التقارير الخاصة

استمرار توقف الصادرات النفطية: التداعيات والمواجهة

ميناء بلحاف الغازي في شبوة (إنترنت)

16-06-2023 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | رعد الريمي


في نوفمبر وأكتوبر 2022، استهدفت مليشيا الحوثيين المدعومة من إيران موانئ نفطية في محافظتي شبوة وحضرموت في جنوب اليمن بهجمات طائرات مسيرة، تسببت بإيقاف عملية تصدير النفط إلى خارج البلاد وتُهدّد بانهيار اقتصادي وشيك. 


ونتيجة لتلك الهجمات، انخفضت إيرادات الحكومة المعترف بها دوليا وسط أزمة اقتصادية كبيرة تضرب البلاد منذ سنوات. ومنذ ذلك الحين، لم تتمكن الحكومة من إعادة تصدير المشتقات النفطية مجددا. بالمقابل، يستمر الحوثيون بإطلاق تهديداتهم بين الحين والآخر ويصرون على ضرورة دفع رواتب مقاتليهم وموظفي القطاع المدني في مناطق سيطرتهم من عائدات النفط والغاز، في أي صفقة سلام قادمة.


ونتيجة تفاوت القدرات العسكرية الجوية بين الحكومة والحوثيين، وغياب الدفاعات التي يمكنها التعامل مع الطائرات المسيرة الحوثية، التي يرجح أنَّها قادمة من إيران أو طوَّرت بواسطة خبراء إيرانيين في اليمن، تمكّن الحوثيون من فرض حظر إنتاج وتصدير النفط حتَّى اليوم.


ومع مرور حوالي 8 أشهر على توقف عمليات تصدير النفط في جنوب اليمن، بدت الارتدادات الاقتصادية أكثر وضوحًا خلال الفترة الأخيرة، حيث اتجهت العملة المحلية إلى الانهيار مجددًا وفقدت قرابة 8% من قيمتها خلال الشهر الأخير فقط، علاوة على الانهيارات المستمرة في القطاع الخدمي.


وطرحت هذه التطورات تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة اليمنية على أداء واجباتها والتزاماتها، لاسيما مع حالة الإخفاق العميقة وتهم الفساد التي تلاحق هذه الحكومة، حتَّى ما قبل وقف تصدير النفط، بالإضافة للتداعيات الأخرى المحتملة على المدى القريب مع استمرار الوضع الراهن.


إلى جانب ذلك، تُهدَّد الأوضاع الاقتصادية الراهنة وتصاعد معاناة السكان مجلس القيادة الرئاسي اليمني وحكومة المناصفة بالتصدّع، وقادت نحو ارتدادات سياسية، بدأت بالفعل في يونيو الجاري، وسط مطالبات بعزل قيادة الحكومة الحالية بتهم الفشل في إدارة الوضع.


تداعيات 


وفي مقابلة متلفزة، الاثنين الماضي، قال محافظ البنك المركزي اليمني في عدن، أحمد المعبقي، إنَّ توقف صادرات النفط بسبب هجمات الحوثيين تسبب بفقدان الحكومة الشرعية نحو مليار دولار. كما تحدث عن فقدان نحو 700 مليار ريال يمني أيضًا من الضرائب والجمارك.


وفي ديسمبر الماضي قال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي في مقابلة تلفزيونية إنّ الهجوم الحوثي على ميناء الضبة النفطي في حضرموت تسبب بإغراق مضخة النفط وخسائر بقيمة 50 مليون دولار. وكان مركز "سوث24" قد حصل على صور حصرية للمضخة المتضررة آنذاك.


وبشأن التداعيات الاقتصادية لتوقف تصدير النفط، قال أستاذ العلوم المصرفية بجامعة عدن، والمستشار في البنك المركزي اليمني، د. يوسف محمد، لمركز "سوث24": "توقف تصدير النفط ترك آثار اقتصادية كبيرة". 


ويؤكَّد أستاذ الاقتصاد الدولي، رئيس مؤسسة الرابطة الاقتصادية، د. حسين الملعسي على أهمية الصادرات النفطية بالنسبة للحكومة اليمنية. وقال لمركز "سوث24": "الصادرات النفطية كانت تشكل 70٪ من موارد الحكومة قبل الحرب، أمَّا أثناء الحرب فكانت مصدرًا أساسيًا لموارد الحكومة".


لقد شكّل إيقاف الصادرات النفطية تحت تهديدا طيران الحوثي المُسير ضربة قاضية للحكومة المُعترف بها دوليًا حيث وضعها أمام مشكلة اقتصادية ومالية حادة هي الأصعب منذ بدء الحرب على الإطلاق. هذا تطور خطر في مسار الحرب وانتقال من الصراع العسكري إلى الصراع الاقتصادي، كما يقول.


ولفت الخبير إلى أن إيقاف تصدير النفط "أثر وسيؤثر بشكل مباشر على الأجور والمرتبات والخدمات العامة في مناطق سيطرة الحكومة". وأشار إلى أنَّ "ما تحوزه الحكومة من أرصدة من العملات الأجنبية يتناقص باستمرار"، وتوقع أنَّ تتوقف الحكومة عن دفع الرواتب بحلول نهاية العام الجاري إذا استمر تناقص الاحتياطي الأجنبي من العملات وتوقف تصدير النفط". 


وفي تصريحات خاصة لمركز "سوث24"، عدَّدت اللجنة الاقتصادية العليا للمجلس الانتقالي الجنوبي أهم تداعيات توقف التصدير النفط على الحكومة. 


وأشارت اللجنة إلى أنَّ "قطاع الهيدروكربونات [القطاع النفطي] يشكل حوالي 90% من صادرات البلاد، و75% من الإيرادات الحكومية، و20% من الناتج المحلي الإجمالي، ولذلك يلعب هذا القطاع دورًا محوريًا في اقتصاد البلد".


وأوضحت اللجنة أنَّ أبرز التداعيات ستكون كالآتي:


1- من المُرجح أن تواجه الحكومة خلال المدّة المقبلة عجزًا كبيرًا في الميزانية العامة، بما يُقيّد قدرتها على الوفاء بأغلب واجباتها تجاه المواطنين في مناطق سيطرتها، مثل تمويل الخِدْمَات العامة ودفع مرتبات موظفي القطاع العام بشكل منتظم.


2- من المتوقع أيضًا أن تتأثر قدرة الحكومة على توفير المخصصات الكافية لتمويل النفقات التشغيلية لمختلف التشكيلات العسكرية والأمنية التابعة لها، لذا يحتمل أن تواجه الحكومة تحديات متزايدة على صعيد تأمين مناطق سيطرتها والحفاظ على مستوى جاهزية قواتها على امتداد ساحات المواجهة مع خصومها الحوثيين.


3- من المتوقع أن يشهد سعر صرف العملة المحلية في مناطق سيطرة الحكومة تراجعًا تدريجيًا في الأسابيع القليلة المقبلة نتيجة عجز البنك المركزي في عدن عن الاستمرار في إقامة مزاداته الأسبوعية لبيع العملة الصعبة إلى المستوردين، في ظل توقف المصدر الوحيد لتمويل تلك المزادات، وهو عائدات الحكومة من صادرات النفط الخام.


4- سيؤثر التراجع التدريجي المتوقع في سعر صرف العملة المحلية، سلبًا وعلى نحو ملموس، في الظروف المعيشية للمواطنين في مناطق سيطرة الحكومة، ليس بفعل تقلص القدرة الشرائية فقط وإنما كذلك بسبب تراجع النشاط الاقتصادي الكلي، ثَمّ تضاؤل فرص العمل والوظائف المتوفرة، في ظل تقلبات سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.


5- من غير المستبعد أن تشتد وتيرة تراجع سعر صرف العملة المحلية وتسجل مستويات قياسية جديدة في حال عودة الحكومة إلى اللجوء لمصادر التمويل التضخمية [ضخ طبعات جديدة من العملة المحلية] من أجل تغطية نفقاتها على غرار ما جرى في السنوات القليلة الماضية (2017-2021)، ما قد يتسبب في المزيد من الآثار والتداعيات السلبية على وضع المواطنين المعيشي.


القطاعات الخدمية


ويؤكد الخبير حسين الملعسي على أن استمرار إيقاف تصدير النفط سيكون له تداعيات مباشرة وخطيرة على القطاعات الخدمية الحكومية التي وصفها بـ "الهشة"، وقد يقود إلى توقفها النهائي في حال عدم الحصول على دعم خارجي سريع. 


وهو الأمر الذي حذَّرت منه اللجنة الاقتصادية العليا في المجلس الانتقالي الجنوبي "في ظل تداعيات إيقاف تصدير النفط، بالإضافة للفساد المستشري في مفاصل السلطة والحكومة والعبث بالموارد المالية المحدودة". 


كما أشارت إلى أنّ استمرار توقف تصدير النفط وتداعياته يمنح "الفاسدين في السلطة والحكومة الشماعة التي يعلقون عليها فشلهم وإخفاقاتهم".


استيراد السلع الأساسية


وكأحد نتائج استمرار إيقاف صادرات النفط، وتناقص الاحتياطيات من النقد الأجنبي، توقعت اللجنة الاقتصادية للمجلس الانتقالي الجنوبي أن ينعكس ذلك بشكل كبير على استيراد السلع الأساسية من الخارج إلى البلاد، وفي مقدمتها السلع الغذائية الأساسية مثل القمح وغيره من السلع، خصوصا "صعوبة تغطية حاجة القطاع الخاص من العملة الأجنبية لاستيرادها ثَمّ انخفاض المخزون الاستراتيجي المطلوب من تلك السلع من ناحية". ومن الناحية الأخرى سترتفع أسعار السلع الأساسية إلى مستويات قياسية لا تتحملها ميزانيات الأسر والأفراد، وبذلك اتساع رقعة الفقر والجوع.


لكنَّ الخبير الملعسي يستبعد تصفير الاحتياطي النقدي الأجنبي للبنك المركزي اليمني، وتحدّث عن معلومات - لا يؤكدها مركز سوث24 - عن حيازة البنك حاليًا حوالي 2 مليار دولار. 


وعلم مركز سوث24 من مصادر موثوقة عن مشكلة حقيقية يواجهها البنك في الاحتياطي النقدي الذي تبقى لديه. 


يرى الملعسي أنّ هناك "مصادر أخرى مستمرة من العملات الأجنبية وهي تحويلات المغتربين، كما توجد أموال ضخمة لدى القطاع الخاص والتجار المستوردين". وتوقع الخبير أن تحصل الحكومة اليمنية على دفع من الوديعة السعودية الإمارتية، التي أعلنت عنها البلدان في أبريل 2022. 


وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن رجال المال والأعمال طوّروا آليات مبتكرة بواسطة تجرِبة الحرب ساعدت في انتظام عمليات الاستيراد خلال فترة الحرب، وتوقع استمرار ذلك في المستقبل. 


مواجهة الأزمة


يرى الخبير حسين الملعسي أنَّه "لا توجد خيارات متاحة يمكن أن تسد فجوة العملات الأجنبية الناتجة عن توقف الصادرات النفطية على الإطلاق"، لكنَّه يذكر عدد من الإجراءات التي يمكن القيام بها في الوقت الراهن للتخفيف من الأزمة.


وأضاف: "من الخيارات المتاحة تحصيل الموارد المالية المحلية من مختلف المصادر لا سيما الضرائب غير المحصلة والجمارك من مختلف الموانئ البرية والبحرية، والرسوم المتنوعة من الداخل والخارج. كما يجب توريد كل الأموال التي تتسرب خارج قنواتها الصحيحة إلى البنك المركزي". 


وأكد الملعسي على ضرورة "إيفاء الحكومة بالتزاماتها المطلوبة من أجل تسهيل الحصول على دفعة عاجلة من الودائع المخصصة من السعودية الإمارات في أسرع وقت ممكن، والسعي لدى المانحين والمنظمات الأممية للحصول على منح ومساعدات وقروض".


وتحدد اللجنة الاقتصادية العليا عددًا من الإجراءات التي قد تساعد في مواجهة الأزمة الراهنة، اتصل كثير منها بمعالجات الاختلالات في أداء المؤسسات الحكومية نفسها:


1- زيادة حصة الحكومة من فائض أرباح الوحدات الاقتصادية تدريجيًا ووقف الإهدار لموارد هذه الوحدات التي تصرف نفقات جارية وتظهر قوائم دخلها في حالة عجز دائم بسبب تصرف القائمين عليها كأنَّها إقطاعيات خاصة.


2- زيادة حصة الحكومة من رسوم التربتك [دفتر المرور الجمركي] تدريجيًا بما نسبته 50-70% من الرسوم التي أبرمتها مصلحة الجمارك مع بعض نوادي السيارات.


3- وقف الإفراجات والتخفيضات التي تمنح لمدخلات الإنتاج الخاصة [المواد الخام] للمشاريع الاستثمارية، مثل المصانع، الواقعة في المحافظات الخاضعة لسلطة مليشيا الحوثيين، وتحصيل الرسوم الضريبية والجمركية بشكل كامل.


4- إعادة النظر في الموازنات التي اعتمدت لبعض المصالح والهيئات والوزارات دون معايير موضوعية تقشفية، وهي بالمليارات يستوجب تخفيضها بنسبة 70% على سبيل المثال الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، والقضاء، ولجنة المناقصات والمزايدات، ولجنة الانتخابات العليا، ولجنة مكافحة الفساد".


5- وقف الاستثناءات من ضريبة القيمة المضافة وتحصل ضريبة المبيعات وفقًا لقرار مجلس الوزراء رقم 89 سنة 2018 بنسبة 5+5، وإيقاف التعامل مع أي أرقام ضريبية صادرة من السلطة الضريبية التابعة لسلطة الحوثيين.


6- ترشيد فاتورة الاستيراد للسلع والخدمات في ظل سياسة التعويم الكامل وانخفاض مصادر النقد الأجنبي حيث سيوفر هذا الإجراء الملايين من العملات الأجنبية.


7- تنقية فاتورة الأجور والمرتبات من مختلف الاختلالات، وإعادة النظر في نفقات استئجار محطات الكهرباء، واستيراد المشتقات، ونفقات الحكومة ومجلسي النواب والشورى التي تستهلك نسبة كبيرة من إجمالي عائدات صادرات النفط وبالعملة الأجنبية.


8- سحب 100% من صافي مخصصات الحكومة التراكمية الصافية من حقوق السحب الخاصة البالغة 986 مليون دولار أمريكي، وحشد أموال إضافية لحقوق السحب الخاصة من صندوق الاستئمان للنمو والحد من الفقر التابع لصندوق النقد الدولي، والخصم من أرصدة حسابات الصناديق بنسبة 70% وتوريدها إلى حساب الإيراد العام.


9- إلزام وزارة الخارجية بتوريد الرسوم القنصلية من السفارات وتوريدها إلى حساب الإيراد العام وهي تقدّر بمئات الملايين.


10 - إلغاء عقود استئجار المباني الحكومية التي تكلف خِزانة الدولة عشرات الآلاف من الدولارات.


11- التوظيف الكفؤ للمبالغ المعلن عنها لدعم الاقتصاد اليمني من السعودية والإمارات والأمم المتحدة إلى جانب التحويل المتوقع لحقوق السحب الخاصة، في تقليص الفجوة التمويلية الكبيرة ودعم واستقرار سعر الريال اليمني.


12- تحصيل رسوم وضرائب شركات الاتصالات ورسوم عبور الأجواء لصالح رفد وزيادة إيرادات خزينة الدولة.


13- الحصول على قروض ومنح ومساعدات إضافية من دول الإقليم والعالم، ومن المنظمات الدولية.


ومع كل هذه الإجراءات، تؤكد اللجنة الاقتصادية العليا على أهمية العمل لاستئناف صادرات النقط.  وقالت أنّ ذلك يتطلب التحرك بسرعة وقوة لدى مجلس الأمن والرباعية ودول الإقليم عامة لعودة تصدير النفط من جديد، أو اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة هذا الأمر بالمثل، أي وقف نشاط ميناء الحديدة لإجبار الحوثيين على التراجع عن ضرب موانئ تصدير النفط. 


وسبق وانتقدت أطراف الحكومة ما وصفته "الصمت المخزي" للمبعوثين الأمريكي والأممي إلى اليمن بشأنّ استمرار تهديدات الحوثيين باستهداف البنية التحتية لتصدير النفط.


وجاءت الإجراءات الحوثية بالتزامن مع تسهيلات كبيرة، قدّمتها السعودية للجماعة، عندما وافقت على فتح ميناء الحديدة وتخفيض إجراءات التفتيش على السفن القادمة إلى مناطق الحوثيين. وقد أثرت هذه الخطوة بصورة سلبية على حركة ميناءي عدن والمكلا في الجنوب، وضاعفت حجم الخسائر التي تتكبدها الحكومة والسلطات المحلية.


في هذا الوقت، اتهم وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني الحوثيين بأنهم منعوا سداد أموال المودعين في البنوك التي تقع تحت سيطرتهم، بحسب وثيقة رسمية صادرة عن جمعية البنوك اليمنية. 


وطالب الإرياني المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمبعوثين الأممي والأمريكي بـ "إدانة واضحة للممارسات الإجرامية التي تفاقم المعاناة الإنسانية وتنذر بانهيار الوضع الاقتصادي المتردي".


ولا يستبعد سياسيون اطلّع مركز سوث24 على آرائهم، أنّ تكون عملية تعطيل تصدير النفط جزءً من مخطط أوسع لا يشترك فيه الحوثيون بمفردهم.




صحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا