14-04-2022 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | ترجمات
أجرى موقع "جدلية" حواراً مع الباحثة والمؤلفة الألمانية آن-ليندا أميرة أوجستين، للوقوف على أبرز ما ورد في كتابها الحديث الإصدار: "كفاح الاستقلال في جنوب اليمن.. أجيال من المقاومة".
وأوجستين من أم ألمانية وأب من جنوب اليمن، انتهت من ماجستير الدراسات الشرق أوسطية عام 2011. وقامت بعدها بتركيز بحثها على الحراك الجنوبي وكفاح الاستقلال في جنوب اليمن.
وقالت المؤلفة أنّ "الكتاب هو نتاج أكثر من ١٠ أعوام من البحث بشأن هذه المنطقة والحراك الجنوبي".
مركز سوث24 ترجم الحوار إلى العربية وينشره هنا:
جدلية: ما الذي جعلك تقدمين على تأليف هذا الكتاب؟
آن-ليندا أميرة أوجستين: شهد عام 2007 مولد الحراك الجنوبي احتجاجا على تهميش الجنوبيين منذ الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (جنوب اليمن) والجمهورية العربية اليمنية (شمال اليمن) عام 1990. وفي ذات العام، قضيت فصلا دراسيا في جامعة عدن ضمن نطاق دراساتي الشرق أوسطية بجامعة لايبزيج الألمانية. وفي ذلك الوقت، كان معظم طلاب الدراسات الشرق أوسطية يسافرون إلى مصر وسوريا للدراسة هناك. بيد أنه نظرا لأن جذوري تنحدر إلى أم شرق ألمانية وأب من جنوب اليمن، كانت خلفيتي الشخصية مصدر اهتمامي بالمنطقة التي عادة ما تستحوذ على قدر ضئيل من الاهتمام في الدراسات الشرق أوسطية. ومنذ ظهور الحراك الجنوبي عام 2007، أردت أن أتعلم وأفهم الكثير بشأنه.
دائما ما كنت أتساءل بشأن هذا الارتباط النشط للشباب في الحراك الجنوبي، ورواياتهم بشأن كيف كانت الحياة عظيمة داخل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. لقد ولدت في جمهورية ألمانيا الديمقراطية في منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم، وكنت طفلة صغيرة عندما توحدت ألمانيا الشرقية والغربية. ولذلك أمتلك القليل من الذكريات بشأن الحياة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية قبل ذلك. وشعرت بالدهشة عندما قال لي شباب من جنوب اليمن ولدوا بعد عام 1990: "كان لدينا هذا وذلك الإنجاز في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. لقد قدمت لنا "دولتنا" الإنجازات". وتساءلتُ لماذا يقوم هؤلاء بربط هويتهم بدولة اختفت من خريطة العالم منذ أكثر من عقدين. وهكذا، بدأت أتساءل لماذا انضم العديد من الشباب إلى الحراك الجنوبي، ولماذا طالبوا بعودة دولة لم يقوموا بمعايشتها قط، ومن أين نشأ مفهومهم بشأن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية؟
جدلية: ما هي الموضوعات والقضايا والأدبيات المعينة التي يخاطبها الكتاب؟
آن-ليندا أميرة أوجستين: يعد الكتاب أول إثنوجرافيا وصفية يرصد كفاح الاستقلال في جنوب اليمن من منظور شعبي متجذر مع الاستعانة بأشكال تاريخية تنتمي لعهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، بالإضافة إلى تشكيل وتوحيد الحراك الجنوبي. الكتاب تم بناؤه على أساس تجريبي يعتمد على المقابلات، والمناقشات الجماعية المركزة، والكتب، والتواصل الاجتماعي، والإعلام المطبوع، والقصائد الشعرية، ونصوص الأغاني، والصور الفوتوغرافية، وشهادات مستخلصة من مقابلات مع نشطاء وجيران وغيرهم، بالإضافة إلى وصف مكثف لأوضاع لاحظتها في الأعوام الأخيرة.
أزعم في هذه الدراسة أن الرغبة في الاستقلال كانت قائمة قبل وقت طويل من ظهور الحراك الجنوبي عام 2007 لكنها كانت بعيدة تماما عن الاهتمام العام: ومن داخل العائلات والأحياء السكنية ودوائر الأصدقاء والزملاء، تمت المحافظة على ذكريات الماضي ومطالب إعادة تأسيس دولة جنوب اليمن منذ وقت الوحدة، لا سيما بعد 1994 وحتى 2007. وحول هذه الذكريات، جرى تنظيم المقاومة وتداول مطالب إعادة تأسيس الدولة المستقلة سرًا إلى أن تم التعبير عنها على الملأ مع ظهور الحراك الجنوبي.
إن هذا البعد الجيلي لكفاح الاستقلال يمثل جوهرا لهذا الشكل من المقاومة ووجودها المستمر. لقد أوضحتُ أنه في أي بيئة مقاومة، لا يعد الانتقال بين الأجيال حكرا على العائلة فحسب ولكن الجيران والأصدقاء والنشطاء والصحفيين وصناع الإعلام والأكاديميين يلعبون دورا هاما في نضال الاستقلال لنقل الذكريات ورغبة استعادة الدولة. وهكذا، يفتح الكتاب آفاقا جديدة على أشكال المقاومة اليومية من الأسفل داخل بيئة مقاومة جدا وهو أمر بعيد عن أشكال المقاومة العلنية ضد عنف وقمع النظام والتي تكون مثلا في صورة احتجاجات وإضرابات.
جدلية: كيف يتصل أو ينفصل هذا الكتاب مع عملك السابق؟
آن-ليندا أميرة أوجستين: منذ أن انتهيت من ماجستير الدراسات الشرق أوسطية عام 2011، أقوم بتركيز بحثي على الحراك الجنوبي وكفاح الاستقلال في جنوب اليمن. وهكذا، فإن الكتاب هو نتاج أكثر من ١٠ أعوام من البحث بشأن هذه المنطقة والحراك الجنوبي. يرتكز الكتاب على أطروحتي للدكتوراه التي انتهيت منها عام 2018 من جامعة ماربورج بألمانيا.
جدلية: من تأملين أن يقرأ هذا الكتاب وما نوع التأثير الذي تودين أن يحققه؟
آن-ليندا أميرة أوجستين: جنوب اليمن، مثل عدن والمحافظات المحيطة، هي منطقة لم تحظ بقدر كاف من البحث في الدراسات الشرق أوسطية. ولذلك، فإن الإصدارات المتعلقة بجنوب اليمن نادرة وكذلك اليمن ككل. لقد تم إجراء البحث في هذا الكتاب في أوضاع في غاية الصعوبة على شفا الحرب في 2014 و2015. وفي ذلك الوقت، كان الدخول أصلا إلى جنوب اليمن مقيدًا بسبب الوضع الأمني بالبلاد. وبينما ما تزال الحرب في اليمن مستمرة والوصول إلى نهاية لها ليس شيئا متوقعا في السنوات المقبلة، ربما يظل الكتاب البحث الإثنوجرافي الأخير الذي تم إجراؤه في هذا البلد بشأن انتفاضة الربيع العربي المستمرة.
وبالإضافة إلى جمهور أكبر مهتم بالشرق الأوسط (لا سيما اليمن)، يعتزم الكتاب جذب جمهور من علماء الأنثروبولوجيا والاجتماع والسياسة مع تركيز على المقاومة ونضال الاستقلال ودراسات الذكريات والروايات والمساحات والأطراف الفاعلة والنشطاء وحركات الاحتجاج والعلاقات بين الأجيال.
وعلاوة على ذلك، يملك الكتاب قدرة جذب عالمية لأنه يقدم رؤية حول أسباب وقوع اليمن في الحرب اليوم. إن مظالم جنوب اليمن ومطالب الاستقلال هي إحدى أكثر القضايا السياسة الملحة في اليمن أو أكثرها إلحاحا، وتمثل تحديا لوحدة أراضي اليمن. لقد امتلك الجنوبيون القدرة على استمرار تطلعاتهم الرامية لاستعادة دولتهم على أرض جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود من الوحدة وتعرضهم للقمع من الحكومة المركزية. وهكذا، فإن الكتاب موضوعي جدا في هذا الوقت في ظل محاولات الأمم المتحدة أن تجلب معا الأطراف اليمنية إلى محادثات السلام بغية الوصول إلى حل لهذه الحرب. سيكون الكتاب وثيق الصلة بذلك على مدار الأعوام المقبلة لأنه يساعدنا على فهم التحديات السياسية الكبرى التي تواجه جمهورية اليمن اليوم وفي المستقبل.
جدلية: ما هي المشروعات الأخرى التي تعملين على تنفيذها الآن؟
آن-ليندا أميرة أوجستين: بسبب الحرب، من المستحيل تنفيذ بحث ميداني ممتد في اليمن. أعمل في الوقت الحالي كمنسقة بحوث بجامعة لايبزيج الألمانية حيث أقوم بالتنسيق في مشروع بحثي مشترك بتمويل من وزارة الداخلية الفيدرالية الألمانية بشأن المؤسسات والعنصرية في الدولة الأوروبية.
جدلية: ما الذي تقصدينه بمصطلح "مقاومة بين الأجيال"؟
آن-ليندا أميرة أوجستين: في كتابي، أشرت إلى أن الانتقال بين الأجيال يصبح "سلاح الضعيف"(جيمس سكوت، 1995، 16) إنه شكل يومي من أشكال المقاومة لشعب ضعيف نسبيًا، ولا يتطلب ذلك إلا قدرًا ضئيلًا أو لا شيء إطلاقًا من التنسيق أو التخطيط. مثل هذه الأشكال من المقاومة يمكن أن تكون فعالة جدا على المدى الطويل لأنها تتفادى الدخول في مواجهات كاملة ومباشرة مع السلطات.
إن مصطلح "الانتقال بين الأجيال" باعتباره شكلًا يوميا من المقاومة يستطيع المضي قدما أعوامًا عديدة قبل أن تظهر تأثيراته في العلن وتتحول إلى الحشد السياسي. إن النتائج المؤجلة لمقاومة بين الأجيال تفسر لماذا لم يظهر الحراك الجنوبي مباشرة بعد حرب 1994 بل في 2007، ذلك الوقت الذي بلغ فيه مواليد ما بعد الوحدة سن الرشد وانضموا إلى المقاومة.
مقتطفات من الكتاب (من المقدمة، ص 1-3)
في عام 2007، مكثتُ شهورا عديدة في عدن بجنوب اليمن لإنهاء فصل دراسي بجامعة عدن ضمن نطاق دراساتي الشرق أوسطية بجامعة لايبزيج الألمانية. وشهد ذلك الوقت مولد الحراك الجنوبي احتجاجا على تهميش الجنوبيين منذ الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (المعروفة أيضا باسم جنوب اليمن) والجمهورية العربية اليمنية (المعروفة أيضا باسم شمال اليمن) عام 1990. وتزايد هذا التهميش بعد حرب 1994.
وفي وقت الوحدة اليمنية عام 1990، كانت السلطة مقسمة بالتساوي بين السياسيين في جنوب وشمال اليمن والبيروقراطيين في الوزارات. ومع ذلك، فإن نتائج انتخابات 1993 أسدلت الستار على اتفاق تقسيم السلطة وهمشت الحزب الاشتراكي اليمني(الجنوبي) وقامت بتقوية حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح (التجمع اليمني للإصلاح) بالإضافة إلى النخب القبلية والإسلاموية في شمال اليمن. وبسبب اختلافات جوهرية في حكومة الائتلاف الجديدة التي شكلتها الأحزاب الثلاث، تصاعدت التوترات واندلعت الحرب بدءا من اشتباكات 27 أبريل. وفي 21 مايو 1994، أعلن فصيل تابع لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تأسيس جمهورية اليمن الديمقراطية في جنوب اليمن. بيد أنها خسرت الحرب في 7 يوليو 1994وظلت جمهورية اليمن كيانا واحدا.
وعند بدايته، كان الحراك الجنوبي يضم ائتلافا فضفاضا من الجنوبيين العديد منهم من ضباط الجيش السابقين أو موظفين سابقين بدولة جنوب اليمن تم عزلهم عن وظائفهم عنوة بعد حرب 1994. ومن وجهة نظرهم، كان تدمير وظائف هؤلاء المتضررين بمثابة عقاب بسبب هذه الحرب. وفي2007، بدأ هؤلاء الناس في التعبير عن سخطهم على الملأ مطالبين بالحقوق الاجتماعية وإعادتهم إلى وظائفهم. ومع ذلك، لم تكترث الحكومة اليمنية بمظالمهم واستخدمت القوات الأمنية الحكومية إجراءات وحشية ضد المحتجين. (طالع هيومان رايتس ووتش 2009) وهو ما أحدث تأثيرا في تقوية الحركة الاجتماعية ضعيفة التنظيم في ذلك الحين. وانضم المزيد والمزيد من الناس إلى المظاهرات وتطورت المظالم إلى مطالب سياسية ملموسة أبرزها استقلال دولة جنوب اليمن.
وبحلول عام 2007، عندما كنت أدرس في عدن، بدا أن الجميع هناك يتحدثون عن ظهور الحراك الجنوبي. ومنذ ذلك الحين، أردت تعلم المزيد بشأنه. دائما ما كنت أتساءل بشأن الضلوع النشط للغاية لشباب الجنوب في الحراك الجنوبي ورواياتهم بشأن كيف كانت الحياة عظيمة في دولة جنوب اليمن. لقد ولدت في جمهورية ألمانيا الديمقراطية لأم ألمانية شرقية وأب من جنوب اليمن. ولذلك، فإن خلفيتي تنتمي لدولتين اختفت كلاهما من خريطة العالم من خلال التوحد مع جارتيهما عام 1990. لقد كنت طفلة صغيرة عندما اتحدت الدولتان الألمانيتان. ولذلك، لدي قدر ضئيل من الذكريات عن ألمانيا الشرقية قبل ذلك التاريخ. لقد شعرت بالدهشة حينما أخبرني يمنيون شباب من مواليد ما بعد 1990 "لقد كان لدينا هذه الإنجازات في دولة جنوب اليمن" وأن "دولتنا قدمت لنا هذا وذلك الإنجاز" إنهم يربطون هويتهم بشكل قوي بدولة اختفت قبل أن يولدوا. لقد بدأتُ في التساؤل لماذا انضم العديد من الشباب المولود بعد 1990 إلى الحراك الجنوبي، لماذا طالبوا إعادة تأسيس دولة لم يجربوها من قبل، ومن أين نشأ مفهومهم بشأن دولة جنوب اليمن؟ إن خلفيتي الخاصة التي تأثرت بعمق بالموضوع ذاته قدمت لي بعض الإجابات الأولية.
داخل العديد من عائلات ألمانيا الشرقية، كانت مشاعر الحنين إلى الدولة الاشتراكية المنحلة يتم مشاركتها ونقلها إلى الأجيال الأصغر. لقد ترعرع جيلي الذي شهد الصعوبات المبكرة للوحدة في طفولته على "الأوستالجيا" (الحنين إلى ألمانيا الشرقية). لقد علمني هذا الحنين أن ألمانيا الشرقية كانت مكانا يعيش فيه الناس حياة مُرضية، ويزرعون علاقات صداقة دائمة وثابتة مع الجيران وأصدقاء العمل، ويقيمون حفلات جميلة مع فرق عمل جماعية من المصانع، ويذهبون إلى رحلات ممتعة ويعيشون حياة تضامنية مع بعضهم البعض. ما يزال بعض الناس يفتقرون إلى هذه الأشياء اليوم. وعلاوة على ذلك، فإن الوظائف آنذاك كانت آمنة، بينما كان الأمن الوظيفي نادرا في ألمانيا الشرقية في تسعينيات القرن المنصرم مما شكل بالتأكيد حافزا مهما جدا لأفكار الحنين إلى عهد جمهورية ألمانيا الديمقراطية.
دائما ما تنامى إلى مسامعي روايات مماثلة في جنوب اليمن. وأثناء فترات إقامتي في إحدى قرى أبين، كنت أرافق جدتي التي كانت ترعى معيزها وماشيتها كل صباح، وكانت تخبرني عن الماضي في حقبة الاستعمار البريطاني وعن الحياة في دولة جنوب اليمن. وبالمثل، قام آخرون من أقارب وأصدقاء وجيران بشحذ مخيلتي بصور هذا الزمن الفاخر الذي سبق عام 1990. ومع ذلك، فإن الحنين إلى الماضي الاشتراكي لا يمكنه أن يقدم تفسيرا كافيا لأسباب عدم ظهور حركة احتجاجية جماعية مماثلة ترافقها مطالب إعادة تأسيس الدولة في ألمانيا الشرقية على غرار جنوب اليمن. وأثار ذلك سؤالا هاما آخر يرتبط بشكل وطيد بالسؤال الأول بشأن مشاركة الشباب. لماذا نما الحراك الجنوبي بصورة هائلة جدا أثناء العقد الماضي، وتطور من حركة اجتماعية بدائية تطالب بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية إلى حركة احتجاجية جماعية تطالب باستقلال دولة اختفت من خريطة العالم منذ أمد بعيد؟ لقد وجدت إجابة على تساؤلاتي من خلال الاستكشاف العميق على مدار عقد من الزمان للحراك الجنوبي نفسه والخصائص الأساسية لكفاح الاستقلال في جنوب اليمن.
- النص الأصلي: موقع جدلية
- ترجمة إلى العربية: مركز سوث24 للأخبار والدراسات
الصورة: أميرة أوجستين