22-09-2021 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليلات
تطورات عسكرية متسارعة شهدتها محافظة شبوة، جنوب اليمن، مؤخراً، باتت فيها هذه المحافظة النفطية الغنية مُهدّدة بالسقوط في قبضة ميلشيات الحوثيين، المدعومة من إيران، والتي تحكم صنعاء وأغلب الشمال اليمني.
الحوثيون استطاعوا بسط سيطرتهم، الثلاثاء، بدون قتال، على مديريتي بيحان وعين في شبوة، الحدوديتين مع مأرب، معقل الحكومة اليمنية الأخير في شمال اليمن، والتي يسيطر الحوثيون على مساحات شاسعة منها أيضاً، كما سيطروا على مديرية حريب، بذات المحافظة.
تقدم الميلشيات الشمالية تزامن مع انسحابات للقوات الحكومية الموالية لحزب الإصلاح الإسلامي من بيحان وعين، على غرار ما حدث في جبهات محافظة البيضاء الاستراتيجية خلال الأسابيع الفائتة، والتي أضحت قاعدة انطلاق للحوثيين لمهاجمة جنوب اليمن.
وكانت قوات الإصلاح قد استولت على شبوة بعد معارك مع "النخبة الشبوانية" التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في أغسطس 2019، بدعم من السعودية، رئيسة تحالف دعم الشرعية باليمن، وبمشاركة وحدات عسكرية شمالية وأفراد من القبائل، بعد متوالية من الأحداث العسكرية في عدن، مقر المجلس، وأبين، ساحة المعركة بين الطرفين على مدار الفترة اللاحقة.
ويتهم المجلس الانتقالي الجنوبي الحكومة اليمنية وحزب الإصلاح، ذي النفوذ الواسع فيها، بـ "التخادم" مع الحوثيين لتسليم محافظة شبوة. وكان الطرفان قد وقّعا على اتفاق برعاية السعودية، عُرف بـ "اتفاق الرياض"، في نوفمبر 2019، تضمن إعادة انتشار النخبة الشبوانية بالمحافظة، وانسحاب القوات العسكرية إلى ثكناتها في مأرب.
ولم يرَ هذا الاتفاق النور حتى الآن، ولم يُنفّذ منه سوى تشكيل حكومة مناصفة فشلت هي أيضاً في أداء مهامها، وانتشال محافظات جنوب اليمن من الانهيار الاقتصادي غير المسبوق، وتدهور الخدمات المتزايد باطراد، بالإضافة لسحب المجلس الانتقالي لجانب كبير من قواته من أبين وعدن.
وبجانب هذا كله، تلوح في الأفق سيناريوهات مُتعددة لمعركة شبوة، يمكن استشفافها اعتماداً على المحطات التي مرّت بها هذه المحافظة مؤخراً، والتي تعيش صراعاً متعدد المستويات والأوجه، ويمتد إلى الإقليم والعالم، حيث تحتضن مصالح الدول الكبرى عبر شركاتها العاملة في قطاعي النفط والغاز.
سيناريوهات
السيناريو الأول: سقوط شبوة
منذ عام 2014، وبدء الحوثيين التمدد خارج معقلهم المذهبي والقبلي في زاوية شمال اليمن، محافظة صعدة، غلب طابع التسليم بدون مقاومة أو بمقاومة طفيفة على معارك الجماعة مع القوات العسكرية المحسوبة على حكومة هادي، والتي يوالي معظمها علي محسن الأحمر، نائب هادي.
أسقط الحوثيون عمران، بجانب صعدة، لتكون أولى محافظات شمال اليمن بيد الجماعة، ثم تباعاً حجة وصنعاء، بعد التحالف مع قوات علي عبد الله صالح، والذي قُتل على يد مسلحين حوثيين نهاية 2017.
وبينما تمددت الجماعة في أغلب مناطق شمال اليمن، كان جنوب اليمن قد تحرر من الحوثيين وقوات صالح عام 2015، على يد المقاومة الجنوبية التي تألف معظمها من الحراك الجنوبي، بالإضافة إلى مقاتلي التيار السلفي، بدعم مباشر من التحالف، وبشكل رئيسي، دولة الإمارات.
أفرز هذا واقعاً متمايزاً في شمال وجنوب اليمن، حيث تركزت الانتصارات الحوثية في الجبهات التي تقاتل فيها القوات الحكومية، فيما فشلت الجماعة في إحراز أي تقدم جنوباً، وعاشت هزائم ثقيلة أيضاً في مناطق الساحل الغربي والحديدة التي ترابط فيها ألوية العمالقة الجنوبية، ومقاتلين محليين، قبل أن يوقفها اتفاق "ستوكهولم" في 2018.
من نهم في صنعاء، إلى الجوف ومديريات شمال شرق مأرب، كانت انتصارات الحوثيين دون معارك حقيقية مع القوات الحكومية، رغم الدعم اللامحدود التي حظيت به الأخيرة من قِبل السعودية.
مُتعلق: 21 سبتمبر: انهيار الجمهورية اليمنية
وكانت هذه الانتصارات أشبه بـ "صفقات" تحت الطاولة، وخلف كواليس المعارك، وهو ما يعزز ادعاءات أطراف محلية، بينها المجلس الانتقالي الجنوبي، بوجود تحالف سري يجمع حزب الإصلاح، فرع الإخوان المسلمين في اليمن، والجماعة المدعومة من طهران.
واليوم، تعود سيناريوهات جبهات الشمال إلى الواجهة، مع أحداث شبوة، والتي قد تشهد سيناريو مماثل، يتم فيه تسليمها بدون قتال حقيقي إلى الحوثيين، من قبل قوات الإصلاح، والتي سوف تستمر في الانسحاب إلى الوراء، وتنضم إلى بقية وحدات الحزب في المنطقة العسكرية الأولى، بمحافظة حضرموت.
وفي حال تمكن الحوثيون من السيطرة على شبوة، ستكون الجماعة قد تمكنت فعلياً من فصل جنوب اليمن إلى جزأين، الأول يسيطر عليه المجلس الانتقالي الجنوبي (عدن، لحج، الضالع، أبين)، والآخر تتمركز فيه قوات الإصلاح (وادي حضرموت، المهرة).
ويبدو أنَّ الانتقالي الجنوبي مستعدٌ لهذا الاحتمال والسيناريو، إذ كان رئيسه، عيدروس الزبيدي، قد أعلن عن "حالة طوارئ" وتعبئة عامة في محافظات جنوب اليمن لـ "قتال الحوثيين وقوى الإرهاب المتحالفة معهم"، في إشارة لحزب الإصلاح الإسلامي.
السيناريو الثاني: تمدد محدود
يبقى هذا السيناريو الأكثر احتمالاً بعد الأول، ولو أنَّه لا يخرج عن نطاق "تحالف الإخوان والحوثيين" المُفترض، ويتمثّل بتسليم الإصلاح عددٍ من المناطق في شبوة (بالذات المناطق التي تتواجد فيها أسر هاشمية تعتقد بوجود نسب يربطها بالحوثيين)، دون السماح للجماعة ببسط كامل السيطرة على المحافظة.
ومن أهم المناطق المُحتملة في هذا السيناريو، مديرتي مرخة العليا ومرخة السفلى، وبيحان، فيما قد تكون عسيلان هي الجبهة المفترضة وميدان المناوشات بين الطرفين، والتي تحتوي على حقل جنّة النفطي الهام.
يسعى الإصلاح إلى ممارسة "ابتزاز" عسكري للسعودية، عبر التلويح غير المباشر بتسليم المناطق الخاضعة لسيطرته للحوثيين. وتسيطر القوات الموالية للحزب على مثلث النفط اليمني (مأرب، شبوة، حضرموت)، وهي المحافظات التي تشكّل الأهمية البالغة والعامل الحاسم في معادلة الأزمة اليمنية.
وبالفعل، حافظ الحزب على سيطرته على مناطق النفط في هذه المحافظات، فيما لم يقاتل كثيراً لأجل مناطق أخرى غير نفطية، وقد سيطر الحوثيون على عدد من المديريات في مأرب، أهمها رحبة، ماهلية، وحريب التي استولى عليها مؤخراً إلى جانب مديريتي بيحان وعين بشبوة. كما تتقاسم الجماعة مناطق ومديريات أخرى.
ابتزاز الإصلاح للسعودية يأتي في سياق أجندات الحزب، وداعميه الإقليميين، في جنوب اليمن، حيث يسعى للضغط على الرياض ضدَّ المجلس الانتقالي الجنوبي، عبر سياسة "إما نحن أو الحوثي".
وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذا السيناريو قد يكون هو ما يحدث فعلياً حالياً في شبوة. ومن المهم الإشارة إلى الدور العُماني في تشكيل هذا التحالف بين الإصلاح والحوثيين، خصوصاً مع تكرار زيارة شخصيات من عُمان ولقاء السلطة المحلية. وجاءت هذه التحركات عقب زيارة السلطان هيثم بن طارق للسعودية في يوليو الماضي.
ومع هذا، لا يمكن استبعاد أنَّ تقدم الحوثيين بشبوة يأتي نتجية هشاشة وضعف قوات الحكومة اليمنية، لتعزز الجماعة حصارها على مأرب من كافة الجهات (الجنوب، الشمال والغرب).
السيناريو الثالث: فشل حلف الإصلاح والحوثي
إنَّ تركيبة شبوة القبلية والمذهبية تجعلها صعبة أمام أي سيطرة للحوثيين، فهي ليست عمران أو صنعاء أو الجوف، حيث تتمركز "الزيدية" التي ينتمي لها الحوثيون قبلياً ومذهبياً، كما أنَّ هويتها الجنوبية أيضاً تصنع منها تحدياً بالغاً بالنسبة لحلف الإخوان والحوثي المُفترض.
في مأرب المجاورة، لعبت القبائل الدور الأكبر في التصدي للزحف الحوثي المتواصل، لذات الأسباب التي ستدفع قبائل شبوة لقتال الجماعة. التحرك القبلي في شبوة، جنباً إلى جنب مع احتمالية دخول القوات الجنوبية المعركة، يمكن اعتباره المُفسد الأساسي لأي صفقات سرية بشأن شبوة، ومن أي نوع.
أثبتت قبائل المحافظة حضورها على الأرض، ولو لم يكن ضمن إطار سياسي مُعين. وقد قاتلت قبائل "بلحارث"، إحدى أبرز قبائل شبوة، قوات الإصلاح بقيادة المحافظ بن عديو، للسيطرة على حقول النفط في عسيلان، أرض القبيلة الأساسية، في دليل على تأثير الدور القبلي على مجريات الأحداث، وصياغة الخارطة العسكرية لشبوة.
وإلى جانب القبائل، تأتي احتمالية دفع المجلس الانتقالي الجنوبي قوات عسكرية إلى شبوة (بعد الاتفاق مع القوات الحكومية الموالية لهادي في أبين، أو هزيمتها)، وهو ما قد يُفشل أي مخططات مفترضة للإصلاح والحوثيين، مع الأخذ بعين الاعتبار التواجد الإماراتي في منشأة بلحاف الغازية، والتي لا يتوقع أن تسلمها أبوظبي والرياض أيضاً بسهولة.
سيطرة الحوثيين على شبوة النفطية ستمثّل ضربة قاصمة للتحالف بقيادة السعودية، وقد أظهرت الجماعة عداءً متزايداً بعد كل قطعة أرض يمنية تسقطها، ولا تنفك طائراتها المُسيّرة وصواريخها البالستية تُهدّد الأجواء السعودية، بل وتُحدث أضراراً في كثير من الأحيان، وهو ما يضع احتمالية دعم السعودية للقوات الجنوبية ضد حلف الإصلاح والحوثيين، ولو بشكلٍ غير مُباشر، غير مُستبعدة.
وكان رئيس الانتقالي قد أشار ضمنياً إلى إخفاق في توجيه الحرب ضد الحوثيين، ودعا بنفس الوقت إلى "تصحيح مسار المعركة" ضدَّ الجماعة، والتي من المفترض أن تكون شمالاً نحو صنعاء، وليس نحو عدن في الجنوب.
اقرأ أيضاً: مستقبل الصراع في شبوة.. إلى أين؟
صحفي ومعد تقارير لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: ويكيبيديا
قبل 3 أشهر