تقدير موقف: إلى أين تقود التفاهمات السعودية مع مليشيا الحوثيين؟

القوات السعودية (أرشيفية)

تقدير موقف: إلى أين تقود التفاهمات السعودية مع مليشيا الحوثيين؟

التحليلات

الأربعاء, 25-01-2023 الساعة 12:20 صباحاً بتوقيت عدن

سوث24 | فريدة أحمد 

مرّت  أكثر من ثلاثة أشهر على رفض جماعة الحوثيين في اليمن، تجديد الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة، وانتهت في 2 أكتوبر 2022. غير أنّ الوساطة الحالية لتجديد الهدنة أخذت طابعاً أكثر استقلالية عن مسار جهود الأمم المتحدة، إذ أنّ سلطنة عمان هي من يقودها هذه المرة، وساهمت عبرها بفتح قنوات غير رسمية بين الأطراف السعودية والحوثية لتيسير مفاوضات وتفاهمات تعيد المسار إلى هدنة رسمية تمتد لستة أشهر أخرى، بعد أن ظلت هدنة بحكم الواقع خلال الأشهر الأخيرة الماضية. مع ذلك، حتى وإن كانت مسقط قد يسّرت لها بين الأطراف المذكورة، لكن من المتوقّع أن يعلن "هانز غروندبرغ" عن بدء سريانها من جديد، بعد موافقة الأطراف عليها في نهاية المطاف. إذ بدى الرجل متفائلا في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن وأشاد بصورة ملحوظة بجهود العمانيين والسعوديين. 

بلا شك، لن يتم استئناف الهدنة لستة أشهر أخرى إلا باشتراطات جديدة يفرضها الحوثيون على الطرف الآخر. ووفقا للتسريبات، تحصّلت الجماعة فعلياً على ضمانات متعلقة بتنفيذها، منها الملف الإنساني ورواتب الموظفين في مناطق سيطرتها خلال زيارة وفد السعودي يرأسه سفير المملكة إلى اليمن، إلى صنعاء، وفقاً لما نشرته صحيفة الأخبار المقرّبة من حزب الله اللبناني. إذ زعمت الصحيفة بأنه تم التوافق على صرف الرواتب وفقاً لكشوفات العام 2014، وبالعملة الصعبة، على أن تحملها طائرة خاصة شهرياً إلى العاصمة اليمنية. كما سيتمّ توسيع وجهات مطار صنعاء الدولي لتشمل كلّاً من مصر وقطر والأردن والهند وماليزيا، فيما ستُرفع جميع القيود عن دخول الواردات إلى ميناء الحديدة. لم تنفِ السعودية رسميا هذه التسريبات. لكنّ دبلوماسي سعودي صرح لوكالة أمريكية، بأن سداد رواتب العسكريين مشروط بقبول الحوثيين لضمانات أمنية، من بينها إنشاء منطقة عازلة مع المناطق الخاضعة لجماعة الحوثي على طول الحدود اليمنية السعودية.

قبل ذلك، كانت أطراف في الحكومة المعترف بها دوليا، تتعامل بإيجابية كاملة مع الجهود والمبادرات الدولية، وتتعاطى مع مقاربات المبعوث الأممي لليمن في بناء الثقة والسلام بشكل مفرط دون فرض شروط مماثلة حازمة، لا سيما فيما يتعلق بدفع رواتب موظفي القطاع العام. مقابل ذلك، ظل المجلس الانتقالي الجنوبي يرفض الاستجابة للاشتراطات الحوثية، انطلاقا من طبيعة الوضع المتردي في الأصل لموظفي القطاع العام في الجنوب. وكان رئيس الانتقالي ونائب المجلس الرئاسي "عيدروس الزبيدي"، قد اشترط أن يتم تحويل إيرادات البنك المركزي في صنعاء والحديدة ومأرب إلى عدن أولاً قبل السماح بدفع الرواتب من عدن إلى صنعاء. كما صرّح عضو وفد التفاوض الجنوبي في الانتقالي، "أنيس الشرفي"، بأن "استجابة الحكومة الشرعية لمطالب الحوثيين بصرف مرتبات موظفي الدولة في مناطق سيطرتهم من إيرادات النفط والضرائب في المناطق المحررة المودعة بالبنك المركزي عدن، سيدفع بالجنوبيين إلى اتخاذ تدابير خاصة تكفل تأمين حقوقهم". وهو ما يفُهم منه بأنه تلويح بخطوة ذاتية قد يتخذها الجنوبيون منفردين إذا ما تمّ تنفيذ اشتراطات الحوثيين.

بالنسبة للجنوبيين، قد لا يقتصر الأمر على مجرد تمديد هدنة في حال تم دفع رواتب موظفي القطاع العام في مناطق سيطرة الحوثيين، بل سيساهم ذلك بفتح شهية الحوثيين لطلب المزيد، بما في ذلك مطالبات بنسب كبيرة من عائدات نفط المناطق في جنوب اليمن. كانت مليشيا الحوثي قد قصفت في شهري أكتوبر ونوفمبر 2022، موانئ الضبة والنشيمة وقنا في محافظتي حضرموت وشبوة. بدا واضحاً أنّ الهجمات جاءت من أجل الضغط لتحقيق مكاسب اقتصادية في المحادثات التي قادتها الأمم المتحدة لتمديد اتفاق الهدنة آنذاك. وليس من المستبعد أن تشنّ مليشيا الحوثيين هجمات جديدة على الموانئ النفطية في حال تعذر تنفيذ اشتراطاتها الحالية، أو ربما تضغط بطرق أخرى للحصول على مكاسب إضافية، خاصة في ظل غياب صوت الحكومة المعترف بها دولياً. ما ساعدة بصورة رئيسية على تمادي الحوثيين في هذه الهجمات، هو غياب الرد الحازم من المجلس الرئاسي اليمني والتحالف الذي تقوده السعودية.

ما بعد التفاهمات؟ 

يبدو أنّ أي اتفاق لتمديد الهدنة سيحقق لأول مرة تقدماً بشأن الإفراج عن الأسرى السعوديين لدى جماعة الحوثيين، فيما يتوقع أن تسوّف الأخيرة في تنفيذ بقية الالتزامات الإنسانية المرتبطة بمصالح اليمنيين، ومن ضمنها قضية فك الحصار عن المعابر. وسيكون الاتفاق أشبه بتقديم فدية مالية للحوثيين سواء تقدمها السعودية أو عبر منحهم حصة من نفط مأرب مقابل الإفراج عن الأسرى السعوديين، وذلك إثر الزيارة التي قام بها الوفد العسكري السعودي إلى صنعاء في أكتوبر الماضي للتحقق من هوياتهم. وهو ما أكده رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى التابعة للحوثيين "عبد القادر المرتضى"، في تغريدة، بأن "الزيارة جاءت من أجل التحقق من الأسماء ومطابقتها على الواقع ولا علاقة للموضوع بأي نقاش أو حوار سياسي آخر."

تبعاً لذلك، وبعد تنفيذ هذا الشق بحصول الحوثيين على نفط أو عائدات مالية والإفراج عن الأسرى، الأرجح أن ينتهي تمديد الهدنة المتوقعة دون التوصل إلى إطار للذهاب إلى مفاوضات سلام شامل أو حتى الاتفاق على تمديد الهدنة مجدداً، دون أن يلجأ الحوثيون لفرض شروط جديدة يحققون من خلالها مكاسب سياسية ومالية إضافية. وهذا قد يؤدي إمّا إلى عودة المواجهات العسكرية على الأرض، أو الذهاب إلى سلام شامل بشروط الحوثيين حسب معطيات وحدة صف "الشرعية" أو ضعفه، وأيضاً حسب الأولويات السعودية بهذا الشأن والمتعلقة بحساباتها الإقليمية، في ظلّ التوتر بين الاتحاد الأوربي وإيران، والاحتمالية التي يمكن أن تتعرض بها إيران لضربة عسكرية من إسرائيل، لا سيّما بعد عودة اليمين المتطرّف إلى السلطة بقيادة "نتنياهو".

من ناحية اقتصادية، يتضح أنّ الحوثيين كانوا يهيئون منذ فترة طويلة لانتهاز فرصة طرح اشتراطاتهم بالحصول على عائدات نفطية. فمفاوضاتهم بشأن خزان النفط العائم "صافر"، الراسي قبالة ميناء رأس عيسى بمحافظة الحديدة، دلت خلال السنوات الماضية على رفض الحوثيين لأي خيارات تتعلق بمعالجة أزمة الخزان المتهالك الذي يحوي مليون و100 ألف برميل من النفط. وذهبت الحلول أخيراً إلى استبداله بسفينة أخرى في مشروع تديره الأمم المتحدة يكلف 144 مليون دولار بفارق كبير عن قيمة النفط المخزن فيه. ومن خلال ذلك، سيضمن الحوثيون بقاء النفط فيها لاستخدامه كحائط صد عسكري وقنبلة موقوتة في حال عادت المواجهات مجدداً في الحديدة، وكذلك لخدمة شروطهم التفاوضية بشأن عائدات النفط، خصوصا أنّ إيجاد سفينة بديلة يبقي الميناء العائم لتصدير النفط في رأس عيسى قيد التشغيل، وهو مصدر تصدير نفط مأرب من المنبع "حقول صافر" إلى المصب "خزان صافر" في رأس عيسى بالحديدة. إذ يتضح أن الشروط كانت في أجندة الحوثيين منذ وقت طويل وطرحوها على الطاولة مع قرب استبدال السفينة الجديدة بالسابقة المتهالكة، وهو ما سيتيح لهم ليس الحصول على النفط الخام فقط؛ بل بيعه في السوق العالمية لصالحهم والاعتراف بالتعامل معهم في سوق النفط.

اتجاهات محتملة 

فيما إذا تم التوصّل إلى هدنة وانهارت لاحقاً أو تعثّر تمديدها، فالأرجح أن مليشيا الحوثيين ستشنّ هجوماً قوياً على مأرب كمصدّر للنفط الخام، ويرجّح ضربهم للمنشآت النفطية هناك في حال فشل الهجوم. يعزّز احتمالية شن هجوم على مأرب عدم تنظيم وضعف قوات المنطقة العسكرية الثالثة، إضافة إلى تعثر إجراء دور الاستلام والتسليم في محور الجوف العسكري، بسبب رفض حزب الإصلاح الإسلامي، للتعيينات الجديدة هناك. وهو ما يبدو أنّ الأخير يتعامل معها كنوع من المقايضة أمام السعودية، نظير الضغط الذي يُمارس عليه من قبل الجنوبيون وحلفائهم؛ بشأن خروج القوات العسكرية الموالية له من وادي وصحراء حضرموت.

في حال فرض الإقليم والمجتمع الدولي اتفاق سلام شامل على مكونات "الشرعية" للقبول به وفقاً للترتيب الراهن - لا سيّما وبعض الأطراف الإقليمية والدولية تقدّم للحوثيين تنازلات غير مقبولة ولا تناسب الأطراف اليمنية الأخرى من أجل التوصل إلى اتفاق - فالأرجح أن يتخذ الجنوبيون موقفاً منه يتمثل في إبقاء سيطرتهم على الأرض خارج هذا الاتفاق. غير أن ّبقاء مناطق مهمة خارج سيطرة القوات الجنوبية كحضرموت الوادي والصحراء، وكذلك المهرة، يُضعف الموقف الجنوبي الذي يُتوقع أن يظل على حاله من الرفض رغم ذلك.

فريدة أحمد
المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراسات

السعودية الحوثيون مليشيا الحوثي حوار سعودي حوثي حرب اليمن اليمن جنوب اليمن المجلس الانتقالي الجنوبي المجلس الرئاسي