عربي

تقييم للمواقف العربية: حدود الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى أين سيمتد؟

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي يتحدث إلى الصحافة بحضور وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان وشخصيات أخرى في مقر الأمم المتحدة (أ.ف.ب)

10-11-2023 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | فريدة أحمد


تتواصل عمليات القصف العنيف في محيط قطاع غزة منذ أطلقت حركة "حماس" الفلسطينية عبر جناحها المسلح مئات الصواريخ فجر السابع من أكتوبر، على عدد من المستوطنات الإسرائيلية في غلاف القطاع بشكل مفاجئ، في عملية عُرفت بـ"طوفان الأقصى". ردت تل أبيب بهجوم عسكري هو الأوسع نطاقاً منذ عقود في عملية هي الأخرى عُرفت بـ "السيوف الحديدية". ورغم الإخفاق الأمني الكبير الذي منيت به الأخيرة في الأيام الأولى من الهجوم، إلاّ إنّها مازالت تعاقب المدنيين الفلسطينيين في غزة، بقطع المياه والكهرباء والاتصالات والوقود، وتقصف الأحياء المدنية بشكل متواصل وترتكب جرائم حرب بشعة وصفت بالإبادة الجماعية. إذ تزايدت أعداد المدنيين بالقطاع حتى ي؛ وفقاً لما أفادت به وزارة الصحة في غزة، إلى أكثر من 10596 مدني جراء الهجمات الإسرائيلية المتواصلة منذ شهر، ومن بين إجمالي الضحايا 4324 طفلاً و2823 امرأة، وبلغ أعداد الجرحى 26475، إضافة إلى أكثر من ألفين مفقود تحت الأنقاض.

ورغم الازدياد المرعب في أعداد ضحايا قطاع غزة، مازالت مواقف الدول الكبرى الرسمية في الغرب تتحاشى الإدانة، فقد أعلن بايدن دعمه اللا مشروط لإسرائيل في حرب دفاعها عن النفس ضد هجمات حماس في الساعات الأولى، وعززت بمساعداتها العسكرية تل أبيب. وعلى رغم تحذيره لإسرائيل بأن لا يستهلكها الغضب، إلا إنّه حاول أن يحشد الرأي العالمي خلف الموقف الإسرائيلي، وبالفعل أيدت بعض الدول الغربية الموقف الأمريكي تأييداً أعمى دون الاكتراث لما قد يحدث للمدنيين في غزة، منها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وكندا واليابان وغيرها. بينما ظلت دول أخرى تدعو الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش، لوقف الحرب لأسباب إنسانية، منها إسبانيا وإيرلندا، واتفقت معها دول الكتلة الشرقية، منها روسيا والصين حيث دعت موسكو للوقف الفوري للأعمال العدائية، وفتح الممرات الإنسانية، أما بكين فدعت إلى هدنة إنسانية لإيصال المساعدات إلى غزة دون عوائق. وقد بدت بعض الدول اللاتينية أكثر حدة في مواقفها، فمنها من قطع علاقته تماماً بإسرائيل مثل بوليفيا، ومنها من استدعى سفراؤه في تلك الدول على أعقاب الهجمات الإسرائيلية على غزة.

بالنسبة للأمم المتحدة، وعلى رغم تصريحات أمينها العام، أنطونيو غوتيريش، التي تدعو إلى "الوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية". وكذا دعوة المنظمات الدولية الإنسانية الأونروا، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والمنظمات الإنسانية الأخرى، إلى وقف إطلاق النار والسماح لدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، إلا إنّ الجيش الإسرائيلي مازال يوغل في قصف المدنيين هناك دون توقف، بل وتعدا قصف المنازل والمساجد والكنائس؛ إلى قصف المستشفيات والمدارس التي باتت أحد أماكن النزوح الآمنة بالنسبة للمدنيين.

أما المواقف الإقليمية، حتى الآن، نفت إيران أن يكون لها علاقة بما جرى يوم السابع من أكتوبر، رغم أنّ حماس التي قادت هجمات السابع من أكتوبر، تنتمي لـ (محور المقاومة) الذي يقاوم وجود دولة إسرائيل وترعاه إيران. مع ذلك تشتبه القيادات الإسرائيلية في وجود "أيادٍ إيرانية من وراء الكواليس". وترتبط إيران ارتباطاً وثيقاً بحركة حماس وحزب الله والحشد الشعبي والحوثيين الذين دخلوا خط المواجهة مؤخراً بخمس هجمات خلال الأسابيع الأولى من بدء الصراع، كما تقدّم طهران بدورها الدعم المالي والأسلحة لهذه الحركات بشكل دؤوب. ومن غير المستبعد أن تدخل هذه الأطراف في الحرب بشكل مباشر تحت شعارات تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، إذا لم يتخذ المجتمع الدولي موقفاً إزاء ما يجري.

أمّا تركيا، فعلى الرغم من خطابات أردوغان النارية، إلا إن إسطنبول لم يبدُ أنّها ترغب بقطع علاقتها مع إسرائيل، حتى أنّها لم تسحب دبلوماسييها من تل أبيب، رغم أن إسرائيل سحبت جميع دبلوماسييها. اكتفى الخطاب التركي الرسمي بإدانة الخسائر في أرواح المدنيين والتأكيد على إنهاء النزاع، في محاولة للعب دور الوسيط في الأزمة، مع الحفاظ على موقف تركيا الداعم للقضية الفلسطينية. غير أنّ الموقف التركي على الأرجح لن يظل هادئاً لوقت طويل، في ظل الضغوط الشعبية الغاضبة بشأن اتخاذ موقف واضح يدين الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة بحق المدنيين في غزة، وقد زار وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن أنقرة قبل أيام، غير أنّ أردوغان يبدو رفض اللقاء به.

مواقف عربية غير حاسمة

لا يمكن وصف المواقف العربية الرسمية بالمتقدمة أو المؤثرة، وربما لم ترقَ إلى المأمول منها في المنطقة، على الأقل شعبياً. قد يكون مرد ذلك هو قيادة حركة "حماس" وجناحها المسلح للمشهد العسكري في غزة، ودول مثل مصر والسعودية والبحرين والإمارات والأردن ما زالت لا تعتبر "حماس" كحركة تحرير وطني، بل تعتبرها حركة "تطرّف"، نظير تبعيتها للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين ولإيران. ومعنى انتصار حماس أو محور المقاومة بشكل عام بالنسبة لهذه الدول، يعني نفوذاً أوسع لإيران في المنطقة، وهو تهديد آخر بالنسبة للدول العربية وبالذات الخليجية وفي مقدمتها السعودية التي تقود حرباً لتسع سنوات ضد جماعة الحوثيين المدعومين من إيران في شمال اليمن، ذلك على الرغم من التقارب الذي رعته الصين بين الرياض وطهران في مارس من العام الحالي، وكذا رغم المحادثات السعودية الحوثية لتثبيت الهدنة، غير أنّ مخاوف الرياض مازالت قائمة، ورغم العلاقة التاريخية بين السعودية وفرع جماع الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح).

 مع ذلك، تدين المواقف الرسمية العربية ما يجري من تصعيد على المدنيين في غزة، وقد حاولت مصر حشد مواقف عربية ودولية في قمة القاهرة للسلام في 21 أكتوبر الفائت، في مسعى مشترك لتخفيف حدة الصراع الراهن بين إسرائيل وحماس، والعمل على حماية المدنيين في قطاع غزة، بيد أنّ القمة فشلت ولم تصدر بيان ختامي لها، بسبب ما بدى أنّه خلافاً بين المشاركين على صيغته النهائية، في ظل إصرار بعض الدول الغربية على إدانة حماس وعدم إدانة إسرائيل. الأمر الذي دفع الرئاسة المصرية لإصدار بيان بشكل منفرد يؤكد على "الأهمية القصوى لحماية المدنيين وعدم تعريضهم للمخاطر والتهديدات، ويعطى أولوية خاصة لنفاذ وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية وإيصالها إلى مستحقيها من أبناء قطاع غزة، مع تحذيره من مخاطر امتداد رقعة الصراع الحالي إلى مناطق أخرى في الإقليم". 

خلال أزمة الحرب الأخيرة على غزة، عبّرت الشعوب العربية بأنّ النفاق الغربي وصل مداه، فمبادئ القانون الدولي كانت حاضرة بقوة في حرب روسيا على أوكرانيا، لكنها تلاشت فجأة مع خسائر أرواح المدنيين في غزة. بل إن محكمة الجنايات الدولية المدعومة من الأمم المتحدة، أصدرت مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشأن مزاعم جرائم حرب متعلقة بترحيل أطفال و"نقلهم بصورة غير قانونية" من أوكرانيا. وهو أحد الأمثلة التي تثبت مدى الازدواجية في المعايير بكل مستوياتها القانونية والأخلاقية والإنسانية التي يتعامل بها الغرب. ستوّلد مقاربة كهذه مستويات غاضبة من المشاعر المعادية ضد قادة الدول الغربية من مختلف الشعوب وبالذات العربية التي خبرت تجارب الاستعمار واحتلال فلسطين وغزو العراق، ومازالت لا تكترث لما يجري للشعب الفلسطيني ولا تدين بوضوح مستوى الجرائم والإبادة الجماعية التي يتعرض لها منذ 75 عاماً.

في حقيقة الأمر، تراجعت الأهمية الاستراتيجية للقضية الفلسطينية بشكل كبير بعد ثورات العربي، وما نشأ عنها من تداعيات للصراعات في سوريا وليبيا واليمن وغيرها. وباتت الدول العربية المتضررة من هذه التداعيات منشغلة بقضاياها الداخلية أو بجوارها المحيط. كما إنّ الانقسامات الفلسطينية- الفلسطينية، بين سلطتي الضفة الغربية وقطاع غزة، ساهمتا بدرجة أساسية في تأزيم الموقف الفلسطيني أمام المجتمع الدولي والإقليمي نتيجة الخلافات المتواصلة بين حركتي حماس وفتح، ففي حين انشغلت فتح – سلطة الضفة، بالمفاوضات كخيار استراتيجي وحيد، راهنت حماس- سلطة غزة، على دعم الإخوان المسلمين لها بعد تصدرهم مشهد الربيع العربي في بعض الدول، فضلاً عن مراهنتها على دعم محور المقاومة لها المرعي من قبل إيران، وهو ما يتعارض بشكل أساس مع موقف السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. أضف إلى ذلك الانقسامات بين السلطتين المتعلقة بالزعامة للشعب الفلسطيني وتصدر المشهد السياسي الخارجي، والذي شكّل بدوره خطراً على المشروع الوطني الفلسطيني وعلى القضية ذاتها.

الخلافات الفلسطينية الداخلية المتجذّرة، ساهمت في انقسام المواقف العربية بالمثل، فبعضها اتجه نحو التطبيع مع إسرائيل مثل الإمارات والبحرين، ثم تباعاً المغرب والسودان، والبعض الآخر مازال يناور مثل السعودية. أما الجزء الآخر مثل مصر والأردن، ورغم معاهدات السلام الموقعة بينهما مع إسرائيل منذ عقود، إلاّ أنّها باتت غير مضمونة البقاء في ظل الصفيح الساخن على حدودها بعد تطور مستوى الصراع في غزة. بالنسبة للولايات المتحدة كان من الممكن أن تمهّد "اتفاقيات إبراهيم" نوعاً من التعاون الذي كان غير وارداً في السابق بين الدول العربية وإسرائيل، وربما إلى تهدئة النزاعات في الشرق الأوسط، خاصة في ظل انكفاء واشنطن عن المنطقة وتركيزها على التحديات القادمة من الشرق الأقصى ممثلة بروسيا والصين. ورغم إنّ بعض حكومات الدول العربية كان لديها الاستعداد للدخول في مسألة التطبيع أو الاعتراف النسبي بإسرائيل، غير أن الاتفاقيات الإبراهيمية لم تلقَ قبولاً على مستوى الرأي العام العربي والإقليمي بشكل عام.

ويمكن تقييم مستوى مواقف الدول العربية الرسمية في مسارات التطبيع والصراع في غزة بالنظر للآتي:

أولاً: مواقف بعض الدول الخليجية

الموقف السعودي:

نال الاقتراب نحو مسار التطبيع بين السعودية واسرائيل اهتماماً إعلامياً واسعاً الأشهر الأخيرة، وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قد أفصح للمرة الأولى في مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأمريكية، أن بلاده "مستعدة للعمل مع أي زعيم إسرائيلي إذا تمكّن من التوصل إلى اتفاق"، مع أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة لبلاده. وقد بذلت الولايات المتحدة جهوداً حثيثة من أجل إنجاح التطبيع، غير أنّ المباحثات تمّ تعليقها مؤقتا منذ بدء الصراع في غزة، وفقا لوكالة فرانس برس، غير أنّ مسؤول سعودي كشف منذ يومين خلال مؤتمر اقتصادي استمرار محادثات التطبيع مع تل أبيب.

كانت الشروط الأساسية غير المعلنة للتوقيع على اتفاق التطبيع، ترتبط بضمانات أمنية من شأنها أن تُلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن السعودية في حال تعرضها لهجوم أمني أو عسكري، وكذا مساندتها في الحصول على برنامج نووي مدني تشرف عليه واشنطن، بالإضافة لوقف التوسع الاستيطاني وعدم ضم أراضٍ فلسطينية من الضفة الغربية. لم يتبلور عن المحادثات تحقيق خطوات متقدمة رغم الحراك الدبلوماسي الذي قامت به واشنطن، ويبدو أنّه كلما توسع الصراع في غزة أو الضفة سيصبح ملف التطبيع بين البلدين أكثر تعقيداً. إضافة لذلك، فقد ساهم الاتفاق بين الرياض وطهران إلى إحداث فجوة في التقارب مع إسرائيل، وفي هذا الإطار، عبّر  مسؤول إسرائيلي، بأن شعور الرياض بالضعف الأمريكي والإسرائيلي أدى لاتجاه السعودية نحو عقد اتفاق مع طهران، عوضاً عن التطبيع مع إسرائيل.

تبعاً لذلك، أدى التقارب السعودي مع إيران إلى تخفيف حدة التوتر على الجبهات القتالية في اليمن، وساعدت المحادثات الثنائية والزيارات المتبادلة بين الطرفين السعودي والحوثي خلال الأشهر الأخيرة، إلى إيقاف الهجمات الحوثية على السعودية. يشارك الحوثيين بهجمات متقطعة باتجاه البحر الأحمر منذ بدء أحداث غزة، هدفها إسرائيل، وقد توعد الحوثيون بمواصلة إطلاق صواريخ ومسيرات نحو إسرائيل حتى يتوقف "العدوان" على قطاع غزة. لا يبدو أنّ الرياض قلقة بهذا الخصوص، فعلاقتها مازالت منسجمة مع إيران وبالتبعية الحوثيين الذين تدعمهم الأخيرة. فضلاً عن انشغالها بأجواء احتفالية "موسم الرياض"، الذي انطلق في 28 أكتوبر الماضي، الأمر الذي قابله استياء واسع وانتقادات لاذعة على وسائل التواصل الاجتماعي جراء تجاهل ما يجري من تصعيد في غزة، لا سيّما وأن كثير من الفعاليات تم تأجيلها في بعض الدول العربية.

كما إنّ السعودية لا تسمح بتنظيم تظاهرات، بخلاف دول عربية عدة، فضلاً عن أنّ التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي هو أيضاً محفوف بالمخاطر، حيث يصدر القضاة بشكل منتظم أحكاماً قاسية على أشخاص نشروا محتوى ينتقد السلطات. ولم تلق التبرعات لفلسطين تفاعلاً كبيراً من قبل السعوديين، فيما يبدو أنّ ذلك مرتبطاً بصورة نسبية بالقيود المفروضة على حرية التعبير. ذلك على رغم إطلاق المملكة حملة لجمع التبرعات، دشنها الملك سلمان وولي عهده، ووصل تبرعهما السخي من خلالها بمبلغ 50 مليون ريال. وهي بادرة تعتبرها الرياض امتداداً لمواقف السعودية الداعمة للقضية الفلسطينية مالياً وسياسياً وإنسانياً. 

الموقف الإماراتي

تمتّعت أبوظبي وتل أبيب بعلاقة لا بأس بها بعد التوقيع على "اتفاقيات إبراهيم" بوساطة الولايات المتحدة في 15 سبتمبر 2020، واتفقتا فيها على إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين. نتج عن التطبيع لاحقاً موجة من الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى، وتم توقيع عدداً من الاتفاقيات التجارية، وارتفع عدد الشركات الإسرائيلية الناشئة العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية والزراعة بشكل واضح في البلد الخليجي. قابل خطوة التطبيع الإسرائيلي الإماراتي، اعتراضاً من السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، واعتبرته "خيانة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية"، وقررت استدعاء سفيرها بشكل فوري من الإمارات. وهو ذاته الموقف من حماس بغزة، الذي وصفت فيه الخطوة الإماراتية بـ "الطعنة الغادرة لنضالات الشعب الفلسطيني".

ورغم توقيع البحرين مع الإمارات "اتفاقيات إبراهيم"، في نفس اليوم، وكذا تطبيع المغرب فالسودان بوقت لاحق، غير أن أبوظبي قوبلت بهجوم واستهجان كبيرين جرّاء هذه الخطوة. بينما ظل هناك سكوت وغض للطرف عن دول أخرى إما أبرمت اتفاقيات وتطبيع صريح، أو وقعّت معاهدات سلام لعقود وصفت بالاعتراف المبدئي بإسرائيل. وهو ما يجادل به بعض المراقبين من خلال الانتقائية في الاستنكار والاعتراض لدول بعينها، بينما دول أخرى لا يتم توجيه النقد لها.

بالتبعية، وبعد أحداث السابع من أكتوبر، اتخذت أبوظبي موقفاً واضحاً من حركة حماس، ووصفت هجومها ضد المدن والقرى الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة، بما في ذلك إطلاق آلاف الصواريخ على التجمعات السكانية، بالتصعيد الخطير والحاسم. كما أدانت العمليات البرية الإسرائيلية في قطاع غزة، وعبرت عن "قلقها البالغ" جراء التصعيد العسكري الإسرائيلي وتفاقم الأزمة الإنسانية والتي تهدد بوقوع المزيد من الخسائر في الأرواح بين المدنيين".

في حقيقة الأمر، وضعت الحرب على غزة الحكومات الخليجية في موقف محرج أمام شعوبها، وبالذات الدول التي طبعت رسمياً مع إسرائيل، وهي تعدهم بفوائد التعاون مع إسرائيل في مختلف المجالات، وفي مقدمتها الإمارات والبحرين. مع ذلك حاولت أبوظبي إطلاق حملات لإغاثة الفلسطينيين منها حملة "تراحم من أجل غزة"، للتعبير عن التضامن والتعاون الإنساني لمساعدة المتضررين في غزة، فضلا عن اعتزامها بناء مستشفى ميداني متكامل. كما وجّه رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، باستضافة ألف طفل فلسطيني برفقة عائلاتهم من قطاع غزة، لتقديم جميع أنواع الرعاية الطبية والصحية التي يحتاجون إليها في مستشفيات الدولة. مع ذلك، لا تبدو حملات التضامن والإغاثة كافية في ظل تصعيد الصراع ضد المدنيين الفلسطينيين يوما بعد يوم في غزة وكذا الضفة الغربية. 

الموقف القطري

لم يختلف الموقف القطري كثيراً عن المواقف الخليجية الأخرى، غير أنّه كان أكثر حدة في التصريحات، ويميل الموقفان العُماني والكويتي إلى الموقف القطري فيما يجري بأحداث غزة. ذلك ظهر من خلال حملات التضامن والمبادرات الإغاثية وكذا حملات المقاطعة الكبيرة المعلنة للشركات العالمية مثل "ستاربكس" و"ماكدونالدز"، على أنها شركات تدعم الممارسات الإسرائيلية في حربها على غزة. وقد برز الموقف القطري بصورة جلية، في المفاوضات التي تجريها الدوحة بشأن الأسرى المحتجزين لدى حركة حماس في قطاع غزة، وقد أكد وزير الخارجية القطري محمد آل ثاني، على أنّ بلاده عازمة على مواصلة جهودها للوساطة من أجل إطلاق سراح جميع الأسرى المدنيين. وقد أطلقت فعلياً حركة حماس سراح رهينتين أمريكيتين بناءً على وساطة قطرية، كما أُطلق سراح رهينتين أخريين في اليوم التالي، ومازالت المفاوضات التي تتوسط فيها الدوحة بشأن الأسرى جارية.

بموازاة ذلك، ركزت تغطية القناة الإخبارية المحسوبة على دولة قطر (الجزيرة)، في 90% من أخبارها بشكل أُحادي على أحداث غزة، وبثت كلمات وخطابات قادة حماس ومحور المقاومة السياسيين والعسكريين بانتظام، وهو ما اختلفت عنه القناتين السعودية والإماراتية (العربية، وسكاي نيوز)، في تغطيتهما اللتان ركزتا فيها بشكل ثنائي على كلا الجانبين، بما في ذلك لقطات من البلدات الإسرائيلية التي يتم الهجوم عليها من قبل حماس. في حقيقة الأمر، ليس سراً أنّ علاقة قطر بحركة حماس قوية، فقد افتتح المكتب السياسي لـ “حماس" في قطر عام 2012، بعد طلب من واشنطن لإقامة خطوط اتصال غير مباشرة مع الحركة، وقد استُخدم المكتب بشكل متكرر في جهود الوساطة. وكانت قطر قد شددت مؤخراً على أن إغلاق مكتب حركة "حماس" في قطر في المرحلة الراهنة أمر غير وارد، مبينة أن ذلك يشكل أهمية للمفاوضات الرامية إلى إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة، والجهود المبذولة لوقف التصعيد منذ 7 أكتوبر.

وعلى رغم أهمية أن يتم التواصل والتوسط مع مكتب حماس بشأن ما يجري حالياً في غزة، بيد أنّه من غير المستبعد أن تتراجع الدوحة في علاقتها مع حماس في ظل الضغوط الأمريكية الراهنة، ولا يبدو أنّ صناع القرار القطريين لديهم الاستعداد للتضحية بعلاقتهم الوثيقة مع الولايات المتحدة على المستويات السياسية والعسكرية من أجل حركة حماس في كل الأحوال. إذ من الممكن أن تضحّي الدوحة بحماس وربما الإخوان المسلمين في أية لحظة، خاصة إذا تطوّر الأمر لتصعيد في المنطقة يمكن يؤثر على مصالحها الاستراتيجية. كما إنّ علاقة قطر بإسرائيل تبدو وثيقة وإن كانت غير معلنة، على سبيل المثال، كشف أحد الصحفيين عن قيام طائرات تابعة للحكومة الإسرائيلية برحلات من وإلى الدوحة في أواخر سبتمبر. كما إنّ قطر رحبّت بالطلاب الإسرائيليين في جامعاتها لسنوات، ولمع نجم بعض رياضيو إسرائيل على ملاعبها. 

ثانياً: مواقف الدول الحدودية مع فلسطين

الموقف المصري

في 26 مارس 1979، وقّعت مصر وإسرائيل أول معاهدة سلام بينهما، وأنهت معها عقود من الحرب والنزاع في قمة عرفت باسم "كامب ديفيد"، بين الرئيس المصري أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، وتحت إشراف الرئيس الأمريكي جيمي كارتر. وقد أدت المعاهدة إلى استعادة مصر لشبه جزيرة سيناء في 1982، وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية التي كانت مقامة عليها، كما تضمنت الاتفاقية ضمان عبور السفن الإسرائيلية قناة السويس، واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية. ذلك قبل أن تتطور الأحداث دراماتيكياً باغتيال السادات في 1981، وقطيعة العرب للقاهرة جرّاء المعاهدة، ونقل مقر الجامعة العربية منها إلى تونس، وتعليق عضوية مصر فيها لعشر سنوات، ثم عودتها في 1989. 

من المهم القول، إنّه على رغم انتهاء التوتر بين إسرائيل ومصر بعد التوقيع على المعاهدة، إلا أن السلام ظل بارداً بينهما لعقود، كما إنّ الشعب المصري لا يزال يعبّر باستمرار عن معاداته لإسرائيل، ولا يعترف بها كدولة. تبعاً لذلك، حاولت إسرائيل تعميق العلاقات بينها وبين مصر، غير أن القاهرة كانت حريصة على عدم تنمية العلاقات الثنائية، لا سيما في ظل الدور السلبي الذي تلعبه تل أبيب في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة والمنطقة بشكل عام.

راهناً، ستؤثر مجريات الأحداث المتصاعدة في قطاع غزة بشكل رئيسي على الدول المحاذية للحدود مع فلسطين، ومن بينها مصر. إذ ساهم إطلاق النيران من قبل دبابة إسرائيلية على أحد أبراج المراقبة الحدودية في "كرم أبو سالم"، بقلق مصر. ورغم ذلك، كان تصريح  المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية، متوافقاً في الإيضاح، مع رد الجيش الإسرائيلي الذي اعتذر عن الخطأ غير المتعمد على الحادث. كما أكدت القوات المسلحة المصرية، إنّ طائرات بدون طيار الموجهة والقادمة من جنوب البحر الأحمر، وسقوطها في مناطق طابا ونويبع، ستكثّف من عمل القوات الجوية والدفاع في تأمين المجال الجوي المصري على كافة الاتجاهات الاستراتيجية للدولة.

في 25 أكتوبر، بثّت الرئاسة المصرية تغطية مباشرة لـ "اصطفاف الفرقة الرابعة للجيش الثالث الميداني" بمنطقة السويس، في عرض غير مسبوق، بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. إذ يبدو أنّه أراد من خلال العرض إرسال رسائل واضحة لأي جهة من شانها تهديد مصر وحدودها، خاصة وأن مصطلح "تفتيش الحرب" في العلوم العسكرية، والذي تمّ عنونة العرض به، يعني التأكد من مدى جاهزية الجيش لتنفيذ أي مهمة طارئة قد يتم تكليفه بالقيام بها. فضلاً عن إن العرض كان في منطقة سيناء التي دارت فيها سلسلة معارك بين الجيش المصري والإسرائيلي قبل عقود، وانتهت بانتصار الجيش المصري في 6 أكتوبر 1973. مع ذلك لم تكن كلمة الرئيس السيسي خلال التفتيش تصعيدية، بل تحدث فيها عن "دور مصر الإيجابي لوقف إطلاق النار في غزة، وسعيهم بالتعاون مع الأشقاء والشركات لاحتواء التصعيد، ومساندة المدنيين في قطاع غزة".

من المهم القول، إنّ مصر تلعب دوراً نشطاً في التفاوض على وصول المساعدات إلى غزة، وإجلاء الأجانب ومزدوجي الجنسية والجرحى عبر معبر رفح الذي يعدّ البوابة الرئيسية التي تجمع بين قطاع غزة ومصر. بيد أنّ القاهرة لا يبدو أنّها ستسمح بأكثر من ذلك، على سبيل المثال: دعا وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى فتح معبر رفح مع قطاع غزة وإدخال سكان القطاع إلى سيناء وتسكينهم. غير أنّ السيسي، يهدد في خطابات متكررة بخطورة تهجير سكان غزة وتصفية قضيتهم، مشيراً إلى أن ذلك سيُبدد السلام بين القاهرة وإسرائيل.

حتى الآن، مازالت غزة تتعرض لقصف متواصل من قبل إسرائيل، ومن غير المعروف إلى أين تريد الأخيرة إخلاء السكان الفلسطينيين، خاصة في ظل الرفض المصري لاستقبالهم. إذ على الأرجح بأنّ نوايا تل أبيب تتجه لإخضاع غزة تحت إدارتها بعد السيطرة عليها أمنياً وعسكرياً، أو إخضاعها لقوة دولية متحالفة مع إسرائيل. وفي الإطار، كانت صحيفة وول ستريت جورنال، قد ذكرت عن مسؤولين مصريين كبار، بأن السيسي رفض اقتراحاً لمدير المخابرات الأمريكية CIA، بأن تدير مصر الأمن في قطاع غزة بعد هزيمة حماس، كما إنّ مصر لن تلعب دوراً في القضاء على حماس، لأنها تحتاج إليها للمساعدة في الحفاظ على الأمن على الحدود مع غزة. 

الموقف الأردني

أثارت العمليات العسكرية من قبل الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة لأكثر من شهر، مشاعر الشارع الأردني، الذي بات ينظم مظاهرات واحتجاجات متواصلة؛ للتنديد بالانتهاكات وجرائم الإبادة المنظّمة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. يطالب الأردنيون بإلغاء معاهدة السلام التي وقعها الأردن مع إسرائيل في وادي عربة عام 1994، كثاني دولة عربية توقع السلام بعد مصر، لتصبح الحدود الإسرائيلية الأردنية بعدها مفتوحة لمرور السياح والبضائع والعمال بين البلدين.

من المهم القول، إنّ تأثير حركة حماس على الشارع الأردني كان كبيراً منذ التسعينات، إذ سمح الملك حسين لمسؤولي حماس حينها، بالإقامة في الأردن وممارسة نشاطهم السياسي والإعلامي على أراضيه. حتى إنّ المعاهدة التي وقعها الأردن مع إسرائيل كادت أن تنهار، بسبب غضب الملك حسين بعد محاولة الموساد الإسرائيلي اغتيال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس على الأراضي الأردنية. مع مرور السنوات، باتت العلاقة متوترة بين عمّان وحركة حماس، بسبب العمليات التي نفذتها الحركة في العمق الإسرائيلي، والتي يُعتقد أنها سببت ضغطاً إسرائيلياً ودولياً على الأردن.

في عام 1999، تم إنهاء الوجود الرسمي لحماس في الأردن، حيث أغلقت السلطات الأردنية مكاتب الحركة في الأردن، وأصدرت مذكرة اعتقال بحق ستة من قادتها بتهمة مخالفة الأنظمة والتعليمات، وعلى رأسهم خالد مشعل. ذلك قبل أن تستقبلهم قطر لفتح مكاتب على أراضيها. راهناً، وبعد الأحداث الأخيرة في غزة، لم يعد الجمهور الأردني يتأثر بخطابات القادة السياسيين لحماس، بقدر ما يتأثرون برسائل قادته العسكريين للحركة "كتائب عز الدين القسام"، مثل "محمد الضيف" الملقب بأبو عبيدة، الذين يعتبرونه أيقونة لحركة المقاومة الفلسطينية. إلى ذلك، مازالت الحكومة الأردنية ترفض الانفتاح الكامل على الحركة لاعتبارات سياسية وإقليمية عديدة، بعد أكثر من 20 عاماً على إغلاق مكاتبها، كما إنّها تصر على اعتبار السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، هي الشريكة السياسية الأساسية في الأراضي الفلسطينية.

يتفق الموقف الأردني مع الموقف المصري، في جزئية أن التصعيد الأخير في غزة، قد يتطور للتعدي على الأمن القومي للدولتين. ففي حين يشكل الصراع في غزة على مصر تهديد، فهو يشكل بالمثل في الضفة الغربية على الأردن تهديد. ولن تسمح الأردن بأي حال من الأحوال من إنهاء فكرة فلسطين، إذا ما سمحت بتهجير فلسطينيي الضفة إليها، وقد صرّح رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، بأنّ، "أي محاولات أو خلق ظروف لتهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية خط أحمر وسيعتبره الأردن بمثابة إعلان حرب". واستخدام مصطلح الحرب، يعني أن العلاقة الأردنية والإسرائيلية وصلت إلى أسوأ حالاتها. 

الموقف اللبناني

 لا يمكن وصف اللهجة اللبنانية الرسمية بالحادة تجاه ما يجري في غزة. إذ تؤكد الحكومة اللبنانية أن الأولوية هي لوقف الهجمات الإسرائيلية على غزة وجنوب لبنان. كما إن رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، يحاول فعل المستحيل للضغط على "حزب الله" لعدم التصعيد، لكن في المقابل يطلب الحزب أن توقف إسرائيل اعتداءاتها حتى لا يضطر إلى التصعيد. ذلك ظهر في خطاب "حسن نصر الله" الأمين العام لحزب الله اللبناني، الذي حظي بترقب غير مسبوق من جمهور كبير في الشرق الأوسط، وبدت نقاط الخطاب مخيبة للآمال بالنسبة للكثيرين منهم. ففي حين توقعوا مساندة لحماس من حزب الله كونها جزء من محور المقاومة، ظهر وكأن حسن نصر الله يتنصل من الخطوات التي قامت بها "كتائب القسام" في مواجهة إسرائيل، عندما ذكر بأن حزب الله لم يكن يعلم أي شي عن عملية "طوفان الأقصى"، مؤكداً بأنهم لم يشاركوا في تخطيط أو تنفيذ عملية هجوم السابع من أكتوبر.

لا تشي المناوشات المتقطعة على الحدود اللبنانية بنوع من الاستقرار في الوقت الحالي، فكثير من الأسر نزحت من بعض القرى الحدودية تحسباً لأي تطور غير محسوب، في ظل تجدد المواجهات بين الجانبين، لا سيما بعد أن فقد حزب الله عدداً من مقاتليه في هجمات إسرائيلية على بعض مواقعه. في نهاية المطاف، يبدو أن حزب الله اللبناني لن يخطو خطوة أكبر، أو يورط نفسه للدخول في حرب مع إسرائيل، إلا بضوء أخضر من إيران، وربما يتجاوز في ذلك القرار اللبناني الرسمي إذا استدعى الأمر. خاصة وأن رئيس الحكومة، ميقاتي، ذكر بأن قرار الحرب ليس بيده ولا بيد الحكومة. 

الموقف السوري

لم يجرؤ بشار الأسد على إدانة ما يحصل في غزة بشكل صريح، الأمر الذي يؤكد فعلياً على أن قرارات الأسد مرهونة بالمواقف الدولية والإقليمية، فقد تمّ عزل القرار السوري الرسمي تماماً عن مجريات ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط بسبب الحرب الطويلة منذ 2011. ذلك على رغم محاولات إعادة الأسد إلى المشهد العربي والإقليمي، ورفع التجميد عن عضوية سوريا في الجامعة العربية، إلا إن الأسد ما زال يعاني من عزلة دولية وإقليمية حقيقية من الصعب ردم فجوتها.

من المهم القول، إنّه في حال توسع الحرب، سيكون نظام الأسد وسوريا في قلب المواجهة، نظراً لحدودها الفاصلة مع فلسطين بـ 76 كيلو مترا. وهي حالة لا تقل اختلافاً عن لبنان من ناحية التأثير الإيراني على قرار دخول الحرب، على اعتبار أن الأسد هو الحليف الأوثق بالنسبة لطهران، فضلاً عن انتشار عدداً من الميليشيا المدعومة من إيران بالقرب من الحدود السورية الإسرائيلية، وعلى رأسها لواء القدس. وذلك على رغم علاقة الأسد السيئة بقادة حماس، الذين وصفهم في أحد اللقاءات مؤخراً، بـ "النفاق، والغدر". بسبب مواقفهم من الحرب السورية ومساندتهم للمعارضة ورفع أعلامها.

وفي إطار دعوة سوريا بعدم التدخل في الحرب، كان موقع أكسيوس الأمريكي قد نشر، إنّ "الإمارات حذرت نظام الأسد في سوريا من التدخل في الحرب بين حماس وإسرائيل، والعمل على منع تنفيذ هجمات على إسرائيل من الأراضي السورية". وهو ما يدل فعلياً على خفوت الصوت السوري وعدم تأثيره في قرارات المنطقة، بعد أن كان صوتاً عالياً في القضايا الأهم، وفي مقدمتها قضية فلسطين.

 مواقف عربية متشعبة

تشعبت المواقف العربية الأخرى، رغم الاتفاق حول أساسيات القضية والتصريحات التقليدية التي ترى الحق للشعب الفلسطيني في تحرير أرضه المحتلة، أو حلّ الدولتين الذي يعني إقامة دولة فلسطينية مستقلَّـة إلى جانب دولة إسرائيل في حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس. مثل هذه التصريحات، كانت حاضرة في العراق الذي عبّر رسمياً عن وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني، وخروج مظاهرات جماهيرية كبيرة في بغداد تضامناً مع المدنيين في غزة، ورغم تصريحات الحكومة النارية في قمة القاهرة للسلام، إلا إنّها سوف تتوقف عند ذلك، وكان امتناعها عن التصويت لقرار وقف إطلاق النار في غزة بمجلس الأمن، أحد الأدلة الدامغة. وهو موقف معاكس لما قامت به الميليشيا المقرّبة من إيران وحزب الله اللبناني من هجمات ضد القواعد العسكرية الأمريكية في الأنبار وأربيل، كرد فعل على ما يجري في غزة.

بالنسبة للمواقف العربية الأخرى، منها مواقف دول شمال إفريقيا، فقد تضامنت الجزائر مع الشعب الفلسطيني، واعتبرت أن ما ترتكبه إسرائيل من "عدوان غاشم في غزة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة". أما الموقف المغربي، فقد كان داعماً للسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، مع دعوة الرباط، إلى "خفض التصعيد وفتح ممرات إنسانية لتيسير دخول المساعدات بشكل سريع ومستدام". ورغم أن المغرب كانت قد طبّعت مع إسرائيل واستأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب، إلا أن الموقف التونسي كان مفاجئاً بشكل كبير، وذلك عندما امتنعت تونس عن التصويت لصالح القرار العربي في وقف الحرب على غزة مع العراق. وهو موقف اعتبرته جماهير عربية بأنه متخاذل ومحبط، غير أن تونس بررت ذلك بأن "الوضع الخطير وغير المسبوق في غزة واستمرار العدوان الوحشي الإسرائيلي، يستوجب سقفاً أعلى لم يبلغه نص القرار".

أما اليمن، فقد جددت الحكومة المعترف بها دولياً عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني ودعم نضاله لتحقيق تطلعاته المشروعة في استعادة أرضه وإعلان دولته الحرة والمستقلة وعاصمتها القدس، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. غير إنّ أكثر ما يقلق اليمنيون في الوقت الراهن، هو دخول الجماعة الحوثية على خط النار في أحداث غزة، في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة جراء الحرب الممتدة لتسع سنوات، وفيما إذا كانت إسرائيل ستتخذ ردود أفعال قوية تجاه الجغرافية الواسعة التي تسيطر عليها الجماعة المدعومة من إيران في شمال اليمن، وبالذات في ظل انتشار السفن الحربية الأمريكية في البحر الأحمر، والتي اعترضت أكثر من صاروخ مؤخراً، فيما يبدو في الطريق لإسرائيل.

بطبيعة الحال، اكتفت المواقف العربية بالإدانة والاستهجان في مجمل التصريحات، لم تكن هناك خطوات حاسمة من شأنها التأثير على المشهدين السياسي والعسكري وحتى المشهد الإنساني الأكثر سوءً في غزة، أو الضغط من أجل إيقاف الهجوم الإسرائيلي على مدنيي القطاع، حتى في أكثر التصريحات شدة. على سبيل المثال، دعا وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، إن أحد خيارات إسرائيل في الحرب على غزة، هو "إسقاط قنبلة نووية" على قطاع غزة. كان من المتوقع بعد هذا التصريح، أن تتخذ الدول العربية موقفاً متشدداً أكثر من مجرد الإدانة. وقدوضع هذا الأمر إسرائيل في موقف حرج، لا سيّما وهي تنفي باستمرار عدم امتلاكها لأسلحة نووية، وفتح باباً للأسئلة أمام المجتمع الدولي، عمّا إذا كانت إسرائيل فعلاً تملك سلاحاً نووياً، في الوقت الذي تطالب فيه بفرض عقوبات على إيران. 

في نهاية المطاف، تبدو الآمال العربية حتى الآن قاتمة وغير واضحة تجاه ما يجري من تصعيد في غزة، خاصة وأنّ الصراع وصل لمراحل أكثر خطورة. من المهم، أن تكون ردود الأفعال العربية في القمتين العربية والإسلامية المزمع إقامتها في الرياض بتاريخ 11 نوفمبر أكثر حدة وحسماً. إنّ إيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة ضرورة عربية وإقليمية ودولية تقتضي تظافر كل المواقف والجهود واتخاذ الإجراءات في سبيل ذلك. وهنا يمكن طرح سؤال ملح، فيما إذا كان القادة العرب سيكونون عند مستوى الحدث والتأثير هذه المرة، وفيما إذا كانت المواقف المرتقبة ستؤثر بدرجة أساسية على المجتمع الدولي وعلى وجه الخصوص المجتمع الغربي، الذي اتخذ جانباً مسانداً لإسرائيل، وتضغط عليه من أجل إجبار الأخيرة على إيقاف الحرب؟ تبدو الإجابة بناء على التقييم العام للمواقف العربية، على الأقل، حتى اللحظة، مخيبة للآمال.


فريدة أحمد

المديرة التنفيذية لمركز سوث24 للأخبار والدراسات

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا