31-08-2021 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليلات
أبرزت الأزمتان اليمنية والأفغانية وجود فجوة في العلاقة الأمريكية البريطانية تتمثل في التفرد بالقرار وعدم التشاور، حيث علق النائب المحافظ رئيس لجنة الدفاع في مجلس العموم البريطاني، توبياس الوود، على الانسحاب الأمريكي من افغانستان "لم يتم تضميننا في المحادثات" [1]. وعن طبيعة العلاقة الأمريكية البريطانية أضاف " ليست كما كانت عليه". وفي سياق الإشارة للتعاون البريطاني الفاعل مع أمريكا، انتقد الدبلوماسي البريطاني، كاي ايدي، مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى أفغانستان، انسحاب واشنطن المفاجئ من كابول: "عندما يقول الأمريكيون قفزة.. نقفز معظم الوقت" [2]. إذ دعمت المملكة المتحدة التوغل الأمريكي في أفغانستان والعراق، ثم بعد مرور عقدين من الزمان اتخذت الأخيرة قرارها الأحادي الجانب بالانسحاب.
ومن جانب آخر يتصل بالداخل الأمريكي حيث يحتدم الجدال حول أمن واشنطن القومي، يبدو الأمر مُنفذاً لسياسة الانكفاء على الذات. فبينما عملت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بمبادئ التيار المحافظ أولا على صعيد الداخل الأمريكي، تعمل إدارة الرئيس الحالي جو بايدن بمبادئ التيار الديمقراطي أولا على صعيد الخارج. الثابت هنا هو المضي في سياسة الانكفاء بينما المتغير هو الآلية أو الوسيلة، حيث خلصت الإدارة الحالية إلى أن الخطر الذي يهدد أمريكا يأتي من الخارج. لذلك يأتي انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان خصوصا ومنطقة الشرق الأوسط عموما، على طريقة التخلي أو رمي المشاكل وراء ظهرها.
بالمقابل على خلفية الهجوم على ناقلة النفط البريطانية "ميرسر ستريت" في خليج عمان، أكّد متحدث الخارجية الأمريكية نيد رايس على التشاور مع بريطانيا وإسرائيل ورومانيا لاتخاذ "رد منسق على الهجوم" [3]. بينما عمدت المملكة المتحدة على إرسال قوة عسكرية خاصة إلى اليمن، مشيرة إلى انطلاق الهجوم من سواحل محافظة المهرة الجنوبية، ومحملة المسؤولية الجماعة اليمنية الموالية لإيران. بالمقابل نفى المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي الادعاء البريطاني [4]. لذلك مثل هذا الأمر قد ينعكس سلباً على صعيد الأزمة اليمنية ويعزز من سردية السيناريو الأفغاني ما لم يكن هناك توافق دولي حقيقي على الحل السياسي.
تباينات المواقف الدولية إزاء الأزمة اليمنية
مطلع العام الحالي بدأ اهتمام الإدارة الأمريكية بالأزمة اليمنية مُريباً، حيث عينت مبعوثها الخاص لليمن تيم ليندركينغ رديفاً للمبعوث الأممي البريطاني مارتن جريفيث، بالتزامن مع تراجعها عن قرار تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية. بالمقابل ما زال الموقف البريطاني مُتمسكاً بالقرار الأممي 2216 الذي يؤكّد على شرعية الرئيس هادي ويرفض الاعتراف بالجماعة الحوثية. من جانب آخر يتموضع الموقف الروسي في المنتصف، حيث امتنعت موسكو عن التصويت على القرار 2216 لكنها في نفس الوقت تبدي اعترافها بشرعية الرئيس اليمني هادي.
ومن ناحية أخرى، في ظل ما يعرف حالياً بـ "الإجماع الإقليمي والدولي على حل الازمة اليمنية" والدفع باتجاه تسوية سياسية شاملة تضم جميع الأطراف الفاعلة، تقترب المساعي الدولية من خيار إلغاء القرار 2216 تهيئةً لحل الأزمة اليمنية تحت مظلة أممية. لذلك يستمر الجانب الأمريكي في التلويح بالاعتراف بالحوثيين طرفاً شرعياً [5]، بينما هناك تسريبات تتحدث عن رعاية روسية لبعض الأطراف اليمنية تسعى لنقل الشرعية اليمنية لطرف ثالث محايد [6].
لذلك تسير الجهود الدولية لحل الأزمة اليمنية في ثلاثة خطوط متوازية باتجاه تسوية سياسية شاملة جميعها تؤدي إلى، إما إلغاء الشرعية اليمنية من خلال إلغاء القرار 2216 أو تغيير الهوية السياسية للدولة اليمنية من خلال نقل سلطة الرئيس هادي لرئيس توافقي أو مجلس رئاسي. وفي هذا السياق تبرز تباينات الأطراف اليمنية.
تباينات المواقف اليمنية
منذ لحظة اندلاع الأزمة اليمنية مطلع العام 2015، أظهرت الأحزاب والجماعات اليمنية اختلافاً في المواقف، على سبيل المثال هناك من تحالف مع الحوثيين ضد الرئيس هادي، كحزب المؤتمر الذي كان يقوده الرئيس السابق صالح، وهناك من ساند شرعية هادي لكن دون جدوى حيث أفضت مساندته الضعيفة إلى سيطرة الحوثيين على شمال اليمن، كحزب الإصلاح (جماعة الإخوان المسلمين).
الدفع الدولي باتجاه تسوية سياسية شاملة للأزمة اليمنية، حوّل المعركة باتجاه إسقاط الشرعية اليمنية، بعد أن أثبتت الأطراف اليمنية عجزها عن قتال الحوثيين. لذلك ثمة معركة سياسية وجدت طريقها إلى هذه الأطراف، حيث يتواجد بعضها خارج اليمن والبعض الآخر في مناطق سيطرة الحوثيين، والبعض الأخير على الاطراف الأخيرة من سيطرة الحوثيين الكاملة على شمال اليمن، أي في مدينة مأرب شرقاً ومديرية المخا في الحديدة غرباً والجزء الغربي من مدينة تعز. لذلك تتباين مواقف هذه الأطراف من الشرعية اليمنية ممثلة بالرئيس هادي. إذ يؤكد حزب الإصلاح اليمني (جماعة الإخوان المسلمين) على شرعية الأخير في سياق استمرار القتال ضد الحوثيين [7]، بما يعزّز استمرار الأزمة اليمنية، بينما يتشارك فرع حزب المؤتمر في مأرب نفس موقف حزب الإصلاح [8]، بالمقابل يستمر فرع المؤتمر اليمني المتحالف مع الحوثيين في صنعاء في موقفه الرافض لشرعية الرئيس هادي. من جانب آخر لا يختلف موقف حزب المؤتمر الموالي للرئيس السابق صالح عن موقف مؤتمر صنعاء، إذ تسعى جماعة صالح المتواجدة خارج اليمن إلى نقل سلطة هادي لنائب توافقي أو مجلس رئاسي مشترك.
تباينات المواقف الجنوبية
وبهذا السياق، هناك ثلاثة اتجاهات جنوبية لحل الأزمة اليمنية، الاتجاه الأول يمثله المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي إلى جانب بعض قوى الحراك الجنوبي كالمجلس الأعلى للحراك الثوري بقيادة حسن باعوم، ويهدف هذا الاتجاه لاستقلال الجنوب والعودة إلى حدود ما قبل العام 1990.
الاتجاه الثاني، رغم محدودية تأثيره، يمثله ما يعرف بمؤتمر القاهرة بقيادة علي ناصر محمد وأبو بكر العطاس ويهدف إلى إعطاء الجنوب حق تقرير المصير والاستفتاء الشعبي على خيار الوحدة اليمنية أو فك الارتباط الوحدوي بين الجنوب والشمال. بينما الثالث يمثله تيار ما يعرف بـ "الائتلاف الجنوبي الوطني" ويهدف لبقاء الجنوب ضمن دولة اتحادية وفق مخرجات مؤتمر الحوار اليمني.
وفي سياق التوجهات الدولية التي تهدف، على الأرجح، لعزل الشرعية اليمنية، تفضي التوجهات الجنوبية لحل الأزمة اليمنية إلى خيارين لا ثالث لهما، إما إلغاء الشرعية اليمنية والدخول تحت مظلة أممية، أو تغيير الهوية السياسية للدولة اليمنية عبر توافق جميع الأطراف الفاعلة في الأزمة.
سباق الإجراء اليمني مع الإجراء الأممي
تلقت الشرعية اليمنية هزائم متوالية على يد الحوثيين المدعومين إيرانياً في شمال اليمن، أقنعت المجتمع الدولي بعدم جدوى الحل العسكري. بالمقابل على صعيد الدفع بالحل السياسي للأزمة اليمنية، يكرر الطرفان نفس السيناريو المحبط للجهود الدولية، حيث تتعثر عملية تنفيذ اتفاق الرياض جنوبا وتفشل عملية وقف إطلاق النار شمالاً.
من زاوية أخرى، يعد ذلك هزيمة مضافة لشرعية الرئيس هادي المعترف بها دوليا، إذ أن تعثر تنفيذ اتفاق الرياض وعدم عودة الحكومة اليمنية إلى عدن، يعزز سردية الممارسة غير المسؤولة سياسياً وأخلاقياً، الأمر الذي يخلع عن الشرعية اليمنية صفة الرعاية الأمينة. لذلك تحتاج التسوية السياسية الشاملة إلى رعاية أممية تضمن حقوق جميع الأطراف الفاعلة في الأزمة اليمنية. حيث من المتوقع أن يبدأ السويدي هانس جراندبيرج عمله مبعوثاً أممياً إلى اليمن في 5 سبتمبر القادم.
بموازاة ذلك يبدي المجتمع الدولي قلقه من تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية جراء استمرار الصراع وعدم الاستجابة لوقف إطلاق النار والدعوة لتسوية سياسية شاملة. إذ تمثل تداعيات الأزمة اليمنية تحديا إنسانيا للمجتمع الدولي، حيث تبرز الحاجة إلى مسار سياسي جديد يفتح مبدأ تكافؤ الفرص أمام جميع الأطراف، وذلك من خلال تبني مشروع قرار أممي يدفع باتجاه الحل السياسي الشامل.
في ضوء ذلك، تحاول بعض الأطراف اليمنية استباق الإجراء الأممي من خلال الاتفاق على صيغة توافقية تهدف لنقل سلطة الرئيس هادي لجهة محايدة. لكن ينبغي الإشارة إلى أنّ الإجراء اليمني قد يفضي إلى الاتفاق على دولة اتحادية مشروطة، أولاً بقبول جميع الأطراف الفاعلة في الأزمة اليمنية، وثانيا بالتنفيذ العملي على الصعيد العسكري في شمال اليمن. لذلك يبدو الإجراء اليمني مستبعد الحدوث إذ يشير للعمل على استئناف الأزمة اليمنية أكثر من إنهائها.
أخيراَ، ثمة إجماع دولي على حاجة الأزمة اليمنية لتسوية سياسية شاملة. لكن لا ينبغي إهمال أنَّ ثمة تباين ملحوظ حول آلية الحل السياسي يعزز خيار الرعاية الأممية على القيادة اليمنية.
باحث في الشؤون السياسية، مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: مدينة تعز - 06 أغسطس 2018 دمار في أحد منازل المدنيين (Shutterstock)