31-10-2021 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | ترجمات
بينما يواصل القتال في محافظة مأرب الاستحواذ على مانشيتات الأخبار الدولية، يتصاعد الصراع في شبوة بين عناصر متحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب الإصلاح الإسلامي. وأدت مكاسب الحوثيين في غرب البيضاء وحتى مناطق قريبة من مأرب، إلى تشريد آلاف المدنيين وإجبار القوات الحكومية على الانسحاب صوب عتق، عاصمة شبوة. وأثار ذلك الوضع تحذيرات جديدة أطلقها المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، هانز جروندبرج، في أحدث إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي بشأن الحاجة العاجلة إلى عودة الأطراف إلى محادثات السلام، والأزمة الإنسانية الوشيكة جراء الصراع المسلح في جنوب مأرب. وأصبح الاستقرار في أرجاء المحافظات الجنوبية مهددًا بسبب إعادة انتشار القوات الحكومية في شبوة في سياق جهود تستهدف تعضيد مركز جديد لحزب الإصلاح في الوقت الذي يقترب فيه سقوط مدينة مأرب.
ثمة 4 عوامل رئيسية وراء حالة عدم الاستقرار في أرجاء المحافظات الجنوبية تتضمن الأراضي التي استحوذ عليها الحوثيون في البيضاء ومأرب المجاورتين، والتهديد الحوثي الناشيء في أبين وعدن، واحتشاد القوات الحكومية حول مدينة عتق، وانهيار اتفاقية الرياض المبرمة عام 2019.
وبينما تتحمل أبين وعدن ولحج وطأة التهديدات الحوثية في أعقاب تراجع القوات الحكومية في البيضاء هذا الصيف، باتت محافظة شبوة الآن مركزا لجبهة جديدة في الخصومة بين التابعين لحزب الإصلاح والقوات المتحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي. ويرى الجنوبيون أن انسحاب القوات الحكومية الموالية لحزب الإصلاح على مستوى القيادة يمثل تهديدا مباشرا لمصالحها وانتهاكًا لاتفاقية الرياض. وقد يؤدي احتشاد القوات الحكومية حول عتق إلى توظيف هؤلاء الجنود في وأد الاحتجاجات السياسية المناهضة لحزب الإصلاح ومحافظ شبوة غير المحبوب الموالي للإصلاح محمد صالح بن عديو والتي يقوم بها المدنيون في أرجاء المحافظة. ويتهم الجنوبيون القوات الحكومية بالتخلي عن مواقعها في البيضاء وبيحان وإعادة نشرهم في وسط شبوة. ويتساءل آخرون لماذا خسرت القوات الحكومية الكثير من الأرض في مواجهة الحوثيين رغم الدعم الكبير الذي تتلقاه من تحالف استعادة الشرعية.
وبينما يتفاقم الصراع في شبوة جراء التهديدات الذي يشكلها الحوثيون، ثمة دوافع أخرى تضرب بجذورها في الخصومات المحلية. وبعد مضي 6 أعوام على تحرير المحافظات الجنوبية من القوات الحوثية، وبعد عامين تقريبا من التوقيع على اتفاقية الرياض بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، تتنامى التوترات بين أطراف قبلية، وقيادات عسكرية، وشخصيات سياسية في حزب الإصلاح، والمجلس الانتقالي الجنوبي. ثمة مهمة متصاعدة تتمثل في الكشف عن شبكة من التحالفات والمصالح المتقاطعة لا سيما في ظل وجود تمثيل قبلي داخل قيادات كلا الجانبين، وعشائر منقسمة بسبب المحسوبية، والاقتصاد المرتبط بالحرب الذي يدعم شراكات مختلفة من شتى الخطوط الدينية والأيديولوجية السياسية.
وعلاوة على ذلك، انعكس الصراع في الجنوب على قوى أجنبية وإقليمية. وارتبط ذلك بمنافسة مثيرة لجذب الرعاة ما بين قبائل وسط وغرب شبوة الموالية للإصلاح وتتضمن العوالق وبلحارث وبنو هلال، وبين القبائل التي تقع على امتداد الساحل والتي تنحاز عامة للمجلس الانتقالي الجنوبي. وأدى ذلك إلى فيض من مزيج تقليدي يرتبط بالنزاعات على الأرض والأوضاع الداخلية للقبائل من أجل النفوذ المحلي. وتفاقمت خطورة هذه التوترات عبر سنوات من الهزائم التي لحقت بالقوات الحكومية على أيدي الحوثيين مما كثف الضغط على العلاقات الهشة بين أطراف سياسية رائدة على امتداد الجنوب.
ويذهب الكثير من اللوم بشأن الفشل الاقتصادي والعسكري في المناطق الجنوبية نحو حزب الإصلاح. ويعزى ذلك بشكل كبير إلى عدد من القيادات العسكرية التي تقود القوات الحكومية على امتداد الجبهات في البيضاء ومأرب، وكذلك مسؤولين باللجنة الاقتصادية وقطاع النفط حول الرئيس هادي. أضف إلى ذلك، فإن الصراع بين المجلس الانتقالي الجنوبي والإصلاح تفاقم بسبب ادعاءات مفادها أنه بالرغم من استضافة الرياض لقيادات الحزب، لكن جناحًا إخوانيًا شديد التأثير به ما يزال يحتفظ بعلاقات وطيدة مع قطر للحصول على تمويلات بشأن العمليات الإنسانية ورعاية قيادات القبائل وتعطيل تدفق الغاز الطبيعي المسال عبر بلحاف. ودائما ما يتردد اسم قطر كوسيط بين فصيل من الإصلاح، يتواجد أغلبه في تعز، وبين الحوثيين.
قبضة على الشرعية
التوتر المتجدد بين الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي يتجاوز كثيرا السيطرة على الأرض أو موارد النفط في جنوب اليمن. ويخوض الإصلاح، الذي يمثل ركيزة لحكومة هادي المعترف بها دوليًا، رهانات عالية المخاطر، حيث يستهدف الحزب الهيمنة على المشهد السياسي في اليمن، وتشكيل رؤية سلام بها سواء كدولة موحدة أو يمن منقسمة. وبالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي وحلفائه، يمثل الإصلاح تهديدا وجوديا في أرجاء المناطق الجنوبية حيث أن وجوده كمنافس في معظم هذه الأنحاء يشكل المردود النهائي للحرب ضد الحوثيين.
ويرى عددا متناميًا من اليمنيين أن حل إقامة دولتين باليمن لم يعد هدفا للقوى الإقليمية لكنهم يحاولون التوصل لنتيجة تستوعب طموحات الحوثيين والإصلاح. وبالنسبة لعامة اليمنيين، لا يوجد تفسير آخر بخلاف المواءمة بين طموحات الحوثيين والإصلاح لتبرير هذا الأداء الرديء للقوات الحكومية على امتداد الجبهات الشمالية للمعركة حيث استطاع الحوثيون السيطرة على 3 محافظات منذ يونيو 2018. وعلى الجانب الآخر، يرى الجنوبيون أن ضعف الحكومة والهزائم العسكرية تصب في مصلحة الإصلاح في المحافظات الجنوبية. ويستهدف مسؤولو الإصلاح داخل وخارج اليمن تعزيز وضع الحزب باعتباره أحد الموقعين على المبادرة الخليجية عام 2011، بمساعدة موالين له مثل نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر ومسؤولين آخرين للترويج لشرعيتهم كخلفاء طبيعيين للسلطة حتى لو اقتصر ذلك على نصف الجمهورية اليمنية المعترف بها.
ودافع حزب الإصلاح بقوة عن مجال نفوذه في شبوة أثناء السنوات الست الماضية للحرب. وبدعم من محافظ شبوة، استغل مسؤولو حزب الإصلاح سبل الرعاية سواء من خلال حوافز مالية أو وظائف أو توزيع المساعدات الإنسانية المقدمة من حليفتيه قطر وتركيا. وفيما يتعلق بالقوات المسلحة، مد حزب الإصلاح نطاق تأثيره مستغلًا العواقب الناتجة عن خسائره الباهظة بين قوات القبائل والهيئات الحكومية في المعارك ضد الحوثيين. وعلى سبيل المثال، أتاحت الوفيات في أوساط مسؤولين عسكريين حكوميين فرصة لحزب الإصلاح لسد هذا الفراغ من خلال موالين له. وبشكل كبير، يبدو أن تلك المقاربة جرى الموافقة عليها من خلال نائب الرئيس علي محسن الأحمر، ورئيس الأركان الجنرال صغير بن عزيز، ووزير الدفاع محمد على المقدشي، مما تسبب في عاقبة غير مقصودة تتمثل في إضعاف العلاقات العسكرية والسياسية الاجتماعية مع قبائل مأرب. واستغل الحوثيون هذا الضعف من خلال زرع عناصر قبلية محرومة وتوقيع اتفاقيات عدم اعتداء تسمح للقوات الحوثية بالمرور في جبهات المعركة.
