أطفال يرددون شعار الصرخة الحوثي في شمال اليمن - إعلام الجماعة
24-05-2023 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | رعد الريمي
في 29 أبريل الماضي، أعلنت جماعة الحوثي المدعومة من إيران تدشين "برنامج الدورات الصيفية" للأطفال والمراهقين في صنعاء وبقية المحافظات في شمال اليمن للعام 1444هـ. وتحدثت الجماعة عن التحاق 733 ألفاً و722 طالباً وطالبة خلال العام الماضي بهذه الدورات التي تقام بين الأعوام الدراسية خلال الإجازة الصيفية.
مجددًا، أثارت هذه الأرقام الصارة عن الحوثيين المخاوف الكبيرة من عملية أدلجة وتعبئة فكرية واسعة النطاق تستهدف فئتي الأطفال والمراهقين من الذكور والأناث في شمال اليمن. وعزَّزت الصور والفيديوهات التي يظهر فيها أولئك الأطفال وهم يؤدون الشعارات السياسية والطائفية والدينية الحوثية من هذه المخاوف.
وسبق للحوثيين أن أجروا تعديلات وتغييرات واسعة على المناهج الدراسية للمرحلتين الأساسية والثانوية في المناطق الخاضعة لهم. وأظهر تقرير سابق نشره مركز سوث24 نماذج عديدة من هذه التغييرات التي اشتملت على إدراج نصوص وصور طائفية ودينية، بالإضافة للتحريض على القتال والمشاركة في الجبهات.
وزعمت وكالة سبأ في نسختها الحوثية أنَّ عدد الطلاب والطالبات المقبلين على برنامج الدورات الصيفية لهذا العام الهجري [اعتمد الحوثيون التقويم الهجري بدلًا عن الميلادي رسميًا في أغسطس 2021] بلغ 1.5 مليون طالبًا وطالبة، وفقًا لـ "عبد الله الرازحي"، وكيل وزارة الشباب في صنعاء.
طفلات يؤدين شعار الحوثيين [الصرخة] في مركز صيفي للبنات بمحافظة حجة (وكالة سبأ الحوثية)
استراتيجية قديمة
وفقًا لرئيس مؤسسة "ميون" لحقوق الإنسان والتنمية، عبده الحذيفي، تُعد الدورات الصيفية للأطفال ,المراهقين استراتيجية قديمة للحوثيين استخدمتها الجماعة حتَّى قبل عقود.
وقال لمركز "سوث24": "بداية نشوء الدورات الصيفية الحوثية تعود إلى ما قبل عام 1990، وهي المرحلة السرية للجماعة، التي كانت تمثَّل الدورات الصيفية فيها أحد الحواضن الأساسية لانطلاق نواتها. هذه الدورات تهدف إلى جعل القتل والقتال أولوية في فكر ووعي الأطفال والنشء وخلق مجتمع حرب".
ويتوافق ما طرحه الحذيفي مع تغريدة للقيادي الحوثي محمد النعيمي قال فيها: "الذين واجهوا الحروب الستة [..] على أبناء صعدة [..] هم خريجوا هذه المراكز، والذين تصدوا للحرب التي شنها [التحالف] لثمان سنوات معظمهم ممن تخرج أو استفاد من هذه المراكز الصيفية".
وشكَّك الحذيفي بصحة الأرقام التي ينشرها الحوثيون عن عدد الأطفال في المخيمات الصيفية. وقال: "تلك الأرقام مبالغ فيها والغرض منها دفع المزيد من الأطفال للانضمام. لم يتجاوز عدد الملتحقين بها العام الماضي 50 ألفًا من خلال متابعتنا للمراكز الصيفية بينما تتحدث المليشيات عما يقارب 800 ألفًا".
نظام الدورات
بحسب مصادر خاصة لمركز "سوث24" على ارتباط مباشر بالدورات الصيفية الحوثية، يُقسَّم الحوثيون الدورات الصيفية إلى "دورات مفتوحة" و"دورات مغلقة". ولفتت المصادر إلى أنَّ "الدورات المفتوحة هي تلك الدورات التي تتم في الفترة الصباحية لعدة ساعات يعود بعدها الأطفال إلى منازلهم".
وأمَّا الدورات المغلقة فهي دورات يتلقاها أطفال ومراهقون من الطلاب في سكنات يمولها الحوثيون، وتستغرق وقتًا أطول. وزعمت المصادر أنَّ الطلاب "يتلقون فيها تدريبات مكثفة ومتنوعة تشتمل على الأسلحة واستخدامها، بالإضافة للتعبئة الطائفية والسياسية في كل الدورات المغلقة والمفتوحة".
وكشفت المصادر عن وجود "مراكز صيفية نموذجية" تتوفر فيها حجرات للإقامة وخدمة الطعام على نفقة الحوثيين؛ وتكون إقامة الأطفال والمراهقين فيها إلزامية خلال فترة الدورة التي تستمر 45 يومًا وأكثر.
كما توجد مراكز صيفية مشابهة لا تشترط الإقامة يكون لها غالبًا ارتباط بـ "الملتقى الإسلامي" في محافظة حجة، وجامع الصالح في مدينة صنعاء، ومركز مركز بدر العلمي الذي أسسه الشيخ الزيدي البارز المرتضى المحطوري الموجود في صنعاء أيضًا.
الأدلجة والتعبئة
تشتمل الدورات الصيفية الحوثية للأطفال على تدريس خطابات حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس الجماعة الراحل وشقيق الزعيم الحالي عبد الملك الحوثي. كما تركَّز على غرس الأفكار الطائفية المتقاربة بشكل كبير مع المذهب الاثنا عشري في إيران، طبقا لمصادر خاصة لمركز "سوث24".
ووفقًا للمصادر، يحرَّض الحوثيون الأطفال والمراهقين على الالتحاق بالجبهات لقتال من يصفونه بـ "العدوان والمرتزقة" في إشارة إلى التحالف بقيادة السعودية والحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا. كما يتم التركيز على قضايا مثل فلسطين والقدس لاستثارة عاطفة وحماس المشاركين.
ولا تبدو عملية الأدلجة والتعبئة في المخيمات الصيفية الحوثية سرية للغاية، فكثيرًا ما تنشر وسائل الإعلام التابعة للجماعة صورًا وفيديوهات تظهر أطفالًا يطلقون شعارات الحوثيين ويتحدثون عن "الجهاد" والحرب والجبهات.
وفي هذا الصدد، قال الحقوقي عبده الحذيفي: "معظم الأطفال المجندين في اليمن تم ويتم تجنيدهم عبر المراكز الصيفية وبرامج التثقيف الحوثية". مضيفًا: "إنَّ تدشين المراكز الصيفية على مستوى المحافظات والمديريات، يتكامل مع برنامج التجنيد الحوثي في المدارس وغيرها".
وحذَّر رئيس رابطة الأخصائيين الاجتماعيين اليمنيين عصام الأحمدي من إنتاج جيل متطرف على يد الحوثيين. وقال لمركز "سوث24": "إن الأطفال أكثر الفئات قابلية للاستقطاب واستجابة للتعبئة الفكرية خصوصاً في مثل هذه الظروف التي يعيشها مجتمعنا اليمني".
وأضاف: "وهو الأمر الذي ساعد الحوثيين على استقطاب الأطفال وتحشيدهم للمراكز الصيفية التي تمثل معسكرات طائفية لغسيل الدماغ ونشر الأفكار المغلوطة التي تتفق مع نهج الحوثيين، مما يشكل ضغطًا نفسيًا اجتماعيًا على الأطفال".
وأشار الأحمدي إلى أنَّ هذا كله "يحد من قدرات الأطفال الإبداعية والفكرية والمعرفية، وبالتالي إنتاج جيل متطرف محدود التفكير مشحون بالأفكار المغلوطة مما يجعل هؤلاء الأطفال قنابل موقوتة مستقبلاً تهدد الأمن والسلم الاجتماعي"، حدَّ تعبيره.
وفي يونيو 2022، اتهم وزير الأوقاف في الحكومة اليمنية محمد عيضة الحوثيين بتدريس كتب الإمام الشيعي الشهير الخميني. وقال في تصريح صحفي: "هذه المراكز والحوزات يحشون فيها أدمغة الشباب بمنهجهم الطائفي الخميني الإيراني، وهذا ما تبنَّته الجماعة من وقت مبكر".
ورى رئيس "منظمة سياج لحماية الطفولة" أحمد القرشي أنَّ "ما يمارس في الدورات الصيفية شكل من أشكال عملية تجريف التعليم". وأضاف لـ "سوث24": "التعليم تعرض في اليمن ولايزال لعمليات تجريف واسعة خلال الحرب الدائرة منذ أكثر من ثمان سنوات".
وأردف: "بحسب تقديرات الأمم المتحدة فإنَّ نحو أربعة ملايين طفل فقدوا الحق في التعليم والعدد مرشح ليصل إلى 6 ملايين. هذا سيؤدي لمشكلات خطيرة ستلحق المجتمع اليمني والدول المجاورة على صعيد الأمن والاستقرار والسلام والتنمية لعقود قادمة".
أطفال مقاتلون في صفوف الحوثيين (Getty Images)
وحاول مركز سوث24 التواصل مع قادة في جماعة الحوثيين ومسؤولين في الدورات الصيفية للاستفسار عن هذه الدورات، إلا أنَّنا لم نتلق ردًا.
وفي تصريحات صحفية، قال وزير الشباب رئيس اللجنة العليا للدورات الصيفية لدى الحوثيين، محمد المؤيدي، إنَّ تلك الدورات "بمثابة حواضن وطنية ودينية وتربوية ومعرفية آمنة للأجيال لتلقي العلوم والمعارف النافعة".
إدانات دولية
في 25 يناير 2022، قدم فريق الخبراء المختص باليمن تقريره لمجلس الأمن الدولي للعام 2021. وكان مركز سوث24 قد تفرَّد بنشر مسودة التقرير في مطلع ذلك العام، الذي تضمن تفاصيل عن الحملة الأيديولوجية الحوثية.
وذكر التقرير الدورات الصيفية الحوثية التي يستخدمها الحوثيين لتحفيز الأطفال والسكان للمشاركة معهم في الجبهات. وفي يونيو 2022، قالت مندوبة الإمارات في مجلس الأمن الدولي لانا نسيبة، في جلسة للمجلس، إنَّ الحوثيين "يواصلون حملاتهم لنشر الأفكار المتطرفة بين الأطفال عبر المراكز الصيفية رغم الهدنة الأممية".
وفي تقريرها حول الحريات الدينية في العالم لعام 2022، ترجم مركز سوث24 أجزاء منه، قالت الخارجية الأمريكية إنَّ "الحوثيين جندوا الأطفال دون سن العاشرة للمشاركة في التوجهات الدينية التي تهدف إلى غرس أفكار المليشيات ودفعهم للقتال".
وكانت الأمم المتحدة قد رفعت، في يوليو 2022، القوات الحكومية اليمنية من قائمة الأطراف الضالعة في ارتكاب انتهاكات بحق الأطفال خلال النزاعات، وأبقت على الحوثيين في هذه اللائحة السوداء.
وفي ظل استمرار السيطرة العسكرية والإدارية الحوثية على معظم شمال اليمن، والتي من غير المتوقع أن تنتهي قريبًا، يبدو أنّ المراكز الصيفية الحوثية سوف تستمر في نشاطها دون توقف مما قد يضاعف من الأزمة الكبيرة الموجودة في الوقت الراهن.
وتهدد التعبئة الطائفية والسياسية بزيادة انقسام المجتمع في شمال اليمن، وتكريس المذهبية التي لم يعرفها اليمن قبلًا. كما تمتد المخاطر إلى تحريض أجيال كاملة في الشمال ضدَّ الجنوب مع تزايد الخطاب السياسي والعسكري المتطرف بشأن الوحدة اليمنية على لسان القادة الحوثيين.