05-05-2020 الساعة 11 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24| زيورخ
قال تقرير نشره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية اليوم الثلاثاء، أن الصراع الذي امتد على مدى خمسة أعوام في جنوب اليمن أدّى إلى ولادة مراكز قوى جنوبية، اختلفت في توجهاتها بين النزعة الاستقلالية الكاملة وبين الساعية إلى شبه الاستقلال الذاتي ضمن نظام اتحادي.
واعتبر التقرير الذي كتبه الباحث في المركز حسام ردمان أن وجهات نظر الطرفين وقضاياهم تم احتواءها حتى زادت ديناميكيات الحرب الحالية من الحكم الذاتي الجنوبي، ما شجع في نهاية المطاف بعض النخب السياسية الجنوبية من أن تقرر أن فرصها في الحكم قوية بما فيه الكفاية لإعلان الإدارة الذاتية.
وقال التقرير أن قضية الجنوب تعود جذورها إلى حرب 94 .. بعد تعرض الجنوب إلى التهميش والإهمال بشكل عام من قِبل السلطات الحاكمة في صنعاء. وشهد الجنوب عام 2007 حالة تعبئة سياسية جنوبية متجددة بتشكيل الحراك السلمي الجنوبي، إلا أن لحظة التغيير الجوهري في الساحة الجنوبية بدأت، بحسب درمان، منذ خمسة أعوام عندما أطلقت السعودية والإمارات عملية عاصفة الحزم.
نهاية الهيمنة الشمالية
ويشير التقرير بأن "المعارك التي اندلعت عام 2015 أنهت ما اعتبره العديد من الجنوبيين “الهيمنة الشمالية” على الجنوب بعد تحرير المحافظات الجنوبية من قوات الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح."
الجنوبيون وبعد "إقصائهم من السلطة" أعادوا "تنظيم أنفسهم في إطار “المجلس الانتقالي الجنوبي” بموجب إعلان عدن التاريخي في مايو/أيار 2017، وتسلم الزُبيدي رئاسة المجلس".
يقول درمان أن هذا " يعد هذا ثاني تطور رئيسي على مستوى تمكين الجنوبيين بعد عاصفة الحزم." فقد "استمد المجلس الانتقالي قوته وشخصيته على المستوى القيادي من تجربة الحكم القصيرة إلى جانب هادي والتي أنتجت نخبة سياسية شابة، ورثت موقع القيادات التاريخية للدولة الجنوبية من رجال أصبحوا في الثمانينيات من عمرهم مثل رؤساء جنوب اليمن السابقين علي سالم البيض، وعلي ناصر محمد، ورئيس الوزراء السابق أبو بكر العطاس"، بينما "على المستوى الأيديولوجي، تبنى المجلس خطاب “التحرير والاستقلال”، الذي أمّن له قاعدة جماهيرية واسعة ومشروعية سياسية وأخلاقية قوية. والأهم من هذا فقد امتلك المجلس قوة مسلحة، وذلك إلى جانب الدعم السياسي والمالي المقدم من دولة الإمارات".
وعلى الرغم من حالة الصراع بين طرفي مشروعين في الجنوب، فقد "استفاد المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017 من زخم القضية الجنوبية لتثبيت نفسه سياسياً وتوسيع نفوذه الجغرافي وبناء هياكله الداخلية ليعمل كحزب ويحاكي الدولة ومضاعفة قوته المسلحة."
المراوحة
لكنه، حتى المرحلة السابقة "ظل يراوح مكانة “كقوة أمر واقع” ولم يحاول الاستفادة من قوته ليتحول إلى “سلطة أمر واقع” على غرار ما فعله الحوثيون في شمال اليمن، أو يتنافس على النفوذ داخل حكومة هادي على غرار حزب الإصلاح. ركزت إستراتيجية الانتقالي المرحلية على تعريف المجلس كبديل للجنوبيين داخل الحكومة وعلى تأمين مقعد على طاولة التفاوض الأممي في المستقبل كممثل عن القضية الجنوبية."
يقول المركز أن النزاع المفتوح الذي اندلع في أغسطس/ آب 2019 بين القوات الحكومية والقوات التابعة للمجلس الانتقالي في عدن وأبين وشبوة، أدى إلى دفع المصالح الجنوبية نحو موقع قوي استراتيجيًا.
وبحسب الباحث اليمني المختص بشؤون الحراك الجنوبي فظاهريا أشعل "شرارة الانفجار ..اغتيال أبو اليمامة بهجوم صاروخي"، اتهمت على إثره "شخصيات من المجلس الانتقالي الجنوبي حزب الإصلاح بتعاونه مع الحوثيين.
أما في العمق، يشير درمان إلى أن "قرار الانسحاب الإماراتي في وقت سابق من العام هو المحفز الجوهري لتسارع الأحداث."
فرض الإرادة
ويضيف "أراد خصوم المجلس الانتقالي ومؤيدوهم الإقليميين – الحوثيون وإيران، وهادي والسعودية، وحزب الإصلاح وقطر وتركيا – استباق حالة الفراغ المحتمل جنوباً، وقطع الطريق أمام سياسة أبو ظبي لتمكين الحلفاء المحليين، والتي أدت إلى مضاعفة قدرات المجلس الانتقالي العسكرية خلال السنوات الماضية. وبالمقابل ضغطت قيادة المجلس بقوة رداً على استهداف قياداتها، محاولة السيطرة على أراضِ، قبل أن يختل التوازن الإستراتيجي الهش في الجنوب. "
وفي المحصلة كما يقول الباحث اليمني "نجح المجلس الانتقالي في فرض إرادته في عدن بينما فرضت حكومة هادي إرادتها في شبوة. وفي نهاية المطاف، فرضت السعودية الهدوء عبر “اتفاق الرياض” الذي منح السعودية شكلياً كل ما تريده بالتفرد والهيمنة على الفضاء الجنوبي من محافظة المهرة في الشرق إلى عدن في الجنوب."
وفي الضفة الأخرى "حقق المجلس الانتقالي – على الأقل نظرياً – جميع أهدافه المرحلية في مقاعد بالحكومة ومقعد على طاولة المشاورات مع الحوثيين حين يحين الوقت، وفي المقابل وافق على دمج قواته في قوات الشرعية. أما الإمارات، داعمة المجلس، خرجت كلياً من الحلبة العدنية في أكتوبر/تشرين الأول 2019 تاركة المجال للسعودية."
اتفاق الرياض وازدواجية الدور السعودي
ويفند الباحث اليمني بعض عيوب اتفاق الرياض، معتبرا "تعثر تنفيذ الاتفاق" سببه "غموض النص وغياب آلية تنفيذية صارمة"، فضلا عن "ازدواجية الدور السعودي كطرف في التسوية، وكوسيط في الاتفاق."
ويرى درمان أن ذلك أيضا يعود لاصطدام "مصالح الرياض الإستراتيجية بالعديد من أهداف الجنوبيين"، التي وصفها بـ "الانفصالية"، في الوقت الذي يفتقر فيه " المجلس الانتقالي.. إلى أدوات الضغط السياسي التي تمكنه من تعديل السلوك السعودي بحيث يغلب دوره “كوسيط” على حساب دوره “كطرف”."
واتهم الباحث اليمني هادي ونائبه، علي محسن الأحمر، بعرقلة إجراءات تطبيق الاتفاق خشية تقديم تنازلات سياسية ورغبة في استنزاف المجلس الانتقالي عسكرياً وشعبياً وسياسياً.
"عرقل هادي ونائبه، علي محسن الأحمر، إجراءات تطبيق الاتفاق خشية تقديم تنازلات سياسية ورغبة في استنزاف المجلس الانتقالي عسكرياً وشعبياً وسياسياً"
ويرى التقرير أن تزامن الإجراءات السياسية مع الأمنية يمثل “الحل السحري” لإنجاح اتفاق الرياض. "لكن الجانب السعودي عجز حتى الآن على تفعيل مكونات الاتفاق السياسية، مركزاً جهوده على الترتيبات الأمنية، وهو ما اعتبره المجلس الانتقالي استهدافاً مباشراً له وتمكيناً لخصومه."
ويعتبر حسام ردمان "التغير الجذري في ميزان القوى جنوباً لمصلحة الرياض وحلفائها حرم الانتقالي من مساحة المناورة التي كانت متاحة إبان التواجد الإماراتي، وقوّض قدرته السياسية على كبح سلوك الشرعية التعطيلي."
لكنه وعوضاً عن قبول “التآكل الذاتي”، - يضيف درمان - قام بخطوة دراماتيكية وأعلن الإدارة الذاتية في جنوب اليمن.. نجحت في تحريك الجمود السياسي الذي يحيط باتفاق الرياض."
ويخلص الباحث اليمني حسام ردمان للتأكيد على أن "الجانب السعودي يمتلك مصلحة حقيقية في تطبيق اتفاق الرياض وهذا ما يجعله صامداً رغم تصعيد الانتقالي والتعطيل الذي تمارسه حكومة هادي."
ويرى بأن "تقاسم السلطة ضمن الإطار المتفق، قد يساعد بتجنب الانزلاق نحو عنف مفتوح كالذي شهدناه في أغسطس/آب من العام الماضي. وبالتالي يبدو أن اتفاق الرياض قد تحول الى “ستوكهولم جنوبي” يحتوي ويسكّن الأزمة السياسية بدلاً من حلها."
- التقرير كاملا نشره: مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية