29-01-2022 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | إياد قاسم
أعادت التطورات العسكرية
الأخيرة في محافظة شبوة، جنوب اليمن، المجلس الانتقالي الجنوبي إلى واجهة المشهد العسكري والسياسي في اليمن. قَرع المجلس قبل الجميع ناقوس خطر تمدد الميليشيات
الحوثية التي تدعمها إيران بعد
توغلها في
المناطق الحدودية لجنوب اليمن (في محافظة البيضاء)، وأعلن حالة الطوارئ في الجنوب
بداية من 15 سبتمبر أيلول 2021. كما دعا، وبجدية، التحالف الذي تقوده السعودية،
إلى تصحيح مسار المعركة "المشتركة"
مع الحوثيين "عسكرياً وسياسياً وإعلامياً".
لقد شهدت
الحرب في اليمن تحوّلا عسكريا وسياسيا ملموسا عقب سيطرة الحوثيين على محافظة
البيضاء ومديريات بيحان في شبوة في سبتمبر 2021. إذ انسحبت القوات المشتركة التي
تتواجد في الساحل الغربي من مواقعها في محيط مدينة الحديدة، وأعادت قوات ألوية
العمالقة الجنوبية انتشارها باتجاه الشرق إلى محافظة تعز، وسط اليمن، وكذلك
في محافظة شبوة في الجنوب، لـ"موائمة الاستراتيجية العسكرية" الجديدة للتحالف. تزامن
ذلك مع لقاءات دبلوماسية وسياسية مكثفة لقيادة الانتقالي الجنوبي مع الأطراف
المعنية داخل التحالف، وسفراء الدول الخمس بمجلس الأمن. لقد بدا هذا التحول أكثر وضوحا مع زيارة قائد
القوات المشتركة في المملكة العربية السعودية، أواخر ديسمبر كانون الأول 2021، إلى
دولة الإمارات العربية المتحدة، والحديث عن "تعزيز التعاون الدفاعي" بين البلدين، وذلك قبيل
انطلاق العمليات العسكرية في شبوة بأسبوع واحد. كما شكّل قرار إقالة محافظ شبوة
السابق، محمد صالح بن عديو، المقرّب من حزب الإصلاح، تطوّرا سياسيا لافتا، باركه
المجلس. خصوصا وأنّ الأخير، يتهّم الحزب اليمني بـ "التواطؤ لتسليم مديريات
شبوة للحوثيين".
عقب تمكّن
ألوية العمالقة الجنوبية المقرّبة من المجلس، بمساندة التحالف الذي تقوده السعودية
ومساندة دولة الإمارات، من هزيمة الحوثيين وتحرير مديريات بيحان في 10 يناير كانون الثاني
2022، برزت مخاوف الانتقالي الجنوبي من ذهاب القوات الجنوبية أبعد من ذلك في عمق
محافظات شمال اليمن، على الوجه الخصوص في جنوبي مأرب والبيضاء. تتضمن تحفظات
المجلس في هذا السياق ثلاثة مبررات رئيسية: أولا؛ أنّ هذه المناطق لا تشكّل حاضنة
للمجلس، لاعتبارات سياسية وجغرافية ودينية، ويمكن أن يُشكِّل التوغل فيها خطورة
كبيرة على الوحدات العسكرية. ثانيا؛ أنّ المجلس الذي تأسس في 2017 ككيان سياسي ضم
في معظمه عناصر الحراك الجنوبي الذي يطالبون باستعادة دولة جنوب اليمن السابقة،
وطالما شدّدوا على أنّ مهمتهم الأساسية هي "حماية وتأمين أراضي الجنوب". ثالثا؛ يرى المجلس أنّ
ألوية القوت اليمنية "الشمالية" التي تتبع نائب الرئيس اليمني، والتي
تتواجد في وادي حضرموت، هي المعنية بدرجة أساسية، ووفق الأخلاق العسكرية
والمسئولية القانونية، بخوض المعارك على أراضيها حتى يتم تحريرها من سيطرة مليشيات
الحوثيين، فضلا عن أنّ القيام بمثل هذه المهمة كان أحد البنود الرئيسية لـ "اتفاق
الرياض".
مساندة الإخوة
ولأنّ
التطورات الأخيرة في شبوة خلقت واقعا جديدا، وعززت من حضور المجلس الانتقالي في
المحافظة مرة أخرى، وبات حالياً هو اللاعب الرئيس، عقب خسارته في أغسطس 2019، لم
يرفض المجلس بشكل حاسم المشاركة في المعارك
التي يقودها التحالف جنوبي مأرب والبيضاء في الشمال. وعبّر على لسان رئيسه مرارا
استعداد المجلس "لمساندة الإخوة في الشمال" لمواجهة الحوثيين، وحالياً
تشتبك ألوية العمالقة الجنوبية مع الحوثيين في مديرية حريب جنوبي مأرب، محققة
انتصارات حاسمة. ومع ذلك من المرجّح أن تقتصر مشاركته داخل أراضي الشمال، بما يحقق
"تأمين المناطق الجنوبية" الحدودية.
ينطلق المجلس
بتصريحاته تلك من "شراكته الاستراتيجية" مع التحالف العربي، حتى
تحقيق أهداف العملية العسكرية في اليمن. يُدرك المجلس الانتقالي الجنوبي أنّ
التحديات التي تشكّلها جماعة الحوثيين ومخاطر توسّع نفوذها، سيهدد المجلس ونفوذه
الحالي في الجنوب. يعتبر المجلس تهديدات الحوثيين امتدادا لأطماع إيران التوسعية
في المنطقة. سبق وشنّ الحوثيون هجمات صاروخية استهدفت مطار عدن الدولي وقاعدة
العند الجوية في لحج، وميناء عتق ومنشآت مدنية في شبوة، خسر فيها المجلس قيادات
بارزة موالية له. لقد كشفت الجماعة الدينية المتشددة أنّها لن تتورع عن مهاجمة
الجميع، حينما تملك المقدرة على ذلك. بالمقابل يزعم الحوثيون أنّهم يقاتلون
"لاستعادة سيادة اليمن" وأنّ خصومهم مجرد "مرتزقة".
رفض الحوثيون في وقت سابق أي حوار
مع المجلس الانتقالي الجنوبي على الرغم من أنّ المجلس لم يدعُ صراحة الحوثيين لأي
حوار مباشر، إلا أنّ الزبيدي سبق وأبدى استعداد المجلس للتفاوض مع من يسيطر على شمال اليمن.
اعتبر مراقبون ذلك إشارة للحوثيين، في حال سيطروا على مأرب. مؤخرا بدا المجلس أكثر
تشددا في موقفه تجاه الحوثيين. دعا الزبيدي إلى تصنيف الحوثيين في "قائمة
الإرهاب" وأعرب بأنّ المجلس لن يتفاوض مع الحوثيين في حال صنّفهم
المجتمع الدولي كـ"جماعة إرهابية".
لقد أزعجت
القوات الجنوبية الحوثيين بشكل كبير. تعرّض مقاتلوهم لهزائم كبيرة في جبهات شبوة
وجنوب مأرب. إذ تقدّر التقارير مقتل ما يزيد عن 3300 من
الحوثيين خلال 18 يوم من المواجهات. لكنّ انزعاج الحوثيين لا يكمن فقط من الخسائر
البشرية في صفوفهم، إذ مثّل التقدّم العسكري للعمالقة إحباطا لمخططات استراتيجية
طالما سعى الحوثيون لتحقيقها في سبيل تحسين شروطهم في أي مفاوضات سلام قادمة
مستندين على قوة الأمر الواقع على الجميع. ربما كان الانتقام من أبوظبي، لأول مرة،
هو السبيل لتنفيس غضب الجماعة. لا يتوارى الحوثيون عن ربط هجماتهم الأخيرة على
الإمارات بدعمها للقوات الجنوبية في شبوة. "هذا التطور يتعلق بالسياق
الميداني في اليمن حيث تحول القتال المتصاعد مؤخرًا.. في محافظة شبوة وسط البلاد
لصالح حلفاء أبوظبي." كما يوضّح مارك غوتالييه، المستشار في الجيوستراتيجية
والمتخصص في قضايا الشرق الأوسط.
