زعيم القاعدة خالد، باطرفي خلال ظهوره مرئي جديد بثه التنظيم في 14 يناير 2022 (الصورة: تويتر: @Dr_E_Kendall)
21-01-2023 الساعة 10 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24 | إبراهيم علي*
على رغم أنّ الشواهد على الأرض تؤكد تراجع قوة تنظيم القاعدة في اليمن خلال الفترة الأخيرة، إلا أنّ إقرار زعيمه "خالد باطرفي" بذلك في أحدث خطاب له، نشرته مؤسسة ملاحم التابعة للتنظيم، يؤكد أنّ التراجع أكبر مما كان متوقعا.
إلى جانب ذلك، يشير هذا الإقرار إلى أن قراءة التنظيم لوضعه الحالي في ظل التطورات الجديدة خصوصا بمحافظتي أبين وشبوة، أوصلته إلى قناعة مفادها أن القادم سيكون أكثر سوءً، لهذا جاهر بحاجته إلى الدعم والمساندة.
كلمة باطرفي الأخيرة تضمنت نفس المواضيع والأفكار التي تضمنتها الكلمة السابقة للقيادي أبو علي الحضرمي، باستثناء الإقرار بالتراجع، وهو أمر هام للغاية، لاسيما وأنه جاء بعد عملية "سهام الشرق" للقوات الجنوبية في محافظة أبين، التي نجحت في طرد التنظيم من وادي عومران بمديرية مودية، من أهم معاقله في المحافظة.
الكلمة المرئية التي جاءت في 18 دقيقة، تؤكد ما ذكرناه في تحليل سابق حول تصاعد عمليات التنظيم أخيرا في محافظة أبين، وأن هذا التصاعد يشير إلى أزمة يمر بها أكثر مما يعكس قوة وقدرة على الانتقام من الخصوم.
وكان التحليل المذكور قد أشار أيضا إلى أنّ التنظيم ربما سلك طريقا إجباريا بعد طرده من معاقله الرئيسية بالمحافظة، تمثل في توزيع عناصر على مجموعات صغيرة قادرة على التخفي لكنها تعمل بإمكانات محدودة، ولن يكون بمقدورها الاستمرار في تنفيذ عمليات بنفس الوتيرة.
تسول الدعم من القبائل
اتجه تنظيم القاعدة إلى القبائل لطلب الدعم بعدما اعترف بأنه يعاني من ضعف الإمكانيات وقلة المؤونة في مناطق أبين وشبوة والبيضاء. يتحدث التنظيم مع القبائل بلغة من يقوم بالواجب نيابة عنهم، لهذا أبدى زعيمه خالد باطرفي امتعاضه من موقف بعض الوجهاء والمشايخ. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن طلب الدعم من القبائل جاء بعد رسالة تهديد وتحذير سابقة لها من المشاركة في العمليات ضده. كما أن طريقة مخاطبته للقبائل، في الرسالتين، تشير كذلك إلى أنه يمر بمرحلة صعبة بالفعل. ولا شك أن تسجيل التنظيم كلمة صوتية للتأكيد على ضعف الإمكانات وقلة المؤونة والحاجة للدعم، أمر غير مسبوق في تاريخه.
ما يمكن فهمه من الكلمة في هذا الجانب أيضا، هو أن التراجع لم يكن فقط على مستوى النشاط العملياتي، وخسارة المعاقل، وتقلص النفوذ الجغرافي، وإنما على مستوى القدرة على إيجاد مصادر دعم وتمويل، وهو أهم ما يحتاج إليه تنظيم القاعدة في المرحلة الحالية وفي كل مرحلة.
"تراجع القاعدة لم يكن فقط على مستوى النشاط العملياتي، وخسارة المعاقل، وتقلص النفوذ الجغرافي، وإنما على مستوى القدرة على إيجاد مصادر دعم وتمويل"
وبطبيعة الحال، لا يمكن قراءة هذا بمعزل عن أحداث مدينة عتق الأخيرة، وكيف انعكس طرد ما يُسمى "القوات الخاصة" من المدينة على التنظيم على أكثر من مستوى. ولهذا السبب، ركّز التنظيم هجومه، في الكلمتين الأخيرتين لباطرفي وأبو علي الحضرمي، على القوات الجنوبية، وعلى التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
المؤكد هو أنّ التنظيم كان يفترض أن يصل إلى وضعه الحالي قبل عامين أو أكثر، لكن سيطرة قوات تابعة لحزب الإصلاح (فرع الإخوان المسلمين في اليمن) على محافظة شبوة وأجزاء من محافظة أبين، أجَّل ذلك. يمكن الآن معرفة السياق الذي يمكن أن يوضع فيه دفاع التنظيم عن محافظ شبوة السابق محمد صالح بن عديو، وذكره له بالاسم في الكلمة السابقة، وهجومه، في المقابل، على القوات الجنوبية والتحالف العربي.
بعدما خسر التنظيم أهم رافعة له وأهم مصدر دعم في محافظتي أبين وشبوة، عاد ليطلب الدعم والمساندة من القبائل. هذا الأمر يؤكد أهمية تكرار نموذج محافظتي شبوة وأبين في وادي حضرموت. لا شك أنّ عدم حدوث ذلك سيعني إطالة عمر التنظيم وإنقاذه في أضعف مراحله.
استهداف العواطف
حرص باطرفي في كلمته الأخيرة على إثارة عواطف المجتمع من خلال الحديث عن وجود عسكري إسرائيلي وأمريكي في بعض المحافظات. لم يكن الوجود المزعوم هو الهدف في حد ذاته، وإنما القوات المحلية الجنوبية التي تقاتل تنظيم القاعدة، والتحالف العربي الداعم لتلك القوات، حيث قدمها كأداة ومشرعن لما اعتبره احتلالا. وهنا ينطلق التنظيم وجماعة الحوثي من نقطة واحدة أو مشتركة. كانت الجماعة قد سبقت التنظيم في اللجوء إلى هذه المزاعم للتأثير على الناس. ربما أراد باطرفي أن يبعد عن تنظيمه تهمة وجود تنسيق من أي نوع مع الجماعة الحوثية أو الاستفادة من طرحها الإعلامي والدعائي، وذلك حين هاجمها بشدة في خطابه المرئي الأخير. إلى جانب ذلك، يحاول التنظيم تقديم نفسه كحامل لراية الدفاع عن "أهل السنة" عندما يتحدث عن الخطر الحوثي، وعن دوره في مواجهته، دون أن ينسى التعريض بخصومه من خلال التشكيك بأدوارهم في قتال الجماعة. يريد التنظيم من كل هذا أن يقول إن الحرب عليه تخدم جماعة الحوثي بشكل أو بآخر، رغم أنه غادر محافظة البيضاء مع أول تقدم للجماعة باتجاه مديريتي الصومعة والزاهر في العام 2020.
"ربما أراد باطرفي أن يبعد عن تنظيمه تهمة وجود تنسيق من أي نوع مع الجماعة الحوثية أو الاستفادة من طرحها الإعلامي والدعائي، وذلك حين هاجمها بشدة في خطابه المرئي الأخير"
في سياق استهداف العواطف أيضا، هاجم خالد باطرفي السعودية، واتهمها بالسعي إلى تخريب اليمن من خلال مجلس القيادة الرئاسي، ودعا إلى انتفاضة ضدها. في هذا الجانب، كرر باطرفي ما ورد في كلمة القيادي أبو علي الحضرمي السابقة.
العلاقة بالقبائل
زعم باطرفي في الخطاب المرئي الأخير أنّ القوات الجنوبية فشلت في ضرب علاقة تنظيم القاعدة بالقبائل. في الحقيقة يحتاج التنظيم إلى إثبات علاقته بالقبائل قبل أن يتحدث عن فشل خصومه في ضربها. قبل أسابيع وجه التنظيم رسالة تهديد وتحذير إلى القبائل من المشاركة في العمليات ضده، ولا يمكن أن يوجه رسائل كهذه إلى جهات علاقته بها على ما يُرام. باطرفي نفسه، وفي تسجيله الأخير، لم يخف استياءه من موقف بعض الوجهاء والمشايخ. بمعنى أنّ ما قاله باطرفي حول علاقة تنظيم القاعدة بالقبائل لا معنى له في الحقيقة.
أكبر من مجرد عملية (سهام الشرق)
من البديهي القول إن كل ما ورد في كلمة القيادي خالد باطرفي الأخيرة، من اعتراف بالتراجع، ومناشدة القبائل لتقديم الدعم، وهجومه على القوات الجنوبية ودول التحالف العربي، كان سببه الرئيسي العمليات العسكرية والأمنية الأخيرة ضده في محافظتي أبين وشبوة.
صحيح أنّ تنظيم القاعدة آخذ في التراجع منذ سنين، إلا أن ما حققته تلك العمليات خلال وقت قصير كان كبيرا ومؤثرا ومصيريا. لكنَّ الأهم من العمليات الأخيرة في أبين وشبوة هو تهيئة المحافظتين لها، من خلال تصفيتهما من حلفاء وداعمي التنظيم.
فبعد أحداث مدينة عتق في أغسطس الماضي، تسارع انهيار تنظيم القاعدة في شبوة وفي أبين، ووصل إلى المستوى، الذي دفع زعيمه في جزيرة العرب، إلى الإقرار به علنا، وطلب الدعم.
إبراهيم علي
هو اسم مستعار لباحث متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب إخفاء هويته لأسباب شخصية
قبل 3 أشهر