التقارير الخاصة

أراضي الاستثمار في عدن: فساد يُهدد عالمية المدينة

مشروع استثماري لمجموعة هائل سعيد أنعم في ساحل العشاق بمديرية التواهي بعدن | 17 مايو 2022 (سوث24)

22-05-2022 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | رعد الريمي


اعترى ملف أراضي الاستثمار في العاصمة عدن كثير من الفساد المتراكم طيلة ثلاثة عقود؛ منذ توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية في 1990 بين جنوب اليمن وشمال اليمن. 


لقد شوَّه ذلك جمالية عدن، أهم مدن جنوب اليمن، وفتح الباب على مصراعيه لنهب أراضي المدينة تحت يافطة الاستثمار ومشاريعه التي احتكرتها بشكل رئيسي جهات شمالية حظيت بدعم سلطة الدولة الرسمية. 


وبلغ عدد المواقع المصروفة لأغراض الاستثمار في العاصمة عدن (238) موقعاً، بحسب التقرير النهائي لأعمال لجنة مناقشة قضايا أراضي الاستثمار في محافظة عــــدن، الذي تحصَّل سوث24 على نسخة منه. 




تفاوتت تلك الأراضي في مديريات ومناطق عدن. بعض المديريات كانت في صدارة تلك الأراضي كمديرية البريقة، مدينة الشعب، مديرية الشيخ عثمان، أحياء القاهرة، مديرية المنصورة، أحياء الدرين، أحياء الممدارة، مديرية دار سعد، مديرية خورمكسر، أحياء العريش، أحياء القلوعة، ومديرية التواهي.


مشاريع مخالفة


وحول مشاريع الاستثمار التي مُنحت هذه الأراضي لأجلها، قال مندوب الأراضي في الهيئة العامة للاستثمار، خليل محمد سليمان لـ "سوث24": "هناك قلة قليلة من المشاريع التي تم تنفيذها وتحديدا للفترة ما بعد 2000، بخلاف ما شهدته كثير من الأراضي من البيع بالباطن".


ويستعرض خليل جملة من المشاريع التي أخفقت: "الإخفاقات تتمثل في مشروع الفردوس في عدن. كان الفردوس مشروع استثماري كبير في منطقة عمران بالبريقة؛ غير أنَّه لم ينفذ إلى اليوم، وكذا مشروع جنان عدن الاستثماري إلى اليوم متعثر ولم ينفذ في ظل مسببات وظروف بعضها معلوم وبعضها مجهول".


وتنوَّعت الأغراض المعلنة من قبل المستثمرين عند طلب الأراضي من الدولة في عدن. ووفقاً لعقود تحصل عليها سوث24، شمل ذلك: "الصناعات الغذائية والمشروبات والتبغ، صناعة الأقمشة وملبوسات وجلود، صناعة الأخشاب والمنتجات الخشبية، صناعة الورق والمنتجات الورقية، الصناعات الكيماوية والبترول والفحم والمطاط والبلاستيك".




كما شملت أيضاً: "صناعة مواد البناء والإسمنت والزجاج والرخام، صناعة المعادن والخردة، صناعة المنتجات المعدنية والآلات والأجهزة، مشاريع الكهرباء ومحطات تعبئة أسطوانات الغاز ونقل الغاز، محطات الوقود، الثلاجات مركزية، البنوك، مشاريع صيانة التلفزيون والراديو، ورشات صيانة السيارات والكهربائيات والساعات، أستوديوهات التصوير، المطاعم والكافتريات، الفنادق الشاليهات".


وطبقاً للعقود والوثائق الرسمية، احتلت مجموعة من الأسماء الشمالية [أفراد وكيانات] قائمة المستثمرين الذين مُنحت لهم أراضي في عدن لإقامة مشاريع استثمارية لم يتم تنفيذ أي منها؛ فيما تم الاستيلاء على هذه الأراضي تحت يافطتها.


وجاء على رأس هذه الأسماء: "مجموعة هائل سعيد انعم، ناجي صالح الرويشان، علي ناصر قاسم الشميري، عبد الكريم يحيا مشناص الوادعي، مجاهد صالح علي الديلي، محمد أحمد الكهالي، وحمود صالح كامل وشركائه، مجموعة ثغر عدن للسياحة، محمد عثمان العريفة، نبيل هائل سعيد أنعم، محمد أحمد الأكوع، أحمد صالح الصاعدي". 


وحول هذا، قال الأكاديمي بجامعة عدن، عوض الشعبي: "هناك مساحات واسعة مُنحت للمستثمرين لم يتم تنفيذ أي من المشاريع فيها".


وأضاف الشعبي، في حديثه لـ "سوث24": "البعض من المستثمرين تجاوز الفترة الزمنية المحددة للاستثمار في العقار الممنوح له؛ والبعض أخل بالاتفاق مستغلا علاقاته الشخصية في عهد النظام السابق؛ والبعض ترك هذه المساحات كما هي دون استثمارها وكأنَّها ملك من أملاكه. وفقاً لقانون الاستثمار، تعود ملكية أي أرض مُنحت لمستثمر ومر عليها أربعة أعوام دون إنجاز المشروع المحدد إلى الدولة".


وتابع: "في مديرية الشيخ عثمان مثلاً، يعد مشروع باطويل الاستثماري أهم مشروع استثماري في المديرية، حيث تم استقطاع مساحة واسعة من ملعب حامد الذي تعود ملكيته لنادي الوحدة الرياضي، وتم تعميدها لبناء محالّ تجارية من قبل المستثمر باطويل وبعد انتهاء فترة الاستثمار المتفق عليها والمحددة في نص عقد المنحة العقد وهي 20 سنة تعود ملكيتها لنادي الوحدة الرياضي، ولكن للأسف هذا المشروع ما زال باطويل يستثمره وكأنه ملك من أملاكه، وهناك الكثير والكثير إذا تم البحث باستفاضة".


بالإضافة لانتهاء الفترات الممنوحة لبعض المستثمرين لإقامة مشاريع استثمارية، غيَّر آخرون الوظيفة الأساسية التي صُرفت قطعة من أراضي الدولة لأجلها إلى وظائف ومشاريع أخرى بشكل غير قانوني أضر بواقع عدن وبيئتها، كأن تكون منحة الأرض لمشروع استثماري ترفيهي سياحي لتتحول إلى مشروع استثماري صحي؛ أو العكس.


وعن الأمر، قال مدير عام السياحة في مديرية صيرة، أحمد السلامي، لـ سوث24: "هناك مواقع عدة خُصصت للاستثمار داخل مديرية كريتر بالعاصمة عدن، غير أنَّ طبيعة تلك الأرض ووظيفة تلك المنحة تغيرت. ومنها مستوصف بابل الذي صُرفت أرضه بالأصل لإقامة مشروع سياحي؛ ليتحول إلى مشروع طبي". 


وأضاف: "الأخطاء الاستثمارية في عدن أيضاً كثيرة جداً؛ ومنها فندق الرحاب، الذي بُني بالقرب من منشأة سيادية، هي مطار عدن. علاوة على ذلك، الحركة الجوية سبَّبت كثيراً من إزعاج لساكني الفندق". وأكد السلامي على ضرورة اتسام ملف الاستثمار "بمزيد من المنهجية العلمية العملية".


وأضاف: "عدد ممن تولوا أعمال إدارة السياحية لم يكونوا على قدر المسؤولية. إنَّ المفترض أن يكون هنالك آلية معينة في منح الأراضي. لا بد يكون هناك دراسة، وثائق، خلفية تعريفية عن المستثمر وكذا الخلفية المالية والبنكية، وجود دراسة عن المشروع، المنشأة. يجب الأخذ بمتطلبات كل منشاة؛ مثلا إذا كان فندق كم نجوم وما هي احتياجاته وهكذا".

 

ووفقا لدراسة حصل عليها سوث24، فإنَّ قضايا الأراضي الممنوحة في العاصمة عدن لأغراض الاستثمار يكتنفها كثير من الإشكالات؛ ارتقى بعضها إلى قضايا فساد، نظير ما حدث في الأراضي التي مٌنحت لمستثمرين لأغراض الاستثمار؛ غير إنَّها بُيعت بشكل سري. إنَّه الأمر الذي يجعل مستقبل أراضي عدن لأغراض الاستثمار على المحك؛ ويهدد الرؤية الاستشرافية والاستراتيجية لعالمية مدينة عدن مستقبلاً.



مخطط عام لعدن يظهر أراضي الاستثمار في المدينة 


تقاعس وتواطؤ جهات حكومية ساهم بشكل كبير في استفحال الفساد والتجاوزات في ملف أراضي الاستثمار في عدن. لقد غابت الإجراءات الحكومية المفترضة مع المستثمرين الذين انتهت فترة العقود الممنوحة لهم دون إنجاز أي مشاريع، والمستثمرين الذين باعوا الأراضي الممنوحة لهم بشكل سري، بالإضافة للمستثمرين الذين أقاموا مشاريع مختلفة عمَّا تم الاتفاق عليه عند منحهم أراضي من الدولة. 


وبالنظر في الملفات والوثائق الخاصة التي تحصل عليها سوث24، وفرز حالات الاستثمار فيها، يمكن تصنيف الأراضي الممنوحة للمستثمرين إلى: 


- أراض بيد مستثمرين إجراءاتهم مستكملة بما فيها استلامهم لعقود التأجير وإشعارات التنفيذ وعليه يتم بدء العمل فيها أو تسحب.

- أراضي بيد مستثمرين إجراءاتهم غير مستكملة وينقصها بشكل أساسي وحدات الجوار ووثائق الأرض.

- أراض شهدت نزاعات مع الجهات حكومية.

- أراض صرفت باسم الاستثمار وتم وضعها في قوائم المستثمرين وتم التأكد أن هذه المشاريع قد صرفت بعد ذلك لجهات أخرى ولأغراض غير استثمارية. 


ويحتفظ سوث24 بقوائم المستثمرين والأراضي التي مُنحت لهم، وهي قوائم موثقة رسميا وصادرة من جهات حكومية بالعاصمة عدن.


بشكل أساسي، تهم الفساد في ملف أراضي الاستثمار موجهة نحو من تولوا منصب محافظ عدن، وكذا مدراء فرع الهيئة العامة للاستثمار، مدراء مكتب الأشغال العامة والطرق، مدراء مصلحة أراضي وعقارات الدولة، ومدراء الهيئة العامة للسياحة في المحافظة.


حلول مقترحة


في 2005، قدمت شركة "ماستر بلان" البريطانية المتخصصة بصناعة المدن الحضرية مشروعاً لتوزيع استخدامات الأرض في عدن بشكل حضري، إلا أنَّ المشروع حتَّى اليوم لم يُنفذ منه شيء. [1]


وحول ذلك، قال مدير مديرية صيرة سابقاً، إبراهيم منيعم، لـ "سوث24": "خطة ماستر بلان لم تُقرأ؛ وهي خطة دولية حدَّدت كم احتياجات عدن للبناء السكني والاستثماري بأنواعه وغيرها للحفاظ على عالمية مدينة عدن، وعدم السماح باستنفاذ رصيد عالمية هذه المدينة".


وقد أوصت لجنة مُشكلة من قبل السلطة المحلية في عدن، عبر تقرير لها في 2003، للنظر في قضايا الاستثمار ومنح الأراضي بعدة إجراءات للحد من تجاوزات المستثمرين المخالفة للقانون وتفعيل قوانين الاستثمار.




 وأوصت اللجنة بأنَّه "يجب وضع محددات تُعرف من خلالها المشاريع الاستثمارية التي تحصل على مزايا وتسهيلات للحصول على الأرض. كما أوصت اللجنة ألَّا تقل قيمة المشروع الاستثماري عن 100 مليون ريال، أن يتضمن المشروع خلق فرص عمل بحيث لا تقل عن عشرين وظيفة، ألا تمنح مشاريع استثمارية إلا في المواقع المخططة لذلك، أن يودع المستثمر ضمانا بنكيا بنسبة من قيمة المشروع أو القيمة كاملة، أن تصدر وثيقة استثمارية قانونية للمستثمر".


كما أوصت اللجنة أن "تُرافق هذه المحددات بمجموعة من الإجراءات الإدارية والتنظيمية بهدف تسهيل الإجراءات للمستثمر؛ وكذا متابعة ومرافقة تنفيذ هذه المشاريع والتأكد من استخدامات الأرض للغرض الذي صرفت له بموجب البرامج الزمنية المتفق عليها".


وبالنسبة لمدير السياحة في مديرية صيرة، أحمد السلامي: "تقع مسؤولية ضبط الأراضي الاستثمارية على عاتق عدة جهات حكومية محلية أو وزارية من خلال تنسيق مشترك تفاديا للإخلال نظير ما حدث لمدينة المدائن الاستثمارية السكنية في مديرية دار سعد؛ حيث بنيت بجانب مجاري مياه صرف صحي ما جعل الساكنين فيها العزوف عن الشراء والسكن فيها لكون المنطقة تعاني من انتشار البعوض".


وفي 2016، قدَّمت جمعية حماية ميناء عدن ورقة إلى محافظ عدن آنذاك، اللواء عيدروس الزبيدي، تحدثت عن مواطن الفساد الذي يعانيه ميناء المعلا، وفساد "اتفاقية رصيف هائل سعيد أنعم في رصيف المعلا". وأوصت الجمعية بأن يتم إلغاء الاتفاق وتشغيل ذلك الرصيف من قبل مؤسسة خليج عدن.


كما تحدثت ورقة للجمعية، قُدمت لرئيس الوزراء اليمني السابق، محمد باسندوة، في 2013، عن مخالفة شركة وديان للتجارة المحدودة التابعة لرشاد هائل سعيد أنعم بعد أن قامت بردم مساحات في منطقة حجيف بمديرية التواهي لمسافة تزيد عن 19 متر مربع عام 1997. 


 وأوصت الجمعية بإلغاء العقد واستعادة المساحة المخالفة من المستأجر وفق بنود العقد؛ وعدم استخدام المساحة كون الردم من قبل المستأجر تم دون مسوغ قانوني.


وتواصل مركز سوث24 مع مجموعة هائل سعيد التجارية عبر بريدهم الإلكتروني للرد على الوثائق والاتهامات، إلا أننا لم نتلق رداً حتَّى الآن. 


الوضع الحالي


حتَّى الآن لم يتم اتخاذ أي إجراءات من قبل الجهات الحكومية أو السلطات المحلية التي تعاقبت على حكم عدن تجاه القضايا المذكورة وعشرات القضايا الأخرى، بل إنَّ قضايا الفساد بملف أراضي الاستثمار ازدادت أكثر وسط مخاوف من عواقب صمت وغياب وتواطئ الجهات ذات الصلة. 




صحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات

الكلمات المفتاحية:

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا