التحليلات

خلايا الاغتيال القادمة من تعز: كيف سيعالج المجلس الرئاسي هذا الملف؟

عدد من الأفراد الذين تتهمهم السلطات بعدن بالوقوف خلف عمليات الاغتيالات (مركّب - سوث24)

13-06-2022 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | فريدة أحمد


في 15 مايو الفائت، تعرّض رئيس العمليات المشتركة بالمنطقة العسكرية الرابعة "صالح الذرحاني"، لمحاولة اغتيال بسيارة مفخخة أثناء مرور موكبه في مديرية المعلا بالعاصمة عدن[1]. وهي واحدة من عمليات منظّمة وكثيفة لاغتيالات تمت خلال الأشهر الأخيرة، كان أبرزها اغتيال القائد العسكري، اللواء "ثابت جواس" أواخر مارس الماضي، عندما انفجرت سيارة مفخخة خلال اصطدامها بمركبته وأدت لمقتله مع عدد من مرافقيه[2]. تجسّد محاولات الاغتيال المتكررة لقادة جنوبيين وضع البلاد المضطرب، والذي يضع مجلس القيادة الرئاسي أمام اختبار حقيقي فيما إذا كان سيعالج بعض الملفات الأمنية العالقة التي يمكن أن تحد نسبياً من هذه العمليات.


يكمن خلف الاغتيالات الأخيرة تحولاً ناشئاً عن مدى قدرة منفذي العمليات على التحرك والتنقل دون رصد أو مراقبة، كان الشاهد الوحيد على تتبع جرائم هذه الخلايا هو كاميرات المراقبة مثل كل مرة. اعترفت خلية يمنية تم تجنيدها في تعز في فيديو نشرته وحدة مكافحة الإرهاب التابعة للقوات الجنوبية في 2 يونيو الحالي[3]، بتنفيذها محاولة اغتيال اللواء "صالح الذرحاني"، وشرحت كيف خططت ونسّقت لتنفيذها، مع ذكرها لاسم "محمد الميسري" في أكثر من مرة، وتتهمه السلطات الأمنية في عدن بالارتباط بجماعة الحوثي.


بالمثل، اعترف أحد أفراد الخلية ذاتها مسؤوليته وكذلك "محمد الميسري" عن عملية اغتيال اللواء "ثابت مثنى جواس" قائد محور العند العسكري. ورد اسم "الميسري" مرارا إلى جوار اسم "أمجد خالد" في عملية سابقة استهدفت موكب محافظ عدن في 10 أكتوبر[4]2021. كما اعترفت خلية سابقة بتنفيذ أمجد خالد لعملية تفجير بواسطة الهاتف استهدفت نقطة أمنية لقوات الحزام الأمني بخورمكسر[5]. أمجد خالد كان يقود بشكل رسمي لواء النقل التابع لقوات الحماية الرئاسية التي كانت تتبع الرئاسة اليمنية السابقة. كان يتواجد خالد في مدينة عدن قبل أن يفر في أغسطس 2019 إلى مدينة التربة في محافظ تعز.


تم تعيين "خالد" من قبل الرئيس السابق "هادي" في 2017، وتمت ترقيته إلى رتبة عميد بتزكية من نائب الرئيس السابق "علي محسن الأحمر". حاولت الإمارات استقطابه بعد 2015 للانضمام لقوات الحزام الأمني، خاصة وأنه خريج إحدى كلياتها العسكرية، لكنها لم تنجح. سبق واتهم المجلس الانتقالي الجنوبي "أمجد خالد" باختطاف "عبدالمنعم شيخ". وهو شقيق عضو هيئة رئاسة المجلس "عبدالرحمن شيخ". جاءت هذه الحادثة بعد أن ألقت قوات الحزام الأمني القبض على قائد عمليات لواء النقل "نزيه العزيبي"[6]، على خلفية اتهامات له بالتخطيط لإحداث فوضى في عدن بتوجيهات من "أمجد خالد". كما صادرت قوات الحزام الأمني أسلحة متنوعة مع ذخائرها وقنابل موقوتة كانت بحوزة "العزيبي" الشخصية حينها.


يسيطر على مدينة التربة محور تعز العسكري. وهو يمثّل القيادة الرسمية لقوات الحكومة اليمنية في محافظة تعز، ويخضع بشكل كامل لإدارة حزب الإصلاح الإسلامي (الإخوان المسلمين). وهو الحزب الذي فرض نفسه بالقوة على معظم جغرافية تعز، لا سيّما بعد عملية اغتيال اللواء "عدنان الحمادي". وتعيين خلفا له عبد الرحمن الشمساني الموالي للحزب. وقد اعتبر تقرير قدمه فريق الخبراء المعني باليمن العام الماضي، أن تعيين "الشمساني" قائداً جديداً للواء الخامس والثلاثين، توطيداً لهيمنة حزب الإصلاح على الجيش في تعز.[7]


يُبدي ناشطون وإعلاميون جنوبيون قلقاً من تزايد العمليات "الإرهابية" في العاصمة عدن، التي تستهدف قادة سياسيين وعسكريين ونشطاء وصحفيين جنوبيين، ولا يتم اتخاذ موقف حازم أو جاد من قبل الشرعية للقبض على مرتكبيها، خاصة وأن أسماؤهم معروفة. فالخلايا التي تنطلق من معسكرات تعز ويقودها "أمجد خالد" و"محمد الميسري" وغيرهما، تستوجب أن يتم استصدار أوامر من مجلس القيادة بالقبض على المتورطين في هذه العمليات، لما يشكّله من خطورة بقائها طليقة على استقرار المناطق المحررة تحت قيادة المجلس الجديد، بالذات وأن محاولة اغتيال اللواء "الذرحاني" كانت أول عملية بعد عودة المجلس إلى عدن لممارسة مهامه. 


حصن الجماعات المتطرّفة


لدى خلايا الاغتيالات في تعز أسباباً مقنعة كثيرة لزيادة عملياتها، من بين ذلك ما تجده من حماية في المناطق التي يسيطر فيها محور تعز العسكري، إذ ترسخت قناعة لدى كثير من سكان تعز، أن سبب معاناة المحافظة إلى جانب الحصار وإغلاق المعابر التي تربط تعز بالمناطق المجاورة من قبل الحوثيين، هي الانتهاكات التي ترتكبها الميليشيا المسلّحة والمنضوية في إطار ألوية محور تعز العسكري. على سبيل المثال، استحدثت بعض الوحدات العسكرية عشرات النقاط على طول طريق تعز وفرضت جبايات مهولة على ناقلي البضائع والشاحنات بأنواعها، كما قامت قيادات عسكرية وأمنية تابعة لذات المحور، بتنفيذ مداهمات وشن هجمات مسلحة على المنازل والمشافي الحكومية والخاصة والمحاكم والنيابات وأراضي الأوقاف والممتلكات العامة، فضلاً عن مئات الانتهاكات بحق المدنيين، من بينها جرائم اغتيالات وقتل وجرح.[8] وهو ما حذّر منه بالمثل فريق الخبراء المعني باليمن العام الماضي[9]، من التدهور السريع الذي تمر به تعز. واتهم الفريق العديد من القادة والمسؤولين بالمشاركة في عمليات الاستيلاء غير القانونية وغيرها من الأنشطة مع الإفلات من العقاب. مشيراً إلى استيلائهم على 58 منزلاً للمدنيين من قبل أفراد ينتمون إلى الألوية 17 و22 و170 بالقوة، في أعمال تبدو واسعة النطاق ومتكررة، أفضت أحدها لحالة قتل.


يتفاقم خطر وجود مثل هذه المعسكرات باحتضانها جماعات متطرّفة، فوفقاً لبعض التقارير[10]، فإن معسكر "يفرس" الذي أسسه "حمود المخلافي"، وهو شيخ قبلي من تعز ينتمي لحزب الإصلاح ويقيم حالياً في اسطنبول، يحتوي على مئات الفرق العسكرية التي تم تجنيدها بصورة غير رسمية، منها جماعات دينية متشددة ينتمي بعضها للقاعدة وداعش، خاصة وأن من يقود المعسكر هو المكنى بـ "أبو الحسن" و"عزام عبده فرحان"، والأخير هو نجل مستشار قائد محور تعز المعروف بـ "سالم". واتهم تقرير لجنة الخبراء بشأن اليمن التابعة لمجلس الأمن في العام 2018 عزام فرحان بارتباطه بتنظيم داعش[11]. ويواجه قادة معسكر "يفرس" والمعسكرات المستحدثة التالية التي نشأت بعده منها "الصنة" و" الفوداع" وغيرها في جنوب تعز، اتهامات من خصومهم بتلقي تمويلات خارجية تشير إحداها لقطر وتركيا، بهدف إدارة المعسكرات وتدريب آلاف المجندين.[12]


كما يثير معسكر اللواء الرابع مشاه جبلي التابع عسكرياً لمحور تعز العسكري، بقيادة "أبو بكر الجبولي"، علامات استفهام كثيرة حول نشاطاته المتطرّفة سواء داخل تعز أو خارجها، خاصة وأن معظم عمليات الاغتيالات باتجاه عدن تنطلق من هذا المعسكر، بما فيها عمليات القائد المعيّن من قبل الشرعية "أمجد خالد" المتهم بتورطه في العمليات الأخيرة. فضلاً عن أن معسكر اللواء الرابع وبعض الجماعات المتطرّفة، يشكل تهديداً على مناطق جنوب اليمن ومصالح مضيق باب المندب والمياه الإقليمية.


إنّ بقاء نفس الشخصيات والقيادات العسكرية في تعز وغيرها التي ارتبطت بمصالح وحسابات مع سلطة الرئاسة السابقة، تضع المجلس الرئاسي وحكومته أمام مسؤولية كبيرة 


على ضوء الحاجة الملحة للقبض على المتورطين في العمليات "الإرهابية" الأخيرة، والمرتبطة بأسماء معروفة مثل "أمجد خالد" وغيره، إلا أنّ التغييرات العسكرية من قبل مجلس القيادة الرئاسي وحكومته بات ضرورة ملحة أخرى. فمازال تأثير قادة الألوية والمناطق العسكرية في تعز وغيرها الذين يتلقون توجيهاتهم المباشرة من نائب الرئيس السابق "علي محسن الأحمر" والإخوان المسلمين كبيراً. على سبيل المثال، تم تغيير قائد محور تعز "خالد فاضل" بالقائد "سمير الحاج" ثم تم إزاحة الأخير وأعيد تنصيب "خالد فاضل" كقائد للمحور مرة أخرى بدون قرار جمهوري وبتعيين مباشر من علي محسن الأحمر، بعد أن تلقى "الحاج" تهديدات بالقتل[13]. 


تحرير ملف الاتصالات


يلعب قطاع الاتصالات دوراً كبيراً في تقدم وتراجع مسارات الصراع في اليمن، فقد اعتمد الحوثيون في مجمل عملياتهم وهجماتهم باتجاه المناطق المحرّرة على شبكات الاتصالات. إذ أنّ بقاء سيرفرات التحكم من صنعاء بيد الحوثيين لأكثر من سبع سنوات منذ اندلاع الحرب، ساهم في حصولهم على معلومات وتحرّكات قيادات كثيرة، لا سيّما القيادات السياسية والعسكرية والأمنية الجنوبية، الذين تم اغتيال البعض منهم أو فشلت محاولات اغتيال البعض. وقد ذكرت لجنة الخبراء الدوليين لليمن في أحد تقاريرها السنوية للعام 2021[14]، "أن قطاع الاتصالات اليمني يشكل مصدراً رئيساً لإيرادات الحوثيين، وأداة خطرة لمراقبة اليمنيين وانتهاك حق الشعب في الخصوصية وحرية الحصول على المعلومة".


لذا فإنّ تحرير قطاع الاتصالات من قبضة الحوثيين يشكّل أهمية بالغة تعادل أهمية السيطرة على الأرض. فتلكؤ الحكومة اليمنية عن معالجة ملف الاتصالات واستخدام حقها في التحكم بالكوابل البحرية في عدن والمهرة، يثير علامات استفهام حول سبب تأخّر مثل هذه الخطوة طوال سنوات الصراع. فشركات الاتصالات الحكومية والخاصة مثل "سبأفون، إم تي إن (تم تغييرها إلى شبكة يو)، واي، يمن موبايل، تيليمن"، جميعها تخضع للحوثيين، خاصة شركة (إم تي إن) الجنوب أفريقية، التي اضطرت أواخر العام الماضي إلى بيع حصتها في اليمن دون العودة للحكومة اليمنية، بسبب الضغط عليها من قبل الحوثيين من خلال زيادة الضرائب. إذ تم الاستحواذ على الشركة من قبل شركة الزمرد الدولية العمانية بنسبة 97.8%[15]، بالشراكة مع قيادات حوثية منهم الناطق الرسمي باسم الحوثيين "محمد عبدالسلام". وكانت الشركة قد أعلنت في بيان، أنها اعتمدت اسم جديد للشركة، لتكون الشركة اليمنية العمانية المتحدة للاتصالات (you)[16]. ورغم رفض الحكومة اليمنية الاعتراف بإجراءات الخروج أحادية الجانب من قبل شركة (إم تي إن) وتحولها إلى (You)، إلا أنها مازالت تعمل في المناطق المحررة. بل ومؤخرا دشنت الشركة توزيع باقاتها الـ "4G" في نقاط بيع غير رسمية في عدة مناطق بعدن.


علاوةً على ذلك، فشركات الاتصالات بمقراتها الحالية في صنعاء، وإلى جانب استخدام الحوثيين لها لأغراض عسكرية وأمنية واستخباراتية، فهم يستفيدون منها اقتصادياً، من خلال تحصيل الضرائب ورسوم تجديد التراخيص، إضافة لعوائد مبيعات المكالمات الدولية، حيث تقدر أرباحها بمليارات الدولارات سنوياً[17]، الأمر الذي دفع بمراقبين إلى إطلاق شكوك تشير إلى تورط شخصيات حكومية برشاوى وفساد، تسببت بتأخر الحكومة في اتخاذ قرارات بهذا الشأن، شملت وزير الاتصالات في الحكومة المعترف بها دوليا نجيب العوج، الذي رفض في تصريحات سابقة في عدن نقل المؤسسات بما فيها الاتصالات من صنعاء.[18]


يجادل نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي في حملة شعبية أطلقوها مساء 8 يونيو، تحت هاشتاغ "تحرير الاتصالات اليمنية"، أن الأمر لا يستدعي من الحكومة سوى قرار تعيين ورسالة لهيئة الاتصالات العالمية، مع ذلك لم تفعل شيء. وقد حمّلت هيئة رئاسة الانتقالي الجنوبي، حكومة المناصفة مسؤولية استمرار استيلاء الحوثيين على قطاع الاتصالات، ونهب إيراداته. وأكّد بيان للهيئة أنّ السماح لما تسمى الشركة اليمنية العمانية المتحدة للاتصالات "يو "، بالعمل في محافظات الجنوب المحررة بشكل غير قانوني، يعد خرقاً جسيماً لا يمكن القبول به، داعية الجهات المختصة في الحكومة والسلطات المحلية بالمحافظات للقيام بدورها لمنع هذا العبث.[19] وكان وزير الاتصالات وتقنية المعلومات "نجيب العوج"، قد قال خلال مشاركة له في أحد برامج القنوات الفضائية مطلع مايو الفائت، إن شركة انترنت جديدة في المناطق المحررة ستنطلق خلال شهرين بتقنية الجيل الرابع، مؤكداً امتلاك اليمن بوابة اتصالات وإنترنت جديدة وآمنة.[20]


في المحصّلة، ورغم ما تصرّح به الحكومة عن بعض الوعود والمعالجات، غير أن عملها مازال يبدو بطيئاً ومتردداً في اتخاذ بعض القرارات في الملفات الحساسة، منها التعامل مع خلايا تعز، وكذا مسألة تحرير الاتصالات من قبضة الحوثيين. إذ أن هذين الملفين يرجّحان تضاعف أعمال العنف والاغتيالات بشكل كبير خلال الفترة القصيرة المقبلة. لذا، فإن المقاربة الأكثر واقعية هو الإسراع في حسم هذه الملفات، كما أنّ مسائلة المتورطين ومحاسبتهم، إضافة للبدء في إجراء تعديلات جذرية في موضوع قطاع الاتصالات، سيوفّر إطاراً آمناً لتنفيذ سياسات المجلس الرئاسي وحكومته.


قد يتطلب أن يلعب رئيس مجلس القيادة الرئاسي "رشاد العليمي" دوراً رئيسياً في ملف خلايا تعز تحديداً، لكونه أولاً ينحدر من محافظة تعز، وثانياً لديه خبرة أمنية نتاج عمله في وزارة الداخلية سابقاً. وهي مسؤولية مشتركة أيضاً مع رئيس الحكومة "معين عبدالملك"، الذي ينحدر هو الآخر من نفس المحافظة.


إنّ بقاء نفس الشخصيات والقيادات العسكرية في تعز وغيرها التي ارتبطت بمصالح وحسابات مع سلطة الرئاسة السابقة وفي مقدمتها نائب الرئيس السابق "علي محسن الأحمر"، تضع المجلس الجديد وحكومته أمام مسؤولية كبيرة بما يعكسه ذلك من استمرار للعنف وعدم الاستقرار في المناطق التي تقع تحت سيطرته، خاصة وأنّ ملف خلايا الاغتيالات التي تدار من محافظة تعز، من شأنه أن يهدد بإفساد العلاقة مع عدن ويزيد من انتشار الفوضى.


فريدة أحمد

المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات

[3] الصفحة الرسمية لوحدات مكافحة الإرهاب في جنوب اليمن على منصة فيسبوك Watch | Facebook

[5] شاهد اعترافات لأعضاء من الخلية المتهمة بتفجير بوابة مطار عدن Twitter

[11] تقرير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن الدولي بشأن اليمن، ص 68 N1826720.pdf (un.org)

[18] تصريحات لوزير الاتصالات أمام جلسة البرلمان اليمني في عدن، 25 أبريل 2022 (twiiter)

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا