رئيس الوزراء اليمني ونائب وزير الخارجية الروسي في موسكو. 26 فبراير 2024 (X/@Yemen_PM)
20-03-2024 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن
"هي عملية نفسية ضد أصدقاء مفترضين وأعداء مؤكدين. ويشير ذلك إلى أن الحوثيين هم من يقبعون تحت الضغط حاليًا أكثر من أي وقت مضى".
سوث24 | أندرو كوريبكو
عبر حسابه على منصة "إكس"، غرد علي القحوم، عضو المكتب السياسي للحوثيين، السبت الماضي قائلا: "هناك بناء مستمر وتطور في العلاقات الدولية بين اليمن وروسيا والصين ودول البريكس وتبادل الخبرات والتجارب في مجالات مختلفة وهذا فيه مصلحة مشتركة لإغراق أمريكا وبريطانيا والغرب في مستنقع البحر الأحمر وفي أعالي البحار لتغرق وتتلاشى وتضعف قطبيتها الأحادية".
بقدر ما يتمنى بعض أنصار القضية الفلسطينية أن يكون هذا صحيحا، إلا أنه ليس كذلك في واقع الأمر. ثمة حقيقة مفادها أن الحوثيين لا يملكون أية علاقات رسمية مع منظمة "بريكس" لأنهم ليسوا جزءًا من الحكومة اليمنية المعترف بها من الأمم المتحدة بالرغم من أن بعض أعضاء "بريكس" مثل روسيا يتحاورون سياسيُا مع الحوثيين، كما أن إيران حليف للجماعة. هذا الأمر يعرفه أي شخص قام بتغطية عابرة للصراع على مدار الأعوام التسعة الماضية. باستثناء إيران لا يوجد من يتبادل مع الحوثيين الخبرة والتجربة في مجالات متنوعة.
في الحقيقة، أدان مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا الهجمات الحوثية ضد سفن مدنية في بداية العام، بل أنه امتنع عن استخدام الفيتو في مواجهة قرار غربي بمجلس الأمن بعد ذلك بوقت وجيز بالرغم من توقعه الدقيق بأن هذا سوف يتم استغلاله كذريعة لقصف هذه الجماعة. لقد ظل رد الفعل الروسي مقتصرًا على الخطابة بشكل كان يمكن التنبؤ به. وبالرغم من إدانة روسيا لحملة التحالف، ما تزال موسكو أيضا تدين هجمات الحوثيين المستمرة على السفن.
ما يؤكد هذه النقطة تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي قال لرئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك أثناء زيارة الأخير إلى موسكو أواخر فبراير: "لا يمكننا التغاضي عن قصف السفن التجارية، بغض النظر عن الدوافع وراء ذلك". لقد كان هذا تصريحا مهمًا، لا سيما وأن بن مبارك، الذي شغل منصب وزير الخارجية منذ 2020، تقلد منصبه الإضافي كرئيس وزراء في وقت سابق من ذات الشهر، واختار موسكو كمقصد لأول جولاته الخارجية.
في بعض الأحيان، تتم ممارسة فن إدارة الدولة في الظل ولا يقول الدبلوماسيون الحقيقة دائمًا. لكن في هذه الحالة لا يوجد سبب يمكن تصديقه يدعو إلى الشك تجاه إخلاص الموقف الروسي المعلن رسميًا. السعودية، العضو الجديد في "بريكس"، التي خاضت حروبًا مع الحوثيين امتدت زهاء العقد من الزمان، تعد شريكًا أكبر بالنسبة لموسكو في سوق الطاقة العالمية. ويمنع هذا روسيا من إبرام علاقات إستراتيجية عسكرية سرية خلف ظهر الرياض مع تلك الجماعة بالشكل الذي صوره عضو مكتبها السياسي.
جاء إعلان القحوم مباشرة بعد أن ادعى الحوثيون امتلاك صواريخ فرط صوتية. ويأتي ذلك في أعقاب تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مقابلة مع أحد كبار إعلاميين بلاده بشأن تفوق موسكو على واشنطن في الأسلحة الفرط صوتية. هذا التسلسل في الأحداث الذي يأتي مقترنا مع حربين منفصلتين بالوكالة تخوضهما روسيا والحوثيين ضد الولايات المتحدة يفسر لماذا يصدق بعض أنصار الفلسطينيين أن موسكو ربما مررت هذه الأسلحة للجماعة.
الأدهى من ذلك ما نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية قبل أكثر من أسبوع من أن "السكك الحديدية الروسية شهدت زيادة في الطلب عليها بعد هجمات البحر الأحمر". مجلة "نيوزويك" ضخمت هذا السرد لاحقا لتجعل روسيا تبدو كما لو كانت لها يد في الحصار الحوثي. وجاء ذلك قبيل المناورات البحرية الروسية-الصينية-الإيرانية في البحر العربي الأسبوع الماضي والتي وصفها سفير طهران هناك على نحو يفتقد الدقة بأنها "تحالف دولي جديد".
بالنسبة للمراقب العابر المتأثر بعقيدة إعلامية غير سائدة تصور كافة الدول التي على خلاف مع الولايات المتحدة بأنها تنسق مع بعضها البعض خطة شطرنجية "خماسية الأبعاد" لإسقاط الأحادية القطبية، بدا أن القحوم كشف ببساطة عن السر الأسوأ في العالم. الحقيقة هو عدم وجود شيء من هذا القبيل يجري خلف الكواليس. بيد أن هذا التلميح الثقيل بوجود هذا الشيء، ناهيك عن سياق الصواريخ الفرط صوتية، يخاطر بتعقيد السياسة الخارجية للكرملين.
تعرضت العمليات التجارية مع أوروبا لكل من الهند والصين، العضوان الأساسيان في "بريكس"، لاضطرابات جراء حصار الحوثيين للبحر الأحمر والذي تعارضه كلتا الدولتين بدافع أسباب اقتصادية تتعلق بمصالح ذاتية. وقد يدفع هذا البعض داخل المجتمع المدني والخبراء داخل البلدين إلى التساؤل إذا ما كانت روسيا مرتبطة بشكل ما في هذا الحصار. وعلاوة على ذلك، لا تحب الهند الحوثيين الذي يستهدفون ناقلات متجهة إليها. وتعارض الصين دائما من حيث المبدأ حركات التمرد المسلحة المعارضة للحكومة نظرا لموقفها تجاه تايوان.
بالنسبة لباقي أعضاء "بريكس"، ما تزال الإمارات العربية المتحدة تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي في مواجهة الحوثيين بالرغم من انسحاب قواتها من الصراع قبل سنوات. وتشعر مصر بالانزعاج بعد أن تسبب الحصار في تقليص إيرادات قناة السويس إلى النصف. وفي ذات الأثناء، تعتمد الدولة القريبة إثيوبيا على البحر الأحمر في واردات الأسمدة والوقود، ولذلك، ما يحدث لا يسعد أديس أبابا بوضوح. وهكذا، لا يتبقى من دول المنظمة إلا البرازيل وجنوب إفريقيا اللتين لا تملكان بالتأكيد تأثيرا مطلقًا على المنطقة.
هكذا، تعد إيران فقط عضو "بريكس" الأوحد التي "تتبادل الخبرة والتجارب في مجالات شتى مع الحوثيين" بما في ذلك المجال العسكري. وقد يفسر ذلك كيف استطاع الحوثيون وضع أيديهم على الصواريخ الفرط صوتية بعد أن كشفت الجمهورية الإسلامية عن نسخة محلية محدثة في نوفمبر. من خلال الادعاء بعكس ذلك، لا سيما الزعم بامتلاك علاقات مع روسيا والصين وتفسيرها بأنها تستند إلى مصالح عالمية مشتركة، يحاول الحوثيون الضغط عليهما من أجل الوقوف إلى جانبهم.
لتفسير ذلك، يشعر الحوثيون بالاستياء لعدم اتخاذ روسيا والصين موقفا أقوى لدعم غزة ومناهضة عمليات قصف التحالف في اليمن. بيد أنه لا يوجد مراقب يتوقع عكس ذلك نظرا لأن كلا البلدين لا تملكان الإمكانيات والإرادة لفعل ذلك. لن تخاطر الدولتان بالدخول في حرب مع إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا من أجل دعم حماس والجماعة بالرغم من معارضتها للعقاب الجماعي الذي تقوم به تل أبيب ضد الفلسطينيين وكذلك لحملة التحالف في اليمن.
ومع ذلك، يدرك الحوثيون تماما أن الحركة المؤيدة للفلسطينيين والتي سعوا إلى الارتباط بها منذ بداية حصار البحر الأحمر هي الأكثر شعبية في العالم، وأن معظم أعضائها لديهم آراء إيجابية للغاية بشأن السياسة الخارجية الروسية والصينية. إنهم متفائلون أيضا تجاه الآفاق المرتبطة بإصلاحات تدريجية لمنظمة "بريكس" تتعلق بالنظام المالي العالمي نحو اتجاه أكثر تعددية قطبية. لذلك، يريد الحوثيون استغلال هذه المشاعر.
من خلال تحريف الحقيقة والادعاء بامتلاك علاقات مع روسيا والصين و"بريكس" يريد الحوثيون التعتيم على تعاونهم العسكري مع إيران، المسؤول ربما عن حصولهم على صواريخ فرط صوتية لو صح ذلك. يريد الحوثيون كذلك الضغط على موسكو وبكين وعلى المنظمة التي شاركت الدولتان في تأسيسها من أجل بذل المزيد لدعم قضيتهم وقضية غزة خشية أن يخيبوا آمال الكثير من أتباعهما في أرجاء العالم الذين يعتقدون بشكل خاطئ أنهما تدعمان الحوثيين.
إذا استفاد الغرب من تغريدة القحوم للضغط على روسيا والصين بشكل أكثر من ذي قبل استنادا إلى هذه الذريعة الزائفة، ربما يعتقد الحوثيون أن ذلك قد يدفع الدولتين لدعمهم بشكل فعال. بيد أن هذا الأمر ليس إلا خيالًا سياسيًا بالتأكيد. إنها تغريدة مجردة من أي جوهر واقعي ومثال نموذجي لعملية نفسية ضد أصدقاء مفترضين وأعداء مؤكدين. ويشير ذلك إلى أن الحوثيين هم من يقبعون تحت الضغط حاليًا أكثر من أي وقت مضى.