جزيرة سقطرى في جنوب اليمن (الأمم المتحدة)
31-07-2024 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
في نوفمبر 2023، أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن تقريراً يوضح المستقبل المتوقع للمناخ في اليمن؛ وكيف يمكن أن يؤثر تغير المناخ على التنمية الاقتصادية والبشرية على المدى الطويل.
وقال التقرير إن اليمن يُعد من بين البلدان الأكثر عرضة لتغير المناخ، وهو البلد الذي يواجه أزمة متفاقمة في المياه منذ عقود. ومع ذلك، مثل معظم البلدان ذات الدخل المنخفض، فإن مساهمة اليمن في أزمة المناخ قليلة جداً.
وتوقع التقرير زيادة في سوء التغذية والفقر في اليمن إذا لم يتم اتخاذ إجراءات مناخية لبناء القدرة على الصمود. مع تغير المناخ وبحلول عام 2060، من المتوقع أن يفقد اليمن 93 مليار دولار تراكمي في الناتج المحلي الإجمالي وأن يعاني 3.8 مليون شخص إضافي من سوء التغذية في البلد.
فما هي تداعيات تغير المناخ في اليمن الفقير الممزق بسبب الحرب؟
الأعاصير والفيضانات
حذر الخبير البيئي والرئيس السابق للهيئة العامة لحماية البيئة اليمنية، د. عبد القادر الخراز، من ازدياد حدة الظواهر المناخية المتطرفة في اليمن، مشيراً إلى أن الأعاصير والفيضانات باتت تُشكل تهديداً كبيراً على حياة وممتلكات السكان.
وأوضح الخراز في حديث خاص لمركز سوث24 أن اليمن يُعد من الدول الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ، لا سيَّما وأنَّه يعاني من موجات جفاف قاسية وفيضانات وأعاصير وأمطار غزيرة.
وأضاف: "الأعاصير، وبالأخص تلك التي ضربت شرق جنوب اليمن خلال السنوات الأخيرة، مثل المهرة وسقطرى وحضرموت، تسببت في أضرار جسيمة بالبنية التحتية والممتلكات، كما أدت إلى نزوح العديد من السكان".
وتابع: "أما الفيضانات، التي نتجت عن هطول كميات كبيرة من الأمطار، فقد أثرت على كل من المناطق الساحلية والداخلية، مما أدى إلى تفاقم أزمة نقص المياه وانعدام الأمن الغذائي".
من جانبه، قال المهندس عمر بادخن، الفائز بجائزة "أبطال الأرض الشباب" التي قدمها برنامج الأمم المتحدة للبيئة وشركة كوفيسترو الرائدة في مجال العلوم والمواد، عن مشروع لمكافحة تلوث الهواء في الأماكن المغلقة، في العام 2017، إن "الأعاصير والمواسم المطرية غير المنتظمة والجفاف الحاد في بعض المواسم والاضطراب الكبير في الأمطار والتي تصل إلى الفيضانات والأعاصير بشكل متكرر، هي أبرز تغير المناخ في اليمن".
وأضاف لمركز سوث24: "أيضًا ارتفاع درجة الحرارة واضطراب مواسم الأمطار أدى إلى اضطراب في التقويم الزراعي وتضررت الكثير من المحاصيل الزراعية سواء بالجفاف أو بملوحة التربة وغيرها من العوامل الأخرى الناتجة عن اضطراب مواسم الزراعية".
ولفت بادخن إلى أنَّ هناك مصطلحان أساسيان في التغير المناخي، هما: "التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من الآثار أو المسببات". مضيفًا: "اليمن بطبيعة الحال ليس مسببًا أساسيًا؛ وكلنا نعرف أن السبب الرئيس للتغييرات المناخية هو انبعاثات الغازات الدفيئة، لاسيما ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرها. اليمن يعد من البلدان الأقل مساهمة، بل إنَّ مساهمته لا تذكر في هذا الجانب، ورغم ذلك، إلا إنه من أكبر البلدان المتضررة".
التداعيات والتأثيرات
أوضح الخبير في مجال دراسات البيئة والمناخ المهندس عامر أحمد باراس لمركز سوث24، أنه يمكن تلخيص تداعيات تغيير المناخ في اليمن في عدة نقاط، على النحو الآتي:
• زيادة الصراع على الموارد المائية، والحد من إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة للشرب والري.
• تدهور الأمن الغذائي بسبب انخفاض انتاج الغذاء، نتيجة الجفاف وتدهور جودة التربة.
• زيادة التشرد والهجرة، بحثًا عن موارد ماء وطعام أفضل، مما يؤدي إلى توترات وتغيرات في التركيبة الاجتماعية والاقتصادية في البلد.
• ارتفاع مستوى سطح البحر في أماكن وانحساره في أماكن أخرى مما يهدد المناطق الساحلية والمنازل والبنية التحتية.
• تكرار الكوارث الطبيعية، مثل: الفيضانات والسيول والجارفة والعواصف الرملية والمنخفضات الجوية التي تؤثر على البنية التحتية والمجتمعات المحلية.
ولفت المهندس بادخن إلى أن تغيرات المناخ باليمن "تؤثر بشكل كبير على مختلف القطاعات، وبالأخص القطاعات الزراعية، وقطاعات الصحة، وقطاعات الإنتاج السمكي، وقطاعات التنمية الريفية".
مُتعلق: حضرموت والمهرة: دعوة للعمل من أجل مواجهة كارثة المناخ
الحلول المطلوبة
يتفق الخبراء على أن حلول تغيرات المناخ بشكل عام من غير الممكن أن تقتصر على بلد دون آخر، في حين أنها يجب أن تكون حلول على مستوى العالم.
ولفت باراس إلى أنّه يمكن تلخيص بعض الحلول، على النحو الآتي:
• التحول إلى مصادر طاقة نظيفة مثل الطاقة الشمسية والرياح، لتقليل انبعاثات الكربون.
• تعزيز المرونة والتكيف من خلال تطوير تقنيات زراعة مقاومة للجفاف وإدارة المياه بكفاءة أكبر.
• حماية الموارد الطبيعية من خلال تشجيع ممارسات الزراعة المستدامة والحفاظ على الغطاء البيئي بأنواعه سواء كان غطاء أخضر أو نباتي أو حيواني.
• تطوير بنية تحتية مقاومة لهذه المشاكل البيئية والكوارث البيئية للتعامل مع الفيضانات والسيول الجارفة والعواصف الرملية.
• تعزيز التعاون الدولي لتبادل المعرفة والتكنولوجيا والموارد في مجال مكافحة تغير المناخ والتكيف معه.
وأضاف باراس: "بطبيعة الحال، تحقيق هذه الحلول يتطلب جهود مشتركة من الحكومة والمجتمع المحلي والقطاع الخاص بالإضافة إلى التزام دولي عالمي قوي، لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ".
وحذر الخبير الخراز من أن تغيرات المناخ وعلى الرغم من أنَّها ظاهرة طبيعية، إلا أنَّها تسارعت بسبب الأنشطة البشرية، مما أدى إلى ظهور تأثيراتها بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعًا، مضيفاً: "ما كان سيحدث خلال 100 أو 200 سنة، أصبحنا نراه يتجلى الآن خلال 10 سنوات فقط".
وحذَّر الخراز من أن التأثيرات، مثل العواصف الشديدة والفيضانات والجفاف، ستزداد سوءًا إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة، وأشار إلى أهمية الاستعداد لتغيرات المناخ من خلال تحسين أنظمة الإنذار المبكر وإنشاء بنى تحتية مناسبة.
وشدّد على ضرورة اتخاذ خطوات للتخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بما في ذلك سنّ قوانين وتشريعات تمنع البناء في المناطق الخطرة، وتفعيل القوانين الموجودة، وتشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة. ولفت إلى أهمية تنفيذ مشاريع مستدامة ومكافحة الفساد في الوزارات ذات الصلة، لضمان تنفيذ المشاريع بشكل فعال.
وقال بادخن: "التغير المناخي قضية عالمية كبرى ليست فقط في اليمن، وعملية الحد منها هي عملية مُكلفة جدًا تستدعي خططًا واستعدادات مسبقة للتكيف والتعامل معها لاسيما أنها سهلة التوقع، مثل: الأعاصير، وأيضًا الانخفاض الحاد في الأمطار في بعض المناطق الداخلية، وأيضًا ارتفاع درجة الحرارة".
وأضاف: "يمكن الحد منها من خلال إنشاء مراكز كبيرة للإنذار وحل للإنذار المبكر وأيضا مراكز للطوارئ وخدمات خدمات الإنقاذ وخدمات الاستجابة السريعة للكوارث، وغير ذلك".
وأردف: "هناك تمويلات كبيرة جدًا مرصودة دوليًا. فقط على البلاد أن تُعد خططا وتوائمها مع كل القطاعات الأخرى وسيتم تمويلها في حال تم تقديمها بطريقة محترمة".
فساد وخلل
هاجم الرئيس السابق للهيئة اليمنية لحماية البيئة عبد القادر الخراز الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وتحدث عن فساد وخلل يهددان تمويلات التغيرات المناخية في اليمن، مما يُعيق جهود البلاد لمكافحة هذه الظاهرة.
وقال لمركز سوث24: "هناك أشخاصً غير مؤهلين أو فاسدين يتولون إدارة مشاريع التغيرات المناخية في اليمن، ممّا يُعيق حصول البلاد على التمويلات اللازمة من صندوق المناخ الأخضر وغيره من الجهات الدولية. بعض الشهادات الخاصة بتقييم الأثر البيئي قد تكون مزورة، ممّا يُثير قلقًا كبيرًا بشأن سلامة هذه المشاريع".
مُتعلق: الكوارث الطبيعية بحضرموت: معاناة تتجدد في غياب الدولة
وأوضح الخراز أنّ "مشروعًا تمّ إعداده لتأهيل هيئة حماية البيئة للحصول على تمويلات من صندوق المناخ الأخضر لم ينجح بسبب الفساد، ممّا يُؤكّد على خطورة هذه الظاهرة". وذكر أنّ "البنك الدولي قد أوقف تمويلاته لليمن بسبب عدم القدرة على إدارة مشاريع التغيرات المناخية بشكل فعّال وشفاف".
وقال إن "مشروعًا ثانٍ بقيمة 17 مليون دولار تمّ إعداده عام 2018 لمناطق في سقطرى والمهرة لم يُسفر عن أي نتائج حتى الآن، ممّا يُثير تساؤلات حول مصير هذه الأموال". وأشار إلى أنّ "تقرير المناخ الرابع الذي تمّ تمويله عام 2019 لم يتمّ إنجازه بعد، ممّا يُؤكّد على ضعف أداء الجهات المسؤولة عن تنفيذ هذه المشاريع".
وأكّد على وجود تمويلات أخرى غير موجودة على أرض الواقع، ممّا يُثير الشكوك حول عمليات الفساد في هذا المجال". وقال إن "هناك خطط لتسليم تمويلات التغيرات المناخية لوكيل واحد أو شركة واحدة، ممّا سيُؤدّي إلى سيطرة هذه الجهات على الأموال دون وجود أي تنافس".
ولم يتسن لمركز سوث24 التواصل مع الحكومة اليمنية أو الجهات المسؤولة فيها للتحقق من هذه الادعاءات.
وحتى الآن، يبدو أن مكافحة آثار تغير المناخ في اليمن تأتي في ذيل اهتمامات الأطراف السياسية المنشغلة بالأزمة والحرب التي دخلت عامها العاشر. كما أن البلاد تعاني من أزمات اقتصادية وإنسانية متفاقمة تجعل الحديث عن المناخ والمستقبل بمثابة "رفاهية"، رغم الخطر الاستراتيجي الذي قد تشكله تغيرات المناخ على البلد.
وتثير حقيقة أن اليمن من بين البلدان الأشد تأثرا بتغير المناخ الناتج عن الاحتباس الحراري وانبعاثات الكربون، رغم أن إسهامه في هذه الانبعاثات لا يذكر، التساؤلات حول العدالة المناخية والأدوار المطلوبة للقوى الصناعية العالمية التي تغرق الكوكب بهذه المخلفات. وكذلك دور الأمم المتحدة، تجاه اليمن.