تجميع: مركز سوث24
22-07-2024 الساعة 11 صباحاً بتوقيت عدن
"قد تشجّع التدخلات الإسرائيلية المباشرة الحوثيين على المزيد من التصعيد، مما قد يؤدي إلى توسيع نطاق الصراع وتدويله، وبالذات إذا ذهبت الانتخابات الأمريكية نحو فوز الجمهوريين بقيادة ترمب"
سوث24 | فريدة أحمد
في 19 يوليو الجاري، تبنّى الحوثيون عملية عسكرية بطائرة دون طيار ضربت جزءاً من وسط تل أبيب بالقرب من السفارة الأمريكية، ممّا تسبب في مقتل إسرائيلي في الخمسين من عمره وإصابة عدد آخر. وذكر الحوثيون، أنّهم نفذوا العملية بمسيّرة جديدة اسمها (يافا) قادرة على تجاوز المنظومات الاعتراضية للعدوِّ ولا تستطيع الرادارات اكتشافَها. وهي المرة الأولى التي يلحقون فيها ضرراً بشرياً رغم الهجمات المتكررة على إسرائيل التي تجاوزت أكثر من 200 مرة، وفقاً لوزير الدفاع الإسرائيلي.
كان الثمن باهضاً جداً بحلول مساء اليوم التالي، فقد شنّت إسرائيل هجوماً شاملاً باستخدام 12 طائرة من طراز F-35، على محطة كهرباء ومستودعات غاز و20 منشأة تخزين للنفط في ميناء الحديدة على البحر الأحمر ، مما أحدث حريقاً هائلاً ظل يشتعل لساعات طويلة في المدينة. وتبعاً لموقع أكسيوس الأمريكي، فإنّ الضربة تمت بالتنسيق مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي الذي تم تشكيله لمواجهة هجمات الحوثيين. تسبّبت الهجمات الإسرائيلية على ميناء الحديدة بمقتل 6 أشخاص وإصابة 87 آخرين بحروق شديدة، وفقاً لوزارة صحة الحوثيين.
في المقابل، توعّد أحد قادة الحوثيين بأن الغارات الإسرائيلية التي استهدفت، ميناء الحديدة في اليمن "ستُقابل بالتصعيد"، مؤكداً أن إسرائيل "ستدفع ثمن" هذه الضربات. وفعلاً خلال ساعات، شنّ الحوثيون عمليات عسكرية نحو أهداف مختلفة بعدد من الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة على منطقة(إيلات)، وسفينة "Pumba" الأمريكية في البحر الأحمر، رداً على الهجمات الإسرائيلية، وفقاً للمتحدث العسكري للحوثيين. وقد أدانت الحكومة اليمنية المعترف بها، الهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة بعبارات شديدة اللهجة، محمّلة إسرائيل، "المسؤولية الكاملة عن أي تداعيات جراء غاراته الجوية، بما في ذلك تعميق الأزمة الإنسانية التي فاقمتها الميليشيا الحوثية بهجماتها الإرهابية على المنشآت النفطية وخطوط الملاحة الدولية".
ومن منطلق وزنهما الاستراتيجي كدول مطلة على البحر الأحمر، خصّصت كلٌ من السعودية ومصر مساحة لمواقفهما إزاء الضربات الإسرائيلية على الحديدة في اليمن، فقد دعت القاهرة، لـ"ضبط النفس والتهدئة، وتجنب الانزلاق لفوضى إقليمية، مطالبة كافة الفاعلين على المستويين الإقليمي والدولي للاضطلاع بمسئولياتهم من أجل إنهاء الحرب الإسرائيلية في غزة باعتبارها السبب الرئيسي في ارتفاع حدة التوتر والتصعيد الإقليمي الحالي". بينما مال الموقف السعودي للتبرير، موضحاً بأنّ، "لا علاقة للمملكة باستهداف الحديدة، والمملكة لن تسمح باختراق أجواءها من أي جهة كانت".
أزمة اقتصادية خانقة
من المهم القول، إنّ ميناء الحديدة يعدّ النقطة الحاسمة والوحيدة لدخول جميع البضائع بما في ذلك الغذاء والنفط الذي يشكل عامل أساس لحياة السكان في مناطق سيطرة الحوثيين. وحسب التقييم الأمني للجيش الإسرائيلي، فإنّ قدرة الميناء تعطلت تماماً عن استقبال البضائع بعد الضربات الإسرائيلية. هذا الأمر، من المرجّح أن يؤدي إلى نقص حاد في الوقود في مناطق كثيرة شمال اليمن خلال الفترة القادمة، كما إنّ الأضرار التي لحقت بمحطة كهرباء الحديدة ستؤدي إلى تفاقم معاناة السكان في ظل حرارة صيف شديدة، وبالذات في المناطق الساحلية الحارة المطلة على البحر الأحمر.
استفاد الحوثيون من عوائد الجمارك والضرائب المفروضة على الواردات عبر ميناء الحديدة طوال سنوات الصراع، وجنوا من خلالها مليارات الدولارات. وقد سبق وأن عرقل الحوثيون "اتفاق استوكهولم"، الذي اقترحته الأمم المتحدة لتخصيص عائدات المشتقات النفطية الواردة عبر ميناء الحديدة لسداد رواتب موظفي الدولة، عبر تجميعها في حساب خاص في البنك المركزي اليمني بمحافظة الحديدة. ونهب الحوثيين منذ إعلان الهدنة الأممية في إبريل 2022، ما يقارب تريليوناً و600 مليار ريال يمني من الميناء وحده. كما استفادوا من النفط الإيراني الذي يتم تهريبه لهم عبر مرافئ الحديدة، كجزء من التمويل الحربي للجماعة، والذي تقوم لاحقاً ببيعه في الأسواق اليمنية.
سيواجه الحوثيين على الأرجح أزمة اقتصادية حادة خلال الفترة القادمة، خاصة وأنّهم فقدوا مورداً وشرياناً اقتصادياً مهماً بعد الضربات الأخيرة على الميناء. وربما لن يبقى أمام الحوثيين إلا استيراد النفط من عدن أو مأرب لمنع أزمة وقود خانقة قد تؤدي لانتفاضة شعبية واسعة في مناطق سيطرتهم، وهذا الأمر بالمحصّلة سيفرض الملف الاقتصادي كملف رئيسي وطارئ للنقاش في أي مفاوضات قريبة، لا سيّما والحوثيين يمرون بوضع حرج من كل الاتجاهات. هذا الإطار، سيوفّر فرصة للحكومة المعترف بها بإعادة تصدير النفط من ميناء الضبة بحضرموت، بعد أن توقف بشكل كامل نتيجة الهجمات الحوثية على الموانئ اليمنية في أكتوبر 2022. كما سيعيد النقاش حول الملف الاقتصادي بشكل كلي وليس جزئي، وسيمنح الحكومة المعترف بها القدرة على المناورة بامتلاكها ورقة ضغط قوية تسمح لها بتشديد الخناق على الحوثيين، وبالذات في ظل حاجتهم للنفط من مناطق الحكومة بعد الضربات الأخيرة على ميناء الحديدة.
مع ذلك، يشكّل غياب القرار السياسي للمجلس الرئاسي في اليمن وخضوعه للضغوط الإقليمية والدولية، مشكلة رئيسية تؤجل حل كثير من الملفات، ليس آخرها تأجيل الإجراءات العقابية التي فرضها البنك المركزي على البنوك التجارية المخالفة لقرار نقل المقرات الرئيسية من مدينة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى العاصمة عدن في جنوب اليمن. فقد ضغط المبعوث الأممي "غروندبرغ"، والسعودية على الحكومة المعترف بها للتراجع عن القرارات وفقاً لمعلومات حصل عليها مركز سوث24 في وقت سابق. جاء ذلك بعد تهديدات حوثية في 7 يوليو بضرب المطارات والبنوك والموانئ السعودية. انتقد كثير من المراقبين اليمنيين، رسالة المبعوث الأممي للرئاسية اليمنية بتأجيل الإجراءات تجنباً لتصعيد عسكري محتمل حد قوله، واعتبروه تدخلاً لصالح الحوثيين، إذ كان يمكن اتخاذ موقف أكثر حزماً عندما أقدمت الجماعة على ضرب الموانئ النفطية في جنوب اليمن، أو عندما خلقت انقساماً نقدياً ونهبت أصول البنوك ورواتب الموظفين.
في غضون ذلك، يبدو أن الحكومة المعترف بها استجابت للضغوط السعودية والأممية، وتمّ تجميد القرارات حتى نهاية أغسطس القادم. إذ يبدو أن الرياض تتحاشى فعلياً الخوض في مواجهة جديدة مع الحوثيين، بعد سنتين من الهدنة ومحادثات ثنائية بين الطرفين بوساطة عمانية، كما إنّها لن تجازف بتقاربها مع طهران بعد نحو عام ونصف من استعادة العلاقات بينهما. وفي المقابل، لا يبدو أنّ طهران هي الأخرى ترغب بدفع الرياض بعيداً عن اتفاق بكين، رغم دعم كلّ منهما لمعسكرات مختلفة في عدة نزاعات متشابكة في المنطقة أبرزها سوريا واليمن.
ماذا بعد؟
يعاني اليمنيون في مناطق سيطرة الحوثيين من تحويل موانئهم المطلة على البحر الأحمر إلى منصات لإطلاق الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، وذلك وفقًا لحسابات وأولويات إيران وليس اليمن. كما يواجه سكان هذه المناطق ويلات الحرب بشكل مضاعف، بسبب الانتهاكات الحوثية المتواصلة ضدهم، الأمر الذي يفاقم من معاناتهم الإنسانية والأمنية، ناهيك عن التداعيات السلبية للممارسات غير المسؤولة التي تسببت بها الجماعة الحوثية من خلال استخدام الموانئ المدنية لأغراض عسكرية، أدت إلى تدمير بنيتها التحتية تماماً منذ الهجوم.
تقود التطورات الأخيرة للانخراط الإسرائيلي المباشر في الملف اليمني، إلى الذهاب نحو سيناريوهين اثنين:
الأول: التهدئة في البحر الأحمر
قد تساهم الضغوط الإسرائيلية، إلى جانب الضغوط الاقتصادية المتزايدة وتردي الأوضاع الخدمية والمعيشية في مناطق سيطرة الحوثيين، إلى دفع الجماعة للعودة إلى طاولة المفاوضات الإقليمية بقيادة السعودية وعمان فيما يخص الملف اليمني، وبالتبعية إلى التهدئة في البحر الأحمر. فقد سعت الجماعة الحوثية مراراً بتجنب الحوار سعياً وراء مكاسب أكبر من خلال هجماتها على الملاحة البحرية. لذا، يمكن أن تفضي الضغوط الإضافية إلى إجبار الحوثيين على الخضوع للاشتراطات الإقليمية والدخول في مفاوضات جديدة، وبالذات في ظل الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها الجماعة. هذا الأمر بالمحصّلة يمكن أن يساهم في تقوية موقف الحكومة المعترف بها، ليس فقط في الملف الاقتصادي وحسب، بل الملفات السياسية والعسكرية، خاصة إن وجد قرار سياسي وإرادة موحّدة.
الثاني: توسيع نطاق الصراع
قد تشجّع التدخلات الإسرائيلية المباشرة الحوثيين على المزيد من التصعيد، مما قد يؤدي إلى توسيع نطاق الصراع وتدويله، وبالذات إذا ذهبت الانتخابات الأمريكية بفوز الجمهوريين بقيادة ترمب، الذي صنّف الجماعة الحوثية من سابق؛ بمنظمة "إرهابية" أجنبية، ويمكن أن يشمل ذلك تدخلات أمريكية أوسع في نطاق البحر الأحمر، تتعدى العمليات الدفاعية التي تقوم بها عملية "حارس الازدهار"، إلى عمليات هجومية شاملة.
هذا السيناريو يبدو مرعباً لوهلة، لأنّه قد يرفع من درجة الصراع لمستوى أعلى، لاسيّما وأنّه يهدد الأوضاع المعيشية والاقتصادية للسكان على الجانبين، سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أو مناطق الحكومة المعترف بها. إذ من المهم التأكيد على إنّ مسؤولية إنقاذ الأزمة تقع على عاتق جميع الأطراف المعنية، بما فيها المحلية والإقليمية والدولية، وذلك من خلال اتخاذ خطوات حاسمة لوقف الممارسات الحوثية المُهددة للسلم والاستقرار، وحماية الشعب اليمني من المزيد من المعاناة.