من اليسار: رئيس الوفد التفاوضي للحوثيين، محمد عبد السلام، السفير السعودى لدى اليمن، محمد آل جابر، رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، مهدي المشاط، ومسؤول وفد سلطنة عمان (رسمي - تويتر)
11-04-2023 at 12 PM Aden Time
سوث24 | فريدة أحمد
في زيارة هي الأولى من نوعها، علنا، للعاصمة اليمنية الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثيين، ظهر السفير السعودي لدى اليمن في صنعاء مصافحا ومقبّلا بحرارة قادة الجماعة، خلال زيارة وفدي المملكة وسلطنة عمان في إطار المساعي الإقليمية لإنهاء الصراع الممتد منذ ثماني سنوات في البلاد. وقد سبق هذا اللقاء محادثات سعودية حوثية غير معلنة امتدت لأشهر بوساطة عمانية، عقب انتهاء الهدنة بصورة رسمية مطلع أكتوبر 2022. كانت المحادثات الأولية قد قوبلت بعدم رضا من قبل الأطراف اليمنية في الحكومة المعترفة بها دوليا، وعلى وجه الخصوص المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي شعر بأنه قد عُزِل مما يجري، رغم أن الحكومة اليمنية عادة ما ترحب بجهود الرياض في هذا الصدد دون اعتراض.
وقد أثارت صور المصافحة لرئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، "مهدي المشاط"، والسفير السعودي لدى اليمن، "محمد آل جابر"، جدلاً واسعاً. كما أنّ استقبال "المشاط" لوفدي المملكتين الخليجيتين في "القصر الجمهوري" بحد ذاته حمل دلالة رمزية للمكان. فهذا القصر، الذي كان يُطلق عليه في السابق "دار الوصول"؛ بناه الإمام "أحمد بن يحيى"، آخر حكّام الإمامة الهاشمية في اليمن التي ينحدر منها الحوثيون. وهو قصر آخر غير ذلك الذي بناه الرئيس السابق علي عبد الله صالح في الثمانينات في منطقة دار الرئاسة في مديرية السبعين، الذي كان عادة ما يستقبل فيه الوفود الرسمية ويقيم فيه معظم المناسبات. ذلك يؤكد تمسّك الجماعة بخلفيتها السياسية والسلالية التي تنحدر منها.
لقد بدى جلياً أن التقارب الإيراني السعودي ساهم بتحريك ملفات كثير من الأزمات العالقة في المنطقة، من بينها ملف الأزمة اليمنية. وسبق ذلك استدارة السعودية نحو تطبيع العلاقات مع تركيا العام الماضي، وقبله أنهت خلافها مع قطر بعد قطيعة استمرت لثلاث سنوات، ومؤخراً الاتفاق مع سوريا لاستئناف الخدمات القنصلية واستعادتها للحاضنة العربية. إذ من الواضح أن الرياض أعادت حسابات الربح والخسارة لديها، وفقاً لرؤيتها الشاملة على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي، ورأت أن تخفيف حدة الصراع والذهاب نحو المصالحة الدبلوماسية في المنطقة، على قاعدة صفر أزمات سيقودها بالمحصّلة إلى تحقيق مساعيها الاقتصادية ومصالحها الاستراتيجية بالصورة التي تريدها.
المثير للاستغراب، أنّه وعلى رغم من وعود الرئيس الأمريكي "جو بايدن" بإنهاء الحرب في اليمن، إلا أنّ الصين ربما تكون هي من أوفت بهذا الوعد، وفقاً لـ "تريتا بارسي" نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي لفن الحكم المسؤول، إذ ذكرت، أن "السياسة الخارجية الأمريكية مكّنت الصين من لعب دور صانع السلام في المنطقة، في حين أن واشنطن ظلّت عالقة وغير قادرة على تقديم أكثر بكثير من صفقات الأسلحة والضمانات الأمنية غير المقنعة". لذا، يبدو أنّ السعودية التي كانت تتكئ على حماية الولايات المتحدة في المنطقة، باتت تتقدم على الصعيد الدولي دون حمايتها؛ بعد أن خذلتها في كثير من الأحداث والمواقف.
هل هي تنازلات؟
في 6 إبريل الحالي، كشفت صحيفة الشرق الأوسط السعودية، عن مسودة سلام شاملة للأزمة اليمنية، يتم وضع اللمسات الأخيرة لها برعاية أممية، وتنقسم إلى عدة مراحل وفي مقدمتها وقف شامل لإطلاق النار في البلاد، وفتح جميع المنافذ البرية والجوية والبحرية، ودمج البنك المركزي، واستكمال تبادل الأسرى والمعتقلين (الكل مقابل الكل). كما كشف مصدر مطّلع لمركز سوث24، أنّ خارطة الطريقة تتضمن ثلاث مراحل، الأولى "تشمل إجراءات بناء ثقة من بينها فتح الحدود البرية والبحرية والجوية واستئناف تصدير النفط وتبادل الأسرى". والثانية، "تشتمل على حوار يمني – يمني"، فيما تشتمل المرحلة الثالثة، على "عملية سياسية شاملة تفضي إلى مرحلة انتقالية من عامين".
مع ذلك، لا يبدو أنّ الأطراف اليمنية خاضت تفاصيل كثيرة تتعلق بهذه النقاط مع السعودية، إذ ما زالت تفاصيل خارطة الطريق التي يجري حديث حولها للخروج من الأزمة اليمنية غير واضحة حتى الآن. خاصة وأنّ المحادثات واللقاءات مازالت مقتصرة على الحوثيين والسعوديين، في ظل رفض الحوثيين التعامل أو التفاهم مع الأطراف اليمنية في مجلس القيادة الرئاسي منذ إعلانه في الرياض العام الماضي. غير أنّهم وفقاً لتصريحات قادتهم بدأوا الترحيب بحوار يمني يمني دون أي تدخلات خارجية. مع قول ذلك، يبدو "الملف الإنساني" الذي يسعى الحوثيون إلى إنجاحه بالتوافق مع السعودية، هو المحك والمؤشر الحقيقي بالنسبة لهم لبدء هدنة جديدة تمتد لستة أشهر، وربما إلى سنة تبعاً لمراحل الاتفاق التي يجري الحديث حولها.
بالنسبة للسعودية ووفقاً للتقديرات الراهنة، فهي تفضّل استخدام سياسة "التخارج"، بعد فشلها وحلفائها على الأرض من التقدم العسكري تجاه صنعاء لأكثر من ثمان سنوات. إذ كان التحالف العربي بقيادة الرياض يعتمد في دعمه للقوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا، على الضربات الجوية كغطاء مساعد للعمليات البرية، لكن الأخيرة لم تحقق الأثر المطلوب على الأرض، بل على العكس؛ تراجعت وخسرت كثير من المساحة الجغرافية في شمال اليمن لصالح الحوثيين. لهذا السبب، كانت الضربات الجوية الذريعة الأكبر لأن يتجه الحوثيون لضرب المنشئات النفطية والحيوية في السعودية، وهو تأثير بات مقلقاً بالنسبة للأخيرة.
لذا، فإنّه إلى جانب مساعي الرياض بالتخلص من الأعباء السياسية والحقوقية والعسكرية في حرب اليمن، فهي تسعى بدرجة أساسية إلى حماية أمنها القومي بعد إنهاك استراتيجي كبير تعرّضت له. ذلك لا يعني بالمحصّلة حماية حدودها الجنوبية فقط، وإنما حماية منشئاتها النفطية والحيوية من المسيّرات الحوثية والصواريخ البالستية التي باتت تشكّل تهديداً خطيراً عليها. وهذا الأمر لن يتوقف عملياً؛ إلا إذا وجد توافق سعودي حوثي مباشر. وبتوقيع اتفاق لن يكون هناك مبرر لدى الحوثيين بضرب السعودية مرة أخرى، وإن استمرت المعارك الداخلية على الأرض بين الأطراف اليمنية.
الموقف الجنوبي
على رغم الضغوط الكبيرة التي يتعرّض لها الجنوبيون من وقت لآخر، غير أن رفضهم العلني لأي متغيرات تجري راهناً، قد يظهرهم بالنسبة للدول الإقليمية الحليفة والمجتمع الدولي كمعرقلين لخطوات عملية السلام. لذلك جاءت تصريحات رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي "عيدروس الزبيدي" تشيد بخطوات "التحالف بقيادة السعودية والإمارات" واتفاقهم داخل مجلس القيادة الرئاسي مع السعودية "على كل البرامج وخارطة الطريق القادمة للعملية السياسية الشاملة في اليمن." حد وصفه، على أن تكون قضية الجنوب على رأس القضايا التي يجب التفاوض بشأنها في إطار خاص.
وبشكلٍ مساند، أكدت هيئة رئاسة الانتقالي الجنوبي، دعمها لمواقف رئيس المجلس "الزبيدي"، المساندة للتحالف العربي وجهودهم في إحلال السلام. لكنها بالمقابل جددت موقف المجلس على أنّ "استعادة دولة الجنوب كاملة السيادة هدف استراتيجي، ولن يتراجع عنه تحت أي ظرف". كما أكدت على وجوبية أن يتناسب الإطار التفاوضي مع حجم الجنوب كطرف فاعل في العملية السياسية.
كما رفضت الهيئة أي "إجراءات تهدف المساس بالجنوب وموارده الاقتصادية السيادية. وهو موقف يبدو ثابتاً لمعظم القوى الجنوبية الأخرى، التي كانت بالمثل متحفظة مع الانتقالي الجنوبي على المحادثات السعودية الحوثية الممتدة منذ أشهر، من منطلق رفضهم لأي تفاهمات تمس الجنوب وموارده وأمنه دون أن يتم إشراكهم. وكان رفضهم الرئيسي يتعلق بمسألة صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين وفقاً لكشوفات 2014، لكونها أولاً، تتجاهل الموظفين الجنوبيين المبعدين قسراً من وظائفهم منذ 1994، وكذا الموظفين الجنوبيين في مؤسسات الدولة بما فيهم العسكريين الجنوبيين منذ 2015 حتى الآن. وثانياً، لكون عملية صرف المرتبات ستتم من خلال الاعتماد على عوائد النفط والغاز في مناطق جنوب اليمن.
لفترة من الوقت، ووفقاً للموقف الجنوبي الرافض لتمديد الهدنة بناءًا على الاشتراطات الحوثية، حاول نشطاء سعوديون مقرّبون من النظام السعودي، إثارة حملة إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي ضد الانتقالي الجنوبي ودولة الإمارات، هدفها الضغط على الجنوبيين في القبول بمسألة تمديد الهدنة. لكنّ الرياض يبدو فشلت في ذلك؛ وذهبت صوب مشاورات سريّة مع الحوثيين بعد أن عزلت الأطراف اليمنية الأخرى داخل الحكومة.
لكن وبالنظر للمستجدات الأخيرة في المشهد الراهن، وتصريحات الانتقالي الجنوبي المرحّبة بجهود المملكة العربية السعودية لإحلال السلام، بدا المجلس الذي يدعو لاستقلال الجنوب، متفائلا بصورة لافتة، بعد أشهر من رفض شديد نتج عنه توتر سياسي وإعلامي. لقد سعت، فعلا، وسائل إعلام سعودية بارزة خلال الأيام الماضية، ومنذ وصول الزبيدي إلى الرياض، على تسليط الضوء على مواقف المجلس الانتقالي الجنوبي من الجهود السعودية.
قد يقرأ مراقبون أيضا الاتجاهات السعودية بشأن الملف اليمني وبالذات عقب الزيارة التاريخية لصنعاء، على أنه إخفاق لجهود الحرب التي قادتها الرياض في الشمال طيلة السنوات الثمان الماضية، غير أنّ سياسة "التخارج" من كلفة الحرب الاقتصادية وتبعاتها، تبدو هي الأقرب لوصف المشهد، في ضوء جهود الرياض لتصفير مشكلاتها في المنطقة والتفرغ لتحقيق رؤية ولي عهد السعودية الاستراتيجية 2030. خاصة وأنّها لم تجد لها حلفاء وثيقين في الشمال. ومن أجل ذلك؛ وضماناً لحمايةً مصالحها الاستراتيجية ورؤيتها الشاملة على مستوى الداخل والخارج، وجدت أنّ الدخول في تفاهمات منفصلة مع الحوثيين من أجل إحياء هدنة جديدة، هو الأنسب الآن.
Previous article
9 Days ago