وكالة سبوتنيك
03-08-2023 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | د. إيمان زهران
توالت أعمال القمة الروسية الإفريقية – بنسختها الثانية - خلال يومي 27 و28 يوليو 2023 بمدينة سان بطرسبرح، وذلك تحت شعار "مع السلام والأمن والتطور"، وبمشاركة العديد من رؤساء الدول والحكومات الإفريقية، لتؤسس إلى عدد من الدلالات النوعية تحكمها سياقات داعمة لفرضية إعادة النظر في ارتدادات التفاعلات القائمة، وما تفرضه من فرص وتحديات متباينة لسيادة القارة الإفريقية وأجنداتها التنموية، وذلك على النحو التالي:
دلالات وأهداف الانعقاد:
ثمة عدد من الدلالات والأهداف الداعمة لفرضية انعقاد النسخة الثانية من القمة الروسية – الإفريقية، بعد غياب ثلاث سنوات عن النسخة الأولى "سوتشي – أكتوبر 2019"، وذلك بالنظر إلى ما يلي على كل من المستويين الروسي والإفريقي:
- على المستوى الروسي: أولاً ما يتعلق برغبة موسكو في كسر العزلة الغربية المفروضة عليها على واقع التطورات القائمة بالحرب الروسية الأوكرانية، وثانياً ما يتعلق برغبة روسيا في إعادة التموضع بالقارة الإفريقية عبر تفعيل نظرية "المجال الحيوي" والتي تُشكل أحد أهم دعائم استراتيجية بوتين "روسيا العظمى"، بينما ثالثاً، فينطوي على تعزيز نمط "التعددية القطبية" وتطويق فرضية "السيطرة الدولارية"، وذلك عبر تفعيل شراكات متنوعة بكافة المجالات الاقتصادية والأمنية والتنموية والإنسانية المجتمعية.
- على المستوى الإفريقي: أولاً ما يتعلق بالنهج الإفريقي حول إعادة تقييم نمط التحالفات السياسية بما يخدم أجنداتها الوطنية والتنموية المؤسسية وذلك في ظل حجم التفاعلات الدولية القائمة وارتداداتها المتباينة على دول القارة، وذلك مثل: التفاعلات الدولية إبان الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، من خلال جائحة كورونا وما تبعها من سياسات الإغلاق الكلي والجزئي وانعكاسها على انحسار سلاسل الإمداد والتوريد وما تبعها من أزمات إنسانية تتعلق بتهديد الأمن الغذائي والصحي، والاضطرابات الدولية في ظل التطورات الصراعية بين روسيا وأوكرانيا. وثانياً يتمثل في الرغبة الإفريقية لمعادلة الانسحاب الروسي من مبادرة البحر الأسود لتصدير الحبوب [1]، كمحاولة لموازنه هاجس الأمن الغذائي. بينما ثالثاً، ما يتوافق مع الأجندة التنموية للاتحاد الإفريقي حول تنويع وتعزيز الشراكات الاقتصادية المختلفة بما يخدم أجندة الاتحاد 2030 ومشروعات القارة الوطنية.
سياقات داعمة:
ثمّة عدد من السياقات الداعمة لتعزيز أنماط العلاقات النوعية/ والحيوية بين روسيا والدول الإفريقية، وذلك بالنظر إلى جدول أعمال القمة المشار إليها والتي استندت على أربع محاور رئيسية [2]:
- المحور الأول: يناقش اقتصاد العالم الجديد.
- المحور الثاني: يتناول الأمن المتكامل والتنمية السيادية.
- المحور الثالث: التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا.
- المحور الرابع: تعزيز أطر المجال الإنساني والاجتماعي وذلك تحت شعار "معًا من أجل نوعية حياة جديدة".
استناداً إلى تلك المحاور، تأتي التحركات الروسية لدعم أجندة القمة الروسية الإفريقية الثانية، وذلك بالبناء على ما سبق من تحركات، بالإضافة إلى تطويع التفاعلات السياسية القائمة لخدمة رؤية موسكو نحو إعادة التموضع بالقارة الإفريقية، وذلك من خلال:
- رؤية "روسيا العظمى": إذ تتضمن بنود وثائق الاتحاد الروسي للسياسة الخارجية، خاصة "وثيقة 2016 - وثيقة 2023"، على رؤية موسكو لإعادة هيكل نمط العلاقات مع الدول الإفريقية – سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي المؤسسي عبر الإتحاد الإفريقي - بكافة المجالات السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية والتنموية، وذلك بالنظر إلى ما تمتاز به القارة الإفريقية بكونها أحد أبرز مناطق العالم التي تتنوع بها فرص الانتشار الاستراتيجي الروسي مقابل الدول الغربية [3]. بالإضافة إلى ذلك، ما ورد في مقال الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" والذي نُشر في 24 يوليو 2023 قبيل القمة المشار إليها، وما تضمنه من رسائل مباشرة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والتنموي مع دول القارة الإفريقية.
- هيكلة "البناء المؤسسي": تُبنى تلك النقطة على تعزيز أطر التعاون عبر منتدى الشراكة الروسية – الإفريقية والذي تم تدشينه كإحدى توصيات إعلان القمة الروسية الإفريقية الأولى، التي عقدت في سوتشي، أكتوبر 2019. حيث أكد على إنشاء آلية شراكة للحوار من أجل تنسيق تطوير العلاقات الروسية الإفريقية، على أن تكون قمة "روسيا- إفريقيا" بمثابة الهيئة العليا لهذا المنتدى، وتم إقرار دورية الانعقاد كل ثلاث سنوات، وأن يتم إجراء مشاورات سنوية في الفترة ما بين انعقاد مؤتمرات القمة في روسيا على مستوى وزراء خارجية روسيا الاتحادية والدول الإفريقية الكائنة رئيسًا حاليًا أو سابقًا أو مستقبلًا للاتحاد الإفريقي "الترويكا الإفريقية". [4]
- إعادة ترسيم "النظام الدولي": تضمن البند الخامس بوثيقة السياسية الخارجية للاتحاد الروسي – 2023، الدور الروسي في الحفاظ على "توازن القوى العالمي"، وبناء "نظام دولي متعدد الأقطاب". وبالسياق ذاته، فقد ورد بالبنود من السابع وحتى التاسع عشر ما يُشبه بـ "خارطة التحرك الروسي" لإعادة ترسيم هيكل النظام الدولي نحو "التعددية القطبية"، وذلك عبر الخطوات التالية [5]: أولاً القضاء على آثار هيمنة الولايات المتحدة والدول الأخرى غير الصديقة في الشؤون العالمية وخلق الظروف المواتية لرفض أي دولة لها طموحات الاستعمار الجديد والهيمنة، ثانياً تحسين الآليات الدولية الخاصة بضمان الأمن والتنمية على المستويين العالمي والإقليمي، ثالثاً توحيد الجهود الدولية الهادفة إلى ضمان واحترام القيم الروحية والأخلاقية العالمية والتقليدية وتحييد محاولات فرض المواقف الأيدولوجية الإنسانية الزائفة وغيرها.
تأسيساً على ما سبق.. تأتي القمة الروسية – الإفريقية بنسختها الثانية كإحدى أدوات الاختبار والتقييم لهيكل النظام الدولي، فضلاً عن كون القمة المشار إليها تُشكل تحدياً لا يمكن إغفاله أمام محاولات موسكو للنجاح والتموضع السياسي والاقتصادي والتنموي بالقارة الإفريقية، إذ أبرز تلك التحديات ما يتمثل في:
- أولاً: ما تضمنته الأجندة الأمريكية للإدارة الديموقراطية الجديدة من التحرك نحو استعادة النفوذ بالقارة الإفريقية عبر زيارات العديد من المسؤولين الأمريكيين إلى دول القارة وفي مقدمتهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا جرينفيلد. بالإضافة إلى ما انطوت عليه سياقات انعقاد القمة الأمريكية الإفريقية الثانية، في ديسمبر 2022، التي استضافها الرئيس الأمريكي جو بايدن، وذلك في إطار الترويج للرؤية الأمريكية الجديدة لمستقبل إفريقيا، كذلك الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاة "إفريقيا جنوب الصحراء"، في 2022، والتي تستهدف تعزيز أولويات الولايات المتحدة في الدول الإفريقية جنوب الصحراء، وإعادة صياغة مكانة إفريقيا بالنسبة إلى مصالح الأمن القومي الأمريكي، خلال السنوات المقبلة.
- ثانياً: التمدد الصيني بالقارة الإفريقية على عدد من المستويات الحيوية، وفي مقدمتها المستوى الاقتصادي التنموي عبر مبادرة "الحزام والطريق"، بالإضافة إلى تنامي معدلات التبادل التجاري والاستثمار الأجنبي الصيني المباشر، دون إغفال التأطير المؤسسي عبر منتدى التعاون الصيني الإفريقي، والذي تم تدشينه منذ عام 2000 لتعزيز الشراكة بين الجانبين بمختلف المجالات النوعية كالتعليم والصحة والاقتصاد والتنمية.
- ثالثاً: ما يتعلق ببروز أصوات إفريقية رافضة لإعادة إنتاج سيناريوهات "التكالب/ والتنافس الدولي" بالقارة على نحو ما قد يُعيد تصور ما يُعرف بـ "الكولونيالية الجديدة"، وهو ما يُمثل تحدياً أمام موسكو يتطلب معه خطوات حثيثة لـ "بناء الثقة" على المستوى الثنائي عبر بناء شراكات مباشرة مع الدول الافريقية، وعلى المستوى التعددي المؤسسي وذلك عبر تطابق التحركات الروسية مع الرؤى التنموية التي تمثلها "أجندة الاتحاد – 2063".
قبل 3 أشهر