طائرة تايفون تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني تعود إلى قاعدة أكروتيري التابعة لسلاح الجو الملكي في قبرص بعد هجوم على أهداف في اليمن. الصورة: الرقيب لي غودارد/وزارة الدفاع البريطانية/AP/dpa
13-01-2024 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | يعقوب السفياني
بعد سلسلة غير مسبوقة من الهجمات الحوثية ضد السفن في البحر الأحمر وباب المندب منذ 19 نوفمبر الماضي، بدعوى ارتباطها بإسرائيل، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا هجوما محدودا على مواقع للمليشيات اليمنية المدعومة من إيران في صنعاء والحديدة وعدة محافظات أخرى. تم الهجوم بواسطة الغارات الجوية بشكل رئيسي، مع مشاركة سفن حربية وغواصات بحسب البنتاغون.
لقراءة المزيد: الولايات المتحدة وحلفاؤها يضربون مواقع الحوثيين في شمال اليمن
وتماما مثل هجوم الحوثيين في 10 يناير الجاري الذي استهدف لأول مرة البحرية الأمريكية في البحر الأحمر بمزيج من المسيرات والصواريخ، دون وقوع أضرار وإسقاط الأجسام المعادية، تعد الضربات الأخيرة أول عمل عسكري أمريكي وبريطاني معلن ضد الجماعة الزيدية [طائفة من الشيعة] التي أسقطت صنعاء ومساحات شاسعة في شمال اليمن منذ 2014.
فكيف يقرأ خبراء تحدثوا لمركز سوث24 هذه الضربات؟
الخيار الأوضح
يرى الخبير الأمريكي والعضو السابق في فريق الخبراء المعني باليمن في مجلس الأمن الدولي فرناندو كارفاخال أن الإدارة الأمريكية لم يكن لديها خيارات واضحة للتعامل مع هجمات الحوثيين البحرية غير شن الضربات.
وقال لمركز سوث24: "في تحليل تصرفات الحوثيين والرد الدولي، يجب علينا أن نفصل بين هجمات الحوثيين والصراع في غزة. إن الحرب والمأساة في غزة هي مجرد أداة دعائية للحوثيين كجزء من محور المقاومة الإيراني، الذي فشل في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، وبدلاً من ذلك جلب الدمار والموت منذ 7 أكتوبر 2023".
وأضاف: "جاءت الحرب في غزة في وقت تعرض فيه الحوثيون لضغوط للوفاء بالتزاماتهم بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع السعوديين خلال اجتماعات سبتمبر/أيلول الماضي في الرياض والجهود التي بذلها مبعوث الأمم المتحدة للعودة إلى المحادثات الشاملة".
وأردف: "يتعرض الرئيس بايدن لضغوط متزايدة للرد على هجمات الحوثيين البحرية، والهجمات المزعومة على إيلات أيضًا. لم يكن أمام بايدن أي خيار واضح آخر بعد ثلاثة تحذيرات للحوثيين خلال الخمسة عشر يومًا الماضية".
وبشأن موقع السعودية من هذه التطورات، قال كارفاخال: "نحن نعلم أن المملكة العربية السعودية تشعر بالقلق من أن أي رد على الحوثيين من شأنه أن يعرقل اتفاقهم اعتبارًا من أبريل 2022، ولكن حقيقة أن البحرين ليست عضوًا في عملية حارس الازدهار فحسب، بل تستضيف أيضًا المقر الرئيسي لفرقة العمل، تظهر أن الرياض توافق على رد محسوب ضد الحوثيين".
مضيفا: "في رأيي، فإن هذا الرد المدروس من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يجب أن يخدم في الواقع المصالح السعودية. إنه يبعث برسالة واضحة إلى كل من الحوثيين وإيران مفادها أن الولايات المتحدة مستعدة وقادرة على مساعدة التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن لتغيير ميزان القوى على الأرض من أجل إجبار الحوثيين على العودة إلى طاولة المفاوضات".
ولا يستبعد الخبير الأمريكي انخراط إيران في التصعيد بعد أن هاجم من وصفهم بالوكلاء لإيران السفارة الأمريكية بالعراق عقب الضربات ضد الحوثيين. مضيفا: "من الواضح أن إيران مستعدة للدخول في صراع أوسع ولن تترك الحوثيين وحدهم في مواجهة تحالف واسع بمشاركة الولايات المتحدة".
وأردف: "لا تستطيع إيران أن تتحمل رؤية الحوثيين يخسرون أي درجة من القوة العسكرية على الأرض لأن ذلك يؤثر على مفاوضات إيران مع المملكة العربية السعودية، ولا تستطيع إيران أن تتحمل رؤية الحوثيين يخسرون شبرًا واحدًا من الأراضي اليمنية هذا العام لأن ذلك سيجبر الحوثيين على الانخراط في محادثات تحت إشراف جهة أخرى".
أزمة جديدة
انتقد اللواء المصري محمد زكي الألفي الضربات الأمريكية البريطانية في اليمن وقال لمركز سوث24 إن "خطورة هذه الضربات ليس بالضرورة أن يكون الآن فقط، ولكن في قدرتها في الامتداد أكثر من ذلك، وتحولها إلى حرب مفتوحة بين الحوثيين في اليمن وتحالف الازدهار الذي على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا".
مضيفا: "هذا يأتي لأن هناك توجهات لضرب المصالح في المنطقة بالكامل. هذه الضربات تمثل عقبة جديدة أمام التجارة العالمية، بعد ما حدث خلال الأسابيع الماضية وحرب أوكرانيا وأزمة كورونا".
وتابع: "بطبيعة الحال، تهديد حركة مثل الحوثيين بحرب مفتوحة، أمر في منتهى الخطورة. قد تشمل هجماتهم كل السفن بعد أن كانت مقتصرة على تلك المرتبطة بإسرائيل حسب ما يعلنونه. هذا سيؤدي لعزوف السفن عن البحر الأحمر كما حدث بشكل جزئي خلال الفترة الماضية".
ولفت الألفي إلى أن هذا الأمر "له مخاطره وله مردوداته وتداعياته، أهمها أنّ هجرة هذه السفن ستسبب زيادة في تكلفة الشحن، وفي كبر المسافة وفي تأخر البضائع والوصول إلى الأماكن، وإبطاء حركة الملاحة والتجارة العالمية، وزيادة إضافية في استهلاك الوقود وفي التكلفة، ومزيد أيضاً من التعرض لمخاطر أخرى، كالقرصنة في حالة الإبحار حول أفريقيا".
مضيفا: "هذا لن يكون لا في صالح الاقتصاد الدولي ولا العالمي ولا للمنطقة، بالإضافة طبعا للانعكاسات الشديدة والخطيرة على قناة السويس وتأثرها، وتأثير ذلك اقتصاديا على مصر بالذات، وهذا يُعتبر من أخطر ما في هذه الضربات".
ضربات تحذيرية
بالنسبة لوكيل وزارة الإعلام اليمنية أسامة الشرمي، فالضربات الأمريكية البريطانية "لا تعدو عن كونها مجرد ضربات تحذيرية لا تريد الولايات المتحدة من خلالها أن تتوسع خارطة الصراع المندلع في غزة منذ ثلاثة أشهر تقريبا". وأضاف لمركز سوث24: "لهذا نرى ميليشيا الحوثيين تستثمر المسألة بطريقة دعائية على حساب اليمن أولا، وعلى حساب التجارة الدولية، وعلى حساب القيم والأخلاق، ومعاهدات الحرب والسلام".
ويعتقد الشرمي أن هذه الضربات "وإن كانت مبررة لدى البعض نتيجة لأعمال القرصنة الحوثية، إلا أنها غير مجدية ضد المليشيا". مضيفا: "إن كانت هناك نوايا جادة لدى المجتمع الدولي، فهو من خلال دعم إلغاء اتفاق الحديدة ودعم القوات الحكومية في مواجهة مليشيا الحوثيين".
وأردف: "نتمنى أن تتعاون الحكومة الشرعية مع المجتمع الدولي في قص أيادي وأذرع إيران على ضفاف البحر الأحمر".
ضربات عدائية
يصف المحلل السياسي المقيم في صنعاء رشيد الحداد الضربات الأمريكية البريطانية بأنها ضربات عدائية. وقال لمركز سوث24: "العمليات التي نفذها الطيران الأمريكي والبريطاني على عدد من المحافظات اليمنية التي تقع تحت سيطرة حكومة صنعاء هي عمليات عدائية وتعد من العمليات الفاشلة التي كان الهدف منها الإجهاز على القدرة العسكرية والجوية لحركة أنصار الله الحوثيين".
مضيفا: "لكن حتى الآن، فشلت فشلا ذريعا، لذلك، رغم إعلان الجانب الأمريكي والبريطاني بأنَّ هذه العملية قد انتهت عشية الجمعة، إلا أن العمليات لا تزال متواصلة في محافظة الحديدة وعدد من المحافظات. هنا في صنعاء، فجر اليوم تم استهداف قاعدة جوية. كل هذه الضربات هي رد على هجوم صنعاء على القوات الأمريكية في البحر الأحمر التي يرجح أنها ألحقت أضرارا لم تعترف بها واشنطن".
وأردف: "المعادلة واضحة جدا وسهلة: وقف الحرب في غزة وإدخال المساعدات الغذائية لإنقاذ مئات الآلاف من الفلسطينيين مقابل خفض التصعيد في البحر الأحمر. لكن يبدو أن الولايات المتحدة وبريطانيا وما يسمى بتحالف حارس الازدهار يسعون لعسكرة البحر الأحمر".
غير فعالة
المحلل السياسي الجنوبي أوسان بن سدة لا يرى أن الضربات الغربية ستوقف عمليات الحوثيين ضد الملاحة الدولية. وقال لمركز سوث24: "لم تكن أحداث 7 أكتوبر التي جرت في غلاف غزة مفاجئة للحوثيين، فهم يعلمون مسبقا أن هناك صدام، أو معركة قادمة. لقد شنوا هجمات باعتقادي أنها أضرت باليمن ومصر والسعودية ودول البحر الأحمر أكثر من إسرائيل والولايات المتحدة".
مضيفا: "الحوثيون سيستمرون فالضربات التي وجهت لهم لن تحد من قدراتهم العسكرية. من المعروف إنهم يطلقون هجماتهم الصاروخية والمسيرة من منصات متحركة لا يمكن تدميرها من خلال قصف الأهداف الثابتة، وهذا ما برهنت عليه حربهم مع السعودية".
ويعتقد بن سدة أن هذه الضربات ستكسب الحوثيين تعاطفا في الشارع اليمني والعربي وثقلا سياسيا إضافيا". مضيفا: "نحن في جنوب اليمن نتعرض بشكل أو بآخر لتداعيات هذه التطورات، ونحن بحاجة إلى جهد سياسي ودبلوماسي وعسكري أكثر للتعاطي مع كل هذا".
مراجعة الذات
يعتقد المحلل السياسي اليمني رياض الأحمدي أن الضربات يجب أن تدفع الحوثين لمراجعة حساباتهم. مضيفا لمركز سوث24: "بالنسبة لنا كيمنيين لا أتصور أن هناك من يريد تدخلاً أجنبياً ولكن لسنا مخيرين. كل ما يجب أن نقوله إن هذا التطور الذي يضع العملية السياسية في طريق مجهول، يجب أن يكون محركاً في المقابل يدفع الحوثيين للمراجعة ومد أيديهم للأطراف اليمنية الأخرى لأن التعنت سيخلق مأساة".
وتابع الأحمدي: "هذه الضربات نتيجة لتصرفات غير محسوبة من الحوثيين. يدفع اليمنيون ثمن سيطرة مليشيات مدعومة إقليمياً على عاصمة الدولة صنعاء وعلى مدن استراتيجية كالحديدة".
واليوم السبت، أعلنت الولايات المتحدة أنها قصفت في الفجر هدفا عسكريا للحوثيين في صنعاء. كما أفادت مصادر صحفية بوقوع غارات جوية لاحقا في مدينة الحديدة الساحلية. وعلى الرغم من أن هذه الضربات تخدم نظريا خصوم الحوثيين اليمنيين وحتى الإقليميين، إلا أن الحكومة اليمنية اعتبرتها ضمنا انتهاكا للسيادة في بيان يوم الجمعة اتهم الحوثيين بجر اليمن إلى حرب دولية.
كما أن المجلس الانتقالي الجنوبي لم يعلن موقفه رسميا حتى الآن، بينما وصف ناطق المقاومة الوطنية في الحديدة [مكون سياسي يرأسه طارق صالح] صادق دويد الضربات الأمريكية البريطانية بأنها تدخل أجنبي غير مقبول. على ذات المستوى، عبرت كل من السعودية والإمارات ومصر عن قلقها من هذه التطورات. وهو ذات الموقف الصادر عن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ.
قبل 3 أشهر