التحليلات

هل يستثمر الحوثيون مكاسبهم من حرب غزة لشن هجوم على الجنوب؟

مقاتلون من مليشيا الحوثيين (رويترز)

25-01-2024 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

سوث24 | إبراهيم علي*


يسيطر على كثير من اليمنيين شعورٌ سلبيٌ تجاه دخول جماعة الحوثيين على خط الحرب في غزة، من خلال الهجمات المسيَّرة، وعمليات اعتراض السفن الإسرائيلية والمتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر بحسب مزاعم الحوثيين.


لا يتعلق الأمر هنا بالمخاوف من التبعات التي قد تسفر عن تلك الهجمات، وإنما بمخاوف الناس مما قد تعتبره جماعة الحوثيين أو تتعامل معه لاحقا كاستحقاق محلي نتيجة لدورها في حرب غزة. 


هذا الشعور ناتج عن تجربة عاشها الناس طوال السنوات الماضية، استثمرت خلالها الجماعة الحرب لتثبيت وجودها، وفرض نمط حياة ينسجم مع توجهاتها الفكرية، إضافة إلى التنصل من مسئوليتها تجاه المواطنين في مناطق سيطرتها كسلطة أمر واقع، بذريعة تحمل مسئولية مواجهة "العدوان"، كما تصفه.  أما من يطالبون بإصلاحات اقتصادية، فقد تم اتهامهم بالعمل لصالح العد كطابور خامس.


غير أنَّ الأمر سيكون مختلفا هذه المرة، وبشكل كبير، لوجود ما يمكن تسويقه شعبيا من مبررات توسيع دائرة النفوذ شمالا وجنوبا، إضافة إلى وضع جماعة الحوثيين التفاوضي الجيد بشأن ملف اتفاق السلام وإنهاء الحرب في اليمن، خصوصا في ظل سياسة السعودية الجديدة تجاه هذا الملف، عدا عن الانقلاب الكبير في موقف بعض أطراف الصراع المناوئة للحوثيين أو التي كانت تقدم نفسها كأطراف مناوئة.


الجنوب


لا تخفي الجماعة رغبتها في إعادة السيطرة على الجنوب إلى ما تسيطر عليه في الشمال،  لكنَّ مبررات ترجمة ذلك إلى واقع لم تكن متوفرة كما هي اليوم. إلى جانب أن الحوثيين سعوا للحصول على شرعية شعبية من خلال الهجمات المساندة لغزة، حرصوا أيضا على تجريد خصومهم من شرعيتهم بذريعة دعم "الصهاينة". تعتبر الجماعة أي موقف محلي مناهض لما تقوم به في البحر الأحمر، عملا مساندا لإسرائيل، وبالتالي، ستخوض معركتها ضدهم تحت هذا المبرر.  كانت الحكومة الشرعية قد أدانت تهديد جماعة الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر، وفي نفس الوقت أدانت ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة، وهو ذات الموقف الذي اتخذه المجلس الانتقالي الجنوبي. المختلف هذه المرة هو أن موقف بعض الأطراف المحسوبة على الحكومة الشرعية، يساهم، وبشكل كبير، في تعزيز تسويق الجماعة لخطابها هذا على المستوى الشعبي.

  

صحيح أن موقف تلك الأطراف يتدثر بشعار "وحدة الصف"، إلا أنَّ نتائجه تصب في صالح جماعة الحوثيين التي بدأت بالفعل التمهيد للتحرك جنوبا من خلال عملياتها الأخيرة بالطائرات المسيرة في كل من شبوة ولحج وأبين والضالع. 


لم يتوقف الأمر عند عمليات الاستهداف من الجو، فهناك تحشيد على الأرض في أكثر من محافظة.  يشير كل ذلك إلى أن الجماعة تستعجل استثمار ما تعتبره التفافا شعبيا حولها في الشمال للتحرك نحو الجنوب، تحسبا لأية تطورات دولية وإقليمية يمكن أن تعرقل ذلك. لا يتعلق الأمر فقط باستثمار الالتفاف الشعبي، الذي لا يعني بالضرورة الاستجابة لمشروع جماعة الحوثيين، وإنما أيضا باستثمار موقف بعض الأطراف المناوئة كحزب الإصلاح والذي وضع، بموقفه هذا، قاعدته الشعبية الكبيرة تحت تصرف الجماعة. 


ورغم الموقف الإصلاحي الذي يدعم الحوثيين، يحاول الحزب نفي هذه التهم من وقت لآخر عبر نشر مواد أو تقارير صحفية في مواقعه الرسمية تهاجم الحوثيين. 


موقف المناوئين


لا تكمن خطورة موقف بعض الأطراف التي تقدم نفسها كمناوئة للحوثيين في كونها محسوبة على الشرعية فقط، بما يعنيه ذلك من اختراق داخلي لها، وإنما في كونها أطرافا تسيطر على مناطق مهمة، في مأرب ووادي حضرموت وتعز والجوف وغيرها، وهي مناطق بعضها في الجنوب وبعضها متاخم له. 


الأخطر من ذلك هو أن هذه الأطراف على صلة وثيقة بتنظيم القاعدة، والذي قد يلعب هو الآخر دورا في التمهيد لتحركات الحوثيين جنوبا. من المهم الإشارة هنا إلى علاقة هذا الثلاثي بدولة إيران الحريصة على توسيع الحوثي لنفوذه في اليمن وأيضا خارجها. كما تجدر الإشارة إلى أن الإصلاح والقاعدة خاضا معا حربا شرسة ضد القوات الجنوبية في محافظتي أبين وشبوة خلال الأعوام الماضية. 


هدايا السعودية


إنَّ الأخطر من كل ما تقدم هو الموقف السعودي الجديد المتعلق بمفاوضات السلام. حيث تتفاوض الرياض مع جماعة الحوثيين بمعزل عن الأطراف المحلية المناوئة لها، وتقدم التنازلات رغبة في إنهاء ملف حرب اليمن، وتأمين أراضيها من أية هجمات عابرة للحدود، وهي بذلك تمنح الحوثيين من خلال السلام ما لم يحصل عليه طوال سنوات الحرب. 


لا شك أن الحوثيين يدركون تماما ما يعنيه هذا الموقف، وسيتحركون عمليا على أساسه، فيما تبقى من الشمال خارج سيطرتهم، ونحو الجنوب. 


عمليا، كانت السعودية قد حاولت الحيلولة دون تشكيل قوة جنوبية قادرة على حماية الجنوب من تهديد الحوثيين، وذلك من خلال تشكيل قوات ينتمي معظم أفرادها إلى حزب الإصلاح والسلفيين، والدفع بها إلى مناطق سيطرة القوات الجنوبية، كما حالت دون تقدم هذه القوات إلى وادي حضرموت، وتعمل حاليا على تشكيل قوات جديدة في الوادي.  


من المهم الإشارة هنا إلى تغزل الطرفين ببعضهما أخيرا، فالسعودية تعتبر هجمات البحر الأحمر من أسباب حرب غزة، في معارضة واضحة للموقف الأمريكي، بينما يشيد الحوثيون بموقف السعودية، كما ورد في لقاء ناطق الجماعة، محمد عبدالسلام، مع وكالة رويترز، التي وصف خلالها السعوديين، ولأول مرة بـ"الأشقاء"، وهو ما اعتبرته وسائل إعلام محسوبة على الجماعة تطورا لافتا في العلاقة بين الجماعة والرياض.  


محمد عبدالسلام نفسه، أعاد تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" لوزير الخارجية السعودي تؤكد أن ما يجري في البحر الأحمر على صلة وثيقة بما يجري في غزة. 


مخاوف واستعداد


تشير مواقف وتحركات المجلس الانتقالي الجنوبي الأخيرة إلى وجود مخاوف حقيقية من مخاطر قادمة تستهدف الجنوب بدرجة رئيسية.


نلاحظ مثلا أن المجلس أعلن ترحيبه بإعادة تصنيف أمريكا لجماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية بتصنيف خاص، كما أكد رئيس المجلس، عيدروس الزُبيدي، لصحيفة "الغارديان" أن الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية ضد الحوثيين في اليمن غير كافية. ودعا الزبيدي إلى استكمال الحملة الجوية، من خلال توفير الأسلحة والتدريب وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع القوات الحكومية الموجودة على الأرض. 


ولكي تسهم العملية الأمريكية في إضعاف جماعة الحوثيين بشكل فعَّال، حذر الزُبيدي من أن "يُكرر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة نفس الأخطاء التي ارتكبها التحالف العربي في اليمن، عندما ركز الضربات الجوية على مواقع الحوثيين دون وجود قوات برية كافية لاستكمال تلك الضربات".


وفي سياق الإجراءات، قال الزبيدي: "نحن بصدد تنظيم لقاءات لمطالبة الولايات المتحدة بتوسيع وتنسيق العمليات والضربات للتأكد من فعاليتها وشمولها، وما نحتاج إليه هو المعدات العسكرية، وبناء القدرات، وتدريب القوات البرية، فضلاً عن تبادل المعلومات الاستخباراتية، إذا كان هناك تبادل معلومات استخباراتية أقوى، فيمكننا إجراء تقييمات مشتركة لمدى فعالية الضربات الجوية الأمريكية". 


أما على مستوى التحركات العملية، فقد قام الزبيدي بزيارة لجزيرة ميون التي تعد أهم جزيرة في المضيق وقلعة برية طبيعية للتحكم فيه. الزيارة تمت برفقة وزير الدفاع في حكومة عدن وزميله السابق محمود الصبيحي. 


خلاصة


- قد تجد جماعة الحوثيين في مجموعة من الظروف المحلية والإقليمية والدولية فرصة لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه خلال السنوات الماضية، أو ما كان مشروعا مؤجلا بالنسبة إليها. ونقصد هنا توسيع دائرة النفوذ شمالا وجنوبا.


- تشير العمليات العسكرية للجماعة بواسطة الطيران المسير في عدد من المحافظات الجنوبية، وأيضا التحشيد قبالتها خلال الأيام والأسابيع الماضية، إلى نوايا سيئة للجماعة تجاه الجنوب.


- ربما تعتقد الجماعة أنها ومن خلال قصفها لأهداف أمريكية وإسرائيلية في البحر الأحمر، وتعرضها لقصف جوي أمريكي وبريطاني غير مؤثر، قد نجحت في إيصال رسائل عسكرية غير مباشرة لدول الخليج من شأنها تحييد هذه الدول عن المشاركة في أية معارك محلية يمنية قادمة. ما قد يعزز هذا الاعتقاد لديها هو الموقف السعودي من عمليات البحر الأحمر، وأيضا تعاطي الرياض الجديد مع ملف اتفاق السلام في اليمن.


- لكن بما أن جماعة الحوثيين صارت تشكل تهديدا حقيقيا للملاحة الدولية في البحر الأحمر، فمن غير المستبعد أن تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية إلى عمليات برية بالشراكة مع أطراف يمنية، خصوصا بعد فشل الغارات الجوية في الحد من هجمات الجماعة البحرية.


- يبقى ما تقدم مجرد حسابات لجماعة الحوثيين قد تقع في فخ التقدير الخاطئ، خصوصا للموقف الشعبي الذي تجاوب بدرجة رئيسية مع القضية الفلسطينية وليس مع مشروع الجماعة.




*إبراهيم علي
خبير متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب عدم الكشف عن هويته، لأسباب شخصية.


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا