الإرث الوطني والسياسي في قصائد المحضار

الشاعر حسين أبو بكر المحضار (أرشيفية)

الإرث الوطني والسياسي في قصائد المحضار

التقارير الخاصة

الخميس, 24-11-2022 الساعة 04:57 مساءً بتوقيت عدن

سوث24| عبد الله الشادلي 

حظي  الشعر والأدب بمكانة مرموقة على مرّ العصور عند مختلف الشعوب. وبالنسبة للعرب، فهو لسان الحال للتعبير عن مكنونات النفس وما تفيض به النفس البشرية. كما اُستخدم الشعر لأغراض متعددة مثل المدح والهجاء، والفخر، والرثاء، وغيرها.

ولا يقل الشعر الشعبي أهمية عن الفصيح، إن لم يكن الأكثر قُربا من المتلقي والمستمع، والأسرع وصولا للأفئدة. ويعتبر جنوب اليمن من المواطن العربية المهمة للشعر الشعبي المتنوع والزاخر الذي يتنوع في الألفاظ والأغراض من منطقة لأخرى.

وفي كبرى محافظات جنوب اليمن، حضرموت، ظهر شاعر شعبي يدعى "حسين أبو بكر المحضار". تميَّز المحضار، المولود في 1930 بمدينة الشحر لأسرة معروفة بالعلم والأدب، بالشعر الغنائي. 

إلى جانب كونه شاعرًا غنائيا من الدرجة الأولى؛ كان المحضار مُلحّنا بامتياز، وقد لحّن مُعظم قصائده بنفسه، وشكّل ثنائيا - خطف الأضواء - مع الفنان الكبير الراحل أبوبكر سالم بلفقيه.

ورغم أنَّ "المحضار" كان شاعراً يُجيد الغزل بامتياز؛ إلا أنَّ له إرثا لا يستهان به من القصائد الوطنية والسياسية التي لم تنال بعضها ذات الشهرة التي حظيت بها الغزلية. ويؤكد مهتمون بحياة المحضار لـ "سوث24" أنَّ معاصرة المحضار لسياسيين في عصره فتقت قريحته الشعرية السياسية.

وكتب المحضار قصائد غنائية سياسية كثيرة، أشادت بعضها باتفاقية الوحدة اليمنية الموقعة بين جنوب اليمن وشمال اليمن في 1990، مثل: "الله الله من ثنتين"، وانتقدت أخرى ما آلت إليه الأمور عقب هذه الوحدة مثل قصيدة "اسكت ولا تنبش."

تميَّز 

يُعدّ المحضار أحد كبار الشعراء الغنائيين في جنوب اليمن والجزيرة العربية. عُرف شعره بالسلاسة والبلاغة، كما أنَّ مفرداته امتازت بجزالة المعنى ومواكبة المُتغيرات.

وعمّا ميّز المحضار عن غيره حتّى اليوم، قال الملحن محمد الفضلي لـ«سوث24»: "للمحضار نكهة خاصة في قصائده، وله مفردات شعرية تلهمك بأن القصيدة التي تقرأها تعود للمحضار. إنه شخص مميز جداً، وقلّما تجد شاعراً مثله في التلاعب بالجناس التام بكل سلاسة، ودون حشو".

وأضاف: "تميَّز المحضار في النقد أيضاً، من خلال الشعر للكثير من الظواهر الاجتماعية من عادات وتقاليد، وإذا ما تناول المحضار موضوعاً، أشبعه، ناهيك عن الأوبريتات التي لم يسبقه أحد بالتعمّق فيها، وتفصيلها بأدق الصور، والمعاني، والمفردات الشعبية".

ويعتبر رئيس مؤسسة حضرموت للتراث الفني، الشاعر عبد الله باوزير، المحضار بأنَّه "الوحيد من بين الشعراء الغنائيين الكبار الذي كتب عن السياسة والوطن بعمق."

وأضاف لـ "سوث24": "لقد تميّز المحضار بأشياء كثيرة عن غيره، وهذا ما جعله يُذكر دائماً أكثر من أيّ شاعر آخر."

إرث وطني 

للمحضار محطّات وطنية في شعره، فبعد توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية في العام 1990، استبشر الشاعر بهذا الحدث، مثل غيره، وكتب عدداً من القصائد الغنائية التي تُعزَّز هذا الشعور، منها أغنية "الله الله من ثنتين" التي تغّنى بها رفيق دربه أبو بكر بلفقيه. 

وكانت هذه القصيدة ذات طابع سياسي ووطني تُجسّد فرحة قيام الوحدة اليمنية آنذاك. وشبّه المحضار الدولتين بأنَّهما شقيقتان، التقيتا بعد طول انتظار، كل منهما تشكو للأخرى حالها ومُعانتها قبل اللقاء. وقال الشاعر:

"الله الله من ثنتين
من بعد غيبة تلاقين
وبواقع الحال يتشاكين
ويطلقن كل معصوب
ذا لي عرفته وما في القلوب يعلمه علاَّم الغيوب

الأولى قالت أنتي فين
باجيكِ يا قرة العين
وقالت الثانية يا أهلين
بأختي وشقيقتي من دوب*
ذا لي عرفته وما في القلوب يعلمه علاَّم الغيوب"

لكنَّ ما تلى الوحدة اليمنية من أحداث في مقدمتها اجتياح جنوب اليمن في 1994، غيَّر موقف ورأي المحضار كثيراً من الوحدة. ومن القصائد الرمزية التي سُجلت عن الشاعر ينتقد فيها الوحدة ضمنيًا وما آلت إليه الأوضاع: 

"نوشة*  وراء نوشة  ويا كم باتنوش
الدوم*  ما يشبع وسيعين الكروش
لي غـلّقوا في الشحر مطعم باحميش
اسكت ولا تنبش*  جروح الناس تنبيش

كلين شل جوشه*  وانته شل جوش
ما حد خذا حصتك وأسرع لا تكوش
ما أدري طلع مطحون قرصك أو جريش
اسكت ولا تنبش جروح الناس تنبيش

حقّك ورح هـوشه*  إذا تقدر تهوش
قع وحش لا حلّيت ما بين الوحوش
عدّى زمان الشرح وزمان النّعيش
اسكت ولا تنبش جروح الناس تنبيش

كما انتقد المحضار تدهور الأوضاع الصحية بجنوب اليمن في عهد النظام السابق، في إحدى قصائده التي قال فيها:

"انظر إلى مستشفيات أقدام
أثاثها له ألف ومية عام
والمروحة تمشي شوي وتنام
والفرش يبكي والوسادة
والمختبر ما شي فيه يعجب
إذا صدق ساعة سنة يكذب"

ويذكر أدباء حضارم تحدثوا لـ "سوث24" أنَّ المحضار كان قد حذَّر في قصيدة سابقة له قبل الوحدة اليمنية من الاندفاع غير المحسوب باتجاه الوحدة. وجاء في القصيدة:

"جبت السفينة في ثمان
ورسيت عابرّ الأمان
وتحمد الله عالسلامة
وان شي مُخبئ با يبان
لك في القوايم*  والمنافيس

قايس وعادك في النفس
ماشي في الغبة*  مقاييس

سافرت وشراعك ملان
ومعاك بحرية زيان
كلين*  واقف عند زامه
إن راهنوا كسبوا الرهان
وإن تارسوا حكموا المتاريس

قايس وعادك في النفس
ماشي في الغبة مقاييس"

ومن القصائد الوطنية للمحضار في عهد دولة جنوب اليمن سابقاً ما قاله في زيارة له إلى الهند في 1981 برفقه الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمد: 

"حسّك*  تغرك نيودلهي وتلهي
عزّك بلادك بها تأمر وتنهي
وإن ضـاق بـك عيش فيهـا صدرها لك وسيع
الهند فيها الهنا الهند فيها المنى والجو في الهند غايم تحسب إنَّه ربيع

ما أجمل الهند لكن أرضي أجمل
يشتاق قلبي لها من حين يرحل
يذكر زمان الصبا وإياك عاده رضيع
الهند فيها الهنا الهند فيها المنى
والجو في الهند غايم تحسب إنه ربيع

عيني امتلت منها لكن فؤادي
ما فيه شي غير حبك يـا بلادي
ما عاد با يشتري فوقه ولا با يبيع
الهند فيها الهنا الهند فيها المنى
والجو في الهند غايم تحسب إنه ربيع"

كما كتب المحضار قصيدة غنائية أخرى يُعبر فيها عن حبه لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية [اليمن الجنوبي سابقاً] بعنوان "حبي لها".

ووفقاً للملحن محمد الفضلي، غنّى الفنان الراحل كرامة مرسال القصيدة بأغنية. وانتشرت هذه الأغنية بشكل واسع، ووصلت شهرتها إلى الخليج، وغنّاها الفنان الإماراتي حسين الجسمي.

 وقال المحضار في قصيدته:

"حبي لها رغم الظروف القاسية رغم المحن
حبي لها أمي سقتني إياه في وسط اللبن
إن عشت فيها
لأجلها عانيت
وإن غبت عنها
أنا لها حنّيت

والحاصل أنَّ الحب
شي ما له قَمن
يا لا ويا لا لا لا
من قال محبوبتك من؟ قلت اليمن"

آراء سياسية 

كان للسياسة أيضاً نصيب من شعر المحضار، فقد انتقد الشاعر النظام الاشتراكي الذي كان يحكم جنوب اليمن في 1990، ومما قاله في ذلك: 

"عزات يا راس عالي بايخفضونك
والنور لي هو يلالي*  من فوقك اليوم غاب
الحب فيه المزلة والعفو عين الصواب

تمشي لمه* عابهامك* فتح عيونك
لا تحسبه ماء أمامك قدامك إلا سراب
الحب فيه المزلة والعفو عين الصواب

يا حصن مولى البناقل*  محلى ركونك
خيفان*  بعد الزوامل*  ينعق عليك الغراب
الحب فيه المزلة والعفو عين الصواب
لي خربوا دار بصعر بايخربونك
خذ عشر خذ خمس تعشر لابد لك من خراب
الحب فيه المزلة والعفو عين الصواب"

وفي الذكرى الأولى لما عُرف بـ "الخطوة التصحيحية" في 22 يونيو 1969 التي أطاحت بأول رئيس للجنوب بعد الاستقلال عن بريطانيا، قحطان الشعبي، كتب المحضار قصيدة لمَّح فيها إلى أبعاد المستقبل السياسي للجنوب: 

"يا يونيو جيت أهلاً عالرحب والسعة
يا يونيو شع فيك النور من بعد الظلام
يا يونيو فيك ليلة مشــرقة ساطعة
وكل أيامك الغرّاء عليها سلام
في يوم عشرين راح البغي وطلائعه
ويوم اثنين والعشرين تم المرام"

وأمّا عن التجربة الاشتراكية والثوريّة التي عاشها الناس في جنوب اليمن، قال المحضار:

"والتجربة ما بتروح مكان
يلي تقول التجربة برهان
لا تحسنت نحنا مع الاحسان
ونعيش في الأوطان سادة"

ويلفت رئيس مؤسسة حضرموت للتراث الفني عبد الله باوزير إلى أنَّ الشاعر المحضار كان يمثّل "حزبا معارضا للنظام الاشتراكي في اليمن الجنوبي سابقاً، وكان الاشتراكي يأخذ قصائده وأغنياته بعين الاعتبار، ويستمع إلى انتقاده، ويعدّل من بعض سياساته".

وأضاف: "إنَّه لمن الشجاعة أن ينتقد المحضار سياسة الحزب الاشتراكي وهو في أوج قوته. لم يجرؤ أحد من الشعراء والأدباء والكتّاب أن يفعل ذلك سوى المحضار. 

ضعف الانتشار 

في الوقت الذي يرى البعض أنّ أغاني المحضار السياسية لم تنل نصيباً وافراً من الشهرة، يرى الملحن محمد الفضلي خلاف ذلك. وقال لـ«سوث24»: "هناك كثير منها انتشرت بشكل واسع." 

واتفق باوزير مع ذلك. وقال: "جميع أغاني المحضار في الجانب السياسي والوطني انتشرت وتغنّت، لكن في السنوات الأخيرة لم تعُد تُغنّى كالسّابق."

وأضاف: "لقد كانت الفترة السابقة فترة شهرتها، وبشكل عام تأثّر الفن في السنوات الأخيرة، نظراً للظروف السياسية والاجتماعية التي تمُر بها البلاد بشكل عام، وحضرموت بشكل خاص".

ومع ذلك، يبدو أنَّ الجانب السياسي والوطني من قصائد المحضار لم يكن محل اهتمام كالجانب الغزلي والوصفي، لا سيّما قصائده التي عكست صدمته من الوحدة اليمنية، وعبَّرت عن سخطه من الأوضاع.

ويعتبر البحث والتوثيق لقصائد المحضار هذا الجانب ذات أهمية كبيرة كما يؤكد أدباء وشعراء حضارم لـ "سوث24"، لرسم الصورة الكاملة عن حياة هذا الشاعر ومواقفه في المحطات المختلفة التي مر بها.


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


مفردات:

نوشة: هزَّة

باتنوش: كم ستظل تهز

الدوم: ثمرة السدر

وسيعين الكروش: أصحاب البطون الكبيرة [الفاسدين]

جوشة: حصة

لا تكوش: لا تتأخر

قرصك: رغيف الخبز ويقصد به الحصة

جريش: نوع من أنواع الطعام

هوشه: خذه أو انتزعه

تنبش: تثير ما مضى

الغبة: أعماق البحر

ملان: ممتلئ 

البناقل: بيت منخفض على الطراز البنغالي. انتقلت الكلمة الهندية “bungalow” إلى اللغات الإنجليزية لتعني منزلاً صغيراً يتكوّن في الغالب من طابق واحد ويحتوي على برندات، وله سقفٌ مائل، وذلك في بداية مرحلة الاستعمار البريطاني للهند

ركونك: جمع ركن

لمه: لماذا

عابهامك: أصابع القدم

النعيش: تحريك النساء لشعورهنّ يميناً ويساراً أثناء الرقص

القوايم: جمع قائمة

المنافيس: أسماء الركاب المسجلين بالرحلات الجوية

زيَّان: جميل

كلين: كل أحد

زامه: نوبة العمل

المتاريس: جمع مترس

حسك: احذر

يلالي: يتلألأ

خيفان: خائف

الزوامل: أبيات شعرية مغنَّاة




جنوب اليمن حضرموت المحضار الشاعر المحضار أبوبكر سالم