تضارب الأهداف
في خضم ذلك،
برز المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة سياسية وعسكرية لا يستهان بها. وعلى الرغم من
أنّ العمالقة لا تتبع تنظيميا للمجلس بصورة مباشرة، إلا أنّ الطرفان نسقا بصورة
جيدة، خلال المعارك الأخيرة، وفق مصادر سوث24.
ربما يرى بعض
المراقبين أنّ هناك تعارض في بعض الأهداف بين التحالف العربي بقيادة السعودية
والمجلس الانتقالي الذي يسعى لقيام دولة مستقلة في الجنوب. وبالتالي تعقّد هذه
الجزئية إيجاد توافق متين لإدارة الأزمة اليمنية، أو تقف حاجزا أمام طمأنة
الجنوبيين حول مستقبلهم السياسي والوطني. سبق وقادت هذه الخلافات لمعارك في شبوة
وأبين في الأعوام الثلاثة الماضية.
في الساحة
الخليجية يُمكن ملاحظة تفاوت واسع بين مواقف النخبة المثقفة هناك، بين من يرى أنّ
من حق المجلس طرح مشروعه عقب استكمال عمليات التحالف في اليمن و "استعادة
الدولة"، وبين من يرى أنّ الحل العملي يكمن في دعم قيام دولة في جنوب اليمن،
في ظلّ عدم تواجد رغبة في الشمال لمواجهة الحوثيين. في حين يقف بعض الخليجيين إلى
صف الحفاظ على "وحدة اليمن".
لطالما أرسل
المجلس إشارات للقوى اليمنية الشمالية والأطراف الإقليمية والدولية، بشأن أهدافه
السياسية والعسكرية، لم يتم اقتناصها بعد. مؤخرا جدد رئيس المجلس، على قناة الحدث
السعودية، عرض رؤيته لمستقبل جنوب اليمن. وأعلن بوضوح أنه يدعم استفتاء للشعب
هناك، تشرف عليه الأمم المتحدة. ظهر
عيدروس الزبيدي متوازنا في طرح ملامح رؤية المجلس العسكرية والسياسية، كما سبق
وأكّد موقف المجلس الداعم لعملية السلام التي يقودها هانس غروندبرغ، على أن يكون
الانتقالي "طرفا أساسيا فيها بكل مراحلها".
في المحصلة،
كانت رؤية المجلس العسكرية والسياسية ودعواته المتكررة، التي انطلقت في مضمونها من
جوهر اتفاق الرياض، بمثابة المنقذ لإعادة تصحيح مسار المعارك، وتلافي الإخفاق الذي
وقع به التحالف بقيادة السعودية، على الصعيد الميداني والسياسي. تصحيح المسار يشمل
أيضا مؤسسة الرئاسة وملف الإرهاب والأمن في البحر الأحمر، ومستقبل العملية
السياسية برمتها في اليمن.
توصيات:
- لا يمكن تحقيق اصطفافا حقيقيا في مواجهة الحوثيين، طالما والقوى التي مكنّت الجماعة من السيطرة على محافظات شمال اليمن، تدير القرار السياسي في الحكومة المعترف بها دوليا، إذ تتعثر مثل هذه الآمال، كلما حاول التحالف مقاربتها.
- إنّ المساعي الدبلوماسية
"رفيعة المستوى" لإبقاء هذه الأطراف، وثيقة الصلة بالجماعات المتطرفة، خارج مسار
"تصحيح المسار"، لن تحقق نتيجة عملية لـ "حرية اليمن السعيد".
- مقابل الالتزام الأخلاقي الذي
قطعه المجلس تجاه "شركائه" في السعودية والإمارات أو حتى تجاه بعض القوى
اليمنية المحلية، عليه أنّ يضع في الحسبان أنّ مستقبل جنوب اليمن وأمنه ومصلحته
العليا، هي معيار هذه الشراكة.
- على المجلس الانتقالي الجنوبي تقديم رؤية متكاملة لعملية السلام لحل الأزمة اليمنية، لا تقتصر فقط على التأكيد على أهمية مشاركته في هذه العملية.
إياد قاسم
رئيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- هذه المادة جزء من ملف تحليلي شامل للمركز حول "قراءة في التداعيات المحلية والإقليمية والدولية للتطورات الأخيرة في شبوة"
- الصورة: شعار المجلس الانتقالي الجنوبي على أحد جدران مدينة عتق، شبوة (رويترز)