القواعد الجوية العسكرية التاريخية التي أسسها البريطانيون. وتبعد عن العاصمة عدن مسافة 60 كيلومتراً، إضافة إلى أنها تضم مدرجاً للطائرات ومخازن أسلحة وملحق سكن طيارين، كما تتضمن معسكراً تدريبياً وورش صيانة للطائرات الحربية والعتاد العسكري الثقيل، وقد كان الأميركيون يستخدمونها سابقاً كنقطة انطلاق لمسيّرات تتعقب عناصر تنظيم القاعدة.
على الرغم من مأساوية الحدث، إلا أنه لم تُعلن أي جهة حتى الآن مسؤوليتها عنه؛ بمن فيهم الحوثيين أنفسهم، الذين تتهمهم قيادة القوات الجنوبية بالوقوف وراء الهجوم، بالإضافة لاتهامات من قبل الرئيس هادي؛ الذي توعّد الحوثيين بأنهم سيدفعون الثمن غالياً على كل جريمة يرتكبونها بحق اليمنيين، بحسب ما أوردت وكالة سبأ الحكومية.
أبعاد الهجوم
بينما تحاول الأطراف الإقليمية تسوية الملفات السياسية والعسكرية العالقة واستعادة ترتيب علاقاتها البينية، لا تزال الأطراف المحلية في اليمن تفتعل مزيدا من بؤر الصراع، بل ويتخذ الصراع أشكالاً متعددة أكثرها سوءاً عمليات القتل الجماعي، وهو ما حدث في قاعدة العند باستهداف عشرات الجنود.
قبل الحديث عن مسببات هجوم العند، الذي استهدف مجنّدين من اللواء الثالث عمالقة، لم يستبعد محللون وعسكريون أن يكون للهجوم علاقة أيضا بالصراعات الداخلية التي شهدها اللواء الثالث عمالقة طيلة الفترة الماضية.
كان يقود اللواء العميد عبد الرحمن اللحجي، قبل أن يتم تعيين القائد (علي ناصر) الملقب بأبو عيشه خلفاً له، والذي اتهمه عسكريون بمحاولة قيادة تمرد على قوات العمالقة، والارتباط بجماعة الإخوان المسلمين في تعز. قالت مصادر متطابقة لـ "سوث24" أنّ "أبو عيشه" هرّب الأسلحة الثقيلة التابعة للواء الثالث، وعشرات العربات العسكرية وبعض المجنّدين إلى تعز، وهو الأمر الذي أدى، وفق المصادر، لإقالته من قبل قائد قوات العمالقة في الساحل الغربي، وتعيين نبيل الردفاني الملقب بـ "أبو حرب" خلفاً له.
وعلى الرغم من الخلفية المتوترة للأحداث، إلا أنّ قيادة اللواء الجديدة نظمّت للأفراد المتبقين دورة تدريبية عسكرية ضمن المهام المقررة المعتادة، انتهت في الأخير إلى استهدافهم بصاروخ قادم من محافظة تعز الحدودية مع لحج.
يرى مراقبون أنه كان من المفترض لتجنب الخسائر البشرية إلى مستويات أقل؛ أن يتم توزيع الأفراد إلى فصائل صغيرة، أو اختيار ميادين صغيرة للتدريب بحيث يتم تدريب كل فصيلة في ميدان بعيد عن الفصيلة الأخرى، والعمل على تفريق الأفراد أثناء النوم وتناول الطعام في عنابر متباعدة، إذ ثبت من مصادر عسكرية أنّ الاستهداف وقع أثناء ما كان الجنود في المسكن وليس أثناء التدريبات. وبشكل عام؛ كان من الأجدى على القادة اتخاذ تدابير أمنية وعسكرية لمنع أي تهديدات يتعرض لها الجنود في المعسكرات، سواء بإقامة فعاليات أو تجمعات وغيره، لاسيما في المناطق الحيوية والاستراتيجية المهمة المتوقع استهدافها في أي لحظة، خاصة وأن البلاد تعيش حالة حرب.
فشل استخباراتي ودفاعي
تشير مصادر عدة أن العملية الهجومية التي استهدفت قاعدة العند، لها علاقة بتخادم استخباراتي بين الحوثيين وجماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) في تعز، إذ أن الهجوم كان الهدف منه المعسكرات الجنوبية بدرجة رئيسية.
لطالما استهدفت هجمات الحوثيين المعسكرات التي يقودها جنوبيون، حتى تلك المنتمية للجيش الوطني تحت قيادة هادي. على سبيل المثال: في مأرب؛ استهدف الحوثيون في يناير 2020 معسكرا يتبع العميد مهران القباطي أودى بحياة أكثر من 100 شخص غالبيتهم من أبناء محافظة أبين. وفي أبين أيضاً؛ تم استهداف معسكرات تتبع قادة جنوبيين في مديرية مودية، ونتج عن ذلك سقوط عشرات من القتلى، على الرغم من وجود الألوية والمعسكرات التابعة لوزير الدفاع المقدشي ونائب الرئيس علي محسن الأحمر في نفس المنطقة، غير أن الحوثيين يقصفون بعناية ودقة مواقع بعينها، وهو ما يقود لتفسير هذا النوع من التخادم بين الطرفين، ويعزز هدفه الرئيس بالتخلص من بعض القادة والأفراد الجنوبيين في الجيش الوطني أو لحسابات استراتيجية أخرى غير مُعلنه، باستغلال الغطاء الحكومي لمثل هذه العمليات التي يعدها محللون جنوبيون "غادرة".
لا يبدو فقط أنّ التخادم بين الحوثيين وحزب الإصلاح اليمني، هو الذي يسهّل وقوع مثل هذه الهجمات القاتلة، إذ أنّ غياب التنسيق العسكري بين قوات التحالف العربي وقادة قوات العمالقة والقوات المسلحة الجنوبية الأخرى تحت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، هي أحد أسباب الفشل والاختراق الاستخباري الكبير، الذي قاد لهذه النتيجة المؤلمة.
بموازاة ذلك، لا يبدو أنّ القادة العسكريين الجنوبيين، يملكون قاعدة بيانات كافية لتقييم قدرات وعتاد وخطط خصومهم في الميدان. وبالرغم من أنّ القوات الجنوبية تضم في صفوفها ضباط وقادة مخضرمين، إلا أنه لم يتم الاستفادة منهم في تعزيز العمل الاستخباري العسكري، بالنظر إلى حجم المخاطر من وقوع مثل هذه الهجمات، فضلا عن غياب غرفة عمليات عسكرية وطوارئ مشتركة.
إن الاتكال على قيادة التحالف العربي في الوقت الحالي لمنع وقوع مثل هذه الهجمات، أمر يتطلب المراجعة، حيث سبق وفشل التحالف في تقديم معلومات استخباراتية موثوقة، أو حتى حماية الحكومة التي رعت تشكيلها الرياض، من هجوم مميت خلال وصولها عدن في ديسمبر الماضي. أحد الأسباب هو اعتماد التحالف في إدارة عملياته على الأرض، خصوصا في مناطق شمال اليمن، على جهات عسكرية لديها ارتباطات وتخادم مع الحوثيين في كثير من المواقف، تسبب ذلك بسقوط جبهات ومدن ومحافظات بكاملها، بيد "المتمردين" المدعومين من إيران.
أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في تكرار وقوع مثل هذه الهجمات الدموية في عدن ومدن جنوب اليمن، يكمن في عدم استجابة التحالف العربي بتوفير منظومات دفاع جوية وأسلحة نوعية فعّالة، شبيهة بتلك التي قدّمها للمناطق التي تخضع لسيطرة الجيش الوطني، الذي يديره بدرجة رئيسية "الإخوان في اليمن". وعلى الرغم من أن جميع الأطراف ناشدت التحالف منذ هجوم مطار عدن الدولي بتوفير مثل هذه المعادلات العسكرية الرادعة، إلا أنه لم يفعل، وتكررت الدعوة اليوم الإثنين مرة أخرى على لسان المجلس الانتقالي الجنوبي. أضف إلى ذلك أنّ السعودية، التي رعت اتفاق الرياض، تعمل على تسليح وتطوير قدرات القوات الموالية لنائب الرئيس اليمني، بصورة مستمرة، رغم وقوع جزء كبير منها في أيدي الحوثيين والجماعات المتطرفة، في حين لم تقدّم للقوات الجنوبية أي أنواع الدعم.
تداعيات الهجوم على العند
يُنبئ الوضع العام في اليمن أنه مقبل نحو مرحلة أكثر حدة في الصراع، إذ يبدو أن آفاق الحل الشامل مازالت بعيدة، على مستويات عدة، سياسية؛ من خلال عدم حسم ملف التسوية بين أطراف النزاع، أو عسكرية من خلال عدم حسم الملف العسكري لأي طرف من الأطراف، والذي من المرجّح؛ مع التمادي الحوثي وتقدمه في آخر معاقل حكومة هادي في الشمال، أنّ الحسم العسكري قد يكون لصالح الحوثيين. غير ذلك فإنّ عدم حسم أيٍ من الملفات يعيق جهود المجتمع الدولي نحو تحقيق السلام.
وعلى الرغم من أنّ القيادة العسكرية الجنوبية أكّدت أنّ هجوم الحوثيين على العند، يعكس عجزهم في التقدم في الجبهات الميدانية وهزائمهم المتكررة في الحدود مع الجنوب، إلا أنّ قدراتهم الصاروخية والمسيّرة تظلّ تحديا قائما واستراتيجيا، ما لم يتم تحييد هذا الخطر القائم.
على هذه الخلفية يمكن استخلاص عدة نقاط:
• إن عدم حسم المعارك في الجبهات وتدهور الوضع العسكري في جبهات التحالف العربي والجيش الوطني الذي يدير مفاصله حزب الإصلاح، يرجّح أن الحوثيين في طريقهم لفتح جبهات صراع مباشرة مع الجنوب، وهو الأمر الذي يستوجب من القادة العسكريين الجنوبيين وفي مقدمتهم قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى اتخاذ كافة التدابير الأمنية والإجراءات العسكرية لمثل هذا السيناريو.
• إنّ عدم الحسم العسكري والإخفاقات المتكررة على جانب التحالف العربي والجيش الوطني في المناطق تحت سيطرة نفوذ حكومة هادي، أفقد ثقة الناس في التحالف، الذي يبدو أنه بدأ يتخلى من أي التزامات عسكرية له في اليمن.
• إنّ تطور الصراع إلى مراحل أكثر سوءاً مما هي عليه، ينبئ بصعود "التنظيمات المتطرفة" إلى الواجهة من جديد مثل تنظيمي القاعدة وداعش.
• إن القادة العسكريين الجنوبيين وفي مقدمتهم قادة المجلس الانتقالي، بحاجة لمراجعة تحالفاتهم لتكون متوازنة ومتكافئة سياسياً وعسكرياً.
• إنّ وضع استراتيجيات دفاع جوي، وإنشاء وحدات تصنيع متخصصة لتطوير منظومة الدفاع واستغلال التقنيات الحديثة، من شأنه على المدى الطويل، أنّ يخلق توازن ردع، ويمنع تكرار مثل هذه الهجمات القاتلة التي تستهدف العسكريين والمدنيين، أو على الأقل يحد منها.
- محلل سياسي وعسكري (تم إخفاء الاسم بطلب من المؤلف)
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: في هذه الصورة التي التقطت يوم الثلاثاء 24 مارس 2015 ،عندما سيطرت القوات المحلية على قاعدة العند الجوية، بعد طرد الحوثيين. (أسوشيتد برس)