تفاصيل خاصة: انقلاب على اتفاق الرياض.. كيف يسعى الفساد للسيطرة على عدن؟

تفاصيل خاصة: انقلاب على اتفاق الرياض.. كيف يسعى الفساد للسيطرة على عدن؟

التقارير الخاصة

الخميس, 23-04-2020 الساعة 07:57 مساءً بتوقيت عدن

سوث24| زيورخ 

لم  تجفّ أمطار فيضانات المنحدر الجوي التي ضربت عدن الثلاثاء، وسببت خسائر اقتصادية هائلة للسكان، حتى غدت هذه الكارثة فرصة سياسية مواتية لإدارة الرئيس هادي، للانقلاب على "اتفاق الرياض الذي ينّص على تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب من جهة، ومصدر دخلٍ واعد لنخبة من المسؤولين المتورطين في قضايا نهب المال العام وإشاعة الفساد من جهة أخرى، كما تُشير مصادر سياسية وثيقة لـ سوث24.

ينصُّ اتفاق الرياض الذي وُقّع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي في 5 نوفمبر 2019 برعاية المملكة العربية السعودية، على عودة رئيس الوزراء اليمني إلى عدن على أن يُعيّن بعد ذلك رئيس الجمهورية محافظا ومدير أمن لها ومن ثم العمل على تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب، حسب تراتبيتها الواردة في مسودة الاتفاق.

عاد رئيس الوزراء اليمني أواخر نوفمبر 2019 إلى عدن، لكنه غادرها إلى الرياض عقب ثلاث أشهر من تواجده وفريقه الوزاري في المدينة. بقي نائب رئيس الوزراء سالم الخنبشي يُدير الأمور الروتينية للحكومة من قصر معاشيق في مدينة كريتر.

وكشف مصدر سياسي مطّلع لـ "سوث24" أن عودة الدكتور معين عبد الملك إلى الرياض حينها، تم "بطلب من إدارة الرئيس عبدربه منصور هادي، وبالتفاهم مع أطراف داخل التحالف العربي"، لم تسمّها.

كانت الخطوة في الأساس تهدف لتقييم الواقع في عدن من وجهة نظر "إدارة الرئيس هادي" التي يتحكم بمفاصلها نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، كما يذكر المصدر. 

"لكن إدارة الرئيس هادي منعت عودة عبد الملك بمفرده، واشترطت أن تكون العودة للحكومة بأكملها، بعد أن يتم نزع سلاح المجلس الانتقالي الجنوبي، وتفكيك قواته المتماسكة في عدن، أو الاتجاه لحسم الأمور عسكريا."

مصدر سياسي: إدارة الرئيس هادي منعت عودة عبد الملك بمفرده، مشترطة أن تكون العودة للحكومة بأكملها، بعد أن يتم نزع سلاح المجلس الانتقالي الجنوبي، وتفكيك قواته المتماسكة في عدن، أو الاتجاه لحسم الأمور عسكريا." 
يقول المصدر: "تلى ذلك الدفع بعملية التحشيد العسكري على مشارف شقرة، وتعزيز القوات القادمة من مأرب هناك بآليات ومدرعات حديثة تسلمتها مؤخرا من السعودية"." لقد كان الهدف إخضاع المجلس الانتقالي عسكريا لشروط الحكومة". 

تحاشى المصدر السياسي الإجابة على سؤال لـ سوث24، إذا كانت السعودية تؤيد تلك الخطوات، لكنه أردف قائلا: "نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر وقائد قوات الحماية الرئاسية ناصر عبدربه منصور هادي، لا يتخذان القرار مطلقا بمفردها".

وخلال الفترة الماضية شهدت مدينة شقرة الساحلية بمحافظة أبين تواجد عسكري مكثف، لقوات تتبع جماعة الإخوان المسلمين، وأخرى من الحماية الرئاسية فضلا عن تجنيد عناصر يشتبه بانتمائها لتنظيم القاعدة، كما أشار لذلك بلاغ أمني لقوات الحزام الأمني في المحافظة. 

هددت تلك القوات بشنّ معركة عسكرية أطلقت عليها "الفجر الجديد" صباح الجمعة الماضية 17 إبريل 2020، تزامنا مع حملة إعلامية قادها مسؤولون في الحكومة وقيادات إخوانية أخرى متهمة بالانتماء لتنظيم القاعدة، وتلقي أموال من قطر.

وحذر المجلس الانتقالي بالمقابل من اندلاع حرب وشيكة. لكن جهود لجنة الوساطة العسكرية بقيادة اللواء ثابت جواس حالت دون اندلاع معركة، وانتهت بإخماد التوتر بين الجانبين بعد لقاء ضم قيادات جنوبية عسكرية في الحكومة وأخرى في المجلس الانتقالي في مقر التحالف العربي بعدن الاثنين 19 إبريل 2020.

مصائب قوم عند قوم فوائد 

على الرغم من أن المجلس الانتقالي، وعبر عدد من مسؤوليه، أشاد ضمنيا بجهود رئيس الوزراء اليمني عبد الملك، خصوصا قراراته التي لاقت ترحيبا في إزاحة عدد من الوزراء المتهمين بصناعة الأزمات، والمتورطين في قضايا فساد واسعة، إلا أن الصراع الذي تعيشه الحكومة اليمنية والانقسام الهائل في صفوفها عقب خمس سنوات من الحرب في اليمن، يعيد تركيز القرار بأيدي الأدوات المستفيدة من أموال هذا الصراع. 

لم تقدّم الحكومة لعدن طيلة السنوات الماضية إنجازا يذكر كما يقول الأهالي. أفشلت أطراف حكومية نافذة جهود كل فرد يرفض الفساد يصل لمنصب حاكم عدن، وحاصرته من إيرادات الدولة، كما فعلت مع عيدروس الزبيدي وعبد العزيز المفلحي. قبل أن يُقالوا أو يستقيلوا.  لم تكن مشكلة الكهرباء لوحدها الأزمة الأشد فتكا للأهالي هناك، فقد تدرجّت الكوارث تباعا، تم قطع مرتبات كثير من الموظفين، انتشرت أمراض الكوليرا وحمى الضنك وبدا النظام الصحي في المدينة ينهار تدريجيا.

كانت الفيضانات الأخيرة التي سببتها السيول، بمثابة القشة التي قصمت ظهر المواطن. لكنها بالتأكيد فتحت المجال لأطراف سياسية داخل الحكومة وأخرى مقربة من التحالف العربي للمناورة مجددا باتجاه إعادة الحكومة كاملة إلى عدن، دون الالتزام بمحددات اتفاق الرياض التي تنص على تشكيل حكومة مناصفة. 

يقول رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك مباشرة ولا تزال الشوارع غارقة بالسيول أن "الشلل الذي طال مؤسسات وأجهزة الدولة منذ أحداث اغسطس يضعف قدرتها ويفاقم العجز في فعالية مواجهة ظروف طارئة مثل هذه".

حاول عبد الملك، كما رأى معلقون، تبرئة ساحة الحكومة من الفشل ما قبل أغسطس أيضا، على الرغم أن محافظ عدن الأسبق عبد العزيز المفلحي اتهم رئيس وزرائها آنذاك، الدكتور أحمد بن دغر، بأنه "يسرق الضوء من العيون والماء من فم المساكين". 

يضيف عبد الملك في تغريدة له على تويتر "لا حل الا بتطبيق سريع لاتفاق الرياض بكامل بنوده، ولا حل الا بالالتفاف حول الدولة وتمكينها من القيام بمسؤولياتها."
 


قبله بساعات كان السفير السعودي إلى اليمن محمد آل جابر قد غرد مؤكدا "على ضرورة تنفيذ اتفاق الرياض" مشيرا بأن الاتفاق "سيوحد الجهود والصفوف للتغلب على جميع التحديات الإنسانية والاقتصادية والأمنية وتقديم الخدمات للشعب اليمني الشقيق."



تحاشا رئيس الوزراء والسفير السعودي الإشارة لعودة الحكومة بالكامل علانية، وهو ما سيشكّل خرقا لبنود اتفاق الرياض الذي حدد عودة رئيس الوزراء وفريقه المعني بتوفير الخدمات حتى تشكيل حكومة المناصفة. 

لكن السفير البريطاني إلى اليمن كان له رأي أكثر وضوحا نحو عودة الحكومة. 

قال ميشيل آرون على صفحته في تويتر أن "المآسي الناجمة عن هذه الفيضانات توضح أهمية تنفيذ اتفاق الرياض وإتاحة عودة رئيس الوزراء وحكومته الى عدن" 



وأثارت مطالبة السفير البريطاني بعودة الحكومة اليمنية انزعاج المغردين الجنوبيين. 

يقول عضو الجمعية الوطنية الجنوبي جمال بن عطاف، ردا على ذلك "سعادة السفير اتفاق الرياض ينص على عودة رئيس الحكومة وقد عاد الى عدن ومكث فيها اشهر وسافر بارادته الى الرياض، وحاليا يوجد نائب رئيس الوزراء ومعه أعضاء من الحكومة."

ويتسائل بن عطاف، مضيفا: "لماذا الحكومة لا تقم بدورها وكل المؤسسات متاحة لها في عدن وتأخذ ايراداتها؟!"



في الأثناء كان هناك حراك إعلامي منتظم يستهدف المجلس الانتقالي الجنوبي، بينهم إعلاميين سعوديين يعملون في قنوات بارزة. لقد بدا ذلك وكأنه ضغطا على المجلس الانتقالي للقبول بالأمر الواقع وتحقيق مساعي بعض الأطراف لإبقاء جميع عناصر هذه الحكومة في مناصبها ونقلها إلى عدن. 


ذكرت وسائل إعلامية في وقت سابق أن الرئيس هادي وجه بعودة الحكومة اليمنية إلى عدن. لقد بدت كارثة السيول المخرج الأكثر قبولا لإنجاح تلك العودة، ووضع المجلس في مواجهة مفتوحة مع الناقدين. لكنّ ذلك أثار حنق الشارع في عدن، ودفع نشطاء لتدشين هشتاج على تويتر "عودة الحكومة مرفوضة". 

وإثر ذلك قالت وسائل إعلام محلية في عدن أن المقاومة الجنوبية انتشرت في المدينة وبالقرب من مطار عدن الدولي، وهددت بعدم السماح للطائرة التي ستقّل الحكومة بالهبوط. 

مصدر حكومي أعلن لاحقا، أن محاولة الحكومة للعودة باءت بالفشل، حسبما نقلت ذلك قناة الجزيرة القطرية. 

وحمّل المتحدث باسم الرئيس اليمني ياسر الحسني "الانتقالي" مسئولية تعطيل عودة الحكومة وتنفيذ اتفاق الرياض."


وفي حين لم يعلّق المجلس الانتقالي رسميا على عودة الحكومة اليمنية، إلا أن مقربين من المجلس رحبّوا فقط بعودة رئيس الوزراء وفريقه المنصوص عليه في اتفاق الرياض.

وكان المجلس الانتقالي الجنوبي في نداء عاجل وجهه الأربعاء للمجتمع الدولي أكد على "الحاجة إلى حل سياسي دائم وعادل للصراع في اليمن."

وقالت الدائرة الخارجية للمجلس "يجب أن تكون الأحداث المأساوية اليوم في عدن دعوة للاستيقاظ، وأن أي تسوية تفاوضية يجب أن تشمل الجنوب".

مشددة على أن "النهج السياسي الشامل والشامل حقًا هو الذي سيوفر صفقة يمكنها تلبية الاحتياجات الحادة على الأرض، بما في ذلك الإنسانية والاقتصادية والأمنية."

وتضع الكارثة الإنسانية في عدن مختلف الأطراف (الحكومة والتحالف العربي والمجلس الانتقالي) أمام مسؤولية كبيرة لإثبات مصداقيتها في إنقاذ الناس من جحيم المعاناة، ووضع حد لحالة الحرب والصراع، وإعادة بناء ما دمرته الحرب والكوارث وسياسات الفساد المتتابعة. 

ووسط خشية مراقبين من الانقلاب على اتفاق الرياض تحت نظر التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وتبرير إعادة تدوير الفساد باستغلال الكوارث الإنسانية، يتسائل البعض هل لا تزال الرياض طرف محايد في اتفاق الرياض؟ أم أن ما يحدث هي مساعي فردية من قبل أصدقاء نائب الرئيس اليمني لحرف الاتفاق عن مساره؟


- إياد الشعيبي، رئيس مركز سوث24  للأخبار والدراسات 

عدن اتفاق الرياض جنوب اليمن المجلس الانتقالي الجنوبي الحكومة اليمنية سيول عدن السعودية التحالف العربي بريطانيا