التحليلات

حالة ركود سياسي في اليمن: هل ستطول؟

الصورة: فنان تشكيلي يعرض نموذجًا وهميًا لسفينة الشحن الإسرائيلية جالاكسي ليدر، للبيع في أحد شوارع صنعاء، اليمن، 05 ديسمبر 2023. (تصوير محمد حمود/ غيتي إيماجز)

13-06-2024 الساعة 10 صباحاً بتوقيت عدن

language-symbol language-symbol

لا يبدو أن الفاعليين الدوليين بما فيهم الولايات المتحدة يرغبون بفتح ملف السلام في اليمن راهناً، أو على الأقل وفق الشروط السابقة التي اتفقت حولها المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان وجماعة الحوثيين.


فريدة أحمد


منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023 في غزة، دخلت اليمن في حالة من المراوحة السياسية، مع تصاعد الهجمات الحوثية على الملاحة البحرية في البحر الأحمر خلال الأشهر الثمانية الماضية ضمن عملية التصعيد التي تقودها الجماعات المدعومة من إيران في المنطقة. وجهت الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا، جهودها لصد هذه الهجمات عسكريا، كما قامت واشنطن باستصدار قرار دولي من مجلس الأمن يطالب الحوثيين بوقف فوري لهجماتهم التي تعيق التجارة العالمية وتقوض السلم والأمن الإقليميين، وصنفتهم كجماعة إرهابية.


رغم ذلك، لم يتمكن المجتمع الدولي من كبح جماح الحوثيين أو الضغط على إسرائيل للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، يقطع الطريق أمام مزاعم الجماعة اليمنية التي تربط هجماتها البحرية بالوضع في فلسطين. وقد أدى التواجد العسكري الغربي المكثف في منطقة البحر الأحمر إلى تعزيز النفوذ العسكري الأجنبي في هذا الممر المائي الاستراتيجي، وهو مرتبط بشكل أو بآخر بالملف اليمني. تم تعليق اتفاق خارطة الطريق الأممية المعلن في ديسمبر الماضي، كما أن الحرب في غزة والتصعيد في البحر الأحمر أبطأت وتيرة جهود السلام في اليمن، وفقاً للمبعوث الخاص للأمم المتحدة، هانز غروندبرغ. وهذه التطورات قد تهدد الهدنة الهشة المعلنة منذ عامين إذا استمر الجمود السياسي، وتنذر بعودة أوسع للصراع.

 

تعبئة وتصعيد عسكري

 

لم تتوقف جماعة الحوثي عن إشعال الجبهات الداخلية بالرغم من انشغالها بالمواجهات البحرية، حيث شنت سلسلة هجمات مميتة في عدة جبهات حدودية في محافظتي لحج والضالع ضد القوات المسلّحة الجنوبية، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من الطرفين. على سبيل المثال، قُتل 24 جندياً جنوبيا، خلال شهر مارس لوحده. كما استهدف الحوثيون جبهة حريب جنوبي محافظة مأرب بالطائرات المسيرة، وقُتل 6 من متسبي ألوية العمالقة الجنوبية وأصيب آخرون في هجوم آخر للحوثيين هناك.


الهجمات الحوثية على الملاحة في البحر الأحمر تحت ذريعة الدفاع عن غزة زادت من شعبية الجماعة في مناطق سيطرتهم شمال اليمن، واستغل الحوثيون هذه الفرصة لتجنيد واسع النطاق، مستهدفين الشباب من فئة المهمشين، وخصصوا مبالغ مالية لهذا الغرض في صنعاء وإب وغيرها. في ظل الجمود العسكري في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها، استفاد الحوثيون من الشعبية المتزايدة لتحقيق مكاسب على الأرض.


ولا يبدو بأنّ هناك توجه حكومي رسمي لاستئناف المعارك العسكرية ضد الجماعة الحوثية، رغم اعتداءات الأخيرة المتكررة، إذ من الواضح أن ضغوط الدول الإقليمية في الحفاظ على مسار الهدنة سيظل ضرورياً بالنسبة لها على الأقل في هذه المرحلة. ومع ذلك فُسرت زيارة رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، إلى محافظة مأرب للمرة الأولى له منذ تشكيل المجلس الرئاسي، على أنها توحي بوجود ترتيبات عسكرية محتملة، خصوصا وأنّ الرجل توعّد بالانطلاق من مأرب " لتحرير المناطق التي مازالت تحت سيطرة ميليشيا الحوثي، وسيتحقق النصر".

 

جمود سياسي


مما لا شك فيه، أنّ تصاعد الحرب في غزة وانعكاساتها على الأمن الإقليمي في المنطقة، ساهمت بتأجيل النقاش حول خارطة طريق الحل التي تتبناها الأمم المتحدة في اليمن. ولا يبدو أن الفاعلين الدوليين بما فيهم الولايات المتحدة يرغبون بفتح هذا الملف راهناً، أو على الأقل وفق الشروط السابقة التي اتفقت حولها المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان وجماعة الحوثيين. فقد أبلغت واشنطن الأطراف المعنية في اليمن بأنّ خارطة الطريق الأممية لاتفاق السلام لا يمكن أن تستمر إلا إذا أوقف الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر.


في الواقع، لا يبدو أنّ جميع أطراف المجلس الرئاسي اليمني يقبلون ببنود خارطة الطريق الحالية، التي أُعدت مسبقاً دون الخوض في نقاشاتها منذ البداية، رغم استجابتهم الشكلية بسبب ضغوط السعوديين. كان لدى الجنوبيين، على سبيل المثال، تحفّظات واضحة على الخارطة. فقد أكدوا مرارا عدم قبول أي صفقة لا تضع إطارا تفاوضيا خاصا بقضية الجنوب كما حددته المشاورات اليمنية في الرياض في أبريل 2022. ويرفض المجلس الانتقالي الجنوبي كذلك ذهاب موارد الجنوب المالية والاقتصادية للحوثيين.


وعلى الرغم من استمرار الرحلات المكوكية للمبعوث الأممي هانز غروندبرغ إلى الأطراف اليمنية، إلا أنّ المسار السياسي وفقاً للتقديرات الراهنة، سيظل راكداً حتى نهاية العام، لا سيّما في ظل انشغال الولايات المتحدة بالتحضير لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر عقدها في نوفمبر المقبل. فضلاً عن انشغال بريطانيا في الانتخابات العامة المبكرة التي أعلنها رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، والمقرر عقدها في يوليو المقبل، والتي عادةً ما يتم تقييد النشاط الوزاري والإداري للحكومة خلال فترة الحملة الانتخابية. من الواضح أن الحملات الانتخابية ستصرف الانتباه عن المسائل الملحّة في المنطقة، بما في ذلك ملف اليمن، وسيكون من الصعب على أي حكومة جديدة معالجة تعقيدات هذا الملف في وقت قصير. لذا، على الأرجح سيتم استبعاد أي مقاربة سياسية يمنية في الوقت الراهن حتى يتم حسم نتائج الانتخابات في العواصم الكبيرة، وهذا سيعتمد في المحصّلة على قدرة الحكومات الجديدة على تحديد الحيّز الذي يمكن أن تلعب فيه بسياستها الخارجية وفقاً لمصالحها.

 

ضغوط اقتصادية


أثارت القرارات غير المسبوقة للبنك المركزي التابع للحكومة الرسمية في عدن، جدلاً واسعاً خلال الأيام الماضية، بعد اتخاذه سلسلة من الإجراءات القانونية، أهمها: تحديد مهلة شهرين لسحب العملة القديمة التي يُجرى التعامل بها في مناطق سيطرة الحوثيين، ووقف التعامل مع 6 من أكبر البنوك اليمنية التجارية، بعد فشلها في نقل مقارها الرئيسية من صنعاء إلى عدن، وعدم التزامها بقراراته. بالإضافة إلى ذلك، تم حصر مزاولة نشاط الحوالات المالية الخارجية على البنوك وشركات الصرافة المرخصة والمعتمدة من قبله. على المدى البعيد، يمكن أن تعزز هذه الإجراءات من سيطرة البنك المركزي في عدن على الاقتصاد الوطني وتحد من التهديدات التي يفرضها الحوثيون.


وردا على هذه الإجراءات، حذّر زعيم الجماعة الحوثية من "عدوان اقتصادي" تخطط له الولايات المتحدة والسعودية ضد اليمن. من المهم القول، إنّ الملفات العسكرية والسياسية والاقتصادية متداخلة ببعضها البعض، وقد عمّقت الأحداث الدولية في البحر الأحمر من تسريع اتخاذ مثل هذه الإجراءات الاقتصادية، والتي يبدو أنّها "تحظى بدعم من الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين، كما قد تكون حصلت على موافقة ضمنية من السعوديين"، وفقاً لوكالة بلومبرغ.

 

على الأرجح، استغلت الحكومة المعترف المواجهة الحوثية مع الولايات المتحدة وبريطانيا في البحر الأحمر وتصنيف أمريكا للحوثيين كجماعة إرهابية، واتخذت قراراتها التي تأخرت نتيجة توقعاتها السابقة بعوائق رفض أمريكية بريطانية لأي إجراءات اقتصادية قبل التوتر في البحر الأحمر.


وفقاً لهذا النهج، قد تسهم الضغوط الاقتصادية في زيادة التصعيد العسكري من قبل الحوثيين، وقد تشتعل الجبهات من جديد بقدر التأثير الذي ستحدثه هذه الإجراءات عليهم، وبحسب ارتباط الهجمات على الملاحة بالاستراتيجية الإيرانية في المنطقة. كلا الأمرين يمكن اختباره في الأشهر القليلة القادمة.

 

 

ملفات إنسانية


ازدادت الأوضاع الإنسانية صعوبة خلال الأشهر الماضية، وباتت أكثر حدة مع تطوّر الصراع الدولي في البحر الأحمر، ومعه ازدادت مخاطر المجاعة والأمراض، بسبب نقص الغذاء والدواء وانقطاع كثير من سلاسل التوريد المارة عبر الموانئ المحلية بسبب الهجمات الحوثية على السفن، وعلى إثره انخفضت كثير من المساعدات الإنسانية والإغاثية الموجهة لليمن.


من جانب آخر، شنّت جماعة الحوثي موجة اعتقالات واسعة استهدفت العشرات من موظفي الوكالات الأممية والمنظمات الدولية الإنسانية والمحلية في صنعاء ومدن أخرى، بينهم نساء. في سياق انتهاكات الجماعة المتصاعدة ضد العمل الإنساني، اعتقلت نحو 35 موظفاً وعاملاً إنسانياً في صنعاء وحجة والحديدة وعمران وصعدة، في يوم واحد. أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش، هذه الاعتقالات وطالب بإطلاق سراح الموظفين الأمميين بشكل فوري، مشككا بالتزام الحوثيين بالسلام. كما بثت الجماعة ما زعمت أنها اعترافات لموظفين يمنيين سابقين لدى السفارة الأمريكية بصنعاء، اتهمتهم بالتجسس. وأدانت الخارجية الأمريكية "بشديد اللهجة" ما اعتبرتها "جهود الحوثيين الرامية إلى نشر معلومات مضللة عن الموظفين المحليين للبعثة الأمريكية من خلال اعترافات متلفزة قسرية ومزيفة، ودعت للإفراج الفوري عنهم.


حملة الاعتقالات بدت مرتبطة بالاعتبارات الأمنية للحوثيين واتهاماتهم بالتجسس ضد موظفي هذه المنظمات، وكذلك بعدم حصولهم على تسهيلات من المنظمات الدولية بعد تصنيفهم كجماعة إرهابية من قبل واشنطن. خصوصا، وأن نسبة كبيرة من الدعم المالي والمنح الدولية كانت تصل للجماعة من خلال البنك المركزي في صنعاء الخاضع لسيطرتها، مما وفر لهم فوائد مالية كبيرة.

 

بالمقابل، يثير الاهتمام في الملف الإنساني مساعي الحوثيين لفتح الطرقات بشكل أحادي، في مدينة تعز وطرق أخرى تربط مأرب بالبيضاء، والبيضاء بأبين. اختلفت ردود الفعل إزاء هذه الخطوة الحوثية، فبينما يراها البعض محاولة لامتصاص الضغوط الاقتصادية، يعتقد آخرون أنها مجرد مراوغة للترتيب لعملية عسكرية. سارعت السلطات المحلية التابعة للحكومة المعترف بها في تعز إلى إزالة الأتربة والعقبات الطبيعية مثل الأشجار، وهيأت الطريق للمرور، ومع ذلك لم تحدد حتى الآن آلية لتنقل المارة أو ما إذا كانت ستزال المظاهر العسكرية أو سيتم إجراء تفتيش دقيق.


مازالت هناك مخاوف من تمركز قناصة حوثيين في الجبال، أو مواجهة ألغام مزروعة في الطرقات، أو استعدادات قتالية غير متوقعة مثل الخنادق والحواجز الأسمنتية والترابية الممتدة على طول الخط الفاصل بين الطرفين. كما إنّ العلاقة الوثيقة بين "غزوان المخلافي"، قائد مجموعة مسلحة تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وبين الحوثيين، تثير قلقاً كبيراً لدى كثير من السكان، خاصة وأن المخلافي لديه سجل حافل بالانتهاكات في المحافظة. يعتقد بعض المراقبين أن المساعي التي شارك فيها المخلافي لفتح الطرق قد تكون كميناً عسكرياً حوثياً للتسلل مجدداً إلى مدينة تعز.

 

ومن جانب آخر، هذه المخاوف المشروعة تثير قلقا لدى الجنوبيين، لا سيما إذا تم اختراق جبهة الراهدة في تعز باتجاه مناطق جنوب اليمن، في محاولة لتغيير معادلة القوة على الأرض قبل استئناف أي نقاش سياسي مع الحكومة المعترف بها وحلفائها الإقليميين. وقد حذرت لجنة تابعة لوزارة الدفاع اليمنية من الانجرار خلف التحركات الحوثية  لفتح طريق محافظتي البيضاء - أبين. وقالت أنّ "فتح الطرقات يجب أن يتم بقرار سياسي عقب إيقاف شامل لإطلاق النار، ومن خلال لجان متخصصة وبإشراف أممي".


في المحصّلة، قد تواجه المرحلة المقبلة في إطار الملف اليمني مماطلة سياسية طويلة لأسباب رئيسية. أولاً، عدم تحقق الهدف العسكري الدولي في البحر الأحمر من ردع جماعة الحوثي، وثانياً، الانشغال العالمي بالانتخابات الأمريكية المقبلة وما سينتج عنها من معطيات. عند ذلك، سيفكر المجتمع الدولي في كيفية تمويل اختياراته الصعبة في ظل حرب مشتعلة منذ أشهر في شمال البحر الأحمر ومنذ عدة سنوات في جنوبه.




فريدة أحمد

المديرة التنفيذية لمركز سوث24 للأخبار والدراسات

شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا