صورة مقتطعة من تغطية قناة الجزيرة لأحداث شبوة الأخيرة (اقتطاع سوث24)
09-09-2022 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | نانسي زيدان
"قوات تدعمها الإمارات دخلت عتق المركز الإداري لمحافظة شبوة"، "طائرات مُسيرة يُرجّح إنها إماراتية نفذت غارات على قوات حكومية في شبوة"، هاتان الجُملتان كانتا الصيغة الأساسية في التغطية الإعلامية لقناة الجزيرة في تناولها أحداث شبوة بجنوب اليمن[1]، مع تكرار عدة معاني من الصياغات الموجهة والمُتعمدة لمُهاجمة الإمارات والقوات الجنوبية وإتاحة المساحة الأوسع لضيوف القناة الذين يتفقون مع توجهها[2]. تُحاول هذه الورقة تحليل التناول الإعلامي لقناة الجزيرة لأحداث شبوة وتفنيد الخطاب الإعلامي وما وراءه من دوافع مع رصد وتحليل لتطور المشهد في واقع محافظة شبوة ومُحيطها الإقليمي.
نفط شبوة: شرارة التمرد وتطويع الخطاب الإعلامي
تجددت شرارة الأحداث في محافظة شبوة بجنوب اليمن، بِدأً بما وصفه وزير الدفاع بـ "تمرد" عسكري لعدد من القيادات العسكرية والأمنية التابعة لحزب الإصلاح الإسلامي (الإخوان المسلمون)، بعدما أقال المجلس الرئاسي قائد القوات الخاصة في المحافظة، عبدربه لعكب وآخرين. وقد سبق ذلك، سلسلة من الهجمات التخريبية طالت أنابيب النفط، مما دفع المُحافظ "بن الوزير العولقي" بعقد لقاء مع وفد من الشركات النفطية، لطمأنتهم بتعزيز الأمن والاستقرار في القطاعات النفطية وحماية المنشآت السيادية في محافظة شبوة، حيث تُعد شبوة ثاني منتج للنفط بعد حضرموت ولها منشآت ومحطة للغاز الطبيعي وأيضاً ميناء لتصدير ذلك الغاز. فقد وصل إنتاجها النفطي اليومي قبل "انقلاب" الحوثيين أواخر العام (2015) إلى نحو (50 ألف) برميل يوميا.[3]
لم تتناول الجزيرة "تمرّد" حزب الإصلاح العسكري في المحافظة المطلة على بحر العرب، من زاوية تهديده لوضع الهُدنة التي يرعاها التحالف والجهات الأُممية، أو من زاوية خطورة تمكين حزب واحد من السيطرة على قرارات جيش دولة ومقدراته ومؤسساته العسكرية، أو من خطورة إثارة الخلافات بين القوى التي تواجه الحوثيين. ولا من زاوية الجهود الكبيرة التي يحاول مجلس القيادة الرئاسي تكريسها لاستئناف عملية الإنتاج في قطاع 5 (جنة هنت)[4] في شبوة والمُعطَل لأعوام. إذ بتشغيل هذا القطاع من المُمكن أن يصل إنتاجه إلى (30 ألف) برميل يومياً، أملاً في تعزيز موارد اليمن المالية عبر مخزونها النفطي والغازي لتحسين أوضاع شعبها المعيشية ودعم سُبل الاستقرار، حيث أن مخزون اليمن النفطي بلغ( 9.10 مليارات) برميل ومخزونها من الغاز يصل الي (2.18 تريليون ) قدم مكعبة. وقد أكدت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، بأن اليمن يمتلك مخزون نفطي يُمكنه من الاستحواذ على نسبة كبيرة من مخزون النفط العالمي[5]. وفي شبوة من بين (16) قطاع نفطي واستكشافي، يعمل فقط قطاعان في ظل الحرب الحوثية، هما (قطاع S2) العقلة وتديره شركة (OMV)، و(قطاع 4) في منطقة عياذ وتديره شركة الاستثمارات النفطية والمعدنية التابعة للحكومة اليمنية. إذ من المقرر أن يتم تشغيل (قطاع 5) النفطي من قِبَل شركة "بترو مسيلة- Petro Masila" وفقا لاتفاقها المبرم مع وزارة النفط اليمنية في نوفمبر للعام (2021)[6].
وعوضا عما ورد سابقا، كرّست قناة الجزيرة القطرية تناولها الإعلامي في برنامجها "ما وراء الخبر" بعدة حلقات، في تغطيتها لأحداث شبوة للهجوم على الإمارات والقوات الجنوبية اليمنية التي تدعمها. تكمن فكرة البرنامج بتقديم خبر مُباشر، وسرد الحلقة لتحليل ما يعنيه الخبر وما يحتمله من دلالات. فبدلاً من صياغة مقدم البرنامج للخبر في صيغه منضبطة ناقلة للواقع كـ مثلا: "قال مصدر عسكري يمني إن وحدات من اللواء الأول لقوات "العمالقة الجنوبية"، أكبر ألوية العمالقة القتالية وصلت إلى مدينة عتق لتعزيز حماية المناطق النفطية[7]، بعد رفض قادة عسكريين يديرهم حزب الإصلاح من مأرب، قرارات المجلس الرئاسي، وعقب اتهامهم بـ "التمرد" "، استهل مُقدم البرنامج حلقته بالحديث عن: "قوات مدعومة إماراتياً سيطرت على معسكر نعضة في محافظة شبوة بعد معارك مع الجيش اليمني، وتتجه نحو حقول العقلة النفطية"، مضيفا بأنّ "مصدر عسكري أكد شن طائرة مُسيرة- يُرجح إنها إماراتية -غارات على الجيش اليمني في المنطقة بعد نحو أسبوع من إخراج القوات المدعومة إماراتياً للجيش اليمني من عتق مركز شبوة"[8]، ليُكرر ذلك المعنى في صياغات مُختلفة لمدة (3 دقائق) مُكرساً اللغة الإعلامية للهجوم على الإمارات والتحالف العربي، وكرر المذيع وجهة مزاعم القوات الموالية لحزب الإصلاح عندما زعم أنّ "قوات العمالقة ودفاع شبوة المدعومة إماراتياً نهبت ممتلكات تابعة للشركة اليمنية للغاز"[9]. ومن الأمور اللافتة أن مُختلف حلقات برنامج "ما وراء الخبر"، في تناولها للتطورات الأخيرة في جنوب اليمن ثبتت استضافة المُتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي في لندن "صالح النود"، مع تغيّر الضيف الآخر من حلقة لأخرى، ودوما ما كان مقدم / مقدمة البرنامج تحصر/ يحصر مُداخلات "النود" في دقائق محدودة، مع إتاحة المساحة الأكبر من الوقت للطرف الآخر.
إزاحة الحوثيين عن شبوة
لم يَكُن أغسطس الفائت الفترة الأولى التي تتصدر فيها شبوة أحداث اليمن إعلامياً. ففي مطلع يناير من العام الحالي، شنت القوات الجنوبية "العمالقة" إلى جانب قوات "دفاع شبوة" عملية عسكرية لتحرير محافظة شبوة كاملة بمُديرياتها الثلاث "بيحان وعسيلان وعين" من سيطرة الحوثيين[10]، وقد نجحت تلك المعركة بدعم التحالف العربي لهم والمجلس الانتقالي الجنوبي وبشكل خاص دولة الإمارات.[11] إذ شكلت تلك المعركة نقطة فاصلة ومؤثرة في المشهد اليمني وبخاصة لدى الجنوبيين وأبناء شبوة بشكل أكثر تحديدا، ذلك لإحساسهم بالخُذلان في سبتمبر (2021)، عندما بسط الحوثيون سيطرتهم على أجزاء من المحافظة، دون أدنى مُحاولة للدفاع أو التصدي من الجيش اليمني إبان حكم السلطة المحلية السابقة التي كان يتولى قيادتها "محمد صالح بن عديو" المُنتمي لحزب الإصلاح اليمني.
تمت إقالة "بن عديو" أواخر ديسمبر (2021) طبقاً لأحد بنود الشق السياسي في اتفاق الرياض، وذلك التغيير كان حيوياً ومطلوباً لإنهاء مرحلة من الفتور والتباينات بين السعودية والإمارات كانت تحت الطاولة حول طريقة إدارة الملف اليمني[12]، وتعيين بدلاً عنه المُحافظ الحالي "عوض بن الوزير العولقي"، وهو في الأصل زعيم قبلي بارز بشبوة.[13]
رغم حقيقة ما كان عليه المشهد في معركة تحرير شبوة واقعياً، ذهبت التغطيات الإعلامية في الساعات الأولى للمعركة للكثير من الزج بالتناقضات وخلل كبير في الرصد والتوصيف وتصوير المواجهات العسكرية بأنها ضد "الجيش اليمني". جدير بالذكر أن ذلك الإخلال الذي تفشى في التغطية الإعلامية لوسائل إعلام محلية وإقليمية وعلى رأسهم الجزيرة - التي أثبتت دراسة مؤخرا انحيازها للحوثيين[14]. سُرعان ما قوبل بنقد شديد على وسائل التواصل الاجتماعي. ولذلك عمدت بعض وسائل الإعلام المُتخصصة إلى إرسال موفدين لها لنقل الحدث، خاصة وأن عدد من القنوات الفضائية بدأت تعتمد على مُرَاسلين لها من جنوب اليمن، بعد سياسة تضليل ممنهجة تعمّدت قلب الحقائق خلال سنوات طويلة.[15]
مُهاجمة الإمارات - غاية مشتركة
حين قررت الإمارات الانسحاب من اليمن في العام(2019)، شكّل ذلك هدنة غير مباشرة بين الحوثيين والإمارات، انتهت هذه الهدنة في ديسمبر للعام (2021) عندما دعمت الإمارات هجوم مضاد أدى منذ ذلك الحين إلى تراجع مكاسب الحوثيين في شبوة وأجزاء من مأرب[16]. ردت جماعة الحوثي على ذلك في مطلع العام الحالي بقصف الإمارات في (12 يناير) والاستيلاء على سفينة شحن ترفع العلم الإماراتي في البحر الأحمر في (3 يناير) 2022.
يرى مُراقبون أن إيران شجعت الهجوم على أبوظبي في ذلك التوقيت كجزء من جهد أوسع لردع تعميق العلاقات الإماراتية الإسرائيلية، والتي تعتبرها إيران تهديدًا خطيرًا. وقالت أجهزة الأمن الإسرائيلية إن الحرس الثوري الإيراني ساعد في التخطيط لهجوم (17 يناير)، كما تناسب توقيت الهجوم مع نمط التوترات المتصاعدة آنذاك بين الإمارات وإيران، عندما التقى ولي العهد الإماراتي برئيس الوزراء الإسرائيلي لمناقشة التنسيق بشأن إيران وبرنامجها النووي، كما اتهم مسؤول في الحرس الثوري الإيراني الإمارات بقبول الدعم الإسرائيلي لعملياتها في اليمن في يناير. [17]
في الوقت الحالي، ومنذ عدة أسابيع، هناك حالة من التفاهمات المُتبادلة بين إيران وكلاً من الإمارات والسعودية. فبعد ست سنوات من تخفيض التصنيف الدبلوماسي للإمارات مع إيران والحرص على مداومة علاقات اقتصادية قوية بين البلدين[18]، أعادت كل من الإمارات والكويت بهدوء العلاقات الدبلوماسية مع طهران، كما أشارت وزارة الخارجية الإيرانية مؤخراً، إلى أن المحادثات مع السعودية بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية تمضي أيضًا في اتجاه إيجابي.[19] إنّ ذلك التفاهم الإيراني الإماراتي يتضاد على الأرجح مع مصالح قطر التي لطالما استمدت فاعليتها على الخريطة السياسية الإقليمية من استغلال ملفات الصراعات البينية.
التوجه الإعلامي لقناة الجزيرة القطرية، التي تتخذ منه قطر سبيلاً للتعبير عن توجهاتها وسياساتها، التي عبّرت عنها صراحة بدعم الحركات الدينية والراديكالية في المنطقة، لفترات طويلة، لدرجة أوصلتها لمُقاطعة دول الرباعية لها لمدة ثلاث سنوات، يتضح من خلاله أنّ قطر وإن تراجعت عن علنية دعم الإخوان المسلمين في ملف مصر وتمويل "الإرهاب"[20]، فهي لا تزال تدعم جماعة الحوثي إعلامياً من خلال قناة الجزيرة، بصورة رئيسية. والحوثيون بطبيعة الحال أحد أذرع طهران في قلب الخليج.
ذات صلة: الخطاب الحوثي على قناة الجزيرة: ديناميكية الصورة والمحتوى في برنامج الحصاد
لطالما حذر مراقبون سياسيون يمنيون في وقت سابق من دور التيار الموالي لقطر داخل الحكومة اليمنية، وتركزت التحذيرات من نفوذ قطر في أربع محافظات يمنية محررة على الأقل، وهي تعز وشبوة والمهرة ومأرب[21]، وبالفعل سُرعان ما ارتد صدى التقدم والسيطرة التي حققتها القوات الجنوبية مؤخراً في شبوة وأبين[22] على طبيعة الخطاب الإعلامي في قناة الجزيرة ووسائل إعلام يُعتقد بأنّ الدوحة تموّلها. لذلك، لجأ حزب الإصلاح لاستغلال قوته الناعمة والدعائية، وأحيا مؤخرا دعوات صريحة للتقارب مع الحوثيين، مستغلا "حادثة العَلَم اليمني"، مع شنّ حملة إعلامية "مسيئة" قادها نخبة من رموزه ضد السعودية والإمارات. ولأنّ ذلك يُظهر طبيعة ما تخفيه الكواليس بين الجماعتين الدينتين في اليمن، أعلن الحوثيون صراحة استعدادهم لفتح صفحة جديدة مع الحزب، شريطة أن يظهر التزاماً معلناً، كما زعمت الجماعة أن أسلحتها الصاروخية والطائرات المسيرة ستكون حاضرة؛ وذلك على لسان القياديين الحوثيين" محمد علي البخيتي" و"حسين العزي"[23].
نستخلص مما سبق أن قناة الجزيرة هي فقط مُجرد أداة إعلامية تستخدمها قطر بما يتماشى مع توجهاتها السياسية. ونظراً لتسارع التغيرات على الساحة الإقليمية والدولية وتغير مُعادلات المصالح، تستمر الجزيرة في مُساندة الحوثي، وإثارات الصراعات المحلية والمناطقية، خصوصا تلك التي تستهدف النسيج المجتمعي في جنوب اليمن، بما يمنع من تحقيق استقرار أمني وخدمي في البلاد التي أنهكتها الحرب المدمّرة منذ قرابة 8 سنوات.
زميلة غير مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحثة في العلوم السياسية والتحليل الإعلامي
مراجع:
[1] معارك وتبدل سريع للسيطرة.. أبرز الأحداث المتسارعة في محافظة شبوة اليمنية، Aug 18, 2022، bit.ly
[2] ما وراء الخبر - قوات مدعومة إماراتيا تسطير على مدينة عتق، Aug 10, 2022، bit.ly
[3] السلطات اليمنية تكثف حماية الشركات النفطية في شبوة، العين الإخبارية، 2022/8/15، al-ain.com
[4] طيلة السنوات الماضية، كانت حقول النفط تخضع لسيطرة قوات تابعة لحزب الإصلاح، قبل أن تدخل مؤخرا قوات العمالقة الجنوبية التي تسلمت مهام حماية شركة جنة هنت القطاع 5 النفطي"، في مديرية عسيلان شمالي غربي المحافظة، والذي يتألف من 3 حقول نفطية.
[5] وزارة النفط والمعادن اليمنية، القطاعات الإنتاجية، bit.ly
[6] السلطات اليمنية تكثف حماية الشركات النفطية في شبوة، العين الإخبارية، 2022/8/15، مرجع سبق ذكره
[7] UAE-backed Yemeni forces seize Shabwa energy sites in tussle with rivals, August 21, 2022, reut.rs
[8] ما وراء الخبر ـ مآلات التصعيد في محافظة شبوة اليمنية، Aug 16, 2022، bit.ly
[9] ما وراء الخبر - لماذا هاجمت القوات المدعومة إماراتيا منشآت النفط والغاز في اليمن؟، Aug 21, 2022، bit.ly
[10] ما هي الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها محافظة شبوة؟، Jan 12, 2022، bit.ly
[11] فريدة أحمد، وآخرون، قراءة في الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية للتطورات الأخيرة في شبوة، 31/1/2022، ص4، south24.net
[12] أمين شنظور اليافعي وآخرون، التداعيات الإقليمية بعد التطورات في شبوة، قراءة في الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية للتطورات الأخيرة في شبوة، 31/1/2022، ص22، south24.net
[13] المرجع السابق، ص4-5. فريدة أحمد
[14] مبارك عامر بن حاجب، الخطاب الحوثي على قناة الجزيرة (ديناميكية الصورة والمُحتوي في برنامج حصاد)، أغسطس 2022، ص6-7، south24.net
[15] فريدة أحمد، معارك تحرير شبوة: الخطاب الإعلامي بين التناقض والتضليل، 13/1/2022، south24.net
[16] Brian Carter, January 2022 Map Update: Al Houthi Attacks on Saudi Arabia and the UAE, January 19, 2022, bit.ly
[17] Ibid.
[18] United Arab Emirates reinstates ambassador to Iran after six-year absence, the guardian, 22 Aug 2022, bit.ly
[19] Edward Yeranian, Iran Resumes Diplomatic Relations with UAE and Kuwait, Talks Continue with Saudi Arabia, August 23, 2022, bit.ly
[20] "الطريق إلى المصالحة".. الرباعي العربي ينهي الخلافات مع قطر (تسلسل زمني)، 05 يناير 2021، bit.ly
[21] Ibid.
[22] Yemeni southern separatists launch military campaign in Abyan, August 23, 2022, reut.rs
[23] تحالف الحوثي والإخوان.. أحداث شبوة تفضح "الزواج السري"، 2022/8/15، bit.ly