وفي شبوة، يُنظر إلى المحافظ بن عديو، ونائب المحافظ محسن الحاج، وزعيم حزب الإصلاح أحمد محسن عبود باعتبارهم مصادر دعم حيوية لمسؤولين عسكريين وأمنيين يعملون على زيادة نطاق نفوذ الحزب. وتتمثل إحدى وسائل تحقيق ذلك في تحكم الإصلاح في مناصب عسكرية، العديد منها رفيعة المستوى على نحو يدعو إلى الدهشة في مناطق سيطرة حزب الإصلاح. وكشفت وثائق مسربة من مكاتب عسكرية محلية تعيين معلمين وأساتذة جامعات موالين للإصلاح في مناصب رئيسية بوحدات الجيش.
بعض المسؤولين العسكريين الموالين للإصلاح الذين حققوا صعودا ملحوظًا أمثال صالح لقصم( قائد اللواء 163)، ومهدي مشفر القميشي (قائد اللواء الثاني مشاة جبلي)، ومحمد سنيد (أركان حرب اللواء 21) كانوا معلمين في شبوة.
ويتهم المجلس الانتقالي الجنوبي قيادات عسكرية أخرى موالية للإصلاح بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين المؤيدين للمجلس ي شبوة حيث تضم القائمة كلا من عزيز العتيقي (قائد محور شبوة)، وناصر لصور ( قائد قوات حماية المنشآت النفطية) وجهاد حنش ( قائد اللواء 21)، وصلاح الحارثي (ٌقائد اللواء 153) والذين ينحدر معظمهم إلى قبائل العوالق.
ملاذ وموارد
فيما يخص المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن السقوط الوشيك لمدينة مأرب بواسطة قوات الحوثيين سبب جذري لتدهور الأمن في مناطق مثل شبوة. ويمثل سقوط مأرب خسارة ضخمة للإصلاح نظرا لأنه كانت بمثابة الملاذ الرئيسي للحزب منذ طرده من صنعاء في سبتمبر 2014. وباتت أهمية مأرب واضحة منذ تعيين علي محسن الأحمر نائبا للرئيس في أبريل 2016، حيث جعل المدينة مركز ثقل بالنسبة له وقاعدة للحكومة الشرعية في شمال اليمن وشهدت المدينة الصحراوية نموا سريعا في أوائل عام 2016 باعتبارها ملاذًا للمشردين داخليا الذين لاذوا بالفرار من قبضة الحوثيين. واستفاد اقتصاد مأرب من وصول وكالات الإغاثة الإنسانية، وتوسع أنشطته بفضل عدد من المسؤولين الحكوميين الذين انتقلوا إليها. بيد أن هذا النمو توقف مع منتصف عام 2020 عندما قام الحوثيون بتصعيد مواجهاتهم العسكرية من حدود صنعاء-مأرب في الغرب صوب الشرق ومدينة مأرب.
من جانبها، أصبحت شبوة جزيرة للاستقرار والنمو بعد عام من توقيع اتفاقية الرياض 2019. وبحلول عام 2020، بدا المحافظ بن عديو كقائد محلي يركز على التنمية. وارتبطت صورة التنمية الاقتصادية بشكل مباشر بانسحاب القوات الحكومية من مأرب ووصولهم إلى شبوة مع اقتراب الحوثيين. وأدى تواجد المدنيين الفارين من المحافظات المجاورة، وانسحاب القوات، والفيض المتزايد من المساعدات الإنسانية في ضمان وتيرة نمو ثابتة خلال العامين الماضيين. بيد أن هذا السراب الذي تم تقديمه أمام المجتمع الدولي يخفي وراءه الأوضاع على امتداد المناطق الريفية في الهلال الجنوبي للمحافظة. ولم يكن للنمو الاقتصادي أي تأثير يتجاوز محيط مركز العاصمة عتق. وجاء احتشاد القوات الحكومية هذا العام في أعقاب المعارضة المناهضة لنهج بن عديو. وعلى مدار العامين الماضيين، استمرت الاحتجاجات المناهضة للبطالة وزيادة التضخم وتخفيض قيمة العملة. وبسبب نهج اليد الغليظة التي تتبعه القوات الامنية في أغلب الأحيان ضد المحتجين، بدأ المتظاهرون في استهداف المحافظ وحزب الإصلاح والرئيس هادي في أعقاب استخدام ذخيرة حية ضد محتجين غير مسلحين، واختطاف مسؤولين موالين للمجلس الانتقالي الجنوبي أو أبنائهم.
وبخلاف أهمية إقامة مركز ثقل لحزب الإصلاح في شبوة، ثمة أيضا منافسة للسيطرة على الموارد الطبيعية. وتفاقمت الخصومة بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب الإصلاح بشكل متزايد من خلال عدم حصول الجنوبيين على الموارد النفطية بشكل كاف رغم تذمرهم المستمر من التوزيع غير المتوازن للوقود والإيرادات بين سكان الجنوب، حيث أشاروا إلى وجود ممارسات احتكارية في أيدي الأطراف الاقتصادية الشمالية على مدار العقود الثلاثة الماضية.
وفي أغلب الأحيان، حينما يشير مسؤولون حكوميون إلى النمو الاقتصادي في شبوة، يثمنون دور الإيرادات النفطية في ذلك، لكن البيانات في هذا الصدد لا يمكن الاعتماد عليها، حيث قدرت تقارير الصادرات النفطية بنحو 15000 برميل يوميا بينما أشارت أخرى إلى أن ذروة الصادرات حدثت في فبراير 2021 بـمعدل 88000 برميل يوميا. وأشارت وسائل الإعلام الجنوبية إلى زيادة وتيرة النشاط في ميناء قنا الذي يقع بالقرب من ثالث أهم موانئ اليمن (بير علي) على امتداد خليج عدن. وينظر منتقدو حكومة هادي إلى تلك الأنشطة في قنا باعتبارها ممارسات تهريب. وأثارت الحوادث الأخيرة التي تتعلق باستهداف ناقلات النفط في المنطقة مشاعر القلق بشأن الأمن المحيط بتلك المرافق. ومن المتوقع أن يتسبب القتال حول المنطقة الغنية بالنفط والإيرادات في إثارة خلاف أكبر نطاقا يهدد استمرار حكومة هادي، وكذلك مسار السلام الذي ترعاه الأمم المتحدة.
الخلاصة
تمثل كافة خطوط الصراع- المقترنة أحيانا بإستراتيجية لكنها غالبا رد فعل على الأحداث، والتي تشكل وتعيد تشكيل أراضي اليمن سواء في الشمال أو الجنوب، تحديًا أكبر لتخصيص هوية سياسية تدوم لفترة زمنية طويلة بحيث تثمر عن جهود تستهدف إرساء سلام دائم.
إن نطاق الأطراف المتمكنة والقادرة في الضلوع في قتال لا يتوقف ضد الخصوم، والحرب على الموارد أو من أجل اكتساب مكانة وقوة، إقليميًا على الأقل، أو الحصول على موارد مالية مستقرة يبدو مستمرًا وفي طريقه للاتساع طالما ظل هذا التدفق من المعدات العسكرية وتطلعات السلطة وندرة التحسن.
ومع استمرار استنزاف الطاقة البشرية والإنتاج والسلطة الحكومية، تتضاءل المساحة بشكل متزايد أمام اليمن لتحقيق أي انتصارات قيمة في ظل هذا الصراع المسلح. وعلى مدار سنوات الحرب الأهلية التي تقترب من العام السابع، تقحم الدول الإقليمية نفسها ماديًا أو سياسيًا بها في سياق ما تعتبره دفاعًا سياديًا لكنها للمفارقة تتسبب في إطالة أمد الحرب وتؤجج حالة من الفوضى المتزايدة في اليمن.
متخصص في الشؤون اليمنية والقبائل
- المصدر الأصلي: مركز تحليلات دول الخليج في واشنطن (GSA)
- الترجمة للعربية: مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: قائد القوات الخاصة عبدربه لعكب (إلبايس)