مشروع بنية تحتية في أحد شوارع عدن بجنوب اليمن (مركز سوث24)
12-03-2023 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | علي محمود
ارتسمت ابتسامة كبيرة على الوجه الطفولي البرئ لمنصور مروان، الذي لا يتعدى عمره الأعوام التسعة، ويعيش في مدينة ميناء عدن جنوب اليمن. منصور، الذي فقد طرفه الأيمن أثناء الحرب الحوثية، حضر مباراة كبرى في كرة القدم في مدينته للمرة الأولى منذ إصابته٠ وحظي الطفل الصغير بشرف ركل ضربة البداية في المباراة التي جمعت معا أكبر فريقين متنافسين لكرة القدم في عدن، تلال عدن ووحدة عدن، قبل أسبوعين. لقد توافد آلاف المشجعين على ملعب الحبيشي، أقدم استادات عدن والذي لا يستطيع أن يستوعب حضورا جماهيريا كبيرا. ولذلك، تجمع حشد غفير خارج الميدان العتيق متشوقين لمعرفة ما تبوح به المباراة بعد امتلاء المقاعد بالداخل.
صورة مصدرها إدارة الشباب بالمجلس الانتقالي الجنوبي
اقرأ المزيد: جنوب اليمن: زخم رياضي يخترق شباك الأزمة
وبالرغم من العقبات العديدة التي تواجه عدن جراء الحالة الاقتصادية المتردية، فإن الحياة في مدينة الميناء التي تحتضن مجلس القيادة الرئاسي اليمني المؤسس حديثا والحكومة الشرعية اليمنية تعود إلى مسارها بعد ثماني سنوات من حرب مدمرة.
في مقابلة مع "مركز سوث24"، قال وائل محمود، أحد مواطني عدن والذي حضر المباراة "لقد سرقت الحرب جزءا كبيرا من حياتنا. لقد مررنا بأوقات حرجة أثناء الحرب لم نشاهد خلالها إلا الجثث والدمار. لقد تنفسنا الصعداء للتو".
وبالنسبة للعديد من المشاهدين، فإن الجمهور الغفير الذي حضر المباراة في استاد الحبيشي ذلك الأسبوع كان بمثابة إشارة إلى أوقات قادمة أفضل.
وفي أعقاب سنوات الحرب الكئيبة، تعود الحياة في مدينة الميناء مؤقتا إلى طبيعتها حيث يمكن رؤية إعادة الإعمار على نطاق واسع بسبب الجهود الدؤوبة التي تبذلها السلطات المحلية للمدينة التي تمكنت من إعادة تأهيل الكثير من البنية التحتية المدمرة من خلال تمويل بواسطة الإمارات العربية المتحدة والبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن والاتحاد الأوروبي.
وقال محمد الجنيدي، مدير مكتب محافظ عدن في مقابلة مع "مركز سوث24": "لقد اتخذنا كافة الإجراءات من أجل إحياء البنية التحتية المدمرة".
وأضاف:"600 مشروع تم تنفيذها في عدن خلال العامين الأخيرين. هذه المشروعات الحيوية استهدفت بشكل رئيسي إعادة تأهيل البنية التحتية الفقيرة التي تضررت بشدة أثناء الحرب".
أعمال التعمير في عدن (أحمد شهاب)
وأردف قائلا: "المشروعات المنفذة غطت قطاعات تتعلق بالخدمة الأساسية، لاسيما قطاعات الطاقة والماء والصرف الصحي والطرق وإعادة تأهيل الشوارع والصحة والتعليم والرياضة والثقافة".
ولفت الجنيدي إلى أن معظم المشروعات جاءت بتمويل الإمارات العربية والبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن.
مايكل نايتس، الباحث والمحلل الأمريكي الذي زار عدن وألف كتابا عن الحرب التي شهدتها المدينة منذ عام 2015، قال لمركز "سوث24": "هناك الكثير مما يدعو شعب عدن إلى الافتخار. هذا الفخر بدأ في الظهور مجددا استنادا إلى الوضع الحالي للمدينة".
وأضاف نايتس: "ربما يبدو شيئا صغيرا، ولكن ترتيب ونظافة وتخضير الممرات الدائرية (دوارات مرورية) في عدن علامة على التعافي. إنَّ ذلك يشمل جولة العقبة وجولة ريجل وجولة طارق وجولة بدر وجولة كالتكس وجولة المطار وجولة القاهرة والكثير غيرها التي تعد القلب النابض للمدينة. لا يحظى أي مكان آخر بهذا الحجم من الحركة المرورية اليومية. ولذلك، لا ليس هنالك ما هو أكثر أهمية لعرض هذا الفخر المدني. إن الممرات الدائرية تعود مجددا إلى الحياة بما في ذلك آثارها التاريخية وبلاطها الملون ومساحاتها الخضراء جيدة التروية. إنها رمز لتسارع تعافي عدن".
مشروع إعادة تأهيل في أحد شوارع عدن (أحمد شهاب)
ووضعت السلطات المحلية في عدن إعادة تأهيل الممرات الدائرية بالمدينة في طليعة اهتمامها لأن عدن معروفة على نطاق واسع بشوارعها ودواراتها المرورية، ويحمل بعضها أسماء تاريخية مثل شارع مدرم في مديرية المعلا الذي تم تسميته تكريما لعبد النبي مدرم الذي قُتل أثناء مقاومته للاستعمار البريطاني الذي احتل عدن خلال الفترة بين 1839-1967. إن بعض الممرات الدائرية في مدينة الميناء بمثابة معالم تاريخية.
محافظ عدن أحمد لملس يضع حجر الأساس مع ممثل مركز الإغاثة السعودي (لقطة شاشة /مركز سوث 24)
"وحتى بالمقارنة بعام مضى، راودني انطباع أنَّ المدينة برمتها في حالة معنوية جيدة. لقد كانت مدينة كريتر مفعمة بالحيوية، كما تشهد السوق بيع ملابس شبابية وأدوات تجميل نسائية وأطعمة متنوعة. النصب التذكاري الذي يحمل اسم (أحب كريتر) رائع جدا، والأسماك لذيذة، كما أن البحر والجبال شديدة الجمال"؛ وفقا للصحفية اليابانية ميتسورو كومودي التي زارت عدن في يناير 2023 وسردت تجربتها لمركز "سوث24".
وأضافت: "تملك عدن كافة العناصر التي يحبها السياح. أعتقد أن لديها إمكانيات مرتفعة كمقصد سياحي".
إنَّ عملية إعادة التعمير التي تشهدها عدن ترافقها عودة الأنشطة الثقافية التي كانت تشتهر بها عدن بما في ذلك الرياضة والسينما والمسرح والموسيقى والفنون والتي تعود إلى الحياة بعد ثماني سنوات من الحرب.
الأسبوع الماضي، تأسست أول فرقة موسيقية نسائية خالصة في المدينة حيث انضمت 13 فتاة شابة إلى مشروع يموله الاتحاد الأوروبي لتلقي دورات تدريبية حول كيفية العزف على الآلات الموسيقية. المشروع المذكور يموله كل من الاتحاد الأوروبي ومعهد جوته ويقوم بتنفيذه مؤسسة عدن للفنون والعلوم. لقد تأسست المجموعة من أجل تشكيل أول فرقة موسيقية للنساء في عدن بهدف إحياء التراث الموسيقي العدني الثري. ومن المتوقع أن تقوم عناصرها بعزف أغاني من الموسيقى العدنية الكلاسيكية.
عبد الله البكري، رئيس مؤسسة عدن للفنون والعلوم قال في مقابلة مع "مركز سوث24": "المشروع هو الأول من نوعه. لقد أخذنا ذلك في الاعتبار بدافع إيماننا بضرورة تمكين النساء في مجال الفنون. ينبغي أن يأخذن زمام المبادرة في مجال الفنون، تلك المهنة التي يهيمن عليها الرجال بشكل رئيسي".
المتدربة آلاء كمال، البالغة من العمر 18 عاما، قالت في مقابلة مع مركز "مركز سوث24": "انضممت إلى الفرقة نظرا لإيماني أن الفن رسالة سلام وحب وتعايش. ينبغي أن تنتشر الآلات الموسيقية وترتفع أصواتها وتتوقف أدوات الموت ويتم إسكاتها. عائلاتنا تشجعنا بشكل كبير ويجمعنا نفس الشغف تجاه الموسيقى."
وفي وقت سابق في يناير 2023، جذبت عدن الأنظار عندما تم عرض مسرحية "هاملت" للكاتب الإنجليزي ويليام شكسبير باللغة العربية بواسطة الفرقة المسرحية العدنية "خليج عدن" التي أسسها المخرج العدني الرائع عمرو جمال عام 2005. إن عرض المسرحية في المدينة بعد سنوات من الحرب أشعل آمال إحياء ثقافي. المثير للدهشة هي قدرة جمال وطاقمه على تحدي العقبات العديدة التي سببتها الحرب وإعادة صناعة الفيلم في جنوب اليمن على الخريطة الدولية.
لقد فاز الفريق الذكي المجتهد بالعديد من الجوائز الدولية من خلال الفيلم الروائي الطويل "المرهقون" الذي جرى اختياره الأسبوع الماضي للعرض في افتتاح مهرجان برلين السينمائي الدولي، وفاز بجائزة جديدة قدمتها منظمة العفو الدولية كأفضل الأفلام الإنسانية.
اقرأ المزيد: «المرهقون»: أول فلم من جنوب اليمن على خشبة مهرجان برلين السينمائي
وفي مقابلة مع "مركز سوث24"، قالت طالبة الماجستير في شؤون العلاقات الدولية فاطمة الناخبي التي تنتمي إلى عدن: "شعرت بالفخر برؤية صناع السينما لدينا يلمعون على مسرح مهرجان برلين السينمائي الدولي. مثل هذا الإنجاز الجديد أثبت كيف يتسم شباب عدن بالريادة والذكاء والإبداع والطموح".
وواصلت: "أهالي عدن يحبون الحياة ويستحقون الحياة. نحن متسامحون وسلميون ونرفض العنف ونكافح من أجل السلام منذ سنوات عديدة".
علامات تعافي
بمجرد أن تزور عدن، سوف تشعر بالتعافي السريع الذي تشهده مدينة الميناء في جنوب اليمن. ثمة مراكز تجارية ومنتجعات جديدة تم افتتاحها للتو في المدينة. وعاد بعض المغتربين اليمنيين من بلدان الخليج لإقامة مشروعات في عدن في الوقت الذي عادت فيه المدينة على مسار الاستقرار.
استنادا إلى الأوضاع المستقرة التي تشهدها المدينة، تنضم ممرات شحن جديدة إلى ميناء الحاويات في عدن. وعلاوة على ذلك، فإن العديد من الدبلوماسيين وصلوا إلى عدن على مدار الشهرين الماضيين حيث يدرسون استئناف أنشطتهم من المدينة.
مشروع إسكان في جنوب اليمن بتمويل إماراتي (أحمد شهاب)
وعلى المستوى التاريخي، كانت عدن مركزا تاريخيا لجنوب اليمن. أواخر عام 1960، كان ميناء عدن ثاني أكثر الموانئ ازدحاما في العالم بعد نيويورك. واحتضنت المدينة العالمية مجموعة فريدة من الثقافات والأديان، واستضافت ملايين المهاجرين وأفواج من المغتربين من الهند وباكستان وإثيوبيا والصومال وأوروبا إذ كانت تقع ذات يوم في مفترق طرق العالم.
ما تزال المدينة التاريخية تحتضن عشرات الكنائس والمعابد اليهودية التي يعود تاريخها إلى القرن العشرين عندما كانت المدينة تشتهر بتنوعها الديني وتسامحها.