مقاتلون حوثيون تم تجنيدهم يشاركون في تجمع بصنعاء، 3 يناير 2017. (محمد حويس/وكالة الصحافة الفرنسية)
23-11-2022 at 4 PM Aden Time
سوث24 | إبراهيم علي*
منذ سيطرت جماعة الحوثي اليمنية على العاصمة صنعاء ومعظم محافظات شمال اليمن بدا جليا انحسار أنشطة تنظيم القاعدة في مناطق سيطرة الجماعة خلال العامين الأوليين، قبل أن يتوقف لاحقا.
وبالتزامن مع ذلك، تصاعدت "الهجمات الإرهابية" وتحرّكات التنظيم في محافظات الجنوب، مقارنة بوضع التنظيم الذي اتجه نحو الضعف خلال السنوات الأخيرة، وليس مقارنة بنشاطه السابق.
قبل دخول الحوثيين صنعاء
رغم أن تنظيم القاعدة نشط في صنعاء وغيرها من محافظات الشمال خلال فترة حكم الرئيس اليمني الأسبق، علي عبدالله صالح، إلا أنّ فترة حكم الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي كانت مختلفة تماما، إذ نفذ التنظيم أكبر وأخطر عملياته في العاصمة اليمنية، رغم الدعم الأمريكي غير المحدود خلال تلك الفترة.
على سبيل المثال، نفّذ التنظيم أكثر عملياته جرأة، في 15 نوفمبر 2013 حين اقتحم مجموعة من مسلحيه مجمع "الدفاع" في قلب صنعاء، وتمركزوا فيه أكثر من 24 ساعة[1]، بهدف القضاء على الرئيس حينها، عبدربه منصور هادي. أما أخطر عملياته فقد كانت اقتحام السجن المركزي ذاته، وتحرير 20 من عناصره. كانت هذه العملية الأخطر لأنها انطوت على مغامرة وتعقيدات، فمن ناحية يجب أن يبقى المهاجمون أحياء لإخراج السجناء ونقلهم إلى مكان آمن داخل العاصمة، ومن ناحية أخرى، يجب نقل السجناء إلى محافظة أخرى قبل أن تتعقبهم الأجهزة الأمنية وتعيدهم. والأمر المستغرب، هو أنّ المقتحمين تمكّنوا من نقل السجناء المحررين في نفس الليلة إلى محافظة الجوف، إلى الشمال الشرقي من صنعاء، وفق مصادر مطلعة.[2]
ومع أنّ القرائن قد تُشير إلى اسم الرئيس الأسبق "صالح" كمتواطئ في عمليات كهذه، إلا أنّ هذا ليس القضية التي يتناولها هذا التحليل.
بالحديث عن العمليات داخل صنعاء خلال فترة هادي، من المهم الإشارة إلى العمليات الكثيرة التي طالت عددا كبيرا من ضباط جهاز الأمن السياسي. حينها ظل الضباط المحسوبون على جهاز الأمن القومي الذي كان يرأسه نجل شقيق صالح، خارج عمليات التنظيم. إذ يُمكن القول إنّ هذا، إلى جانب طبيعة النشاط الكثيف للتنظيم خلال تلك الفترة، مؤشر هام على أن تلك العمليات، أو جزء كبير منها، خضع لتوجيهٍ ما. مع الإشارة إلى أنّ التوجيه قد لا يكون مباشرا بالضرورة، وإنما على شكل تسهيل المهمة، من خلال، مثلا، تسريب معلومات عن الأهداف. لقد ظل صالح، بالفعل، يمتلك ما يمكنه من إدارة بعض الألاعيب بغرض الانتقام أو غيره. والمهم هنا هو أنّ عمليات التنظيم ظلت مستمرة بنفس الوتيرة حتى آخر أيام هادي كرئيس ورجل سلطة في صنعاء.
فترة صالح
على الرغم أن تنظيم القاعدة نفذ عمليات داخل العاصمة صنعاء، خلال فترة حكم الرئيس الأسبق صالح، إلا أنها كانت بعدد أصابع اليد، مقارنة بعملياته في جنوب اليمن.
وهنا، على سبيل المثال، نماذج من عمليات القاعدة في محافظات الجنوب، نهاية عام 2010 وبداية عام 2011:
04سبتمبر 2010 | مقتل جنديين في هجوم لمسلحين مجهولين بمحافظة لحج. |
10سبتمبر 2010 | إصابة ثلاثة جنود في هجوم لمسلحين مجهولين في أبين. |
29سبتمبر 2010 | مقتل جنديين وإصابة آخرين في الهجوم الذي استهدف موكب محافظ شبوة في المحافظة. |
09 أكتوبر 2010 | إصابة عدد من الجنود في استهداف دورية أمنية في مديرية لودر بمحافظة أبين. |
09أكتوبر 2010 | مقتل ضابط مخابرات في حضرموت على يد مسلحين مجهولين. |
10أكتوبر 2010 | إصابة جنود في محافظة لحج بهجوم لمجهولين. |
10أكتوبر 2010 | مسلحون يقتلون ضابط مخابرات في محافظة أبين. |
14أكتوبر 2010 | مقتل مدير أمن مديرية مودية في محافظة أبين. |
14أكتوبر 2010 | مقتل شقيق محافظ محافظة أبين وجنديين في هجوم استهدف موكب المحافظ. |
15أكتوبر 2010 | مقتل خمسة جنود في اشتباكات مع مسلحين مجهولين على الخط العام بين مديريتي لودر ومودية. |
16أكتوبر 2010 | إصابة ضابط مخبرات ومساعده في محافظة أبين أثناء محاولتها إبطال عبوة في سيارة الأول. |
22 أكتوبر 2010 | مقتل ضابط في منطقة فوة بمدينة المكلا على يد مسلحين مجهولين. |
23 أكتوبر 2010 | مقتل ضابط في الأمن السياسي بمحافظة المكلا على يد مسلحين مجهولين. |
13ديسمبر 2010 | إصابة قائد الأمن السياسي في محافظة أبين بجروح طفيفة في انفجار عبوة ناسفة على الطريق استهدف سيارته. |
15ديسمبر 2010 | مقتل جنديين وإصابة ثلاثة آخرين في اشتباك مع أشخاص يشتبه بأنهم من متشددي القاعدة في محافظة أبين. |
16ديسمبر 2010 | مقتل أربعة من أفراد الجيش بينهم ضابط بالإضافة إلى مسلح لم تتحدد هويته في محافظة لحج. |
07 يناير 2011 | هجوم على قافلة عسكرية يخلف 12 قتيلا من الجنود. |
08 يناير 2011 | مسلحون مجهولون يقتلون أربعة جنود في حاجز تفتيش بمحافظة أبين[3]. |
بعد دخول الحوثيين صنعاء
مع أنّ تنظيم القاعدة نفّذ أكثر من عملية، في الأسابيع الأولى لسيطرة الحوثيين على صنعاء، إلا أنّ نشاطه ـ كما أشرنا ـ تراجع فيها ثم توقف بشكل كلي[4].
في بادئ الأمر، عزا متابعون هذا التراجع أو التوقف إلى مسألة دخول تنظيم الدولة على خط العمليات ضد الحوثيين بصنعاء، وبطريقة دموية وأكثر بشاعة، كما حدث في مسجدي المحطوري والحشوش أثناء احتشاد الناس لصلاة الجمعة.[5]
وردا على هجوم داعش، أصدر تنظيم القاعدة حينها، بيانا أدان من خلاله عمليات التفجير داخل المساجد، أو التي تستهدف تجمعات مختلطة (تضمّ حوثيين وآخرين). حرِص تنظيم القاعدة حينها على تمييز نفسه عن تنظيم الدولة، إلى درجة أنه غادر المناطق التي ينشط فيها، وتوقّف عن القتل ذبحا، وأمور أخرى[6].
لكنّ هذا التفسير لا يبدو واقعيا، فتنظيم الدولة لم ينفّذ غير هاتين العمليتين في صنعاء، وكانتا في العام 2015، أي أنّ السبب المفترض لتوقف القاعدة عن النشاط ضد الحوثيين، زال في وقت مبكر.
لماذا صنعاء؟
بخلاف ما تقدّم، يعزو مصدر مقرب من تنظيم القاعدة توقف نشاطه في صنعاء، إلى توفر الأهداف في مناطق أقرب لا تتطلب مغامرة أمنية. في إشارة إلى أنّ الحوثيين (كهدف) موجودون في محافظة البيضاء وفي غيرها من المحافظات التي يسهل على التنظيم الوصول إليها[7].
ويضيف، في حديث مع "سوث24" أنّ تنظيم القاعدة هو الجهة الوحيدة التي قاتلت جماعة الحوثي في محافظة البيضاء (وسط اليمن) منذ العام 2014. لافتا إلى أنّه و "بدلا من أن يذهب التنظيم إلى جماعة الحوثي جاءت الجماعة إليه"، على حد وصفه.
ويعزو المصدر ذلك إلى أنّ طابع التنقل بين محافظات الجنوب الشمال، بات أصعب على تنظيم القاعدة من ذي قبل.
صالح كلمة السر
رغم أنّ حديث المصدر المقرب من القاعدة فيه إشارة إلى بعض الأسباب، لكنها أسباب ثانوية في الواقع، لأنّ القوات الأمنية والعسكرية التابعة لنظام هادي كانت أيضا متوفرة في مناطق أقرب، وبشكل أوسع وأسهل. لكنّ التنظيم كان حريصا على استهداف قوات هادي في صنعاء، لأهميتها كمركز، ولأنّ العمليات فيها لها دلالات مختلفة وأيضا تأثير مختلف[8].
يمكن القول، أنّ الرئيس الأسبق صالح، كان من الأسباب الرئيسية لتوقف نشاط التنظيم داخل صنعاء، خصوصا بعد تحالفه مع الحوثيين كسلطة أمر واقع في معظم محافظات الشمال. صحيح أنّ صالح ربما خطط للانقلاب على الحوثيين، لكنه لم يجرؤ على استخدام القاعدة ضدهم، كما فعل مع هادي على سبيل المثال، لخوفه من بطشهم به، ولو لمجرد الشك. على النقيض من ذلك، ربما عمل صالح على إبعاد تنظيم القاعدة عن صنعاء وغيرها من مناطق سيطرة الحوثيين، لحماية نفسه، تجنبا للشكوك.
الحديث عن استخدام صالح لتنظيم لقاعدة ضد خصومه، بشكل مباشر أو غيره، ليس مجرد تخمين، وإنما حقيقة تسندها قرائن قوية ومعلومات. على سبيل المثال، لا يمكن لتنظيم القاعدة أن يصل إلى عدد كبير من ضباط جهاز الأمن السياسي خلال فترة حكم هادي دون أن يحصل على معلومات استخباراتية من داخل النظام الذي كان يتمتع معظم قادته الأمنيين والعسكريين بالولاء لصالح.
لم يكن الأمر متعلقا بالمعلومة، وإنما بتوفير الملجأ والحماية أيضا، ولهذا قصفت الطائرات الأمريكية من دون طيار أهدافا في مديرية سنحان (مسقط رأس الرئيس السابق صالح) للمرة الأولى في عام 2012. تحديدا كان القصف في قرية صالح نفسها.[9]
وبناء على ما تقدم، من الطبيعي أن لا تنفّذ القاعدة عمليات داخل صنعاء، لأنها تفتقد للمعلومة والملجأ الآمن.
تخادم
كشفت الحرب في اليمن عن وجود ما يشبه التخادم بين جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة. وظهر ذلك بأكثر صورة. ومن غير المستبعد أنّ تجميد نشاط القاعدة في مناطق سيطرة الجماعة، إحدى هذه الصور.
تفصيلا، بدأ التواصل بين الجماعة والتنظيم في وقت مبكر من سيطرة الأولى على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية. على سبيل المثال، حدث تواصل بينهما من أجل إطلاق سراح معتقلين لدى الطرفين، وفقا لمصادرنا الخاصة[10]. حيث أطلقت القاعدة سراح المسؤول الثقافي الإيراني في سفارة طهران بصنعاء[11]، أحمد نكبخت، الذي اختطفه التنظيم في يوليو 2013، إثر صفقة تبادل، أُطلق بموجبها عدد كبير من قادة التنظيم ومسلحيه، من السجون الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي بصنعاء. لكنّ هذه الصفقة التي تمت في مارس آذار 2015، لم تكن الوحيدة، فوفقا لمعلومات تحصّل عليها المؤلف، هناك أكثر من سبع عمليات تبادل تمت بين العامين 2014 – 2022. ومن خلالها، خرج قادة بارزون[12] للتنظيم من السجون، أبرزهم القيادي جمال البدوي المتهم بالمشاركة في العملية التي استهدفت المدمرة الأمريكية "كول" في سواحل عدن عام 2000، والذي قُتل بغارة امريكية في مأرب أعلن عنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في يناير [13]2019. وفي 2015، أفرج[14] تنظيم القاعدة عن التربوي الحوثي (عبد السلام الضوراني)، بعد أكثر من عام على اختطافه، مقابل الإفراج عن سجناء بينهم قادة. الضوراني هو خال القيادي الحوثي محمد البخيتي، المعين من قبل سلطات صنعاء غير المعترف بها دوليا، محافظا لمحافظة ذمار[15].
بعيدا عن موضوع الصفقات، تؤكّد مصادرنا أنّ جماعة الحوثي، أفرجت قبل أشهر عن أكثر من 80 من عناصر التنظيم في سجونها بمحافظتي صنعاء وإب، ومن دون مقابل، تحت مزاعم أنّ المفرج عنهم كتبوا تعهدات "بعدم ممارسة أنشطة إرهابية."
إلى جانب الإفراج عن سجناء من قبل الطرفين، حظي سجناء القاعدة لدى الحوثي برعاية واهتمام استثنائي. وبالنسبة إلى جماعة اشتهرت بالمعاملة القاسية للمعتقلين في سجنوها، فإنّ لهذا التعامل مع سجناء القاعدة دلالات مهمة على التفاهم والتنسيق بين الطرفين. تؤكد مصادرنا الخاصة أنّ سجناء التنظيم حصلوا على اهتمام خاص على مستوى المأكل والمشرب وتجهيزات غرف الاعتقال.
إنّ الحديث عن علاقة الحوثيين بالقاعدة، ليس مجرد استنتاج من خلال الربط بين بعض الأحداث، بل حقائق تحدّث عنها كذلك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). في منشورات اطلع عليها كاتب التحليل في حينه. حيث اتهم داعش تنظيم القاعدة بتسهيل مرور المشتقات النفطية إلى الحوثيين في صنعاء، عندما كان يسيطر على مينائي الشحر والمكلا بحضرموت جنوب اليمن. التهمة جاءت على لسان منشقين عن القاعدة لصالح داعش. أي من داخل القاعدة نفسها[16].
وإذا كان التنسيق بين تنظيم القاعدة وجماعة الحوثي قد وصل إلى هذا المستوى، فمن غير المستبعد أن يكون هناك تفاهم حول مناطق النشاط. من المهم الإشارة إلى أنه حتى وإن فقد التنظيم مصدر المعلومات والحماية، لا يمكن بحال أن يصل عجزه عن النشاط إلى تنفيذ ولو عملية واحدة في مناطق الحوثيين.
وبالنسبة إلى تنظيم القاعدة الذي اتخذ من محافظة البيضاء معقلا له خلال السنوات الماضية، فإنّ الوصول إلى ذمار أو إلى صنعاء من هذه المحافظة، أسهل بكثير من الوصول إلى مدينة عدن التي نفّذ فيها التنظيم عددا كبيرا من العمليات خلال الأعوام الماضية.
لم يتوقف الأمر على توقف استهداف تنظيم القاعدة للحوثيين، بل تعداه إلى توقف استهداف جماعة الحوثي للقاعدة، فلم يتم رصد أية عملية داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة. إلى جانب ذلك، خرج التنظيم من مديرية "ولد ربيع" في محافظة البيضاء وسط اليمن، دون قتال. تقول مصادر قبلية لـ"سوث24"، إن ما حدث في المديرية عام 2021، كان أشبه باستلام وتسليم. وعلى الجانب الآخر خاض تنظيم داعش معارك مع الجماعة خلال الحملة العسكرية ذاتها، وخسر كل ما كان خاضعا لسيطرته من مناطق المديرية.
من المهم الإشارة هنا إلى أن ما رفعته الحكومة اليمنية إلى مجلس الأمن عام 2021[17]، حول وجود تنسيق وتخادم بين القاعدة وجماعة الحوثي، مرفقا بأسماء "قيادات إرهابية" تم الإفراج عنها، كان دقيقا ومبنيا على معلومات حقيقية، وإن لم يكشف عن أمور كثيرة مهمة.
إبراهيم علي
مراجع:
[2] مصادر تحدثت إلى المؤلف
[3] حسب تتبع المؤلف لنشاط تنظيم القاعدة خلال تلك الفترة
[4] بينها عملية في شارع القيادة ضد مظاهرة حوثية في نوفمبر2014، وعملية قرب مستشفى الثورة بالعاصمة صنعاء في ذات الشهر استهدفت قيادات حوثية (لم تعرف أسماؤها)
[7] مصادر تحدّثت إلى المؤلف
[8] وفقا لمصدر مقرّب من تنظيم القاعدة
[9] مشائخ سنحان يدينوا الغارة الامريكية التي نفذتها طائرة بدون طيار - موقع يمنات الأخباري (yemenat.net)
[10] مصادر تحّثت إلى المؤلف.
[15] أكد ذلك السياسي اليمني علي البخيتي عبر حسابه الرسمي على تويتر.
[16] تم تداولها في حينه على قنوات تابعة لتنظيم الدولة (داعش) في تيليغرام وأغلقت لاحقا
Previous article
8 Days ago