ثروة وجغرافيا: تزايد الاهتمام الدولي بحضرموت

محافظ حضرموت يلتقي القائم بالأعمال الصيني، 7 فبراير 2023 (رسمي)

ثروة وجغرافيا: تزايد الاهتمام الدولي بحضرموت

التقارير الخاصة

الأربعاء, 22-02-2023 الساعة 06:29 مساءً بتوقيت عدن

سوث24| عبد الله الشادلي  

في  أقل من عام واحد، زار محافظة حضرموت، كبرى محافظات جنوب اليمن، سفراء وممثلو عدد من الدول الأجنبية الكبرى، أبرزها: الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة المتحدة ومؤخّراً الصين، لبحث فرص الاستثمار في المحافظة الغنية بالنفط والثروات.

وأدلى الدبلوماسيون تصريحات عكست اهتمامًا كبيرًا في المحافظة التي حظيت دون غيرها بهذا الزخم من الزيارات المتتابعة؛ التي يبدو أنَّ كثير منها تمَّت بتنسيق مباشر مع السلطات المحلية في المحافظة بعيداً عن الحكومة اليمنية.

وفتحت هذه الزيارات باب التساؤلات حول مآلات هذا الاهتمام الدولي، وموقع حضرموت بشكل خاص وجنوب اليمن بشكل عام من المشاريع الاقتصادية الكبرى في ظل تصاعد التنافس العالمي المحموم على الهيمنة، والتحول من نظام القطب الواحد إلى تعدد الأقطاب.

زيارات لافتة 

تمثَّل زيارة الوفد الصيني بقيادة القائم بأعمال السفارة الصينية في اليمن، تشاو تشنغ، إلى حضرموت في 6 فبراير الجاري أبرز الزيارات الدولية للمحافظة.

 لقد اختار المسؤول الصيني مدينة المكلا لإعلان رغبة بكين تفعيل اتفاقية "خط الحرير" الموقعة مع اليمن في 2009. كما أعرب عن رغبة بلاده في زيادة حجم التبادل التجاري مع اليمن، في تصريح صحفي ألقاه بعد زيارة "الجسر الصيني" في المكلا.

وخلال الأيام اللاحقة، التقى تشنغ محافظ حضرموت ومسؤولين آخرين، وزار العديد من المصانع والمنشآت السمكية في مديريتي المكلا والشحر، ومناطق أخرى في ساحل حضرموت. كما زار في 9 فبراير سيئون، المدينة الرئيسية في الوادي.

قبل الصين، كانت دول غربية قد طرقت أبواب حضرموت، مثل الولايات المتحدة التي أرسلت سفيرها ستيفن فاجن مرتين في 9 نوفمبر و27 يونيو في 2022، وفرنسا التي أرسلت سفيرها جان ماري صفا في 24 سبتمبر المنصرم. 

كما أرسلت بريطانيا ملحقها العسكري بيتر لوجايسك في 31 يناير الماضي إلى حضرموت، بعد حوالي 40 يوماً من اللقاء الذي جمع محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي، بالسفير البريطاني ريتشارد أوبنهايم، بالعاصمة السعودية الرياض في 21 ديسمبر.

وخلال الزيارة الفرنسية، أعلن السفير جان ماري صفا تخصيص باريس مليون يورو كمشروع لدعم القطاع السمكي في محافظة حضرموت. وقالت السفارة الأمريكية في يونيو الماضي إنَّ السفير فاجن والمدير القطري للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في اليمن كيمبرلي بيل التقيا بالشركاء في قطاعات مصايد الأسماك والعسل، والبستنة، والثروة الحيوانية، والصحة.

وقال ملحق الدفاع بالسفارة البريطانية بيتر لوجايسك، إنّ الزيارة التي أجراها إلى حضرموت في يناير الماضي "تهدف إلى بناء علاقة قوية مع السلطة المحلية ودعم الجانب الأمني في المحافظة." 

سر الاهتمام 

يعتقد المدير التنفيذي لمركز "المعرفة" للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، هشام الكاف، أنَّ موقع ومقدرات حضرموت تعد من أهم أسباب الاهتمام الدولي المتزايد مؤخرًا.

وقال الكاف لـ "سوث24": "موقع حضرموت الجغرافي الجذّاب، والموانئ البحرية تحديداً في ظل سباق الموانئ بين الدول الكبرى، ومسألة تصدير وتأمين النفط إلى دول العالم، والحالة الأمنية المستقرة مقارنة ببقية المناطق، تعد أهم أسباب هذه الزيارات."

ويعتقد الخبير الاستشاري والاقتصادي محمد الحنشي أنَّ الصين دخلت في منافسة مباشرة مع الولايات المتحدة في حضرموت.  وأضاف لـ "سوث24": "هذه المرة هي الأولى التي تدخل فيها بكين على خط السباق المباشر مع واشنطن في أهم منطقة استراتيجية وثرية بالنفط على طول الساحل الشرقي المطل على بحر العرب وخليج عدن."

وأردف: "القاسم المشترك بين حضرموت والصين ليس حديث العهد نظراً لهجرة الحضارم إلى دول جنوب شرق آسيا منذ الِقدم." 

وتتميز محافظة حضرموت بطبيعة جغرافية وموقع استراتيجي هام. كما أنَّها أكبر محافظات جنوب اليمن من حيث المساحة (193,032) كيلومتر مربّع. وتُطلّ هذه المحافظة، التي تمتلك شريطاً ساحلياً يبلغ طوله نحو 120 كيلومتراً، على البحر العربي.

الشريط الساحلي للمحافظة، يبدأ من الطرف الجنوبي الغربي عند الحدود مع مديرية رضوم، محافظة شبوة، ويمتد شرقاً حتى الطرف الجنوبي الشرقي لمديرية الريدة وقصيعر، عند الطرف الجنوبي الغربي لمديرية المسيلة، محافظة المهرة. 

وتمتاز محافظة حضرموت بثروات نفطية وغازية هائلة. كما تمتلك المحافظة، خطّاً ملاحيّاً دوليّاً للتجارة العالمية، بمدينة الشحر، التي كانت تشكّل شريان الملاحة البحرية قديماً.  ووفقا لـ "معهد واشنطن"، يوجد ما نسبته إلى 80% من احتياطيات اليمن من النفط في حوض مديرية المسيلة وحدها، بمحافظة حضرموت. 

ويلفت الخبير الحنشي إلى أنّ "حضرموت تمتلك الكثير من الثروات الطبيعية، وفي مقدمتها: الهيدروكربونات، وهي من المكونات الرئيسية للبترول والغاز الطبيعي"، مضيفاً: "هذه المواد، تُستخدم أيضاً لتدفئة المنازل، وكمواد للتشحيم، ومواد خام لإنتاج البلاستيك، والألياف، والمطاط، والمذيبات، والمتفجرات، والمواد الكيميائية الصناعية المختلفة."

وأضاف: "لدى حضرموت ميناء بري مع المملكة العربية السعودية، وميناءين بحريين أحدهما في مدينة المكلا والآخر في مدينة الشحر، وآخر نفطي رئيسي في منطقة الضبة بالشحر." وكان ميناء الضبة قد تعرض لهجومين حوثيين في أكتوبر ونوفمبر من العام الماضي.

وتُعدُّ الثروة السمكية من بين أكثر القطاعات حيوية في حضرموت، يُعزّزها انتشار مصانع تعليب وتغليف الأسماك في عدد من مناطق ومديريات المحافظة في مناطق الساحل. وفي الزيارة الأخيرة، قال القائم بالأعمال الصيني إنَّ "تجارة الأسماك واعدة في حضرموت."

ولفت الخبير الحنشي إلى تصريحات القائم بالأعمال الصيني حول رغبة بلاده زيادة التبادل التجاري مع اليمن من 3 مليار دولار سنويا إلى 6 مليار، مضيفاُ: "ذلك الأمر لن يكون إلا من خلال الموانئ اليمنية التي سيكون لحضرموت النصيب الوافر فيها." 

واعتبر الحنشي الزيارات الفرنسية إلى حضرموت كـ "مؤشرات على الرغبة الفرنسية لاستئناف عمل الشركات النفطية الفرنسية في المحافظة". 

وإلى جانب كل هذه العوامل والامتيازات الاقتصادية والاستثمارية، يبدو أنَّ الواقع السياسي في حضرموت الأكثر بعدا من غيرها عن المركزية ساعد أيضاً في تعزيز الاهتمام الدولي. وتسعى القوى الرئيسية في المحافظة، وعلى رأسها تلك المنتمية للمجلس الانتقالي الجنوبي، للحصول على قدر كبير من الاستقلالية.


استثمار الاهتمام 

يرى الباحث هشام الكاف أنَّ الإشكالات الخدمية والاقتصادية التي تعاني منها حضرموت "يمكن التخلص منها عبر الاقتصاد الناهض". وأضاف: "الاهتمام الدولي والاستثمارات الكبرى ستؤدي إلى تعزيز قيمة العملة المحلية واستغلال القوى البشرية في المحافظة".

ومع ذلك، يحذَّر الكاف من فشل قيادة حضرموت من التعامل مع التحولات الإقليمية والدولية. وأضاف: "إذا لم تكن سلطة المحافظة قادرة على ضمان مصالح حضرموت واللعب على التوازنات المحلية والخارجية، فإنّ الأمر سيتحول إلى ضغط وعبء على المحافظة."

واستقبلت حضرموت زيارات متعددة لوفود أمنية وعسكرية سعودية أيضاً خلال الفترة الماضية. ووفقاً لمصادر مطلعة لـ "سوث24"، تدرب السعودية قوات محلية في منطقة الوديعة الحدودية مع حضرموت ضمن "قوات درع الوطن" في جنوب اليمن التي أثار قرار تشكيلها جدلاً واسعاً.

وتدعم دولة الإمارات قوات النخبة الحضرمية الحليفة للمجلس الانتقالي الجنوبي في ساحل حضرموت ومدينة المكلا. وفي 2016، استطاعت هذه القوات بدعم من التحالف العربي طرد تنظيم القاعدة من مدينة المكلا التي اتخذها التنظيم كمدينة رئيسية بعد انسحاب قوات شمالية منها في 2015. 

ويشدَّد الخبير محمد الحنشي على الاستفادة من الصين بالتحديد بالنسبة لحضرموت. وأضاف: "يمكن الاستفادة من بكين من خلال مبادرة الحزام والطريق، وهي مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير في القرن الـ 19 من أجل ربط الصين بالعالم، لتكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية."

ويرى الحنشي أنَّ حضرموت ليست ذات أهمية بالنسبة للدول الكبرى فقط، ولكن بالنسبة للسعودية أيضاً كقوة إقليمية بارزة وقوة سياسية واقتصادية عالمية صاعدة. 

وأضاف: "من مصلحة السعودية أن تهتم بالوضع الاقتصادي لليمن بشكل عام وحضرموت بشكل خاص، تماشيا مع رؤية 2030"، مشيراً إلى تجربة سنغافورة وماليزيا كدليل على تأثير وضع الدول المجاورة على النهضة الاقتصادية للبلدان. 

وبالنسبة للباحث هشام الكاف، لا تتوقف فرص استثمار الاهتمام الدولي عند الجوانب الاقتصادية فقط، بل السياسية أيضاً. وأضاف: "على القوى الحضرمية والمجلس الانتقالي الجنوبي استثمار هذا الاهتمام الدولي لتعزيز مشروعهم السياسي. عليهم استيعاب أنَّ العالم اليوم يسير في اتجاهات مُختلفة."


صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات

جنوب اليمن حضرموت الصين أمريكا فرنسا بريطانيا السعودية المجلس الانتقالي طريق الحرير