طائرة مسيرة (أ.ف.ب)
25-12-2022 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عبد الله الشادلي
رغم مرور 80 يوماً على انتهاء الهدنة الأممية في اليمن دون التوصل إلى اتفاق لتمديدها أو توسيعها، لا زالت الهدنة – عمليا – قائمة من طرف واحد لصالح الحوثيين، مقابل تصعيد عسكري غير مسبوق شنته الجماعة المدعومة من إيران ضد جنوب اليمن.
عناصر الهدنة المنهارة مثل تدفق الوقود لميناء الحديدة واستمرار الرحلات من وإلى مطار صنعاء لم تتوقف حتَّى اليوم، فيما يفرض الحوثيون حصارا على جنوب اليمن لمنع تصدير النفط بعد سلسلة هجمات استهدفت موانئ نفطية في حضرموت وشبوة. [1]
وخلال أكتوبر ونوفمبر، هاجمت طائرات مسيرة ميناء الضبة النفطي بمحافظة حضرموت، وموانئ نفطية أخرى في مديرية رضوم وشبوة. وتسبَّب الهجوم الأخير على ميناء الضبة في 21 نوفمبر بأضرار واسعة في مضخة تصدير النفط.
نتيجة للهجمات، توقف الإنتاج النفطي في معظم القطاعات في محافظتي شبوة وحضرموت، وسط التحذيرات من التداعيات الوخيمة على حياة السكان في جنوب اليمن والآثار الاقتصادية العنيفة التي سيجلبها توقف الإيرادات الرئيسية في البلاد.
هدنة الأمر الواقع
من الواضح أن استمرار هدنة الأمر الواقع، حتَّى بشكلها المشوَّه الحالي، يمثَّل – إلى حد كبير – الرغبة الإقليمية والدولية في اليمن.
وفي 22 ديسمبر، قال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في اليمن، غابرييل مونويرا فينيالس، "الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة في اليمن لا تزال قائمة على أرض الواقع، إلا أنَّها تظل هشة." [2]
وفي خطاب أمام اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس النواب الأمريكي، أكد المبعوث الأمريكي لليمن تيم ليندركينغ على استمرار عناصر الهدنة الرئيسية. [3]
وقال: "لا تزال العناصر الرئيسية للهُدنة قائمة بما فيها التدفق الحر للوقود إلى ميناء الحديدة، والرحلات التجارية المنتظمة من وإلى مطار صنعاء."
وفي 19 ديسمبر الجاري، أعلن الحوثيون عن "مباحثات قائمة" مع السعودية بشأن وقف الحرب. وقالت قناة المسيرة إنَّ "المجلس السياسي الأعلى اطلع على الاتصالات القائمة مع التحالف المتعلقة برفع الحصار." [4]
وفي منتصف نوفمبر الماضي، كشفت مصادر خليجية لـ "سوث24" عن عرض سعودي للحوثيين مقابل تمديد الهدنة بشكل رسمي.
ووفقاً للمصادر، عرضت الرياض على الجماعة، عبر سلطنة عمان، تكفلها بدفع مرتبات جميع الموظفين اليمنيين مقابل تمديد الهدنة. واشتمل العرض على دفع مرتبات الحكومة بمبلغ يزيد عن 150 مليون دولار شهريا وهو ما رفضه الحوثيون.
وفي 21 ديسمبر الجاري، وصل وفد من سلطنة عمان إلى صنعاء الخاضعة للحوثيين لبحث تمديد الهدنة [5]، ضمن جهود الوساطة التي اضطلعت بها السلطنة، التي تحتضن رئيس وفد الحوثيين المفاوض وآخرين، مؤخراً.
والتقى الوفد رئيس المجلس السياسي الحوثي مهدي المشاط الذي أكد تمسك الجماعة بمطالبها في صرف مرتبات العسكريين والمدنيين في مناطق الجماعة من عائدات النفط والغاز في جنوب اليمن. [6]
دعوات للانسحاب
في لقاء متلفز على قناة العربية، في 19 ديسمبر الجاري، برَّر رئيس المجلس الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، استمرار عناصر الهدنة لصالح الحوثيين بـ "مراعاة الأوضاع الإنسانية للمواطنين." [7]
وقال: "الحكومة الشرعية قادرة على وقف تدفق الوقود لميناء الحديدة ووقف رحلات مطار صنعاء لكنَّنا نراعي الأوضاع الإنسانية للمواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين."
وأضاف: "الشعب اليمني يلوم الحكومة لأنَّها تقدم تنازلات للحوثيين. الهدنة مستمرة من طرف واحد واليوم توقفت الحرب من طرفنا، لكن الحوثيين أعلنوا مواصلة الحرب، وهذا فضحهم أمام الشعب اليمني."
وقال العليمي إنَّ المجتمع الدولي يضغط على الحكومة اليمنية "بحجة أنَّها مؤسسة شرعية، بينما جماعة الحوثي ميليشيات"، حدَّ تعبيره.
لكنَّ لا يبدو أن ما قاله العليمي يمثَّل موقف الرئاسي ككل، حيث دعت أطراف في الرئاسي إلى الانسحاب من الهدنة المنهارة واتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة [2018] الذي ضمن للحوثيين استمرار سيطرتهم على أهم الموانئ اليمنية على البحر الأحمر.
وفي وقت سابق، دعت هيئة التشاور والمصالحة المساندة للمجلس الرئاسي إلى "إعادة النظر" في اتفاق ستوكهولم والهدنة، بعد يوم واحد من الهجوم الحوثي على ميناء الضبة النفطي بحضرموت. [8]
وفي 25 أكتوبر الماضي، دعا المجلس الانتقالي الجنوبي إلى إعلان التعبئة العامة ضد الحوثيين وإنهاء اتفاق ستوكهولم والهدنة الأممية. [9]
وقال الانتقالي في بيان له: "الاستمرار في التعاطي مع تلك الاتفاقات عقب الهجمات العدائية الأخيرة سيدفع جماعة الحوثي المدعومة إيرانياً للتمادي أكثر، وهو ما يستدعي التعامل معها بكل صلابة."
ورغم قرار مجلس الدفاع الوطني بتصنيف الحوثيين كـ "منظمة إرهابية"، في 22 أكتوبر الماضي، لم تتحقق – حتَّى الآن – أي إجراءات عملية ضد الحوثيين.
الجنوب ضحية
بلا شك، يبدو أنَّ جنوب اليمن أكبر الخاسرين حتَّى الآن من استمرار الهدنة المنهارة من طرف واحد لصالح الحوثيين.
ويهدد وقف الإنتاج النفطي بمضاعفة المعاناة المأساوية للملايين من السكان الذين يعانون بالفعل من أزمات مرهقة وخانقة منذ سنوات، لا سيما في الخدمات الأساسية وأسعار الغذاء والمرتبات.
وفي اللقاء المتلفز، قال العليمي إنَّ الحكومة اليمنية ستواجه "مشاكل وعجز" في دفع مرتبات الموظفين بدءاً من هذا الشهر، نتيجة توقف الإيرادات النفطية بسبب هجمات الحوثيين.
لاحقاً، في اجتماع افتراضي للأعضاء، أكَّد الرئاسي التزامه بمواصلة الإصلاحات الاقتصادية والمالية ودفع رواتب الموظفين. [10]
وطيلة الأعوام السابقة، واجه الموظفون العسكريون في جنوب اليمن انقطاعات في صرف المرتبات تجاوزت 6 أشهر في العام الواحد. كما يطالب موظفو القطاع المدني، بالأخص المعلمين، بزيادة مرتباتهم الضئيلة.
مُتعلق: جنوب اليمن: المعلمون.. بين مطرقة الأزمة الاقتصادية وسندان المرتبات الضئيلة
المحلل السياسي الجنوبي، نصر العيسائي، وصف الأوضاع الحالية بـ "المؤامرة على الجنوب."
وقال العيسائي لـ "سوث24": "هنالك تآمر على الجنوب من نوع آخر. يجب على الجنوب أن يستعد لهذه المعركة، ولأي معادلات عسكرية وسياسية واقتصادية يُراد بها فرض شروط معينة تعطّل التنمية في جنوب اليمن."
وأضاف: "هنالك توجه من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى وضع حد للأزمة في اليمن والحوثيون يستغلون هذا التوجه للحصول على تنازلات جديدة."
وأردف: "يحاول الحوثيون تمييع العملية السياسية، وتأخير الوصول إلى حل للأزمة عبر فرض شروط معينة، منها استعباد الشعب في الشمال واستعمار الشعب في الجنوب".
في المقابل، يرى المحلل السياسي نبيل الصوفي أنَّ الهدنة المنهارة ليست سبب مشاكل الجنوب.
وقال لـ "سوث24": "ما يعانيه الجنوب من إرهاق ليس بسبب الهدنة ولا بسبب استهداف موارد الشرعية؛ بل بسبب رؤية الشرعية المتهالكة بالإضافة إلى الارتباك الإقليمي".
وأضاف: "لقد حقق الانتقالي قفزات سياسية مهمة، وليس عليه سوى مزيد من التماسك ومراعاة الظروف الإقليمية من ناحية والاستمرار في التعبئة وترتيب الواقع الجنوبي."
وأردف: "الانتقالي يمارس ما في وسعه من ضغوط، لكن التعقيدات السياسية الإقليمية والدولية تتطلب مزيداً من التماسك."
نقاط قوة
يعتقد العيسائي أنَّ جنوب اليمن يتمتع بنقاط قوة كثيرة يمكن توظيفها للتأثير على القوى الإقليمية والدولية، مثل الدور البارز والأوحد للقوات الجنوبية في الحرب ضد "التنظيمات الإرهابية والمتطرفة."
وقال: "جهود مكافحة الإرهاب ليست مهمة القوات الجنوبية فقط، وإنما هي أيضا مهمة إقليمية ودولية، ولأنَّ تلك الجماعة الإرهابية لا تستهدف الجنوب فقط، بل تستهدف الأمن الإقليمي والدولي بشكل عام".
وأضاف: "كثير من الأطراف الدولية لا تنظر للأزمة اليمنية إلا من خلال ما يتعلق بملف مكافحة الإرهاب، والاستفادة من الأزمة اليمنية من خلال المناكفات السياسية مع بعض إلى القوى الإقليمية."
ومع غياب أي آثار إيجابية للهدنة السابقة وما تلاها من هدنة أمر واقع في جنوب اليمن، يبدو أنَ الانسحاب الكامل مما تبقى من التزامات الهدنة يمثل اليوم أحد أهم الخطوط الدفاعية لحماية السكان في جنوب اليمن من الحرب الجديدة المعلنة من الحوثيين.
وعلى الأرجح، ستفضي أي تنسيقات أو جهود إقليمية أو دولية إذا نجحت – في أفضل الحالات – إلى تثبيت اتفاقات هدنة جديدة وفق الشروط الحوثية "المتطرفة" التي تستهدف في جوهرها الثروات في جنوب اليمن.