مشاهد تاريخية خاصة بتلفزيون عدن الرسمي على شاشة قناتي السعيدة والجزيرة القطرية - تركيب سوث24
01-10-2022 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | رعد الريمي
في 21 أغسطس الماضي، بثت قناة الجزيرة القطرية حلقة جديدة من برنامج "المتحري"، حول وقائع تاريخية حدثت قبل عقود من الزمن في دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقا، أو ما كان يُعرف بـ "اليمن الجنوبي، تحت عنوان "الإخوة الأعداء".
تضمنَّت الحلقة، التي تقسمت على جزأين وأعدَّها الصحفي الشمالي جمال المليكي، مشاهد مصورة من أرشيف تلفزيون عدن الرسمي لمحاكمات ومشاهد من معركة 13 يناير 1986 بين أجنحة الحزب الاشتراكي. أعادت مقاطع الفيديو قضية "نهب" أرشيف قناة عدن إلى الواجهة مجدداً.
على إثر ذلك، أطلق نشطاء جنوبيون حملة تنديد على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بمحاسبة المسؤولين والمتورطين بنهب الأرشيف التاريخي لإحدى أقدم القنوات المتلفزة في الجزيرة العربية والمنطقة. ويتهم الجنوبيون النظام اليمني السابق [نظام الوحدة] بنهب أرشيف قناة عدن عقب اجتياح الجنوب في صيف 1994.
مشهد من أرشيف قناة عدن ظهر على قناة الجزيرة القطرية، يظهر أحد مسارح أحداث 13 يناير 1986، التي أعادت إثارتها قناة الجزيرة تزامنا مع أحداث شبوة الأخيرة وجهود الحوار الداخلية (مقتطع - سوث24)
في هذا التحقيق، يكشف مركز "سوث24" خبايا وقصة مصادرة ونقل أكثر من 7 آلاف شريط من مكتبة تلفزيون عدن الرسمي والجهات والأشخاص المسؤولة بصورة مباشرة عن ذلك، مستنداً على روايات أشخاص ذوي صلة مباشرة بالواقعة، من بينهم قائد المركبة التي نقلت الأرشيف من عدن إلى صنعاء بتوجيهات رسمية.
كما استمع "سوث24" إلى آراء مسؤولين وموظفين حاليين في قطاع إذاعة وتلفزيون عدن، وتواصل مع الجهات الإعلامية المسؤولة في الدولة مثل وزارة الإعلام والهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي للاستفسار عن دورها المفترض إزاء ما تعرض له الأرشيف.
صورة حديثة اطلع عليها سوث24 لجانب من مكتبة تلفزيون عدن في التواهي، وهي تبدو مهملة ويتكدس الغبار على محتوياتها (مصادر عاملة)
مكتبة القناة
بدأ تكوين مكتبة قناة عدن قبل البث التلفزيوني في عام 1968، وفقا للكاتب أحمد محمود السلامي، أحد الموظفين الأوائل في القناة.
وقال السلامي، في كتابه "تلفزيون عدن من التأسيس إلى القناة الثانية" أنّ "تكوين المكتبة بدأ قبل البث التلفزيوني وكانت تحتوي على أشرطة سينمائية مقاس 35مم. احتوت هذه الأشرطة على الأفلام العربية الروائية والأفلام والمسلسلات الأجنبية والأغاني وغيرها".
وأضاف: "كما حوت المكتبة كمية كبيرة من الأشرطة السينمائية المتوسطة مقاس 16مم التي كانت تضم الأفلام العلمية والتوعوية الاجتماعية القصيرة والأغاني الأجنبية بالإضافة إلى الإنتاج اليومي لقسم التصوير السينمائي التابع للتلفزيون من أفلام التغطيات الخبرية الصامتة."
ووفقاً لأحد المتقاعدين في قناة عدن، ممن تولوا إدارة البرامج في فترات سابقة، فإنَّ قناة عدن أسهمت في إثراء قناة صنعاء التي تشكّلت فيما بعد بكثير من الأشرطة والتسجيلات الفنية.
وقال المتقاعد، الذي فضَّل عدم ذكر اسمه، لـ "سوث24": "كان هناك تعاون سابق بين قناة عدن، وقناة صنعاء. لقد تم رفد قناة صنعاء حديث النشأة في عام 1975 بكثير من المواد والأغاني المحلية التي سجلت في تلفزيون عدن، مثل أغاني الفنان أحمد السنيدار، علي عبد الله السمة، ومحمد حمود الحارثي، وأيوب طارش وغيرهم."
نهب الأرشيف
بجانب منزله، التقينا العم عبد القادر الوحيشي، موظف سابق في قناة عدن وسائق المركبة التي نقلت أرشيف القناة إلى صنعاء بعد حرب 1994 إثر دخول القوات الشمالية المدينة.
يستذكر الوحيشي في حديث لمركز "سوث24" تفاصيل تلك الواقعة: "لقد حملت بيدي آلاف الأشرطة من مكتبة قناة عدن إلى مكتبة قناة صنعاء. تم نقل هذه الأشرطة بمركبة [دينا] بيضاء كبيرة قدتها بنفسي. أغلب عمليات النقل كانت تتم ليلاً من عدن إلى صنعاء."
وأضاف: "يُقدر عدد الأشرطة بحوالي أكثر من سبعة آلاف شريط تم نقلها بتوجيهات رسمية من مدير تلفزيون وإذاعة عدن آنذاك عبد الغني الشميري. لقد كنتُ برفقة علي عبد الرحمن الزيادي مدير مكتبة وأرشيف قناة عدن وكان لدينا ورقة رسمية تحوي توجيهات للنقاط الأمنية تمنع اعتراض المركبة التي أقودها".
موفد مركز "سوث24" مع الشاهد عبد القادر الوحيشي
ونفى الوحيشي ما أشيع آنذاك من تعرض مركبة نقل أرشيف قناة عدن للتقطع في منطقة "بلاد الروس" في صنعاء. ويعتقد سائق المركبة إنَّ تلك كانت محاولة من وجهوا وأشرفوا على نقل الأرشيف لتغطية عملهم والتحجج بالحادثة عند مطالبتهم بإعادة الأرشيف.
وطبقا لمدير إذاعة وتلفزيون عدن الحالي، محمد غانم، فإنَّ نقل أرشيف قناة عدن تم في عام 1996. وقال غانم لـ "سوث24": "أكثر من 7 آلاف شريط تم نقله في تلك الفترة."
من المسؤول؟
تطابقت شهادات وإفادات عدد من المصادر التي التقاها "سوث24"، في إنَّ نهب أرشيف عدن تم بإرادة سياسية من نظام الوحدة في صنعاء عبر مدير تلفزيون وإذاعة عدن آنذاك، عبد الغني الشميري.
وبشأن ذلك، قال محمد غانم: "المدير السابق للقطاع عبد الغني الشميري قام بالسطو على أرشيف القناة ووزعه على قنوات محلية ودولية." وأضاف: "والذي ساعده في ذلك، بكل أسف، بعض الزملاء في إدارة القناة والبرامج".
وأردف "الأرشيف الذي تم نهبه نشاهده اليوم بنسخته الأصلية على شاشة قناة السعيدة التي يملكها حامد الشميري، شقيق، عبد الغني الشميري."
جانب مما تبقى من مكتبة تلفزيون قناة عدن، صورة تحصل عليها سوث24 من مصادر عاملة
نوعية الأرشيف "المنهوب"
بشكل أساسي، يشتمل الجزء الأكبر من أرشيف قناة عدن الذي نُقل إلى صنعاء على المواد السياسية والفنية الثقافية الخاصة بالجنوب، وفقاً لمصادر متعددة تحدثت لـ "سوث24".
وعن هذا، قال النقابي والموظف في قناة عدن عامر سلَّام لـ "سوث24": "كان الأرشيف المنهوب يتمحور حول الأفلام الخاصة بنشاطات البريطانيين وحكومة اتحاد الجنوب العربي، الضواحي والمحميات، والمجتمع العدني".
وأضاف: " كما اشتمل الأرشيف المنقول على مواد تخص أحداث 13 يناير في عام 1986 من محاكمات وغيرها، وعدد من رؤساء وقادة جنوب اليمن سابقا مثل: الرئيس قحطان الشعبي، الرئيس سالمين ربيع علي، الرئيس عبد الفتاح إسماعيل، الرئيس علي ناصر محمد، رئيس الوزراء محمد علي هيثم."
وأردف: "كما احتوى الأرشيف المنهوب أيضا بعض المحاكمات التي قام بها النظام الحاكم في الجنوب آنذاك ضد السلاطين، ووقائع محاكمة مجموعة [دهمس] التخريبية في 1982."
ويُقدر محمد غانم، مدير قطاع إذاعة وتلفزيون عدن الحالي محمد غانم، أنَّ ما "نسبته 15% من أرشيف قناة عدن هو ما تم نقله إلى تلفزيون صنعاء". وأضاف: "لقد مثلَّت هذه النسبة الأرشيف النوعي والتاريخي لمكتبة القناة."
تدمير
لم يقتصر ما تعرض له أرشيف قناة عدن على النقل والنهب فقط، فوفقا لموظفين سابقين وحاليين، تعرض الأرشيف للتدمير والإهمال المتعمد والتلف.
وقال صابر الطيب، موظف حالي في مكتبة قناة عدن لـ "سوث24": "لقد تولى إدارة المكتبة أناسُ كثر غير أنها كانت عرضة للإهمال حيث اختلطت الأشرطة ببعضها، وتكدست في أرضية الغرف، وضاعت السجلات التي دُونت عليها محتويات تلك الأشرطة، وما أستعير منها."
وأضاف: "لم يكن هناك كادر متخصص في الأرشفة والمكتبات لاسيما مكتبة التلفزيون، وهنا يكمن سر الضياع الذي أدَّى إلى تخلفنا سنوات طويلة عن التلفزيونات الأخرى بعد أن كنا في المقدمة".
يؤكد شهادة الموظف صابر الطيب النقابي والموظف عامر سلاَّم.
وقال سلَّام: "شاهدت بنفسي بعد حرب 1994 أحد الأشرطة مقاس 2 بوصة مرميا على سلم القناة. كان مكتوبا عليه [مفاوضات الشعب الجنوبي للاستقلال في جنيف]." وأضاف: "عندما سألت عمَّا أتى بهذا الشرط إلى هنا قيل لي إنَّه تم أخذ بعض الأشرطة وحجزت في مبنى أمن الدولة السياسي ثم تم إرجاعها ورميها دون الاهتمام بها."
وكشفت مصادر خاصة لـ "سوث24" إنَّ كثيرا من أشرطة مكتبة قناة عدن نُقلت إلى غرفة شيدت الحرارة والرطوبة خلف مبنى "ألبينو" المجاور لمبنى قناة عدن. وأشارت المصادر إلى أنَّ هذه الأشرطة لا تزال هناك إلى اليوم.
موظفات بمكتبة تلفزيون عدن، في ثمانينات العقد الماضي، قبل الدخول بوحدة مع اليمن الشمالي (أرشيف المكتبة)
محاسبة
تواصل "سوث24" مع جهات إعلامية مسؤولة في العاصمة عدن للسؤال حول ما إذا كانت هناك خطط واعتزام لمحاسبة ومقاضاة المتورطين بنهب أرشيف عدن اليوم.
وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، أحالنا إلى نائبه حسين عمر باسليم للرد على الاستفسارات التي قدّمها سوث24. نفى باسليم علمه بوجود مثل هذه القضية. إذ بدى الرجل ليس متأكدا من ذلك، على الرغم من أنّ قنوات عربية باتت تعرض هذا الأرشيف أمام الملايين.
فقد أخبرنا باسليم أنَّ "وزارة الإعلام ليس لديها ما يؤكد أو ينفي ما طُرح مؤخراً حول تسريب أرشيف قناة عدن."
وأردف: "للتأكد من هذا الأمر لابد من إجراء تحقيقات واسعة. مبنى القناة مغلق منذ العام 2005، لكن تعرض للسرقة مباشرة عقب حرب 2015 حيث تم سرقة أجهزة ومعدات تلفزيونية مهمة وحديثة كانت في مخازن المبنى بمديرية بالتواهي."
وتابع: "تم في العام 2018 إعادة تأهيله مجددا من قبل الحكومة بمبلغ 427 مليون ريال، ومن المهم اليوم العمل على استكمال عملية التأهيل والتجهيز لهذا المبنى حديث البناء".
مقابل ذلك، قال رئيس الهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي علي الكثيري لـ "سوث24": "بكل تأكيد ما حصل لأرشيف تلفزيون عدن هو جريمة مدانة ومرفوضة."
وأضاف: "لقد تم نهب هذا الأرشيف الثري غداة اجتياح عدن عام 1994. هذا الأرشيف يمثَّل ذاكرة حية لجزء من تاريخ الجنوب واعتقد أن ما حصل تجرمه كل الشرائع والقوانين".
وأردف: "نحن ندرس حاليا مع قانونيين ما يمكن عمله لملاحقة الجهات والأفراد الذين ثبت تورطهم بنهب الأرشيف والتصرف به على نحو يستوجب المحاكمة فضلا عن بحث السياق القانوني الذي يمكن من خلاله استرداد قناة عدن لعدن وللجنوب أولا واسترجاع الأرشيف المنهوب الذي للأسف الشديد أصبح يباع لوسائل إعلام خارجية."
ولفت المسؤول البارز بالمجلس الانتقالي إلى أنهم قد بدأوا في تجميع ما هو متاح من أرشيف قناة عدن "وبالذات ما حفظه بعض الأفراد العاملين في تلفزيون وإذاعة عدن"، متمنياً أن يتم ذلك "بأسرع وقت."
إنقاذ ما تبقى
دعا موظفو قناة عدن الذين تحدثوا لـ "سوث24" إلى إنقاذ ما تبقى من أرشيف قناة عدن من التلف.
وقال عامر سلام: "هناك أرشيف ثقافي وفني مهم جداً لازال مهملا بشكل كبير في المكتبة الوثائقية القديمة. تعرضت بعض الأشرطة للتلف والذوبان نتيجة الحرارة الشديدة وغياب التكييف."
وأضاف: "يتضمن الأرشيف أغاني أحمد قاسم، تسجيلات لأغاني ثورية أغاني ثورية كانت تعرض على مسرح نقابات عمال عدن، وكثير من المهرجانات والمعارض التي كانت تقوم في المدينة."
وأردف: "ومن ذلك الأرشيف، أرشيف مكتبة الإذاعة بما فيها أشرطة يعود بعضها لعام 1954 ومنه شريط ذكرى التأسيس الذي سمعته بنفسي أيام المخرج أكرم محسن في الذكرى الأولى لإذاعة عدن عام 1954."
ويعتبر أرشيف تلفزيون عدن الرسمي قصة من بين عشرات القصص لما تعرضت له المؤسسات الحكومية في مدينة عدن عقب انتصار نظام الوحدة وهزيمة القادة الجنوبيين وفرارهم إلى خارج البلاد. وعلى مدار السنوات اللاحقة للحرب، ظهر الأرشيف في شاشة قنوات محلية شمالية وبعضها تتبع حركة الحوثيين، وقنوات دولية، خصوصا الجزء السياسي منه، الذي تم توظيفه بصورة ممنهجة لمحاولة إثارة الخلافات بين أبناء جنوب اليمن وإذكاء جروح مضى عليها عشرات السنين.