01-08-2020 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| زيورخ
تأخذ العلاقات التركية الإماراتية منحاً تصعيدياً كبيراً على خلفية استفزاز أنقرة المتكرر لأبوظبي وإصرارها على التدخل في الشأن العربي، وإثارة الصراعات الأهلية في المنطقة العربية عبر جماعات الإسلام السياسي "الإخوان المسلمون"، والمرتزقة، وحلفائها في المنطقة الخليجية وإفريقيا.
التهديدات التي أطلقها وزير الدفاع التركي خلوصي أكار خلال لقاء مع قناة الجزيرة القطرية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، دفعت مسؤول إماراتي لتذكير تركيا بأنّه "لا مكان للأوهام الاستعمارية في هذا الزمن".
وكان وزير الدفاع التركي قد هاجم الإمارات، واتهمها بأنها "مارست أعمال ضارة" في ليبيا وسوريا، وقال إن بلاده "ستحاسب الإمارات على ما فعلت في المكان والزمان المناسبين" على حد تعبيره.
وقال أكار وفق نص للمقابلة نشرته وزارة الدفاع التركية باللغة التركية، "يجب سؤال أبوظبي ما الدافع لهذه العدائية، هذه النوايا السيئة، هذه الغيرة".
ووصف وزير الدولة الإماراتي أنور قرقاش، السبت، تصريحات وزير الدفاع التركي عن الإمارات بـ"الاستفزازية"، مؤكدا أن "العلاقات لا تدار بالتهديد والوعيد".
وقال قرقاش، في تغريدة عبر حسابه على تويتر، إن "التصريح الاستفزازي لوزير الدفاع التركي سقوط جديد لدبلوماسية بلاده". وأضاف أن "منطق الباب العالي والدولة العليّة وفرماناتها مكانه الأرشيف التاريخي".
وأضاف قرقاش أن "العلاقات لا تدار بالتهديد والوعيد، ولا مكان للأوهام الاستعمارية في هذا الزمن، والأنسب أن تتوقف تركيا عن تدخلها في الشأن العربي".
توتر متصاعد
وجاءت تصريحات أكار في أجواء من التوتر المتصاعد بين الدول المنخرطة في النزاع الدائر في ليبيا بين حكومة الوفاق المعترف بها من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس، والمشير خليفة حفتر الذي يسيطر على الشرق الليبي وأجزاء من جنوب البلاد.
وتدعم تركيا عسكرياً حكومة الوفاق، التي تنخرط فيها جماعة الإخوان المسلمين، في حين يحظى حفتر بدعم مصر والإمارات والسعودية وروسيا.
وفاقم النزاع في ليبيا التوتر القائم بين أنقرة وأبوظبي اللتين تدهورت العلاقات بينهما في السنوات الأخيرة على خلفية النفوذ الإقليمي ودعم تركيا لقطر في النزاع القائم بين الدوحة وبين السعودية وأبوظبي والمنامة والقاهرة، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
وفي العام 2018 أطلقت تركيا على الحي الذي تقع فيه السفارة الإماراتية في أنقرة اسم "زقاق فخر الدين باشا" تيمنا بالحاكم العثماني الذي تتّهمه الإمارات بارتكاب جرائم ضدّ سكان المدينة المنورة.
وتتبنى دولة قطر التي أعلنت مقاطعتها الإمارات ودول عربية أخرى في يونيو 2017، الترويج للنفوذ التركي في المنطقة، عبر منصاتها الإعلامية المختلفة، بل تقود الهجوم الرسمي الإعلامي ضدها، في عملية أشبه ما تكون بحالة انتقام ساخطة، خصوصا بعد تطور العلاقات القطرية التركية الدفاعية، ووضع أنقرة لأقدامها العسكرية على أراضي الدولة الخليجية الصغيرة المجاورة للإمارات.
بروز الإمارات
برز دور الإمارات العربية المتحدة في ملفات عديدة في الوطن العربي، وهي تحاول حشد طاقة الحكومات العربية نحو تحصين المنطقة من التدخلات الإقليمية بما فيها الأطماع التركية، والإيرانية، ونفوذ حركة الإخوان المسلمين في كل من ليبيا واليمن وسوريا والعراق.
اقرأ أيضا: معهد إسرائيلي يرجّح تدخل مصر وعودة الإمارات لكبح جماح تركيا في اليمن
شاركت الإمارات العربية المتحدة في عمليات عاصفة الحزم ضمن التحالف العربي التي أعلنت عنها المملكة العربية السعودية في مارس 2015 للتصدي للجماعة الحوثية المدعومة من إيران في اليمن، وحلفائها من المؤتمر الشعبي العام حينها.
برز دورها الرئيس في عمليات تحرير جنوب اليمن والساحل الغربي إلى جانب قوات المقاومة الجنوبية، فضلا عن تدريبها بشكل جيد لعشرات آلاف القوات الأمنية والعسكرية ساهمت بشكلٍ فاعل، بإشراف قوات إماراتية، في عمليات تطهير مدن جنوب اليمن الشرقية من عناصر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
سعت الإمارات للتحالف مع أصحاب الأرض في الجنوب، الذين يسعون منذ العام 2007 لاستعادة دولتهم التي كانت مستقلة حتى العام 1990، ودعمت انتشار الأحزمة والنخب الأمنية في عدن وأبين وشبوة وحضرموت وجزيرة سقطرى، قبل أن تعلن سحب قواتها من جنوب اليمن في أكتوبر 2019.
يتطابق موقف الجنوبيين ودولة الإمارات في العداء لحركة الإخوان المسلمين التي يمثّلها في اليمن "حزب الإصلاح"، خصوصا وأنّ الحزب له تاريخ سيء الصيت في أوساط الجنوبيين، على خلفية مشاركته في حرب صيف 1994، وتبني رموزه التحريض الديني وإباحة شنّ الحرب عليهم.
اقرأ أيضا: الأهرام المصرية: بعد شعورهم بالخيانة.. الجنوبيون يقاومون الإخوان المسلمين
على التضاد سعى الإعلام في قطر للدفاع عن حركة الإخوان المسلمين في اليمن، وتبنى علانية الهجوم المستمر على دور الإمارات وحلفائها في جنوب اليمن. دخل هذا الهجوم الإعلامي مرحلة كيدية وتصفية حسابات سياسية واسعة عقب طرد قطر من دول التحالف العربي المشاركة في الحرب في اليمن.
يتهم الإعلام التركي والقطري الإمارات بالسعي لتحقيق نفوذ في المناطق البحرية في البحر العربي والبحر الأحمر، بهدف السيطرة على موانئها الاستراتيجية، لتعزيز نفوذها الاقتصادي. إلاّ أن سحب الإمارات لقواتها من جنوب اليمن أواخر العام 2019، يدحض هذه المزاعم، بحسب خبراء، لكنه بالمقابل فتح شهية النفوذ التوسعي التركي في المنطقة العربية.
اتهمت تقارير عربية وغربية عديدة تركيا بالسعي لتحقيق نفوذ لها في جنوب اليمن عبر عناصر تنتمي لحركة الإخوان المسلمين تتواجد في تركيا، ومن خلال استخدام غطاء منظمات الإغاثة التركية التي تركز نشاطها في العام 2019 في شبوة وعدن والمهرة ولحج، وكذلك في تعز، شمال اليمن، بحسب معلومات كشفها موقع انتليجينس الفرنسي في شهر يونيو من العام الحالي.
ونشر نشطاء مقطعاً مصوراً للقيادي البارز في الحركة الإخوانية في محافظة تعز شمال اليمن عبده فرحان المخلافي، يدعى حركياً "سالم" وهو يبشّر بتدخل تركي، ويهاجم المملكة العربية السعودية. وبحسب مصادر محلية فإن فرحان، الحاكم الفعلي للمحافظة، ويتولى منصب في هرم جيش الشرعية كـ "مستشار قائد محور تعز العسكري".
وشغل المخلافي قبل حرب 2015 منصب مسؤول التنظيم السري لجماعة الاخوان في محافظات عدن ولحج وأبين وشبوة، وقبل عام 1990 كان يقاتل في أفغانستان.
ويوم الأربعاء الماضي أعلنت السعودية وبجهد نشط من الإمارات عن توصل المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الرئيس اليمني هادي لآلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض.
حرب علاقات
وتحدثت تقارير تركية عن ضرورة لعب تركيا لدور رئيسي في أزمة اليمن، ولم تخفِ بعضها التلويج بالدبابات التركية، في حين سعت بعضها للتذكير بالاحتلال العثماني للمناطق العربية عند الإشارة لعلاقات تركيا مع دول المنطقة.
اقرأ أيضا: صحيفة تركية تدعو صراحة القوات التركية لاجتياح اليمن وطرد السعودية
فمثلا، تصف قناة تي آر تي التركية البارزة أن العلاقة العمانية التركية علاقة "تاريخية" منذ أيام الدولة العثمانية والإمبراطورية العمانية.
وتنقل القناة، في تقرير لها قبل أيام، بحسب المحلل السياسي العماني، مصطفى الشاعر، "أنّ العمانيين لا ينسون السفينة "سلطانة" التي أسعفت الوالي العثماني في البصرة لفك الحصار الذي فرضه الفرس وكسر السلاسل التي وضعوها لقطع الملاحة."
وجاء هذا التقرير متزامنا مع تحسن ملحوظ للعلاقات الإماراتية العمانية، بعد صعود السلطان الجديد هيثم بن طارق.
وفي الوقت الذي تمر فيه السلطنة بضائقة مالية نتيجة أزمة انخفاض أسعار النفط والانكماش الاقتصادي الناجم عن أزمة كورونا، أوردت وكالة رويترز "أن الحكومة العمانية اختارت بنك أبوظبي الأول وبنك مسقط لترتيب قرض مؤقت"، بقيمة ملياري دولار تسعى إلى اقتراضه من بنوك دولية وإقليمية.
يزعم موقع تي آر تي التركي "إن التقارب التركي الخليجي يتجه يوماً بعد يوم نحو شكل أكثر متانة ويشمل نطاقاً أوسع من الملفات"، في إشارة للتقارب العسكري والأمني، ويدلل على ذلك بما "بما شهدته العلاقات التركية القطرية أولاً، ثم العلاقات التركية الكويتية ثانياً"، مضيفا أن ذلك "يعني عزلة أكبر للمحور السعودي الإماراتي".
وعلى عكس ذلك، ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية (وام) أن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وسلطان عمان هيثم بن طارق تبادلا هاتفيا التهاني بعيد الأضحى المبارك يوم الأربعاء الماضي.
يتزامن الدور الإماراتي معزز بجهود مصرية لحشد مواقف الحكومات العربية نحو تحقيق اصطفاف عربي واسع ضد أي تدخلات إقليمية في شؤون الدول العربية، مع دور آخر تلعبه المملكة العربية السعودية في دول المغرب العربي في محاولة لمنع اندلاع صراع عسكري واسع في ليبيا بين القوات المدعومة من تركيا وقوات الجيش الوطني الليبي الذي يقوده خليفه حفتر، والجيش المصري.
وكانت السعودية هي الأخرى عرضة للاستفزاز التركي على ذمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول في أكتوبر 2018.
من شأن التهديدات التركية الأخيرة ضد الإمارات، أن تُثير مواقف دول عربية رافضة لها متضامنة مع أبوظبي، رغم أن هذه التهديدات في المجمل هدفها تسجيل حضور إعلامي في المنطقة العربية أكثر منه تهديد جدي، تسعى من خلاله تركيا والإعلام القطري الموالي لها في المنطقة لتسويق تركيا كقوة نفوذ شبيهة بدور الولايات المتحدة هناك، كما يهدف في المقام الأول لمنح خصوم قطر رسالة مفادها أن الدوحة تملك حليفاً استراتيجيا قد يهدد استقرارهم.
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات