03-06-2020 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| بدر محمد
دائما، ثمّة عمليات عسكرية وصراع يُمَسرح على أرض الواقع في اليمن، عقب كل اتفاق سياسي أنجزته الغرف المغلقة بين الأطراف المتصارعة، وكأنّ مستجدّ مسرح العمليات العسكري الحاصل بعد، هو المتحدث الرسمي المفوّض نيابةً عن الأطراف المتصارعة المنفّضة عن اجتماع "الاتفاق" للتحدث بما لم تستطع الأطراف التحدث به، منذ ما قبل الأزمة المندلعة مؤخرا مطلع العام 2011 وحتى يومنا هذا، الذي يشهد محاولة تنفيذ متعثرة لـ "اتفاق الرياض السياسي المُوقّع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي".
لمعرفة ما يجري وللحصول على إجابات شافية نتوجّه للمتحدث الرسمي ،"مسرح العمليات العسكرية"، لاستخلاص الحقائق بطريقة غير مباشرة منه، أيضا، لدى لعبة عدم مباشرة الشارع اليمني بالحلول السياسية الصادمة متعلق ظرفي بطبيعته السيكولوجية. فالواقع يقول أن اليمني لايقبل أو يتقبل نفاذ الحلول السلمية، وعدم المباشرة ربما هي الطريقة الخاصة لتثبيت الصورة السياسية الجديدة في ذهنه.
لا تستطيع أي تسمية رنّانة لأي اتفاق سياسي الحيلولة دون حدوث صراع، كاتفاق "السلم والشراكة" بين الحوثيين والأحزاب اليمنية مثلاً أو "وثيقة العهد والاتفاق" بين نظامي الدولتين الشمالية والجنوبية في العام 1994م. فمن المعلوم عن الاتفاقات السياسية كما أسلفنا اعتبارها مؤشر لانطلاق صراع ما يُمَسرح في صورةِ عمليةٍ عسكريةٍ جديدة.
الواقع يقول أن اليمني لا يقبل أو يتقبل نفاذ الحلول السلمية، وعدم المباشرة ربما هي الطريقة الخاصة لتثبيت الصورة السياسية الجديدة في ذهنه
خروجُ معسكرات وقوات الحكومة اليمنية من الجنوب والاتجاه إلى مأرب، المحافظة الشمالية المتاخمة للعاصمة صنعاء معقل السيطرة الحوثية، حلٌ سلميٌ يحتاج إلى إيمان قوي يعادل قناعتين، إمّا قتال الحوثيين أو انتهاء ما يُعرف بـ الوحدة اليمنية. استحضار عقيدة القتال جنوباً للدفاع عن الوحدة اليمنية قناعة تائهة بين السعي لتنفيذ الدولة الاتحادية والعودة للحفاظ على الجمهورية اليمنية بنظامها المركزي. التيه المصدّر مشكلة مستقبلية، إما للحوثي اذا اتجهت شمالا لتنفيذ الدولة الاتحادية واستعادة العاصمة صنعاء أو للجنوبيين والتحالف العربي والمجتمع الدولي معاً اذا اتجهت جنوباً لاستعادة الجمهورية اليمنية واجتياح عدن.
مقاتل من القوات الجنوبية، يقف على رأس دبابة وسط اشتباكات مع الميليشيات الحكومية التي يقودها حزب الإصلاح في منطقة الشيخ سالم في 23 مايو 2020. نبيل حسن القعيطي / وكالة الصحافة الفرنسية
ما زال مسرح العمليات العسكرية يحدّثنا على لسان الحكومة اليمنية واندفاعها العسكري ناحية عدن، وعلى لسان الحوثيين وتمددهم العسكري على كامل جغرافيا الشمال اليمني ووقوفهم على مشارف إسقاط مدينة مأرب، وعلى لسان الانتقالي الجنوبي واستماتة قواته في الدفاع عن أبين وصد هجوم القوات الحكومية، بما يلي:
- اقتراب الحوثيين من فرض سيطرتهم على كامل جغرافيا ماكان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية قبل الوحدة مع الجنوب.
- تمكُّن الحكومة اليمنية من فرض سيطرتها على كامل جغرافيا ما بات يُعرف بإقليم حضرموت المكوّن من محافظات، شبوة وحضرموت والمهرة. (باستثناء أجزاء واسعة من جزيرة سقطرى).
- اقتصار سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على ما بات يُعرف بإقليم عدن المكون من محافظات، عدن لحج الضالع أبين.
- يجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة اليمنية تقضم لحساب سيطرتها الجزء الشرقي من محافظة أبين على حساب سيطرة الانتقالي، بما يساعد على كبح جماح تمدد الانتقالي الجنوبي شرقاً.
هذا المسرح العسكري يقول أنّ قوات سعودية غادرت عدن منذ أيام قلائل متجهة إلى شبوة ومثلها قوات سعودية غادرت مأرب متجهة إلى نفس المحافظة شبوة، مفصحاً عن تشكل ثلاثة أقاليم، اثنان جنوبا ًوواحد وحيد شمالاً.
اقرأ أيضا:
• المجتمع الدولي: عدن خط أحمر.. ومأرب شأن شمالي
• اليمن.. خيار حلّ الدولتين قناعة دولية
هذا التقسيم الطارئ، يرى مراقبون أنه يأتي انسجاماً لرغبة ثلاثية سعودية وحكومية يمنية وحوثية. سعودية تتمثل في تواجدها في حضرموت ذات الإطلالة الواسعة على بحر العرب، وحكومية تتمثل في الحيلولة دون استقلال الجنوب والحفاظ على أي شكل من أشكال الدولة اليمنية ولو على حساب السيطرة السعودية، وحوثية تتحقق من خلالها السيطرة الفعلية على كامل محيط حكمها التاريخي، يضاف إليه فائض لعب التواجد العسكري الشمالي في إقليم حضرموت لصالحها.
محاولة الدفع باستتباب هذا التقسيم واستقراره الأخير على هذا المسرح العسكري العملياتي وموافقة جميع الأطراف على نفاذه، ما زالت تصطدم الآن بغضب قبلي وجماهيري في حضرموت الداخل، يتصاعد حاليا ضد التواجد العسكري للقوات الشمالية ويطالب برحيلها من حضرموت بما يعزز تنفيذ بنود اتفاق الرياض السياسي، ومثله غضبٌ قبليٌ وشعبيٌ يحتدم على الأطراف الغربية لمحافظة شبوة والأطراف الشرقية من محافظة أبين حيث تتواجد الحكومة اليمنية، يطالب بنفس مطالب الحراك الشعبي الحضرمي.
ما زالت صورة هذا التقسيم الطارئ قلقة وغير مستقرة في المحتوى والمضمون وثابتة في الشكل والإطار. أي إذا ما تحققت سيطرة إدارة المجتمع المحلي لكل من حضرموت وشبوة، بما ينفي التواجد العسكري الشمالي ويضمن بقاء الرغبة والمصلحة السعودية، ستسقط كل الحسابات السياسية السابقة عدا السعودية منها. ولعلّ هذا التموضع السعودي ذي الإطلالة على وجهتين، شمالية وجنوبية، هو المفسّر الحقيقي لهذا التموضع الوسطي للأداء السعودي السياسي والعسكري، المُربك والمُحيّر نوعاً ما.
ليس الأداء السعودي فقط بل حتى أداء الدول الكبرى الساعية للحفاظ على مصالحها، التي تتركز في كامل إقليم حضرموت، وتعمل بهدوء على تفكيك التوتر وحلحلة الوضع بطريقة آمنة وسلسلة لاتهدد مصالحها على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
سُبل السلام المستقبلي لا تُرى في فرض الوحدة اليمنية على الجنوب بالقوة، كما تعبّر عنه أفعال كل من الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين في تأكيدهما على رفع شعار "الجمهورية اليمنية" تحت ظلال اندفاعهما العسكري جنوباً بذريعة سيادة اليمن.
كما أنّ سُبل السلام المستقبلي لا تُرى في فرض مشروع الدولة الاتحادية على الشمال، التي تُؤكّد عكسه أفعال كل من، الشمال بمحاولته التمدد الأفقي على كامل الأرض الشمالية، والجنوب بمحاولته التمدد الأفقي على كامل أرضه الجنوبية.
سُبل السلام المستقبلي لا تُرى في فرض الوحدة اليمنية على الجنوب بالقوة، كما تعبّر عنه أفعال كل من الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين
ما تفعله الحكومة، التي تسيطر عليها جماعة الإخوان (حزب الإصلاح اليمني)، كالوقوف في منتصف الطريق، ذهبت لفرض مشروع اليمن الاتحادي وفشلت شمالاً، ثم عادت جنوباً من منتصف الطريق لاستعادة اليمن الجمهوري البائد، بحجة انفصال الجنوب ووجود ما يهدد سيادة اليمن. إنّ غضبها الذي لم يكن كافياً لاستعادة اليمن وسيادته من براثن الانقلاب الحوثي، لا يُعتقد بأنه كافياً لاستعادة اليمن من مخالب الانتصار الجنوبي.
هذا الغضب الذي لا يكفي لفعل شيء جديد لا يكفي أيضا للحفاظ على شيء قديم. ويراه العالم غضباً عبثياً يقف في المنتصف لافتعال الفوضى فقط ويستجلب كل عوامل الفوضى والإرهاب بأجندات التنظيمات الإرهابية المحلية والخارجية وأجندة المنظمات ودوائر الاستخبارات الخارجية، التي تتخذ من اليمن ميدان صراع لتصفية حساباتها مع التحالف العربي والحلفاء الدوليين. يؤكد ذلك أنّ الحكومة اليمنية، التي تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين، هي المشكلة وليس الحل!
- بدر قاسم محمد: زميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، كاتب وباحث في الشؤون اليمنية والجماعات المتطرفة
- هذه المادة خاصة بـ مركز سوث24 للأخبار والدراسات