الصورة: ا ف ب
27-03-2023 at 7 PM Aden Time
سوث24| عبدالله الشادلي
على الرغم من المساعي الدولية والإقليمية لإيجاد حل دائم لوقف إطلاق النار في اليمن، قابلت مليشيا الحوثيين هذه المساعي بتصعيد عسكري على مدى الأيام الماضية، طالت مواقع تابعة للقوات الموالية للحكومة في مديريتي حريب، ومرخة بمحافظتي مأرب وشبوة.
ويمثّل هذا التصعيد الأعنف منذ انتهاء الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة في الثاني من أكتوبر الماضي، ودخول البلد في حالة "هدنة أمر واقع".
ويوم السبت الماضي تعرض موكبا وزير الدفاع اليمني الفريق الركن محسن الداعري، ومحافظ محافظة تعز، نبيل شمسان، ونقطة عسكرية على طريق الكدحة المؤدي إلى مدينة تعز، لهجمات بطائرات مسيرة، أسفر عن سقوط قتلى وجرحى. اتهم مسؤولون في الحكومة مليشيا الحوثي بالوقوف خلف الهجوم.
وقالت مصادر عسكرية لـ«سوث24»: إنّ "موكب وزير الدفاع كان يعتزم الاتجاه نحو مدينة تعز صباح السبت، قبل تغيير وجهته إلى باب المندب، بعد تحليق طائرات استطلاعية حوثية عند انطلاقه من المخا". وفي وقت لاحق، ظهر وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان واللواء البقمي وهم يتفقدون القوات المرابطة في باب المندب وجزيرة ميون.
إلى الشرق، يسعى الحوثيون من خلال التصعيد في جبهات حريب بمأرب إلى السيطرة على هذه المنطقة؛ نظراً لموقعها الاستراتيجي الذي يتوسّط ثلاث محافظات (مأرب والبيضاء وشبوة).
وسبق وسيطر الحوثيون على مديريات بيحان الثلاث [عين وبيحان وعسيلان] التابعة لمحافظة لشبوة، لمرتين: الأولى في مارس 2015 والأخيرة في سبتمبر 2021، قبل أن تتمكن قوات العمالقة الجنوبية بمساندة قوات دفاع شبوة وبدعم من التحالف، من تحرير تلك المناطق، في مطلع يناير 2022.
تمثّل مديرية حريب الطريق الأسهل لمليشيا الحوثيين للوصول إلى مدينة مأرب والمناطق الصحراوية الغنية بالغاز المحيطة بها، وتسعى الجماعة لأن تكون رافداً اقتصادياّ مهماً لها.
يقول الخبير العسكري العقيد وضاح العوبلي لـ "سوث24" إنّ "الحوثي ينظر إلى منابع النفط كمورد اقتصادي مالي مهم، ويريد تسخير عائدات هذه الثروات لتعزيز قدراته العسكرية، إلى جانب كونها ملفاً هاماً سيسخره للضغط السياسي في عملية التفاوض".
ويرى الصحفي اليمني المقيم في صنعاء، صالح جلال، لـ«سوث24»: إنّ "سيطرة الحوثيين على حريب ستستهل عليهم مهمة السيطرة على مأرب".
وحتّى يوم الجمعة الماضية، سيطرت مليشيا الحوثيين على جبال "وضو" و"البوارة"، قبل أن تخسرها في هجوم مضاد لقوات محور سبأ والعمالقة. وقصف الحوثيون منطقة "شرق" الآهلة بالسكان بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة. ويوم الخميس الماضي، تسبب قصف الحوثيين بنزوح عشرات الأسر من مناطق الاقتتال.
واعتبر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني "أن التصعيد الحوثي في جبهات غرب مديرية حريب بمحافظة مأرب، وما رافقه من قصف صاروخي ومدفعي على القرى يكشف عن استهتار الحوثيين بجهود التهدئة واستعادة الهدنة الإنسانية.
وعلق رئيس الدائرة الخارجية للانتقالي الجنوبي، محمد الغيثي، على هذه التطورات: "سنحافظ على منجزات عملية "إعصار الجنوب" ولن يكون أمام ميليشيا الحوثي إلا مزيداً من الهزائم".
وأضاف الغيثي الذي يتولى أيضا منصب رئيس هيئة التشاور والمصالحة: "لا أعتقد أنّ المجتمع الدولي بحاجة الى أدلة جديدة عن هذه الممارسات أكثر من حاجته إلى القدرة على اتخاذ قرارات جادة".
تطورات ميدانية
تزامن تصعيد الحوثيين مع زيارات ولقاءات أجرتها قيادات في وزارة الدفاع اليمنية ومسؤولين سعوديين لعدد من الجبهات والمحاور العسكرية.
ومساء اليوم الإثنين ترأس اللواء عيدروس الزبيدي اجتماعا عسكريا مشتركا، في عدن، ضم وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ووفدًا من قوات التحالف العربي وقيادات عسكرية وأمنية جنوبية.
ويوم الجمعة الماضية، تفقّد وزير الدفاع الفريق الركن محسن الداعري، ورئيس هيئة الأركان العامة الفريق الركن صغير بن عزيز، وقائد قوات الدعم والإسناد للتحالف العربي اللواء السعودي سلطان البقمي، بعض وحدات القوات المشتركة في الساحل الغربي.
وفي 24 مارس، ترأس عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، العميد طارق صالح، اجتماعاً عسكرياً مشتركاً في المخا، ضم وزير الدفاع، وقيادات سعودية وقيادات من القوات المشتركة والعمالقة.
وفي 23 مارس، استقبل أيضا رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في عدن، وفدا من قيادة القوات المشتركة للتحالف برئاسة اللواء الركن سلطان البقمي.
وسبق ذلك لقاءات وزيارات لوزير الدفاع والوفد السعودي إلى أبين وعدن وسقطرى.
قال الخبير العسكري العوبلي: إنّ "المعلومات الميدانية تفيد بأنّ التصعيد الحوثي ما زال مستمراً بزخم كبير في جبهة غربي حريب جنوبي مأرب" مشيرا إلى أنّ"رقعة التصعيد الحوثي توسّعت لتطال مديرية مرخة العليا بشبوة، والتي بدأ الحوثيين مهاجمتها من مديرية مسورة، التابعة لمحافظة البيضاء، فجر السبت الماضي".
ويرى العقيد العوبلي أنّ "أهمية هذه الجغرافيا [حريب وبيحان] تكمن في أنّها تُمثّل أهمية كبيرة لتأمين قوات الحوثي المتمركزة، في جنوبي مأرب، والتي يجري تهيئتها للتوجه نحو صافر النفطية".
وفي هذا الصدد، يزعم الصحفي اليمني، صالح جلال أنّ سعي الحوثي للسيطرة على منطقة حريب من المُحتمل أن يكون تمهيداً "لفرض حل يقوم على أساس شمال وجنوب، نظراً لأنّ حريب منطقة حدودية مع شبوة".
لكن جلال يعتقد أنّ الحوثيين سيفكرون "بالعودة إلى الجنوب مجددا تحت شعار الحرب على القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية".
اختيار التوقيت
في 10 مارس الجاري، جاء في بيان ثلاثي صادر عن كل من إيران والسعودية والصين، أنّه تم التوصل إلى اتفاق ينهي حالة الخلاف بين السعودية وإيران، ويفضي إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وتعتقد أطراف سياسية أنّ هذا الاتفاق سيلقي بظلاله على ملف الأزمة في اليمن، كما أنه من المُتوقع أن يؤثر على شروط الحوثيين من أجل تجديد الهدنة المنهارة في اليمن، والتي فشلت كل المساعي الدولية والإقليمية في إنعاشها خلال الأشهر الماضية.
وحرص الحوثيون على إظهار أنّ الملف اليمني لا يرتبط بالاتفاق بين السعودية وإيران، في محاولة لإظهار استقلالية قرارهم عن طهران. لكنّ السعودية خاضت طيلة الأشهر الماضية محادثات ثنائية سرية معهم في صنعاء والرياض ومسقط.
وردا على ذلك، قال المجلس الانتقالي الجنوبي في تصريحات نشرتها شبكة CNN إنّ السعودية ” عزلت جميع أصحاب المصلحة المعنيين عن هذه المحادثات”.
وكشف رئيس الاستخبارات السعودية السابق، الأمير تركي الفيصل، في مقابلة مع قناة فرنس24 الإنجليزية، أنّ محادثات مباشرة بين المملكة والحوثيين سبقت الاتفاق بين الرياض وطهران.
ويأتي تصعيد الحوثيين بعد إعلان اتفاق على تبادل الأسرى بين الحوثيين والحكومة اليمنية في جنيف، قضى بالإفراج عن مئات الأسرى من الطرفين. والمقرر بدء تنفيذه في 20 رمضان الجاري.
ويرى العوبلي أنّ "هناك استثمار حوثي للتوقيت الذي تزامن مع الفترة الفاصلة بين توقيع اتفاق بكين بين السعودية وإيران، وبين الموعد المحدد لتطبيق أولى مراحل هذا الاتفاق".
لا يختلف الصحفي صالح جلال حول دلالات هذا التوقيت الذي يبدو أنّه مرتبط بالاتفاق السعودي الإيراني، لكنّه يرى أنّه قد يكون ارتباطه من وجهتين مختلفتين.
وقال جلال: "إما أنّ هناك تفاهم سعودي إيراني على سيطرة الحوثيين على شمال اليمن بشكل كامل، وإما أنّ هناك حرص حوثي على إثبات أنّ هذه التفاهمات لا تؤثر على خططه العسكرية، وأنه ليس تابعاً لإيران".
تزامن التهديدات
في 22 مارس الجاري، هددت جماعة الحوثي على لسان وزير دفاعها محمد العاطفي، التحالف العربي بقيادة السعودية، باستهداف الموانئ إذا لم يتم رفع القيود المفروضة على ميناء الحديدة.
وجاءت تهديدات المسؤول الحوثي في وقت شهد فيه ميناء الحديدة تدفقا هو الأكبر لعدد السفن منذ بدء الصراع في اليمن.
ورغم ذلك قال العاطفي: "لن نقبل بالمواقف المنقوصة وخنق الاقتصاد لذا نكرر النصح بأننا لن نقبل باستمرار حصار موانئنا. نحن مضطرون إلى اعتماد معادلة الميناء بالميناء إن اقتضت الضرورة[...]"
ويعتقد العوبلي أنّ تهديدات الحوثيين والتصعيد الميداني "عملية مترابطة، وأنّ الحوثيين يتجهون لتصعيد متعدد الأوجه والمستويات".
بالمقابل لا يعتقد الصحفي جلال صالح أنّ تهديدات العاطفي مُرتبطة بالتصعيد. لكنه رأى أنّ "الزحف العسكري نحو الجنوب، هدف عام بالنسبة للجماعة بمبرر وبدون مُبرّر".
تهديد جهود السلام
تُعقّد التصعيدات الحوثية الأخيرة – كما يبدو – من جهود السلام في اليمن، والوصول إلى أيّ اتفاقات تُخفف وطأة الحرب التي دخلت عامها التاسع أمس الأحد.
ويوم الأحد، أيضا، قال مجلس القيادة الرئاسي اليمني في بيان له: إنّ "التصعيد الحربي لمليشيا الحوثي يعكس نهجها العدائي لمساعي السلام".
وفي ذات اليوم، أدانت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا هجمات الحوثيين الأخيرة في تعز ومأرب وشبوة. ودعت سفارات هذه الدول جماعة الحوثيين إلى "نبذ العنف والتفاوض والالتزام بالسلام الحقيقي في اليمن".
"تصعيد الحوثيين يُهدد عملية السلام كلياً." قال الخبير العسكري العوبلي.
ويقول الصحفي صالح جلال لـ "سوث24": "حين يقترب سلام جاد من تحقيق بعض الأهداف، يختلق الحوثي ما يعرقله؛ لأنّ مصلحته استمرار الحرب".
Previous article